ما زال الجميع يترقب تعديلات قانون الإيجار القديم الذى يُعد من الأمور الشائكة، حيث يعتبرها البعض حقل ألغام بين المالك والمستأجر، ما يؤدى معه إلى إقامة ملايين الدعاوى فى المحاكم المدنية من جراء المشاكل والخلافات التي تقع بين الطرفين، وذلك لعدم معرفة كل منهما حقوقه وواجباته تجاه الآخر، ورغم تعاطف الكثيرين مع ملاك المساكن القديمة، وحقوقهم التي لا يمكن إنكارها فى زيادة إيجارات هذه المساكن، إلا أن آخرين يحذرون من فتح هذا الملف الآن بالذات، والسبب ما يعانيه الناس من غلاء غير معقول، ومن تقليل الدعم لكثير من الخدمات.
والواقعة والحقيقة يؤكدان أن فتح هذا الملف - وهو الآن معروض على مجلس النواب - يحمل كثيراً من المحظورات، ومحفوف بالمخاطر التي يجب الحذر كل الحذر منها، يأتي ذلك في الوقت الذى ما زال فيه الحديث متواصلا ومتجددا حول إشكالية تعديلات القانون التى تشغل بال ملايين الملاك والمستأجرين، حيث إن المشرع المصرى من أوائل المشرعين فى المنطقة العربية الذين أولوا اهتماما بالغا بملف الإيجارات، باعتباره أحد أهم المعاملات التجارية والاجتماعية بين الطرفين حتى أن البعض ينظر إلى الملف باعتباره "ملف آمن قومى" لما له من أهمية كبيرة وخطيرة لأنه يهم الملايين.
للملاك والمستأجرين.. ملف الايجار القديم إلى أين؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الطريقة التي يمكن من خلالها فهم قصة الإيجار القديم باختصار من خلال خطوتين لا ثالث لهما، وذلك في الوقت الذى من المقرر أن يستكمل المشرع ما ابتدئه من صدور القانون رقم 10 لسنة 2022 الخاص بتعديل قانون الإيجارات القديمة للأشخاص الاعتبارية وأن يتفرغ إلى الأمر الأكثر تعقيداً وهو الجانب الخاص بالأشخاص الطبيعية، ولعل من أبرز ما تم مناقشته مؤخراً حول هذه الأزمة داخل أروقة مجلس النواب الفترة الماضية، ويشهد فيه ملف الإيجار القديم تطورات جديدة وهامة، بعد اعلان الحكومة تشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأى العام، بهدف إجراء حوار مجتمعى بشأنه، قبل إقراره من البرلمان وأيضا بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفى الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعى، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة – بحسب الخبير القانوني والمحامى جوزيف عيسى عبيد.
في البداية - البرلمان بدأ أول خطوة في ملف الإيجار القديم على المستوى التشريعي بعد سنوات من الخلل في العلاقة ما بين المالك والمستأجر وخاصة على مستوى القيمة الإيجارية سواء كانت الوحدات المُستأجرة "سكنية أو غير سكنية"، لكن الخطوة الأولى التي حسمها مجلس النواب كانت بخصوص الوحدات المستأجرة لغير الغرض السكني من جانب الأشخاص الاعتبارية والتى تضم الحكومة والشركات والجمعيات والأحزاب وغيرها من الكيانات الاعتبارية وهي ترجمة لحكم المحكمة الدستورية الصادر فى 2018 ببطلان فكرة عدم جواز أن يطلب المالك من المستأجر إخلاء وحدته المستأجرة حتى ولو أنتهى العقد القائم – وفقا لـ"عبيد".
الحلول بدأت بخطوتين الأولى الأشخاص الاعتبارية بعد مرور 5 سنوات
وبالتالى أزمة الوحدات المُستأجرة من أشخاص اعتبارية ستنتهي وفق هذا القانون خلال 5 سنوات من بدء التطبيق والقيمة الايجارية مع بداية التطبيق للقانون سيتم رفعها 5 أضعاف وزيادة سنوية 15٪ طوال الـ 5 سنوات – أما الخطوة الثانية - ستكون في الإيجار القديم لما هو سكني، وهذا سيكون التحدي الأكبر لمجلس النواب، خاصة أن الخلل القائم منذ سنوات يحتاج لمشرط الجراح في علاجه، بحيث يتم تحقيق التوازن الحقيقي بين المالك والمستأجر، لأنه ليس من المنطقي أن وحدات سكنية في مناطق مثل الزمالك وجاردن سيتى مثلًا قيمتها الايجارية في الشهر لا تتجاوز الـ10 جنيهات في وقت قيمتها السوقية تتجاوز ملايين الجنيهات، والخطوة الثانية تمثل التحدى الأكبر للبرلمان فهي تمثل تحدي أيضًا للحكومة، خاصة أن الحكومة مطالبة بدور فعال في إشكالية الوحدات السكنية، والمقدرة بنحو 3 مليون وحدة ما بين مشغولة ومغلقة – الكلام لـ"عبيد".
