أصدرت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض حكما يهم سوق التعاملات المالية من خلال السندات والكمبيالات، حيث أرست فيه مبدأ قضائيا جديدا بشأن "التقادم" غير المتعارف عليه، قالت فيه: "تسقط دعوي الحامل قبل محرر السند بمضى تقادمها ثلاث سنوات من تاريخ الاستحقاق"، وبذلك الحكم تكون المحكمة قضت بالعدول عن مبدأ تقادمها بمضي سنة من تاريخ الاستحقاق.
صدر الحكم فى الطعن المقيد برقم 6918 لسنة 76 القضائية، لصالح المحامى بالنقض يحيى سعد جاد الرب، برئاسة المستشار محمد عيد محجوب، وعضوية المستشارين محمود سعيد، وعبد العزيز الطنطاوى، ومحى الدين السيد، وعاطف الأعصر، ونبيل عمران، ونبيل أحمد صادق، ومحمد أبو الليل، وسمير حسن، وصلاح مجاهد، والحسين صلاح، بحضور كل من المحامى العام هشام حجازى، وأمانة سر بيومى ذكى.
الخلاصة:
الدائرة التجارية والاقتصادية المختصة تبينت وجود اتجاه ذهبت به بعض الدوائر في أحكامها الي أن المنازعة المتعلقة بتقادم دعوي حامل السند لأمر قبل محرره ينطبق عليها نص الفقرة الثانية من المادة 465 من قانون التجارة الحالي رقم 17 لسنة 1999، وجعلت الدعاوي المرفوعة على محرر السند لأمر - باعتباره في مركز ساحب الكمبيالة - تتقادم بمضي سنة من تاريخ الاستحقاق، أو من تاريخ الاحتجاج المحرر في الميعاد القانوني، وهو ما يخالف الاتجاه الذي استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن هذه المنازعة ينطبق عليها نص الفقرة الأولي من المادة 465 سالفة الذكر، وبالتالي تتقادم الدعاوي المرفوعة على محرر السند لأمر - باعتباره في مركز المسحوب عليه القابل في الكمبيالة - بمضي 3 سنوات من تاريخ الاستحقاق.
اجتماع 11 قاضيا من محكمة النقض للفصل في نزاع
وازاء هذا الاختلاف قررت الدائرة التجارية والاقتصادية المختصة إحالة الطعن الي الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها، عملا بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل للفصل في هذا الاختلاف، واقرار المبدأ الذي استقرت عليه دوائر المحكمة بانطباق نص الفقرة الأولي من المادة 465 من قانون التجارة بأن تتقادم دعاوي حامل السند لأمر قبل محرره بـ3 سنوات من تاريخ الاستحقاق، والعدول عن المبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الآخر الصادرة من بعض الدوائر من انطباق نص الفقرة الثانية من هذه المادة عليها.
وإذ حددت الهيئة جلسة لنظر الطعن، أودعت النيابة العامة لدي محكمة النقض بمذكرة أبدت فيها الرأي بالأخذ بالاتجاه الأول، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها الأخير.
النزاع حول تباين الأحكام لمحكمة النقض في قضايا السندات والشيكات
المحكمة في حيثيات الحكم قالت انه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن البين من استقراء مواد قانون التجارة الحالي رقم 17 لسنة 1999 أن المشرع انتهج سياسة تشريعية مغايرة بشأن تقادم الديون التجارية على اختلاف الأسباب التي تكون مصدرا للالتزام فيها، بأن حدد مددا قصيرة للتقادم مراعيا في ذلك طبيعة المعاملات التجارية وما تقتضيه من استقرار الحقوق المترتبة عليها وعدم جعلها عرضة للمنازعة فيها بعد انقضاء فترة طويلة على نشأتها، وكان من المقرر أن الأصل أن يلتزم القاضي في تفسير النصوص التشريعية الاستثنائية عبارة النص ولا يجاوزها، فلا يجوز له القياس لمد حكم النص الي أمور سكت عنها أو يضيف الي عبارته أمرا لم يرد فيه من شأنه أن يؤدي الي التوسع في تطبيق النص.
وبحسب "المحكمة": لما كان ذلك - وكان البين من مطالعة نصوص المواد من 468 الي 471 من قانون التجارة المنظمة لأحكام السند لأمر - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الايضاحية للقانون - إذ أنها أطلقت عبارة محرر السند للاشارة الي من أنشأ السند لأمر، دون استخدام ألفاظ أو مسميات أخري له، خلافا لما انتهجه المشرع في هذا القانون بشأن الكمبيالة، إذ أطلقت الفقرة "ح" من المادة 379 منه مسمي الساحب للإشارة الي مصدر الكمبيالة، وتبعتها في ذلك نصوص المواد اللاحقة، ومؤدي هذا التباين إنما يكشف عن قصد الشارع في المغايرة بين المركز القانوني للساحب في الكمبيالة بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع ماهيته، ونصت المادة 471 منه على اخضاع التزام محرر السند لأمر لذات حكم التزام القابل في الكمبيالة، والتي منها الأحكام المقررة بشأن التقادم، وهو ما يتعين معه الالتزام بدلالة عبارة محرر السند لأمر الواردة بالقانون على نحو مراد الشارع واخضاعها للحكم المقرر بشأنه، دون أن يمتد لها حكم غيرها من الألفاظ قياسا، التزاما بعبارة النص الصريح غير القابل للتأويل أو التفسير.
