أصدرت محكمة النقض – حكما يهم ملايين المتعاملين بإيصالات الأمانة كضمان في المعاملات المالية، أرست فيه لعدة مبادئ قضائية، قالت فيه: "تحرير إيصال الأمانة كضمان يتوافر به السبب الصحيح للالتزام في وجوده ومشروعيته، ولا تبرأ ذمة المدين إلا بإثبات الوفاء بالالتزام الآخر المقابل الذي صدر سند الدين بسببه".
تباين الأحكام حول إيصالات الأمانة المتعلقة بالجلسات واللجان العرفية
ملحوظة: هذا الحكم جاء على غير المتواتر والمتعارف عليه في أحكام النقض التي ترسخ للمبدأ القضائى الذى جاء بالطعن المقيد برقم 19624 لسنة 88 قضائية: "إيصال الأمانة الموقع على بياض لا يصلح لإثبات المديونية، ولا يدل بذاته على صحة وجدية سبب الالتزام ولا يصلح دليلاَ على نفي صوريته".
كما أن هناك حكما أخر لمحكمة النقض أصدرت محكمة النقض حكمين حديثين، في غاية الأهمية يتعلقان بملايين المتعاملين بإيصالات الأمانة، أرست خلالهما مبدأ قضائيا جديدا، قالت فيه: "إيصالات الأمانة أمام اللجان العرفية هي والعدم سواء، لأنه يتم تحريره لأنهاء الخصومات بين الأطراف وتسليمه لأمناء اللجان العرفية دون أن يتم تسليم حقيقى للمبلغ الثابت به، وأن هذا الايصال يصل للشخص من هذه خلال هذه اللجان العرفية ويقوم هو بملئ بياناته"، صدر الحكمين في الطعنين المقيدين برقمى 5955 لسنة 90 قضائية، و8432 لسنة 86 قضائية.
وبهذا الحكم يكون هناك تباين في الأحكام ما بين أحكام تُقر بصحة التوقيع على بياض باعتباره يكسب البيانات الموقع عليها حجية الورقة العرفية، وأحكام أخرى ترى أن تحرير إيصال الأمانة كضمان يتوافر به السبب الصحيح للالتزام في وجوده ومشروعيته، ولا تبرأ ذمة المدين إلا بإثبات الوفاء بالالتزام الآخر المقابل الذي صدر سند الدين بسببه، ما يؤكد معه ضرورة تدخل دائرة توحيد المبادئ لفض الإشتباك في الأحكام.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 9869 لسنة 84 قضائية، لصالح المحامى بالنقض دانيال شفيق، برئاسة المستشار مجدى مصطفى، وعضوية المستشارين رفعت هيبة، وياسر فتح الله العكازى، وهانى عميرة، ومحمد راضى.
الوقائع.. نواع حول إيصال أمانة متعلق بجلسة عرفية
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة - بعد رفض أمر الأداء - أقامت على المطعون ضده الدعوى رقم 32 لسنة 2012 مدني كلى كفر الشيخ، بطلب الحكم بالزامه بأن يؤدى لها مبلغ 950 ألف جنيه قيمة إيصال الأمانة والفوائد القانونية بواقع 4% حتى السداد، على سند من أنها تداين المطعون ضده بهذا المبلغ، ومن ثم أقامت الدعوى.
وفى تلك الأثناء - وجه المطعون ضده دعوي فرعية بطلب الحكم ببراءة ذمته من المبلغ المطالب به، ثم أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد أن استمعت لشهود الطرفين، حكمت في الدعوى الفرعية بالطلبات وبرفض الدعوى الأصلية، ثم استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف طنطا - مأمورية كفر الشيخ - بالاستئناف رقم 97 لسنة 46 قضائية، وبتاريخ 12 مارس 2014 قضت بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة، في غرفة مشورة، وحددتت جلسة لنظره.
