أصبحت مصر على أعتاب مرحلة سياسية جديدة، بعد دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، إلى إجراء حوار وطنى بمشاركة جميع الأطراف والقوى السياسية والاجتماعية والشعبية دون استثناء أو تمييز، حيث أسند مهمة إدارة الحوار إلى الأكاديمية الوطنية للتدريب، والتابعة بشكل مباشر إلى رئاسة الجمهورية، فى خطوة هامة نحو الإصلاح السياسى الذى يمهد طريق الانتقال إلى الجمهورية الجديدة، فى ظل ما تحقق من انجازات على كافة المستويات.
والحقيقة أن الحوار الوطنى أداة فعالة نحو توحيد الجبهة الداخلية على هدف رئيسى هو تحقيق المصلحة الوطنية، وتزداد الحاجة إلى الحوار فى ظل الظروف الاستثنائية أو الفترات الانتقالية التى تعقب الثورات أو الصراعات الداخلية، وفى ظل الظروف والتحديات التى فرضتها الأحداث العالمية بداية من جائحة كورونا وصولا إلى الحرب الروسية – الأوكرانية التى تسببت بشكل مباشر فى تعطيل خطوط الإمدار العالمية فبرز على الساحة العالمية وجود أزمتى طاقة وغذاء الأمر الذى ترك تأثيراته السلبية على جميع دول العالم ومن بينها مصر.
كل هذه الأزمات العالمية جعلت هناك ضرورة ملحة لتوحيد الجبهة الداخلية خلف الدولة المصرية، لكى تتمكن من مواصلة مسيرة التنمية التى بدأتها منذ سنوات، لذلك كانت البداية هى ضرورة إجراء حوار وطنى يتمتع بقدر كبير من الحرية فى التعبير وطرح جميع الرؤى على مائدة للحوار للخروج بأجندة توافقة لأولويات العمل الوطنى خلال الفترة القادمة، وإعادة تقييم السياسات المطروحة بمنتهى الموضوعية.
تأتى هذه الأمور وسط حالة من الجمود لأغلب الأحزاب السياسية خاصة أحزاب التيار المدنى الديمقراطى المعارضة، والتى تضم حزب العيش والحرية، وحزب الدستور، وحزب الكرامة، والحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، وحزب العدل، وحزب الإصلاح والتنمية مصرنا، وحزب التحالف الشعبى الاشتراكى، وحزب الوفاق القومى، والحزب المصرى العربى الاشتراكى، والحزب الناصرى، وحزب المحافظين، والحزب الشيوعى المصرى، بالإضافة إلى عدد كبير من الشخصيات العامة.
لكن سرعان ما تحول هذا الجمود إلى نشاط ملحوظ داخل الأحزاب لصياغة رؤى وطنية تعبر عن مواقفهم وإيدولوجياتهم لتقديمها إلى إدارة الحوار الوطنى، وسط رغبة من أغلب الأطراف على ضرورة خلق مساحة أوسع من المشاركة السياسية ودعم دور الأحزاب، حيث خصص مجلس أمناء الحوار الوطنى عدد من القضايا الفرعية التى ستناقش فى المحور السياسى، منها الأحزاب السياسية وقانون مباشرة الحياة السياسية والمحليات لتحقيق مشاركة أوسع من أطياف المجتمع.
لكن يبقى هناك سؤالا ملحا عن مستقبل أحزاب المعارضة بعد إجراء الحوار الوطنى، وهل سينجح الحوار فى إذابة المعارضة لتكون مشاركة فى صناعة المستقبل ؟ أم ستتسع دائرة المعارضة ؟
النائب البرلمانى عبد المنعم إمام، عضو مجلس النواب ورئيس حزب العدل، أعرب عن أمله فى أن يحقق الحوار الوطنى المرجو منه وألا يكون حوارا تقليديا، مؤكدا على ضرورة وجود حوار جاد حول التحديات والقضايا برؤى وأفكار مختلفة، انطلاقا من قاعدة أن الدول القوية تؤمن دائما بالتعددية والاختلاف، وامتلاك أكثر من رؤية للتعامل مع القضايا الملحة.
