أصدرت محكمة النقض حكمين حديثين، في غاية الأهمية يتعلقان بملايين المتعاملين بإيصالات الأمانة، أرست خلالهما مبدأ قضائيا جديدا، قالت فيه: " إيصالات الأمانة أمام اللجان العرفية هي والعدم سواء، لأنه يتم تحريره لأنهاء الخصومات بين الأطراف وتسليمه لأمناء اللجان العرفية دون أن يتم تسليم حقيقى للمبلغ الثابت به، وأن هذا الايصال يصل للشخص من هذه خلال هذه اللجان العرفية ويقوم هو بملئ بياناته".
صدر الحكمين في الطعنين المقيدين برقمى 5955 لسنة 90 قضائية، و8432 لسنة 86 قضائية، برئاسة المستشار حسن حسن منصور، وعضوية المستشارين عبد السلام المزاحى، وياسر نصر محمد، ومحمد صفوت.
الوقائع.. نزاع بين طرفين بسبب إيصال أمانة في جلسة عرفية
الأوراق - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المطعون ضده تقدم بطلب استصدار أمر أداء بإلزام الطاعن بدفع مبلغ 383476 جنيهاً على سند من أنه يداينه بهذا المبلغ بموجب إيصال أمانه وبعد رفض الطلب قيدت الدعوى برقم 81 لسنة 2015 مدنى المنصور الابتدائية "مأمورية شربين" حكمت محكمة أول درجة بالطلبات، ثم استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 2311 لسنة 67 قضائية المنصورة وبتاريخ 29 مارس 2016 قضت هذه المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقضه، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت أن الطعن أقيم على سببين ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع وفى بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن إيصال الأمانة سند الدعوى متحصل من جريمة خيانة أمانه كونه قدم منه ضمانا لدى لجنة صلح عرفية وقدم تدليلاً على ذلك صوره طبق الأصل من المحضر الإدارى رقم 3151 لسنة 2015 إدارى شربين والثابت به أقوال أعضاء اللجنة العرفية بعدم مسئوليتهم عن ايصاليين الأمانة المودعين طرف أمينا اللجنة، أحداهما الايصال سند الدعوى - وصورة رسمية من إنذار رسمى من مكتب أمناء اللجنة ينذران الطاعن بإنهما سوف يقوما بتسليم الايصالين للمطعون ضده غير أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع الجوهرى أيراداً ورداً والذى من شأنه تغيير وجه الرأى فى الدعوى وأغفل دلالة هذه المستندات منتهياً لقضائه على أسباب غير سائغة وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
النقض تقرر: إيصالات الأمانة أمام اللجان العرفية هي والعدم سواء
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعى فى محله - ذلك بأن المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة فى تحصيل فهم الواقع فى الدعوى من الأدلة المقدمة فيها وترجيح بعضها على البعض الآخر إلا أنها تخضع لرقابة محكمة النقض فى تكييف هذا الفهم وفى تطبيق ما ينبغى من أحكام القانون بحيث لا يجوز لها أن تطرح ما يقدم إليها تقديماً صحيحاً من الأوراق والمستندات المؤثرة فى حقوق الخصوم دون أن تدون فى حكمها بأسباب خاصة ما يبرر هذا الإطراح وإلا كان حكمها قاصراً، كما أن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم إذا كان هذا الدفاع جوهرياً ومؤثراً فى النتيجة التى انتهى إليها إذ يعتبر ذلك الأغفال قصورا فى الأسباب الواقعية يقتضى بطلانه، وبما مؤداه أنه إذا طرح على المحكمة دفاع كان عليها أن تنظره فى أثره فى الدعوى فإن كان منتجاً فعليها أن تقدر مدى جديته حتى إذا ما رأته متسماً بالجدية مضت إلى فحصه لتقف على أثره فى قضائها فإن هى لم تفعل كان حكمها قاصراً .
لما كان ذلك - وكان البين من الأوراق أن الطاعن تمسك فى دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن ايصال الأمانة سند الدعوى متحصل من جريمة خيانة الأمانة ذلك لقيامه بالتوقيع عليه على بياض أمام لجنة عرفية لأنهاء خصومة قضائية وسلمه لأمناء هذه اللجنة وأنه لم يتم التسليم الحقيقى للمبلغ الثابت به وأن هذا الايصال وصل للمطعون ضده من هذه اللجنة وقام بملء بياناته وإذ التفت الحكم المطعون فيه المؤيد لأسباب الحكم الابتدائى عن تناول هذا الدفاع بما يقتضية من البحث مجتزءاً القول بأداء المبلغ النقدى الثابت بهذا الايصال تأسيساً على أنه موقع منه ولم يطعن عليه بثمة مطعن وأن ما أثاره من دفاع لا ينال من صحته وهو ما لا يواجه دفاع الطاعن المشار إليه والذى مـن شـأنه - إن صح - أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإنه فضلاً عن إخلاله بحق الدفاع قد شابه القصور فى الدفاع بما يوجب نقضه .
