تمثل قضايا الإيجارات واحدة من أنواع القضايا التي تهم ملايين الملاك والمستأجرين، فيعتبر عقد الايجار من أهم العقود القانونية حيث لا يخلو أي شخص من الارتباط بعقد من عقود الايجار سواء كان عقد إيجار سكنى أو إداري أو تجارى، ويمثل عقد الإيجار أهمية خاصة لصاحبه سواء كان مؤجرا أو مستأجرا، إذ يتعلق هذا العقد بمسكن الشخص وأسرته أو عمله وتجارته، ومع كثرة صدور التشريعات والقوانين الخاصة بالإيجارات، تظهر المشاكل سواء القانونية أو الاجتماعية الناتجة عن صدور تلك التشريعات المتلاحقة، وخاصة أن هذه التشريعات تمس الحياة اليومية لأكثر من 8 مليون شخص.
وأبرز هذه المشكلات المتعلقة بقضايا الإيجارات التي ستظل تشغل بال الملايين بين المالك "المؤجر" والمستأجر هي الثغرات التي تكون في عقد الإيجار الجديد، وذلك في الوقت الذي لا تزال تتوالى ردود الأفعال حول مدى اقتراح قوانين لـ"تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر"، وكذا "قانون الإيجارات القديمة"، الأمر الذي يزيد معه الحالة ترقبا لما سيجرى اقتراحه وإقراره من تشريعات جديدة خلال الفترة المقبلة، مع مراعاة أهمية وحساسية وخطورة المساس بهذا القانون، فضلا عن مراعاة التوازن بين مصلحة الطرفين المالك والمستأجر.
3 ثغرات في عقد الايجار الجديد تضعك في مأزق
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بالثغرات التي تكون في عقد الإيجار الجديد، خاصة بعد أن أثبت التطبيق العملي للقانون رقم 4 لسنة 1996 والخاص بعقد الايجار الجديد، وجود ثغرات فى مواد القانون تثير مشكلات بين طرفى العلاقة الايجارية، ومنها عدم سداد المؤجر لإيجار الوحدة السكنية، أو عدم اخلائها بعد انتهاء مدة التعاقد، فقد أحال القانون النزاع بين الطرفين للقانون المدني، أو الامور المستعجلة وفقا لاتفاق الطرفين ضمن بنود التعاقد – بحسب الخبير القانوني والمحامي محمد شريف فاروق.
في البداية – 1-لو حضرتك عن المؤجر، فحاول بقدر الإمكان أن تكتب هذه العبارة في العقد: "يكون الوفاء بالأجرة في موطن المؤجر"، لماذا؟ لأن خلو العقد من هذه العبارة يعنى إن الوفاء بالأجرة سيكون في موطن المستأجر "الفقرة الثانية من المادة 586 من التقنين المدني"، يعني المؤجر هو الذى سيسعى للمستأجر من أجل أن يتحصل على أجرته، وبالتالي لو رفعت دعوى فسخ استنادًا على الشرط الفاسخ الصريح، وذلك سيدفع المستأجر بأنك لم تسع لموطنه لتحصيل الأجرة، وبالتالي ستكون أنت كمؤجر السبب في عدم تنفيذ المستأجر التزامه، وبالتالي سيعطل إعمال الشرط الفاسخ الصريح، والمحكمة ستطبق سلطتها التقديرية في الفسخ، أو بعبارة تانية ستتمسك بإعمال قواعد الفسخ القضائي، بمعنى أخر لو نفذ التزامه وعرض الأجرة كاملة قبل صدور حكم نهائي، العقد لن يتم فسخه – وفقا لـ"فاروق".