ويشير إمام، إلى وجود عدد من المؤشرات الإيجابية على الساحة السياسية والتى تشير إلى جدية القيادة السياسية فى التعامل مع الحوار الوطنى، أبرزها قرارات الإفراج المتتالية عن المحبوسين فى قضايا الرأى أو قضايا سياسية وربما يكون ذلك الإجراء الذى منحنا شعورا بالاطمئنان تجاه الحوار الوطنى ومتفائلين ان ننتهى من هذا الملف قريبا.
ويؤكد رئيس حزب العدل على أنه حال نجاح الحوار الوطنى فى رسم قواعد جديدة للحياة السياسية من خلال التوافق على تعديل قانون مباشرة الحياة السياسية، والانتخابات، وتقسيم الدوائر والإجراءات الجنائية فطبيعة الحال سننتقل إلى مرحلة سياسية جديدة وهو ما سيتطلب شكل جديد للتفاعل السياسى، موضحا أن جميع الأحزاب التى تقع على جانب المعارضة تولى اهتماما بقضايا الحريات رغم اختلاف الرؤية تجاه القضايا الاقتصادية فالحركة المدنية الديمقراطية مثلا يضم أحزابا رأسمالية وأخرى اشتراكية ما يعكس حجم التباين الواضح بينهما، لكن أتوقع أنه حال احداث تغيير فى الحياة السياسية ستتغير شكل التحالفات والائتلافات بناءا على البرامج السياسي.
ويوضح إمام، أن التحالفات الكبرى تظهر نتيجة وجود أزمة فى المناخ العام، فيحدث اتفاق حول القواعد الحاكمة، وليس البرامج، فعندما يحدث توافق وإصلاح للقواعد العامة والحريات تأتى أهمية التوافق على البرامج السياسية فتظهر تحالفات جديدة على المشهد السياسى، متوقعا أن حال خابت التوقعات ولم يحقق الحوار المنشود منه ربما يتسبب ذلك فى إحباط القوى المشاركة واتساع اكبر فى الكيانات المعارضة الحالية.
وعلى جانب آخر يقول النائب عاطف المغاورى، عضو مجلس النواب عن حزب التجمع، أن مجرد إجراء حوار بين القوى السياسية الموجودة فى مصر هو شيء إيجابى سيساهم فى زيادة مساحة التفاهم بين الأحزاب، وسيخلق روحا جديدة فى الحياة الحزبية وسيعزز الدعم والتعاون بين الأحزاب، وأسلوب وشكل التعامل مع الحكومة أيضا، مضيفا أن المحور السياسى بالحوار الوطنى يضم عدد من القضايا التى تنظم العلاقة بين الأحزاب بعضها البعض وبين الدولة، منها قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون الانتخابات والمحليات.
ويؤكد المغاورى، أنه حال خروج هذه القوانين إلى النور ضمن مخرجات الحوار سينعكس ذلك على تقارب الأحزاب، متوقعا أن تظهر ائتلافات وتكتلات جديدة أكثر توافقا فى البرامج الحزبية ولها نفس الأهداف، بالإضافة إلى تنقية الحياة الحزبية من أحزاب الرخصة وهى الأحزاب التى ليس لها أى نشاط فى الواقع سوى أنها تمتلك رخصة، مشددا على أن الحوار سيخلق حالة من الانسجام بين جميع الأطراف ومن ثم توحيد الجبهة الداخلية من أجل تحقيق المصلحة الوطنية.
وبدوره يؤكد المهندس محمد سامى، الرئيس الشرفى لحزب الكرامة، أن مجريات الأمور خلال الحوار الوطنى هى التى ستساهم فى رسم مستقبل الحياة السياسية، مؤكدا أنه يتوقع أن هناك شبه إجماع حزبى على ضرورة إنهاء بعض الملفات التى تتعلق بالحبس الاحتياطى الذى تحول إلى وسيلة عقابية وليس وسيلة لتحقيق العدالة، بالإضافة إلى قانون الانتخابات وحرية الصحافة والإعلام وغيرها من الملفات الأساسية، لافتا إلى إلى أن الحوار الوطنى يسير بوتيرة بطيئة للغاية وهو ما يثير القلق بداخلى.