ثمانية أشهر مرت على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، خلفت خلالها أزمات جثام حطت على دول العالم الأجمع، فالكل دون استثناء أحدا يعانى من تبعات تلك الحرب حيث أزمة اقتصادية وتضخم وركود عالمى، وأيضا أزمة غذاء على الأبواب.
تلك التبعات الملموسة يعلمها القاصى والدانى ولكن ثمة تبعات أخرى ترسخت فى نفوس الحكام والمحكومين، بعد مشاهد القصف والتدمير ونزوح للاجئين داخل القارة العجوز، تلك المشاهد التى لم تكن تدور بخلد أى من قادة العالم، والذين ظنوا أن زمن الحرب التقليدى انتهى بنهاية الحرب العالمية الثانية.
تلك التبعات بثت الرعب فى النفوس شرقا وغربا، ما ظهر جليا فى القرارات التشريعية التى اتخذتها البرلمانات ليس فقط فى دول أوروبا التى تقبع على حدود الحرب الدائرة، بل إنها امتدت إلى آسيا وافريقيا على حد سواء.
بالنظر إلى ميزانية العام 2023 والتى أقرتها بعض دول العالم خلال الأيام القليلة الماضية يتضح مدى الخوف على الحدود والأوطان، حيث عدلت أغلب الحكومات نظرتها لميزانيتها، وبعد أن اتخذت بعض الدول منذ سنوات مثل ألمانيا قرارا بتقليل نفقات الدفاع وتوجيهها إلى بعض المتطلبات الأخرى، سرعان ما غيرت نظرها، وبدأت فى مراجعة بعض قراراتهم العسكرية من جديد.
فى أغلب الميزانيات التى اقرت حتى الأن، برزت ميزانية الدفاع وتسليح الجيوش بطلا بلا منازع، حيث عمدت الغالبية العظمى إلى رفع ميزانية الدفاع بغض النظر عن تأثيرها على أى قطاعات آخرى وبالرغم من الأزمات الاقتصادية التى تواجه الجميع.
وفى القارة الأوروبية وبالنظر إلى ميزانية أوكرانى - صاحبة الأرض التى تشهد حربا- أقر البرلمان ميزانية 2023 والتى تشهد عجزا كبيرا، حيث من المقرر أن تصل إيرادات أوكرانيا لعام 2023 إلى حوالى 35.5 مليار دولار أمريكى، بينما ستصل نفقات الدولة إلى 71 مليار دولار.
وعلى الرغم من هذا العجز إلا أن رئيس الوزراء الأوكرانى دينيس شميهال، قال إن نفقات الدفاع ستكون الأولوية الرئيسية فى الميزانية، حيث ستمثل 43% من إجمالى الإنفاق.
والوضع فى أوكرانيا طبيعى بالنظر للحرب التى تخوضها، ولكن بالنظر إلى ألمانيا نجد أنها هى الأخرى عمدت إلى زيادة ميزانية الدفاع الخاصة بها.
وطبقا لبيان وزارة الدفاع الألمانية، فإنه ومع وجود أكثر من 50 مليار يورو فى ميزانية الدفاع وحوالى 8.4 مليار يورو من الصندوق الخاص، يمكن تحديد مسار مركزى إضافى للاستثمارات الضرورية.
وأضاف البيان أنه من أجل سد فجوات السنوات القليلة الماضية، سيتم الاستثمار فى معدات الجيش الألمانى، خاصة فى مجالات صيانة القدرات والتطوير والرقمنة.
ومن ألمانيا إلى النمسا، اعتمد المجلس الوطنى النمساوى "البرلمان" موازنة العام الجديد فى البلاد وأوضح فولفجانج سوبوتكا رئيس المجلس، أنه تم زيادة ميزانية وزارة الدفاع بمقدار 604.7 مليون يورو أو 22.3% مقارنة بالعام السابق لتصل إلى ما مجموعه 3.32 مليار يورو.
وأشار إلى أن ميزانية الجيش ستتم زيادتها بشكل كبير بالرغم من الانتقادات من أحزاب المعارضة.
كذلك الوضع فى السويد، حيث أعطت حكومة يمين الوسط فى السويد الضوء لتعزيز الإنفاق الدفاعى فى مشروع قانون الميزانية لعام 2023.
ويهدف تركيز "الدفاع الكلي" فى خطة ميزانية الدفاع السويدية إلى زيادة الإنفاق العسكرى إلى 2% من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2026.
