يوما بعد يوم تتزايد حدة الاحتجاجات فى إيران، ومع اتساع رقعتها على الأرض تزداد الفجوة بين النظام والشعب، الذى أصبح فى حالة إنكار تام لشرعية تلك المظاهرات ومطالب المحتجين، تلك الحالة التى تمنع المسئولين من الاستماع إلى صوت العقل واللجوء إلى حلول موضوعية كما نادى بعض عقلاء طهران.
وبدأت قصة المظاهرات الغاضبة منذ 14 يوما اعتراضا على قانون الحجاب والعفة، بعد مقتل الفتاة مهسا أمينى داخل أحد أقسام الشرطة والتى تم اعتقالها بسبب حجابها الغير ملتزم، ومع التعامل العنيف من قبل قوات الأمن للمتظاهرين، ازدادت موجة الاحتجاجات وشملت أغلب مدن طهران، وبدلا من أن كان الاحتجاج على قانون واحد ارتفع سقف المطالب.
حرق صور المرشد الأعلى ورموز الدولة الايرانية أصبح المشهد السائد مع الحديث عن تزايد ضحايا المظاهرات من المواطنين، وبدلا من الاستماع لمطالب الغاضبون حشد النظام مظاهرات مؤيدة، وتحدث المسئولين عن مؤامرة خارجية تحاك ضد البلاد، فى تكرار لمشهد أدى لسقوط أنظمة فى المنطقة منذ سنوات.
أصدرت مجموعة من النواب فى البرلمان الإيرانى بيانا طالبوا فيه بمحاسبة المتظاهرين وإنزال العقاب بهم. وأضاف النواب فى البيان: "ندين الإساءة إلى مقدسات الشعب بما فيها حجاب النساء".
وأدان النواب أعمال الشغب التى طالت الممتلكات العامة والمساجد والعتبات المقدسة وحرق سيارات الاسعاف وحافلات نقل الركاب وحرق العلم الإيرانى.
وقال النواب فى البيان: لقد قال شهيدنا المحبوب الحاج قاسم سليمانى ان الجمهورية الإسلامية هى مزار، وإذا بقى هذا المزار، ستبقى المزارات الاخرى، وإذا دمره العدو فلن يبقى أى مزار.
وشدد على ضرورة تحلى الجميع باليقظة والحذر وأداء كل واحد من ابناء الشعب دوره فى الجبهة الجديدة.
وطالب النواب بالنظر إلى اعتداء المشاغبين على الممتلكات العامة وحياة الناس وأمن المجتمع، وقالوا: "إننا كممثلين للشعب الايرانى نطالب المؤسسات الاستخباراتية والأمنية والقضائية بمحاكمة ومعاقبة جميع المحرضين والقادة ومرتكبى هذه الحوادث".
ويأتى ذلك بعد ساعات لخطاب الرئيس الإيرانى، إبراهيم رئيسى، مساء الأربعاء، اعتبر فيه مقتل مهسا أمينى "مؤامرة حيكت ضد إيران لوقف تقدمها".
وقال رئيسى فى كلمة بعد 13 يوما من الاحتجاجات إن الجميع فى إيران متأثر بمقتل مهسا أمينى على يد قوات الأمن.
وأضاف الرئيس الإيرانى أنه أعلن سابقا أنه يتابع شخصيا قضية وفاة مهسا أميني.
وصرح رئيسى فى مقابلة تلفزيونية "هؤلاء الذين شاركوا فى أعمال الشغب يجب التعامل معهم بشكل حاسم، هذا مطلب الشعب".
ولفت الرئيس المحافظ إلى أنّ "العدو يستهدف التكاتف الوطنى عبر إثارة الخلافات فى صفوف الشعب"، متّهماً الولايات المتّحدة العدو اللدود لإيران بإذكاء الاضطرابات.
وشدد رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسنى إجئى على "ضرورة التعامل بدون أى تساهل" مع المحرضين على "أعمال الشغب"، حسبما ذكرت وكالة أنباء "ميزان أون لاين".
ونشرت صحيفة "وطن امروز"، المقربة من الحرس الثورى، تصريحات رئيس السلطة القضائية حول معاقبة المحتجين والداعين إلى المظاهرات، وعنونت بالقول: "حان وقت معاقبة الداعين إلى المظاهرات"، فيما دعت "جوان" الأصولية إلى محاسبة مشاهير الفن والسينما والرياضة، متهمة إياهم بـ"التحريض" على الاحتجاجات، محذرة رئيس السلطة القضائية من التساهل فى معاقبة هؤلاء المشاهير.
أما "كيهان"، فأشارت إلى المظاهرة المؤيدة للنظام، ووصفتها بـ"الملحمة" التى حطمت أحلام أمريكا وإسرائيل.
فيما تطرقت "جهان صنعت" الاقتصادية إلى "شرح خلفية الاحتجاجات"، وأكدت أن الاحتجاجات اندلعت فى البداية ردًا على مقتل مهسا أمينى، لكنها سرعان ما تحولت إلى مظاهرات عامة رفعت شعارات مناهضة للنظام، بعد أن قوبل المحتجون باستخدام قوات الأمن للقوة "القهرية".
وأيا كانت ماتحمله الأيام القادمة من تطورات لتلك المظاهرات والوضع المتأزم فى طهران، فإن الأوضاع لن تعود كما كانت قبل اندلاعها.