مع عودة بنيامين نتنياهو لحكم إسرائيل بحكومة يمينية متطرفة، تجددت التوترات بشكل كبير ليس فقط على خط المواجهة مع الفلسطينيين ولكن أيضا اندلعت مواجهات فى الداخل، بعد توجهات الحكومة بتبنى مشروعات قوانين فى أيامها الأولى أشعلت غضب الجبهتين الداخلية والخارجية، ما دفع المراقبون إلى التوقع بنهاية حتمية وسريعة لحكم نتنياهو فى تل أبيب.
قوانين نتنياهو والتى دفع بها سريعا للكنيست أثارت مخاوف المجتمع الدولى، حيث صادق الكنيست على مشروع قانون يقضى بسحب المواطنة أو الإقامة من الأسرى الفلسطينيين فى إسرائيل، وإبعادهم إلى الضفة الغربية أو إلى قطاع غزة، إذا ثبت حصولهم على مساعدات مالية من السلطة الفلسطينية، وجاءت المصادقة على هذا القانون بعد أيام قليلة من مشروع قانون لتعديل نظام القضاء يقوض صلاحيات المحكمة العليا والذى أجج غضب شعبى ضد حكومة إسرائيل.
تلك القوانين رأى فيها المراقبون خطر كبير على مستقبل إسرائيل والتى قد تواجه عاما محتدما بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تم التحذير من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، كما حذر آخرون من حرب أهلية سببها الغضب الداخلى ضد سياسة نتنياهو.
وفيما يخص القانون الفلسطينى، صوت لصالح القانون 95 عضو كنيست، وصوت ضده 10 نواب هم ممثلو الأحزاب العربية، فيما تغيب نواب حزب العمل عن التصويت.
وتعتبر إسرائيل أنّ سياسة منح إعانات مالية للنشطاء وعائلاتهم تعنى "الدفع مقابل القتل" وتشجّع على العنف، ويرى الفلسطينيون أن المعتقلين أبطال يناضلون ضد عقود من الاحتلال ولذلك يستحقون الدعم.
وحول القانون قال المتحدث باسم حركة فتح، منذر الحايك، إنّ حكومة الأبارتهايد والتمييز العنصرى تنتهك القانون الدولى بالمصادقة على سحب الجنسية أو الإقامة الدائمة من أسرى القدس وأهلنا فى فلسطين المحتلة.
وأكد، وفقا لوكالة (معا) الفلسطينية، أنّ حكومة الاحتلال ما زالت مُصرة على ممارسة الإرهاب الفاشى بكافة أشكاله ضد الشعب الفلسطينى على مَر الزمن ومع ذلك سياساته محكوم عليها بالفشل دائماً، وما زالت حكومة إسرائيل الفاشية تضرب بعرض الحائط كل المواثيق والقانون الدولى.
وفى الكنيست قال معارضو القانون إنه تمييزىّ، لأنه لن ينطبق على الإسرائيليين اليهود المدانين بارتكاب هجمات ضد الفلسطينيين.
ومؤخّراً، حذّر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز والمبعوث الخاص للرئيس الأسبق بيل كلينتون لمنطقة الشرق الأوسط ريتشارد غودستاين من أن الظروف مهيّأة لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، مشيراً إلى أن الفلسطينيين يشعرون بإحباط وبعزلة.
ولا يخفى المسؤولون الأمريكيون أنهم تباحثوا خلال زيارتهم الأخيرة لإسرائيل والضفة الغربية سبل منع اندلاع الانتفاضة الثالثة، وسط تعويل من قبلهم على دور فاعل للسلطة الفلسطينية لمنع تواصل العمليات وإخماد النار التى ستؤدى إلى اندلاع الانتفاضة الجديدة.
واتفق محللون ومختصون بالشأن الفلسطينى والإسرائيلى على أن الوضع فى المناطق الفلسطينية على وشك الانفجار فى وقت قريب، ويرى هؤلاء المحللون أن ذلك الانفجار سيأتى عقب قرارات الكابينت تحويل 9 بؤر استيطانية إلى مستوطنات ومصادقة الكنيست على القانون الأخير.
