أصدرت الدائرة الجنائية "د" – بمحكمة النقض – حكما في غاية الأهمية بشأن جريمة الإكراه بالقوة والتهديد للتوقيع على سندات، رسخ فيه لعدة مبادئ قضائية توضح الفروق الجوهري بين التهديد المادى والتهديد المعنوى، قالت فيه: "الاكراه على إمضاء سند كما يكون ماديا باستعمال القوة قد يكون أدبيا بطريق التهديد، والتهديد بخطر جسيم علي النفس أو المال أو بنشر فضيحة أو بافشاء أمور ماسة بالشرف اكراه أدبي".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 21897 لسنة 88 قضائية، برئاسة مجدي تركي، وعضوية المستشارين أحمد مصطفى، وعماد محمد عبد الجيد، ومحمد أحمد خليفة، وسامح صبري.
الوقائع.. الزوج أكره زوجته بالإمضاء على التنازل
اتهمت النيابـة العامـة الطاعن في قضية الجناية رقــم "..." لسنة 2017 جنايات مركز شرطة الدلنجات بأنـه في غضون شهر يناير سنة 2017 ــــ بدائرة مركز شرطة الدلنجات ــــ محافظة البحيرة: أكره بالقوة والتهديد المجني عليها "ل. م" بالبصمة على عقد تنازل عن قائمة منقولاتها الزوجية، وعقد بيع سيارتها وعقد بيع منزلها بأن باغتها ودس مادة مخدرة في شرابها أدت إلى فقدانها الوعي وعقب ذلك تمكن من الاستحصال على بصمتها على السندات آنفة البيان وحال محاولتها الهرب من منزلة قام بتهديدها بنشر فيديوهات مخلة لها عن طريق الشبكة العنكبوتية "الانترنت"، واستحصل كذلك على توقيعها وبصمتها على سندات أخرى مثبتة لدين "إيصالين أمانة"، فتمكن بتلك الوسيلة القسرية من الإكراه من ارتكاب واقعته على النحو المبين بالتحقيقات.
فى تلك الأثناء – أحالته النيابة العامة إلى محكمة جنايات دمنهور لمعـاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحـالة، وادعت المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرة آلاف جنيه وواحد على سبيل التعويض المؤقت، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 325 من قانون العقوبات، بمعاقبة المتهم بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات عما أسند إليه وألزمته المصاريف الجنائية وبأن يؤدى للمدعية بالحق المدني مبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت، ثم طعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت مذكرة بأسباب الطعن.
الأبرز فى قائمة التنازلات "العفش وعقد البيع وايصال أمانة"
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الإكراه بالقوة والتهديد للتوقيع على سندات، قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى المستوجبة للعقوبة بياناً كافياً تتحقق به الأركان القانونية للجريمة التي دانه بها، ولم يورد مؤدى الأدلة التي أقام عليها قضائه بالإدانة، ولم يستظهر توافر القصد الجنائي وركن الإكراه في الواقعة، واعتنق تصويراً للواقعة يجافي الحقيقة والواقع، وعول على أقوال المجنى عليها وهي أقوال مرسلة لا يؤازرها دليل مادي في الأوراق، وعلى أقوال الشاهدين الثاني والثالث فيما تضمنته تحرياته رغم أنها لا تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، خاصة وأنه لم يتم ضبط المستندات التي ادعت المجنى عليها بإكراهها على توقيعها، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة فى حيثيات الحكم قالت إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وساق على صحة الواقعة واسنادها إليه أدلة استقاها من أقوال المجني عليها وشاهدي الإثبات الثاني والثالث وأورد مؤدى كل دليل فيها في بيان واف وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها - لما كان ذلك - وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمة الإكراه بالقوة والتهديد على توقيع سند مثبت لدين أو تصرف بل يكفي أن يكون ما أورده من وقائع وظروف يدل على قيامه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن ذلك حسبه بياناً لتلك الجريمة كما هي معرفة به في القانون بركنيها المادي والمعنوي، ويضحي النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد.