وقد خصصت السويد 7.3 مليار دولار لبند الميزانية هذا فى عام 2022، أى ما يعادل حوالى 1.45% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو أعلى مستوى منذ عام 2005 .
وتزيد ميزانية الدفاع بمقدار 800 مليون دولار فى عام 2023، مدعومة باستثمارات رأسمالية أعلى لتعزيز السيبرانية الدفاعية، واستخبارات الإشارات، والاستعداد الدفاعى، والاستيعاب الموسع للعسكريين.
كذلك وافق مجلس النواب الإسبانى على ميزانية عام 2023 بزيادة الإنفاق على الدفاع بشكل كبير.
ولم تفرق المخاوف من الحرب بين قريب أو بعيد، حيث لجأت بعض دول آسيا إلى اتخاذ نفس الخطوة وفى مقدمتها اليابان، حيث أفادت وكالة "كيودو" اليابانية للأنباء، باعتزام اليابان رصد أكبر ميزانية عسكرية فى تاريخها لتحديث راداراتها وصواريخها متوسطة المدى حتى عام 2029، لرصد، واعتراض الصواريخ فرط الصوتية.
وذكرت الوكالة أن التحديث سيبدأ عام 2023 وينتهى عام 2026، ثم سيتم تحسين قدرات الرادارات، وبحلول عام 2029 يمكن أن يبدأ الإنتاج النهائى لهذه الصواريخ.
وبحسب الوكالة طلبت وزارة الدفاع اليابانية ميزانية للسنة المالية القادمة من مطلع أبريل 2023 إلى 31 مارس 2024 بقيمة 5.595 تريليون ين، أى حوالى 41.4 مليار دولار، وهو ما يزيد عن إنفاق هذا العام وسيكون أكبر ميزانية دفاعية للبلاد.
وحتى الدول العربية استشعرت الخطر، فكانت المغرب أول دولة ترفع ميزانية الدفاع، فى مشروع قانون المالية الخاص بسنة 2023، إلى مستوى قياسى قارب 120 مليار درهم بزيادة بلغت 5 مليارت درهم مقارنة بقانون المالية الخاص بسنة 2022.
ووفقا لموقع هسبريس المغربى من المقرر أن تخصص هذه الميزانية (120 مليار درهم) لاقتناء الأسلحة ضمن حساب النفقات المسمى "اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية ودعم وتطوير صناعة الدفاع".
كما بلغت ميزانية القوات المسلحة الملكية فى قانون المالية 2023 ما يقارب 17 مليار دولار.
وكشف مشروع قانون المالية لأول مرة عن رغبة المغرب فى تخصيص أموال لفائدة الصناعات الدفاعية، إلى جانب اقتناء الأسلحة من الدول الأخرى.
وجاء فى المادة 38 من مشروع قانون المالية الجديد أنه يُحدد مبلغ 119 مليار و766 مليون درهم كمبلغ النفقات المسموح للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة التراب الوطنى الالتزام بها مقدما خلال السنة المالية 2023.
وتمثل ميزانية إدارة الدفاع الوطنى فى المغرب أكثر من 3.5% من الناتج الداخلى.
فيما اعتمدت الجزائر أعلى ميزانية دفاع فى تاريخها بأكثر من الضعف مقارنة بالعام الجارى لتصل إلى أكثر من 22 مليار دولار، حسب مشروع قانون المالية الذى أقره مجلس النواب.
وبذلك تبقى موازنة وزارة الدفاع الوطنى فى المركز الأول فى بنود الميزانية العامة للدولة، تليها موازنة وزارة المالية التى بلغت قيمة مخصصاتها أكثر من 21 مليار دولار.
ورصدت الميزانية حوالى 3186 مليار دينار (أكثر من 22 مليار دولار) لنفقات الدفاع فى العام المقبل، بحسب مشروع القانون الذى أقره المجلس الشعبى الوطنى، مقابل 1300 مليار دينار (أكثر من 9 مليارات دولار) فى ميزانية العام الجاري.
وأيا كانت نسبة الزيادة التى أقرتها المجالس التشريعية فى الدول المختلفة، إلا أن لجوء الجميع بمضاعفة ميزانية الدفاع وعودة الإنفاق على تسليح الجيوش للواجهة، يؤكد على تملك الخوف من امتداد الحرب لسبب أو لآخر.