مشكلة الإيجار القديم مشكلة عويصة تبحث عن حل جذري؛ وقد تعددت مشروعات القوانين المقدمة من لجان وهيئات وأفراد؛ وقد تعددت الوعود الحكومية والبرلمانية بوضع حل للمشكلة؛ وبالرغم من ذلك لم تكن هناك جدية في الحل لأن الحكومة ذاتها لم تتقدم قبل ذلك بمشروع قانون؛ ولنكن صادقين بأن مشروعات القوانين التي تقدم من الحكومة هي التي يكتب لها في أغلب الأحوال الموافقة من البرلمان؛ وهو ما حدث مؤخرا بالفعل، وقد تدخل مجلس الوزراء وأعد مشروع قانون؛ ومع ذلك عندما رأينا المشروع لم يقم بحل المشكلة بأكملها، وقد تابعنا خلال الفترات الماضية المناقشات لحل مشكلة الإيجارات القديمة؛ وترقب المترقبون هل سيوضع حل شامل لها يشمل الاماكن السكنية وغير السكنية أم لا؟ - هكذا يقول الخبير القانوني.
القانون رقم 10 لسنة 2022 الخاص بالأشخاص الاعتبارية
وقد تمخض الجبل فولد فأرا فلم يتم بعد كل ذلك إلا إقرار القانون الخاص بإيجار الاماكن المؤجرة لغير السكنى للأشخاص الاعتبارية؛ وتم نشره في الجريدة الرسمية - العدد 9 مکرر (1) في 6 مارس سنة 2022؛ وحمل العنوان التالي: القانون رقم 10 لسنة 2022 بشأن بعض الإجراءات ومواعيد إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكني في ضوء الآثار والتداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد، وسأعلق على القانون فيما يلي – بحسب "عبيد":
أولا: لم يتعرض القانون لحل مشكلة الإيجار القديم كلها؛ وإنما تصدى فقط للأماكن المؤجرة الأشخاص الاعتبارية لغير أغراض السكنى؛ ويلاحظ من الأساس أن المحكمة الدستورية العليا كانت قد انتهت إلى عدم دستورية الامتداد القانوني بشأنها ووجوب الإخلاء؛ وبالتالي فإن مشروع قانون مجلس الوزراء يتصدى لمشكلة سبق حلها من المحكمة الدستورية العليا
ثانيا: يمنح المستأجرون في الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية مهلة خمسة سنوات للإخلاء؛ من تاريخ العمل بالقانون وبذلك يكون القانون قد أفرغ حكم المحكمة الدستورية من مضمونه أو على الأقل عطل تطبيق حكم المحكمة الدستورية العليا لمدة 5 سنوات؛ وهذا إجحاف بالملاك وإخلال فاحش بالمساواة لأن هناك أشخاصا تحصلوا على أحكام قضائية بالإخلاء استنادا لحكم المحكمة الدستورية العليا؛ بل وصدرت أحكام من محكمة النقض بالإخلاء استنادا لأحكام المحكمة الدستورية.
ثالثا: قرر القانون أن القيمة الإيجارية في مدة الخمس سنوات ستكون خمسة أضعاف القيمة القانونية السارية وتزيد بنسبة 15 في المائة كل عام؛ أي أن مشروع القانون لم يعتمد القيمة الإيجارية السوقية وإنما أيضا قيمة ستكون ضئيلة بالمقارنة بالقيمة السوقية .
رابعا: لعل أغرب الأمور أن القانون حرص على النص في عنوانه أن هذا المشروع هو أثر من الآثار الاقتصادية لفيروس كورونا؛ وهو أمر يدعو إلى العجب، فلولا فيروس كورونا ما كان هناك اقتراب لهذه المشكلة.
خامسا: من الواضح أنه بصدور هذا القانون فقد تم إرجاء أو تأجيل أي خطوات بشأن الاماكن السكنية وبشأن الأماكن غير السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين.
ويضيف الخبير القانوني - باختصار فإن البعض يرى هذا القانون هو مثال للتدخل التشريعي الذى – فيه نظر - من جانب المشرع؛ فهو يجحف بحقوق الملاك الذين انتظروا لعشرات السنوات لحلول جذرية لمشكلاتهم؛ وفي ذات الوقت هو يعتدي على حجية أحكام المحكمة الدستورية العليا؛ ويخلق حالة من عدم المساواة بين الملاك الذين تحصلوا على أحكام بالاخلاء استنادا لحكم المحكمة الدستورية وبين الملاك الذين لم يتحصلوا على أحكام بعد حيث أن هذا الدور سيكون في توفير السكن البديل للمستأجرين الأكثر احتياجًا ومن ليس لهم بديل عن الوحدة السكنية المُستأجرة وفق قانون الإيجار القديم، بجانب أننا يجب أن نكون أمام مرحلة انتقالية أكبر من المرحلة الانتقالية في قانون الإيجار القديم غير السكني لتحقيق العدالة والتوازن الحقيقي بين المالك والمستأجر، وأن المالك له حقوق سيحصل عليها والمستأجر أيضا سيحصل على حقوقه ويعيد الحقوق لأصحابها.