والمحكمة تقضى عليه بالسجن المشدد 3 سنوات
وبحسب "المحكمة": لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن في بيان كافِ إقدامه على ارتكاب الجريمة متوخي تعطيل إرادة المجني عليها عن طريق دس مادة مخدرة في شرابها وتهديدها بحيث حملها كرهاً عنها على إمضاء السندات بما يتوافر به هذا الركن في صحيح القانون، فإن منعي الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول - لما كان ذلك - وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
وتضيف: وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذى رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.
والنقض تؤيد الحكم وتؤكد: الإكراه على الإمضاء يكون ماديا ومعنويا
ووفقا لـ"المحكمة": وأنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي يركن إليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال المجني عليها وأقوال شاهدي الإثبات واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهدوا بها، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال المجني عليها وأقوال شاهدي الإثبات أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض.
لما كان الحكم قد اثبت فى حق الطاعن فى بيان كاف اقدامه على ارتكاب الجريمة متوخيا بتعطيل ارادة المجنى عليها عن طريق تهديدها بالتشهير بها بما كان من شأنه ترويع المجنى عليها بحيث حملها كرها عنها، على وضع بصمتها على السندات التى طلب منها البصم عليها، وكان الحكم قد استظهر بذلك ركن القوة أو التهديد فى جريمة الإكراه على امضاء المستندات بما يتوافر به هذا الركن فى صحيح القانون ذلك بأنه من المقرر أنه يتحقق بكافة صور انعدام الرضا لدى المجنى عليها فهو يتسم بكل وسيلة قسرية تقع على الاشخاص يكون من شأنها تعطيل الاختيار أو اعدام قوة المقاومة عندهم تسهيلا لارتكاب الجريمة، فكما يصح أن يكون الاكراه ماديا باستعمال القوة فإنه يصح ايضا أن يكون ادبيا بطريق التهديد ويدخل فى هذا المعنى التهديد بخطر جسيم على النفس أو المال كما يدخل فى التهديد بنشر فضيحة أو بافشاء أمور ماسة بالشرف، فإن منعى الطاعن فى هذا الصدد يكون غير مقبول، وهذا ما أكدته محكمة النقض أيضا فى الطعن المقيد برقم 15069 لسنة 59 القضائية.
إمضاء سند كما يكون ماديا باستعمال القوة قد يكون أدبيا بطريق التهديد
وتؤكد "المحكمة": لما كان ما ينعاه الطاعن على الحكم من إدانته عن واقعة حصول على بصمات المجنى عليها على أوراق بيضاء ومما يخرج عن نطاق التأثيم الوارد فى المادة 325 من قانون العقوبات التى عاقبه بمقتضاها فمردود بأنه لا جدوى للطاعن من هذا النعى طالما أن الحكم قد أوقع عليه العقوبة المقررة لجناية اغتصاب السندات بالتهديد المنصوص عليها فى المادة 325 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 112 لسنة 1955 والتى بين الحكم المطعون فيه واقعة الدعوى فيها بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لتلك الجريمة وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وأن الاكراه على إمضاء سند كما يكون ماديا باستعمال القوة قد يكون أدبيا بطريق التهديد، والتهديد بخطر جسيم علي النفس أو المال أو بنشر فضيحة أو بافشاء أمور ماسة بالشرف اكراه أدبي.
لما كان ذلك، وكان الأصل أن الجرائم على اختلاف أنواعها إلا ما استثني بنص خاص جائز إثباتها بكافة الطرق القانونية ومنها البينة وقرائن الأحوال وأن جريمة الإكراه على توقيع سند مثبت لدين أو تصرف التي دين الطاعن بها لا يشملها استثناء، فإنه يجري عليها ما يجري على سائر المسائل الجنائية من طرق إثبات، ومن ثم فإن الحكم إذ استدل على نسبة هذه الجريمة للطاعن من أقوال المجني عليها وشاهدي الإثبات والتي لها مأخذها الصحيح من الأوراق، فإن استدلاله يكون سائغاً ومن شأنه أن يؤدى إلى ما رتبه عليه ولا يقدح في سلامة استدلال الحكم عدم ضبط المحررات محل الجريمة مادام أن المحكمة قد اقتنعت من الأدلة السائغة التي أوردتها ارتكاب الطاعن للواقعة، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير قويم. لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً، فلهــذه الأسبــاب حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.