محكمتى أول وثانى تقضيان برفض الدعوى
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، إذ تمسكت في دفاعها أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بعدم جواز إثبات ما يخالف الثابت في الإيصال موضوع الدعوى إلا بالكتابة، فأطرح الحكم دفاعها استنادا إلى ما استخلصه من أقوال شاهدي المطعون ضده من أن تسليمه للإيصال الموقع على بياض لم يكن تسليما اختياريا، واعتبر ملء بياناته تزويرا وينطوي على غش، وخلص من ذلك إلى براءة ذمته من قيمته، في حين أن أقوال هذين الشاهدين لا تؤدي إلى ما استخلصه منها، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
صاحب الحق يطعن أمام محكمة النقض لإلغاء الحكم
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعي في محله، ذلك بأن النص في المادة 136 من التقنين المدني على أنه: " إذا لم يكن للالتزام سبب، أو كان سببه مخالفا للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلاً" يدل - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المدني - أن صورية السبب المذكور في العقد أو سند المديونية لا يترتب عليها بمجردها بطلانه، بل العبرة بالسبب الحقيقي المستتر، فإذا تخلف هذا السبب، أي ثبت انعدام سبب الالتزام أو عدم مشروعيته، بطل العقد، وكان تحرير السند كضمان يتوافر به - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - السبب في وجوده ومشروعيته، وتتوقف براءة ذمة المدين من قيمة هذا السند على ثبوت تنفيذه للالتزام الصادر السند ضمانا للوفاء به .
وبحسب "المحكمة": وكان المقرر - أيضا - في قضاء هذه المحكمة - أن التوقيع على بياض من شأنه أن يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية، باعتبار أن هذه الحجية تستمد من التوقيع لا الكتابة فيستوي أن تكون البيانات قد حررت قبل التوقيع أو بعده، إذ يعد التوقيع على بياض بمثابة تفويض بملء بيانات المحرر، ما دام قصد الموقع أن يرتبط بالبيانات التي سترد بالمحرر وسلمه اختياريا، ولم يثبت أنه أخذ منه خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأي طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري، أو أن من أستؤمن عليها خان الأمانة، فإنه تكون حجة بما فيها .
النقض تتصدى لأزمة إيصال الأمانة كضمان
وتضيف "المحكمة": وإذ خالف الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه القواعد القانونية سالفة البيان، وأقام قضاءه ببراءة ذمة المطعون ضده من قيمة الإيصال موضوع الدعوى، على ما استخلصه من أقوال شاهديه، من أنه حرر هذا الإيصال كضمان لتنفيذ حكم اللجنة العرفية التي احتكم الطرفان إليها للفصل فيما شجر بينهما من خلاف على ميراث الطاعنة من والديها، وهو ما أصر عليه المطعون ضده في دفاعه طوال مراحل النزاع، في حين أن هذا الذي تساند إليه الحكم وتمسك به المطعون ضده، لا يؤدي إلى بطلان الإيصال المذكور، لأن تحريره كضمان يتوافر به السبب الصحيح للالتزام في وجوده ومشروعيته، ولا تبرأ نمة المطعون ضده إلا باثبات الوفاء بالالتزام الآخر المقابل الذي صدر سند الدين بسببه.
وتابعت "المحكمة": ولا ينال من ذلك ما قرره الحكم من أن تسليم الإيصال سند الدعوى الموقع على بياض من المطعون ضده لم يكن تسليما اختياريا وما رتبه على ذلك من أن ملء بياناته بعد تزويراً وينطوي على غش استناداً إلى ما استخلصه من أقوال شاهدي المطعون ضده، وهو ما يتناقض مع ما استخلصه من ذات الأقوال من أن الإيصال المذكور سلم من المطعون ضده ضمانا لتنفيذ حكم اللجنة العرفية التي احتكم الطرفان إليها، مما لازمه ومقتضاه أن التسليم كان اختياريا، ويدل على قصد المطعون ضده الموقع على بياض الارتباط بالبيانات التي سترد فيه، هذا فضلاً عن أن البين من مطالعة أقوال هذين الشاهدين - بعد ضم الملفات - أنها قد خلت من أي عبارات يستفاد منها أو يمكن حملها على أن الإيصال موضوع الدعوى لم يسلم من المطعون ضده طواعية واختياراً، وهو ما يعتبر من الحكم تحريفا لأقوالهما وخروجاً بها عن مدلولها.