رفض دعوى تطالب بأداء مديونية إيصال أمانة موقع على بياض ضمانًا لعقد جلسة عرفية لبيان المخطئ في حادث سيارة
أما وقائع الطعن الثانى – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضده تقدم إلى السيد قاضى الأمور الوقتية، بطلب إصدار أمره بإلزام الطاعن بأن يؤدى له مبلغ 200 ألف جنيه، والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ الاستحقاق في 10 أبريل 2018، وحتى تاريخ السداد، على سند من أنه يداينه بهذا المبلغ بموجب إيصال أمانه، وقد امتنع عن سداده رغم إنذاره، وإذ رفض القاضي إصدار هذا الأمر، فقد أعلن المطعون ضده الطاعن بهذا الرفض، وطلب إلزامه بأن يدفع إليه ذلك المبلغ، وقيدت الأوراق بجدول قضايا مأمورية المحمودية الكلية برقم 108 لسنة 2018، وأثناء تداولها تمسك الطاعن بانعدام سبب الالتزام، وأنه لم يتسلم من المطعون ضده قيمة إيصال الأمانة سند الدعوى.
وفى تلك الأثناء - أحالت المحكمة الدعوى للتحقيق، وبعد أن استمعت لشهود الطرفين، حكمت بتاريخ 31 أكتوبر 2018 برفضها، ثم استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 2822 لسنة 74 قضائية الإسكندرية "مأمورية دمنهور"، ثم أحالت المحكمة الاستئناف للتحقيق، وبعد أن استمعت لشهود الطرفين، قضت بتاريخ 21 يناير 2020 بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجدداً بإلزام الطاعن بأن يؤدى للمطعون ضده مبلغ ستين ألف جنيه كقيمة مقدرة من المحكمة عن الإيصال سند الدعوى لإصلاح سيارته، ثم طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة، أبدت فيها الرأى بنقض الحكم، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها .
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن حاصل ما ينعاه الطاعن بسببى الطعن، على الحكم المطعون فيه، الخطأ فى تطبيق القانون، والقصور فى التسبيب، والفساد فى الاستدلال، وفى بيان ذلك، يقول: إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بدرجتيها، بأن إيصال الأمانة موضوع التداعى، لا يمثل مديونية حقيقية، ويفتقر إلى سببه، وأنه كان موقعاً منه على بياض، وتم إيداعه وإيصال آخر موقع من المطعون ضده لدى أمين، غير ممثل فى الدعوى، وذلك ضماناً لعقد جلسة عرفية لبيان المخطئ منهما، فى حادث تصادم وقع بين سيارتيهما، وهو ما شهد به شاهداه، إلا الحكم المطعون فيه قضى بإلغاء الحكم الابتدائى القاضى برفض الدعوى، وألزمه بأن يؤدى للمطعون ضده المبلغ الذى قدره، كتعويض جابر للضرر الذى لحق به عن الحادث، دون طلب من هذا الأخير بذلك، أو تغيير سبب الدعوى، والأساس الذى أرتكزت عليه، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه، ويستوجب نقضه .
المحكمة في حيثيات الحكم قالت أن هذا النعى فى محله ، ذلك بأنه من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن محكمة الموضوع لا تملك تغيير سبب الدعوى من تلقاء ذاتها، ويجب عليها الالتزام بطلبات الخصوم وعدم الخروج عليها، وإلا كان حكمها وارداً على غير محل، ويقع باطلاً بطلاناً أساسياً متعلقاً بالنظام العام ؛ لما كان ذلك ، وكان الواقع فى الدعوى أن المطعون ضده أقامها، بطلب الحكم بإلزام الطاعن بأن يؤدى له مبلغ مائتى ألف جنيه، قيمة إيصال الأمانة موضوع النزاع وفوائده القانونية، على سند من أنه يداينه بهذا المبلغ، مما كان يجب على المحكمة أن تتقيد فى قضائها بهذه الطلبات، وما أرتكزت عليه من سبب قانونى، مادام لم يطرأ عليها تغيير أو تعديل من المطعون ضده، أثناء سير الخصومة، وفى الحدود التي يقررها القانون.
وكان الطاعن قد تمسك فى دفاعه أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بعدم مديونيته للمطعون ضده بالمبلغ الوارد بإيصال الأمانة سند الدعوى، لكون توقيعه على هذا الإيصال لم يكن بسبب مديونيته، وإنما كضمان لحين عقد جلسة عرفية، لبيان المخطئ منهما، فى حادث تصادم وقع بين سيارتيهما، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلزامه بأن يؤدى للمطعون ضده مبلغ ستين ألف جنيه كقيمة مقدرة من المحكمة لإصلاح سيارة الأخير، تأسيساً على ما استخلصه من أقوال الشهود من أن الطاعن وقع على الإيصال سند الدعوى، ضماناً منه لإصلاح سيارة المطعون ضده، متجاوزاً بذلك طلبات الأخير فى الدعوى، وما أرتكزت عليه من سبب قانونى، وهو ما يعيب الحكم بالبطلان لوروده على غير محل، مما يوجب نقضه.