دوائر للنقض تقضى بالتقادم بعد مرور سنه
ووفقا لـ"المحكمة": ولما كانت المادة 465 من القانون المنظمة لتقادم دعوي الرجوع الكمبيالة قد اعتدت بصفات أطراف الكمبيالة من ملتزمين وحاملين وجعلت منها المناط في تحديد مدة تقادمها، نظرا لاختلاف سبب التزام كل منهم، وعملا بقاعدة استقلال الالتزام في الأوراق التجارية، بحيث جعلت مدة التقادم متغيرة بحسب أطراف دعوي الرجوع، وكانت الفقرة الأولي من المادة 465 المشار إليها قد نصت على تقادم الدعاوي الناشئة عن الكمبيالة تجاه قابلها بمضي 3 سنوات، بينما نصت الفقرة الثانية منها على تقادم دعوي الحامل قبل المظهرين وقبل الساحب بمضي سنة من تاريخ الاحتجاج أو من تاريخ الاستحقاق، إذا اشتملت الكمبيالة على شرط الرجوع بلا مصاريف، في حين نصت الفقرة الثالثة منها على تقادم دعاوي المظهرين قبل بعضهم البعض وقبل الساحب بمضي 6 أشهر من اليوم الذي أوفي فيه المظهر الكمبيالة أو من يوم اقامة الدعوي عليه .
وإذ كانت صياغة هذا النص لم تثر أي مشكلات عند تطبيقها على الكمبيالة، ذلك أنها شرعت في الأصل لمعالجتها، إلا أن الأمر قد دق عند تطبيقها على السند لأمر لاختلاف طبيعة كل منهما، إذ اعتبرت بعض الأحكام محرر السند لأمر ساحبا له وأنزلته منزلة الساحب في الكمبيالة، وطبقت عليه حكم الفقرة الثانية من المادة 465 المشار إليها بجعل مدة تقادم دعوي رجوع الحامل عليه بمضي سنة من تاريخ الاحتجاج المحرر في الميعاد أو من تاريخ الاستحقاق إذا اشتمل السند على شرط الرجوع بلا مصاريف، وهي بذلك تكون قد مدت حكم تقادم الكمبيالة قبل ساحبها على محرر السند لأمر قياسا رغم خلو القانون مما يؤيد ذلك، لا سيما وأن المادة 471 من قانون التجارة قد أخضعته بنص صريح لذات حكم قابل الكمبيالة في هذا الشأن، وهو ما يتعين معه الالتزام بهذا الحكم وتطبيق نص الفقرة الأولي من المادة 465 من القانون فيما يتعلق بتقادم دعوي روع الحامل قبل محرر السند لأمر، دون نص الفقرة الثانية من تلك المادة .
دوائر أخرى تقضى بتقادم السندات والكمبيالات بعد مرور 3 سنوات
لما كان ما تقدم - وكانت بعض أحكام هذه المحكمة قد ذهبت في قضائها الي تطبيق الفقرة الثانية من المادة 465 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 بتقادم دعوي الرجوع على محرر السند لأمر بمضي سنة من تاريخ الاحتجاج المحرر في الميعاد أو من تاريخ الاستحقاق، إذا اشتمل السند على شرط الرجوع بلا مصاريف، فقد رأت الهيئة، بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية المشار اليه آنفا، العدول عن هذا الرأي والأحكام التي اعتدت به، واقرار الأحكام التي استقر عليها قضاء هذه المحكمة والتي انتهت الي أن المنازعة بشأن تقادم دعاوي الحامل قبل محرر السند لأمر ينطبق عليها نص الفقرة الأولي من المادة 465 سالفة الذكر، وتكون مدة تقادمها ثلاث سنوات من تاريخ الاستحقاق .
الهيئة العامة لمحكمة النقض تجتمع للتصدى للأزمة
وانتهت المحكمة الى إعادة الطعن الي الدائرة التي أحالته اليها للفصل فيها، وفقا لما سبق، وطبقا لأحكام القانون، وحكمت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها بالأغلبية المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 المعدل:
أولا: باقرار المبدأ الذي تبنته الأحكام التي انتهت الي أن المنازعة بشأن تقادم دعاوي الحامل قبل محرر السند لأمر ينطبق عليها نص الفقرة الأولي من المادة 465 من قانون التجارة، وتكون مدة تقادمها 3 سنوات من تاريخ الاستحقاق، والعدول عما عداه من أحكام أخري مخالفة في هذا الشأن.