النقض تؤكد: تحرير إيصال الأمانة كضمان يتوافر به السبب الصحيح للالتزام في وجوده ومشروعيته
لما كان ذلك - وكان المطعون ضده لم يدع طوال مراحل النزاع بأن الإيصال سند الدعوى أخذ منه خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية ، وما تمسك به من توقيعه على بياض وأن السبب الحقيقي لتحريره هو ضمان لتنفيذ حكم اللجنة العرفية يدل - وعلى ما سلف بيانه - على قصد الارتباط بالبيانات التي سترد فيه، فإن هذا الإيصال تكون له حجية الورقة العرفية قبل المطعون ضده ولا تبرأ ذمته من قيمته إلا بإثبات الوفاء بالالتزام الذي ادعى تحرير الإيصال ضماناً للوفاء به، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيبا بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه .
ولهذه الأسباب:
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، وكانت المستأنفة أقامت استئنافها بغية القضاء بالغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف ضده بالمبلغ المدون بإيصال الأمانة سند الدعوى وقدره تسعمائة وخمسون ألف جنيه، ولم يطعن عليه بأي مطعن ينال من حجيته ، ومن ثم تقضي المحكمة بإلزام المستأنف ضده بأداء قيمته للمستأنفة.
ماذا يعنى الحكم؟
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامى عامر عبد النبى – أن إيصال الأمانة في هذه الحالة ليس له "شق جنائى" بينما التقاضى في هذه الحالة مدنيا حيث أن حالات الضمان متنوعة جدا والتحقيق بشهادة الشهود هو الفيصل أمام القاضي المدنى على سبيل مثال: لو كان هناك إيصال موقع على بياض لضمان سداد قسط أو أقساط – في هذه الحالة - يلتزم بمبلغ الأقساط أو القسط الحقيقي وليس المحرر على بياض، وذلك بشهادة الشهود أو بأي طريق من طرق الاثبات مع التعويض االجابر للضرر الذي لحق بالدائن.
وأوضح "عبد النبى" في تصريح لـ"برلماني": ولكن ليس معنى أن الإيصال المرفوع ببيانات تم تحريرها بعد التوقيع على بياض تعفي صاحب الإيصال الموقع على بياض من المسألة القانونية، فهناك ايصالات موقعة على بياض وتم رفعها أمام المحكمة وبعد المرافعة والدفاع يصبح المجنى عليه صاحب الإيصال متهما بالتزوير بـ"الإضافة"، وذلك لتحريره بيانات صلب الايصال غير حقيقيه مخالفة لما كانت عليه حقيقة الواقعة التى يتم التحقيق فيها واثبات قيامه بملئ باقي بيانات صلب الايصال علي خلاف الحقيقة وذكره مبالغ غير حقيقية.
توضيح أخر حول الحكم
وفى سياق أخر – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسن الغزالى – أنه الحكم "فيه نظر" لأنه يكفي لبيان حقيقة الورقة الرجوع إلي شخوص الجلسة العرفية وأمينها الذي من المفترض توجه إليه تهمة خيانة الأمانة لتسليمه الإيصال إلي المستأنفة الطاعنة دون توضيح سبب ذلك وهو المأخوذ أصلا علي سبيل الضمان دون أن يكون هناك تسليم فعلي لقيمة المال الواردة فيه، ومن ثم يكون تسليم الإيصال دون توضيح للإخلال الذي أخله المطعون ضده لما إنتهت إليه الجلسة العرفية هو خيانة للأمانة وغدر من أمين الجلسة العرفية المطعون ضده وبإتفاق مع الطاعنة في الغالب وهو ما توضحه بجلاء ظروف الدعوي حسب المتحصل منها وهو ما كان يتوجب علي المحكمة بحثه بدقة من جانب محكمة النقض طالما تصدت، فالأولي نقض الحكم علي ضوء بحث الإرتباط المقال به، وترك المحكمة المحال إليها لبحثه من خلال تحقيق شامل وصولا إلي الحق والحقيقة لا أن تتصدي محكمة النقض علي النحو السالف حارمة المطعون ضده من إبداء ما عساه من دفاع ردا علي ما قالت به محكمة النقض.
