من المشاكل الشائكة في عقود الإيجار التي تخضع للقانون المدني تتمثل في "تحديد مدة عقد الإيجار"، وأساس هذه المشكلة نص المادة 563 من القانون المدني والذي يتناول مشكلة عقد الإيجار غير محدد المدة إذا عقد الإيجار دون اتفاق على مدة أو عقد لمدة غير معينة أو تعذر إثبات المدة المدعاة، اعتبر الإيجار منعقدا للفترة المعينة لدفع الأجرة، وعرفت المادة 558 من القانون المدني عقد الإيجار بأنه عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم، وضمن خصائصه أن عقد الإيجار عقد مسمى يرد على المنفعة، ويعتبر من العقود الرضائية، وهو عقد معاوضة وملزم للطرفين وهو من عقود المدة.
فلا زال الحديث متواصلا ومتجددا حول إشكالية "عقد الإيجار" التى تشغل بال ملايين الملاك والمستأجرين حيث إن المشرع المصري من أوائل المشرعين فى المنطقة العربية الذين أولوا اهتماما بالغاَ لـ"الشروط الشكلية والموضوعية لقبول دعوى الاخلاء التى يجب مراعاتها بالنسبة للعقود المبرمة في ظل قوانين ايجار الأماكن"، باعتباره أحد أهم الأركان الجوهرية والأساسية للعلاقة بين أطراف "عقد الإيجار"، ومن المتوقع قريباً أن يستكمل المشرع ما ابتدئه من صدور القانون رقم 10 لسنة 2022 الخاص بتعديل قانون الإيجارات القديمة للأشخاص الاعتبارية وأن يتفرغ إلى الأمر الأكثر تعقيداً، وهو الجانب الخاص بالأشخاص الطبيعية، ولعل من أبرز ما تم مناقشته مؤخراً حول هذه الأزمة داخل أروقة مجلس النواب الفترة الماضية والتي نتابعها عن كثب مسألة "عقد الإيجار".
هل من الممكن أن تكون مده الابجار 80 سنه فأكثر؟
في التقرير التالي، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم ملايين الملاك والمستأجرين تتعلق بعقود الإيجار التي تخضع للقانون المدني - تحديد مدة عقد الإيجار، والإجابة على السؤال.. هل من الممكن أن تكون مدة الإيجار 80 سنة فأكثر؟ حيث إن الخلاف الدائم والمستمر في تفسير وتحديد المقصود بكلمة مشاهرة ليس جدلاَ عقيماَ أو ترفاَ فكرياَ، بل أنه إحدى المشكلات الشديدة الحساسية والخطورة، والتي ﻻ تؤثر فقط على العلاقة الإيجارية استمرارا وانتهاء، بل على مستقبل بعض الأشخاص ومصائرهم، يأتي ذلك فى الوقت الذى يشهد فيه ملف الإيجار القديم تطورات جديدة وهامة – بحسب الخبير القانوني والمحامى محمد أحمد عبد التواب.
في البداية – أعلنت الحكومة منذ عدة أشهر عن تشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأي العام، بهدف إجراء حوار مجتمعي بشأنه، قبل إقراره من البرلمان الذى حصل على إجازته البرلمانية منذ عدة أسابيع، وأيضا بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفى الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعي، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة، حيث تعتبر أزمة الإيجار القديم من الأمور التى ستظل تشغل بال الملايين بين المالك – المؤجر – والمستأجر في الوقت الذى لا تزال تتوالى ردود الأفعال حول مشروع القانون – وفقا لـ"عبد التواب".
لماذا يعتبر "تحديد مدة عقد الإيجار" من المشاكل الشائكة في الإيجارات؟
أولا: جرى العرف والقضاء على أن الحد الأقصى المسموح به لمدة عقد الإيجار هو ستون عاماً قياساً على مده حق الحكر إلا أنه يتعين تسجيل عقد الإيجار إذا زادت مدته عن تسع سنوات حسبما نصت المادة "11" من قانون الشهر العقارى رقم 114/1946 أما إذا قلت مدة عقد الإيجار عن 9 سنوات فيكفى إثبات تاريخ العقد حتى يكون نافذا فى مواجهة الغير.
ثانيا: أما إذا عقد الإيجار دون اتفاق على مدة أو عقد لمدة غير معينة أو تعذر إثبات المدة المدعاة اعتبر الإيجار منعقداً للفترة المعينة لدفع الأجرة وينتهى الإيجار بمجرد تنبيه أحد المتعاقدين على الآخر بالإخلاء فى المواعيد التى ذكرتها المادة 563 من القانون المدنى - طعن رقم 841/ 49 ق جلسة 27/2/1984 - فإذا كانت الأجرة تستحق شهرياً كانت مدة العقد شهر أما إذا كانت سنوية كانت مدة العقد سنة وهكذا.