كما تقرر كذلك توسيع الحملة الأمنية شرقى القدس، وتكثيف عمليات المداهمة، فيما بدأت عمليات الهدم فى منطقة جبل المكبر وفق خطة وتوجهات الوزير “بن غفير” والتى تستهدف آلاف المنازل بالمدينة المقدسة.
وربط بعض المراقبون بين التصعيد الإسرائيلى على الجبهة الفلسطينية بتفاقم الاوضاع فى الداخل، حيث يحاول نتنياهو تصدير أزماته الداخلية والهرب منها بتفجير الأوضاع فى القدس المحتلة.
ووفقا لوكالة صفا الفلسطينية، قال المحلل راسم عبيدات أن الأوضاع فى كافة فلسطين ستنفجر عاجلاً أم آجلاً، لافتًا إلى أن هذه القرارات تنم عن حالة تخبط وإرباك سياسى، حيث تعيش حكومة إسرائيل أزمة سياسية بقيادة نتنياهو على صعيد استقرار الحكومة ومحاولة السيطرة على القضاء وإضعاف المحكمة الإسرائيلية العليا ويريد تصديرها باتجاه التصعيد مع الفلسطينيين.
وقال: "ما يجرى هروب للأمام فى محاولة من نتنياهو لتوحيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية نحو التصعيد مع الفلسطينيين".
وبالفعل تعيش تل أبيب على وقع أزمة طاحنة داخلية بعد مشروع القانون الذى يعزز صلاحيات البرلمان على حساب المحكمة العليا والذى فجر خلافا ليس فقط فى أرجاء المجلس التشريعى وصفوف المعارضة بل امتد إلى غضب شعبى اجتاح الشوارع فى تل أبيب، بعد أن خرجت مظاهرات مناهضة للتعديل التشريعى.
واتهمت المعارضة نتنياهو بأنه وضع هذا القانون بسبب تهم الفساد التى تطارده فى المحكمة، وبموجب التعديلات يمكن للبرلمان اسقاط التهم والأحكام بعد صدورها من قبل القضاء.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن التصديق تم بأغلبية 9 أعضاء ومعارضة 7، فى الوقت الذى شهدت فيه الجلسة مشادات كلامية وشتائم، وتم إخراج عدد من أعضاء اللجنة.
وبالتزامن مع المناقشات داخل الكنيست، نظمت أحزاب المعارضة تظاهرة عارمة خارجه فى القدس المحتلة والتى اشترك فيها عشرات الآلاف احتجاجاً على مشروع القانون الذى ينظر له كبداية لحكم ديكتاتورى داخلى إسرائيلى.
وأكد رئيس حكومة إسرائيل السابق، نفتالى بينيت، وجود خطر حقيقى لاندلاع حرب أهلية فى "إسرائيل"، وأضاف بينيت، خلال مقابلة مع "القناة الـ12"، أنّ على حكومة الاحتلال والمعارضة "أخذ إجازة لمدة أسبوع من التشريع والمظاهرات، والجلوس للتفاوض بشأن قانون التعديلات القضائية المطروح" من وزير القضاء ياريف ليفين.
يأتى ذلك بعد أن أكّد زعيم المعارضة، العضو فى الكنيست، يائير لابى أن إسرائيل فى لحظة الحسم، وأنّها "سائرة نحو الخراب، إذا تمّ إقرار قانون التعديلات القضائية".
وتهدف خطة التعديلات إلى السيطرة الحكومية الكاملة على تعيين القضاة، بما فى ذلك المحكمة العليا، كما أنّها تقلّص، بشدّة، قدرة المحكمة العليا على إلغاء التشريعات. وتمكّن "الكنيست" من إعادة تشريع القوانين، التى تمكنت المحكمة من إلغائها، بأغلبية 61 عضواً فقط.
ووفقا لكافة المعطيات فإن نتنياهو يواجه ضغوطا داخلية وخارجية يصعب تسويتها فى القريب العاجل، ووسط التحذيرات الدولية فيبدو أن الوضع سينفجر فى تل أبيب إن لم يكن داخليا فسيكون خارجيا فى مواجهة الفلسطينيين، وفى كافة الأحوال سيكون استمرار بنيامين نتنياهو فى الحكم على المحك.