ويضيف "الغزالى" في تصريحات خاصة - لذا جاء الحكم "فيه نظر" في نقضه أولا وفي تصديه ثانيا بإستنتاج متعسف يخالف صحيح الواقع خاصة وأن المتعارف عليه أن الجلسات العرفية لها أحكامها والضمانات المتبادلة علي أطرافها لعدم العودة في النزاع الذي كان مطروح عليها، وبالتالي تؤخذ الضمانات لعدم الإخلال دون أن يكون هناك مال فعلي خاصة، وأن الإيصال جاء في الأساس علي بياض ثم تم ملؤه فلا يعني ذلك أن هناك إرتباط بين التوقيع الذي إعتبره الحكم تفويض وهي الكارثة بعينها، وبين صلب الإيصال اللاحق علي ذلك التوقيع، وأقول في النهاية الحكم "فيه نظر" علما أن هذا الحكم علي الجانب الأخر يتعارض تماما المادة 341 عقوبات وشروطها وما تنتهي إليه المحاكم من براءة المتهمين عند ثبوت ما عولت عليه محكمة النقض في حكمها، وهو على غير المطبق في محاكمنا.
المحكمة فى الحكم بينت وأوضحت أن انتفاء ركن التسليم ليس مبررا بحد ذاته
فيما رد المحامى بالنقض دانيال شفيق على كل هذه التساؤلات بقوله: أن الحكم تناول واقعة مدنية معترف بها من طرفى الخصومة وشهودهما وأنزل عليها الحكم الصحيح للقواعد العامة فى الالتزام والإثبات فى المواد المدنية والتى لم يلتزم بها الحكم المطعون فيه، كما أن الحكم يسير فى اطار القواعد العامة فى الالتزامات المدنية أما الأحكام الجنائية فلها نصوصها ومجالها وطبيعتها، كما أن المحكمة فى الحكم بينت وأوضحت أن انتفاء ركن التسليم ليس مبررا بحد ذاته.
وأشار "شفيق" في تصريحات صحفيه: كما أن الحكم أشار إلى أن المطعون ضده لم يدع طوال مراحل النزاع بأن الإيصال سند الدعوى أخذ منه خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية، وما تمسك به من توقيعه على بياض وأن السبب الحقيقي لتحريره هو ضمان لتنفيذ حكم اللجنة العرفية يدل ــ وعلى ما سلف بيانه ــ على قصد الارتباط بالبيانات التي سترد فيه، فإن هذا الإيصال تكون له حجية الورقة العرفية قبل المطعون ضده ولا تبرأ ذمته من قيمته إلا بإثبات الوفاء بالالتزام الذي ادعى تحرير الإيصال ضماناً للوفاء به، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيبا بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه .
وأوضح "شفيق": المحكمة أسست قضائها على أن تحرير السند كضمان يتوافر به ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – السبب في وجوده ومشروعيته، وتتوقف براءة ذمة المدين من قيمة هذا السند على ثبوت تنفيذه للالتزام الصادر السند ضماناً للوفاء به، وكان المقرر ــ أيضا ــ في قضاء هذه المحكمة ــ أن التوقيع على بياض من شأنه أن يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية، باعتبار أن هذه الحجية تستمد من التوقيع لا الكتابة فيستوي أن تكون البيانات قد حررت قبل التوقيع أو بعده، إذ يعد التوقيع على بياض بمثابة تفويض بملء بيانات المحرر، ما دام قصد الموقع أن يرتبط بالبيانات التي سترد بالمحرر وسلمه اختيارياً، ولم يثبت أنه أخذ منه خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأي طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري، أو أن من أستؤمن عليها خان الأمانة، فإنه تكون حجة.