ثالثا: أما عن عقود الإيجار المحددة بمدة وتجعل إنهاء عقد الإيجار رهنياً بمحض إرادة المستأجر فقط دون المؤجر كما لو كانت المدة محددة بصيغة: "مجدد تلقائياً دون الرجوع للمؤجر أو بصيغة ببقاء العقار على سطح الأرض، أو مستمر أو غير ذلك...".
فإن مثل تلك العقود تعد مؤبدة المدة وتعين اعتبار العقد – بعد انتهاء مدته الأولى – منعقداً للفترة المحددة لدفع الأجرة ويحق لكل من طرفيه طلب إنهاء العقد - طعن رقم 843 لسنة 65 ق جلسة 20/6/200 - إلا أننا نرى أن مثل تلك العقود تعد محدده المدة لأقرب الأجلين – بعد انقضاء مدته الأولى – إما بوفاة المستأجر أو بإعلان رغبته فى إنهاء العقد وسندنا فى ذلك أن القانون يسمح بأن ينعقد الإيجار لمدة حياة المستأجر أو المؤجر باعتبارها ليست مؤبدة ومن ثم حينما يتم الاتفاق على مده لعقد الإيجار تتجدد تلقائياً بإرادة المستأجر مما تكون معه حقيقة مدة الإيجار هى مدة حياة المستأجر ما لم يقم هذا الأخير بإعلان رغبته فى إنهاء العقد قبل ذلك، على أن ذلك مشروط بعد انتهاء المدة الأولى لعقد الإيجار – عدم امتداد العقد لورثه المستأجر من بعده – الكلام لـ"عبد التواب" .
رابعا: وعن عقود الإيجار محددة المدة بلفظ مشاهرة فإن مثل تلك العقود تكون مدتها شهر تنتهى بمجرد تنبيه أحد الطرفين على الأخر قبل النصف الأخير من الشهر، إلا انه إذا كان هناك مقدم إيجار مدفوع فإن مدة عقد الإيجار تكون باقية حتى ينتهى مقدم الإيجار المدفوع .
5 عناصر تفك "طلاسم" النزاع حول كلمة "مشاهرة"
كما أن هناك رأيان يتنازعان فى هذه المشكلة ولكل رأى وجاهته ويستند لبعض أحكام القضاء، حيث يتمثل الرأي الأول والذي يرى أن تفسير كلمة مشاهرة المقصود منها انعقاد عقد الإيجار لأقصى مدة ممكنة فيما لا يجاوز 60 عاما وحجته في ذلك أن:
أولا: أن عقود الإيجار ظلت ولفترة طويلة خاضعة لأحكام القوانين الاستثنائية وكان امتداد يتم وبقوة القانون، والتحول من إعمال أحكام قوانين الإيجارات الاستثنائية إلى أحكام القانون المدني، باعتبارها القواعد العامة استتبع ظهور بعض المشكلات العملية أهمها مطلقا حرص المستأجر على تدوين كلمة مشاهرة رغبة من المتعاقدين وعلى الأخص المستأجر فى التعاقد لمدة طويلة وليس لمدة شهر.
ثانيا: إن كلمة مشاهرة والتي يوردها المتعاقدان المؤجر والمستأجر فى عقدهما المحرر فى ظل القانون 4 لسنة 1996 - القانون المدني - يقصد بها حتماً أقصى مدة إيجار ممكنه يدعم ذلك ظروف التعاقد وطبيعة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والشخصية، باعتبار عقد الإيجار عقد ذى صبغة أسرية لا شخصية.
ثالثا: أن تفسير كلمة المشاهرة يجب أن يتم بما يتفق مع قواعد حسن النية فى التعامل وظروف كل تعاقد على حدة.
1- يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية.
2- ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضا ما هو من مستلزماته، وفقا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام، طبقا للمادة 148 من القانون المدنى.
رابعا: أن عقد الإيجار لأحكام القانون المدنى وأن كان يتسم بصفة التأقيت فى مدته إلا أن المشرع لم يعين مدة كحد أقصى لفترة الإيجار الخاضع لأحكام ذلك القانون، كما لم يحدد حدا أدنى، ومن ثم تجب إعمال إرادة المتعاقدين فى شأن تلك المدة والتى ترد بالعقد ما دامت لم تخالف نصا فى القانون كأن يكون المؤجر ليس له حق الإيجار إلا لمدة معينة كما فى حالة من يملك حق الإدارة فقط، وإذا ورد عقد الإيجار مؤبدا - لأجل غير مسمى - فإنه لا يجوز أن تزيد مدته فى أية حالة على ستين عام وإلا أنقص إليها أخذا بنظام مدة الحكر.
