أصدرت الدائرة المدنية "د" – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، تصدت فيه لأزمة إيصالات الأمانة التي تحرر في عمليات زواج القاصرات وزواج الزوجة عرفيا قبل بلوغها السن القانونية للزواج الرسمي، أرست فيه مبدأ قضائيا قالت فيه: "إيصال الأمانة الصادر كمقابل لضمان أتمام الأثار المترتبة على عقد الزواج لا يصلح سندا للمديونية".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 5689 لسنة 91 قضائية، لصالح المحامى أحمد أبو المعاطى جمعه، برئاسة المستشار محمد عبد الراضى عياد، وعضوية المستشارين ناصر السعيد، وخالد طنطاوى، وعمر الفاروق منصور، ومحمد إبراهيم سمهان، وبحضور كل من رئيس النيابة عمرو عماد، وأمانة سر إبراهيم محمد عبد المجيد.
الوقائع.. نزاع بين الزواج ووالده زوجته حول إيصال أمانة
تتحصل وقائع النزاع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعن – بعد رفض طلب أمر الأداء – الدعوى رقم 305 لسنة 2018 مدنى كلى الحامول، بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدى إليه 830 ألف جنيه، وقال بيانا لذلك: إنه يداينه بهذا المبلغ بموجب إيصال أمانة، إذ لم يؤده إليه، رغم إنذاره، فقد أقام الدعوى.
محكمة أول درجة تقضى بتسليم الزوج لوالد الزوجة 830 ألف جنيه قيمة الايصال
في تلك الأثتاء – حكمت المحكمة بالطلبات، ثم استأنف الطاعن على هذا الحكم، وأحالت المحكمة الاستئناف للتحقيق، وبعد أن استمعت لشهود الطرفين، قضت بتاريخ 27 يناير 2021 بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة، أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه.
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بدفاع جوهرى، حاصله أنه لم يتسلم المبلغ المدون بإيصال الأمانة سند الدعوى، وأن هذا الإيصال قد حرر ووقع منه على بياض، كما تمسك بصورية سبب الالتزام الوراد به، وبأن الطرف المودع لديه هذا الإيصال قد خان الأمانة، وسلمه إلى المطعون ضده، الذى قام بملء البيانات الواردة به.
الزوج يستأنف لإلغاء الحكم.. ومحكمة ثانى درجة تؤيد الحكم
وتابعت "مكذرة الطعن": إلا أن الحكم المطعون فيه قد التفت عن تمحيص هذا الدفاع، وقضى بتأييد الحكم الابتدائى، تأسيسا على أنه قام بتسليم ذلك الإيصال تسليما اختياريا، وأنه لم يثبت براءة ذمته من المبلغ المدون به بدليل كتابى، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت أن هذا النعى في محله، ذلك أنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه وإن كان التوقيع على بياض هو توقيع صحيح، من شأنه أن يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية، المستمدة من التوقيع لا من الكتابة، إلا أن شرط ذلك أن يكون الموقع قد قصد أن يرتبط بالبيانات التي سترد في الورقة، وأن يسلمها اختيارا، فإذا كان من استولى على الورقة قد حصل عليها خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأية طريقة أخرى خلاف التسليم الاختيارى، فعندئذ تغيير الحقيقة فيها تزويرا، يجوز اثباته بطرق الإثبات كافة.
الزوج يطعن أمام محكمة النقض كأخر مرحلة من مراحل التقاضى
وبحسب "المحكمة": كما أنه من المقرر أن إنشاء محرر كاذب فوق توقيع صحيح أو تغيير البيانات التي انصب عليها يتساوى في أثره مع عدم صحة التوقيع ذاته، ففي الحالتين يُعد تزويرا، يترتب على ثبوته نفى صدور المحرر المصطنع أو البيانات الكاذبة المدونة فيه ممن نسب إليه، لأن التوقيع على الورقة في هذه الحالة لا ينفصل عن صلبها وبيانتها، ولا يحتملان غير حل واحد، إذ أن المحرر يستمد حجيته في الأإثبات من ارتباط التوقيع بما ورد بصلب المحرر ومن بيانات تتصل به وتتعلق بالعمل القانوني موضوع المحرر.
ووفقا لـ"المحكمة": كان من المقرر أيضا أنه على محكمة الموضوع التحقق من استيفاء الشروط والاعتبارات المتفق عليها بين الدائن والمدين والأمين – في حالة ثبوت تسليم سند الدين إلى شخص أخر مؤتمن – فإذا تبين أن المحرر إنما سلم للأخير لحين استيفاء أمور وتحقق شروط معينة، فإن حجية السند تقف إلى حين تحقق ذلك أو تسليم الورقة المثبتة للدين إلى الدائن باختيار المدين، فإذا تحققت هذه الشروط وتم تسليم الورقة إلى الدائن اختيارا، استردت الورقة حجيتها في الإثبات، أما إذا لم تتحقق هذه الشروط والاعتبارات المتفق عليها، وتمكن الدائن من الحصول على الورقة دون إرادة المدين أو موافقته، انتفت عنها الحجية، ولم يكن من الجائز الاحتجاج بها على من وقعها.
مذكرة الطعن تستند على عدة أسباب
وتضيف "المحكمة": كما أن المقرر أن اغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم، إذا كان هذا الدفاع جوهريا، ومؤثرا في النتيجة التي انتهى إليها، وأن أسباب الحكم تكون مشوبة بالفساد في الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط، ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها أو إلى عدم فهم العناصر الواقعية التي تثبت لديها أو وقوع تناقض بين هذه العناصر.
لما كان ذلك – وكان الحكم المطعون فيه قد خلص من أوراق الدعوى إلى أن إيصال الأمانة سندها قد وقعه الطاعن على بياض، وسلمه إلى "ي. م"، لحين عقد قرانه رسميا على إبنة الأخير، حيث كان قد تزوجها عرفيا قبل بلوغها السن القانونية للزواج الرسمي، وأن المؤتمن "المودع لديه" سالف الذكر قد سلم هذا الإيصال إلى المطعون ضده – الذى أقام الدعوى الراهنة بطلب إلزام الطاعن بأن يؤدى إليه المبلغ الذى دون في الأيصال – وانتهى الحكم إلى أن الطاعن قد سلم الإيصال للمودع لديه طواعية واختيارا، فتكون ذمته مشغولة بالمبلغ المدون.
النقض تؤكد: إيصال الأمانة لا يصلح سندا للمديونية فى هذه الحالة
وتابعت: وإذ كان هذا الذى ذهب إليه الحكم لا يدل بذاته على أن الطاعن قصد الارتباط بالبيانات التي كتبت على ذلك الإيصال، وأنه قبض المبلغ المدون به، ولا يدل على صحة وجدية سبب الالتزام، ولا يصلح دليلا على نفى صوريته، ومن ثم فإنه لا يتضمن الرد على الدفاع الجوهرى الذى تمسك به الطاعن أمام محكمة الاستئناف من أن الطرف المودع لديه ذلك الإيصال قد خان الأمانة، وسلمه إلى المطعون ضده الذى قام بملء بياناته، مما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال، والقصور في التسبيب، بما يوجب نقضه.