خامسا: يتحتم تحديد المقصود بكلمة مشاهرة فالمستفاد من نص المادة 563 من القانون المدني أن عقد الايجار قد يعقد دون بيان مدة العقد - خلو العقد من بيان مدته - وقد يعقد كذلك دون مدة معينة وأخيرا فأن نص المادة 563 من القانون المدني أجازت إثبات مدة عقد الإيجار بعيدا عن صلب عقد الإيجار ذاته.
ويستفاد ذلك من عبارة النص - أو تعذر إثبات المدة المدعاة - أى مدة عقد الإيجار، فمسائلة مدة عقد الإيجار هى مسألة يجوز إثباتها ونفيها إذا بعيدا عن صلب الإيجار، فمدة عقد الإيجار من الأمور التي يجوز التصدي لها قضاء من حيث تحديد تاريخ انتهاء مدة العقد، فللقاضي فى ضوء ظروف كل دعوى على استقلال أن يحدد متى ينتهى عقد الإيجار.
كلمة مشاهرة
في ضوء ما سبق يصبح الحكم المسبق على كلمة مشاهرة بأنها تعنى شهرا أو تعنى أقصى مدة لعقد إيجار، حكما غير صحيح قانونا، بل الصحيح هو تحديد معنى كلمة مشاهرة في ضوء كل حالة تعاقد على حدة، لأن كلمة المشاهرة بحاجة إلى تفسير، ففي بعض عقود الإيجار قد تعنى كلمة مشاهرة أن مدة عقد الإيجار شهرا، ويكون ذلك هو المعنى الحقيقي الذي أراده طرفي العقد المؤجر والمستأجر، وفى عقود إيجار أخرى قد يكون لكلمة مشاهرة معنى أقصى مدة لعقد الإيجار في ظل قواعد وأحكام القانوني المدني، وهى مدة 60 عاما قياس على امتداد حق الحكر الواردة بالمادة 999 من القانون المدني.
والمسألة أولا وأخيرا "إثبات ونفى"
ولا يمكن تفسير كلمة مشاهرة إلا ببيان ظروف التعاقد وملابساته، حيث إن التفسير أحد وسائل وطرق تطبيق القانون والقاضي ملزم في تفسير العقود تحديدا - ومنها عقد الإيجار - بالأخذ بما أراده المتعاقدان حقيقة دون أن يتقيد بالألفاظ والعبارات التي استعملاها، صحيح أنه يكون لا تفسير مع صراحة اللفظ والعبارة إلا أن ذلك رهين ومشروط بأن تكون الألفاظ والعبارات التي دونت بصلب العقد تعبر وبصدق عما أراده المتعاقدان - المؤجر والمستأجر - بالفعل، فالعبرة باللفظ أو العبارة التي تعبر عن الإرادة وما اتجهت إليه فإذا أراد المتعاقدان شيئا محددا ولم تعبر الألفاظ والعبارات التي استعملاها عنه، أو أدت لمعنى لذلك تحتم الأخذ بالإرادة الحقيقية للمتعاقدين.
ولمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تفسير جميع العقود والشروط بما تراه أوفى بمقصود المتعاقدين منهما دون أن تتقيد بألفاظهما مستعينة فى ذلك بجميع ظروف الدعوى وملابستها، ولها أن تستعين بالبينة والقرائن فى ذلك، طبقا للنقض 396 لسنة 49 ق جلسة 23/5/1981.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الأزمات، وذلك في الطعن المقيد برقم 941 لسنة 90 قضائية حيث رسخت فيه لمبدأ قضائيا بشأن تفسير الإرادة المشتركة للمتعاقدين في عقد الإيجار وترتيب ما هو مقرر في قضائها بتحديد مدته بـ60 عاما قياسا على الحكر في ضوء تمحيص المحكمة لإرادة المتعاقدين، وأن عقد الإيجار لا ينتهي إلا بعد مرور 60 عامًا تبدأ من تاريخ إبرام العقد، وهي أكثر مدة إيجار ممكنة طبقًا للقانون المدني، وذلك بشأن المدة القانونية لمستأجري العقارات بعقود لا تحدد المدة.
ملحوظة: هذا الحكم خاص بعقد دون سنة 1998 بدون مدة، ولذلك حددت مدته بـ 59 سنة فقط، وهذا الحكم منسوخ من أحكام أخري مماثله له وليس بجديد منعا للغلط.