تضمين العقد عبارة: "يكون الوفاء بالأجرة في موطن المؤجر"
2-لو حضرتك عن المستأجر، فتأكد من صياغة مدة العقد وتكون واضحة ومحددة، لأنك لو كتبت إن مدة العقد 3 سنوات قابلة للتجديد "لمدد أخرى"، فهذا معناه إن بعد 3 سنين العقد سيتجدد العقد للمدة المحددة لدفع الأجرة وليس 3 سنوات بمعنى أدق: "لو بتدفع شهريا هيتجدد العقد شهر بشهر، فلازم تكتب قابلة للتجديد (لمدة أخرى مماثلة)"، وهذا معناه إنه سيتجدد مرة أخرى 3 سنوات، ولكن هناك ملاحظتين يجب وضعهما في عين الاعتبار في هذا الشأن كالتالي – الكلام لـ"فاروق":
ملحوظة رقم (1): لو كتبنا إن مدة العقد "مشاهرة " أو "مشاهرة طوال حياة المستأجر " أو "الإيجار ينتهي بوفاة المستأجر" أو "مستمرة دون الرجوع للمؤجر " أو "مفتوحة".. دي كلها معناها إن مدة العقد هي مدة دفع الأجرة.
ملحوظة رقم (2): في بعض المحامين يصيفوا المدة بعبارات واضحة ومحددة، بالشكل الذي أوضحناه، ولكن أيضا يقوموا بإضافة عبارة بعدها كالتالي: "ما لم ينبه الطرف الثاني (المستأجر) بإنهاء العقد " أو " وللمستأجر وحده الحق في طلب إنهائه " أو " ولا يجوز للمؤجر إنهاء الإيجار إلا بموافقة المستأجر " اعتقادًا منه إنه يحمي المستأجر من المؤجر، لكن في الحقيقة هذه العبارات تفسد مدة العقد، وبذلك سنرجع مرة أخرى لنقطة الصفر، وسيتجدد العقد للمدة المحددة لدفع الأجرة.
ثغرات القانون الحالي
كما أنه بصدور القانون رقم 4 لسنة 1996 والذى احال العلاقة الايجارية بين المؤجر والمستأجر الى القانون المدني، استبشر المواطنون خيرا بهذا القانون الذى ألغى حقبة من القوانين الاستثنائية، التى حكمت العلاقة الايجارية لسنوات طويلة، والتى منى فيها المؤجر بالغبن البين، ولكن التطبيق العملى لهذا القانون تبينت فيه ثغرات عدة، ومن ثغرات هذا القانون على سبيل المثال، حالة انتهاء العلاقة الايجارية وإن كانت هذه الحالة تم علاجها بالقانون رقم 137 لسنة 2006 والذى نص فيه على أن عقد الايجار الموثق بالشهر العقاري يحصل على الصيغة التنفيذية ويتم تنفيذ الاخلاء دونما الحاجه الى حكم قضائي.
ولكن هناك ثغرة أخرى لم يعالجها هذا القانون وهى حالة عدم سداد القيمة الايجارية، ففى هذه الحالة فإن المؤجر لو ذهب الى القضاء الموضوعي طالبا فسخ عقد الايجار وطرد المستأجر لعدم سداد القيمة الايجارية، ففى هذه الحالة سيتم فتح الباب للمماطلة والتسويف واضاعة حق المؤجر ووقوع الظلم البين عليه، لأن فى مثل هذه الحالة حتى يستطيع المؤجر الحصول على حكم قضائي موضوعى نهائي، بطرد المستأجر قابل للتنفيذ فإنه سيمكث عدة سنوات قد تصل الى خمسة أو ست سنوات، أو ربما أكثر فى حين أن العلاقة الايجارية مدتها قد تكون سنة أو سنتين أو ثلاثة على الأكثر، ففى هذه الحالة سيظل المستأجر مقيما بالوحدة السكنية موضوع عقد الايجار دون أن يدفع القيمة الايجارية مدة قد تزيد فى اغلب الاحيان عن مدة العلاقة الايجارية ذاتها، وهذا الأمر يعد ظلما فادحا للمؤجر، ويعتبر اهدارا لحجية للقانون رقم 4 لسنة 1996 ـوتفريغا لمضمونه واعادة العلاقة الايجارية الى أسوأ ما كانت عليه قبل القانون رقم 4 لسنة 1996.
ضرورة اختصاص القضاء المستعجل
فلابد من إيجاد علاج حاسم لهذه الثغرة وتحقيقا للعدالة بين طرفي العلاقة الايجارية، من خلال اصدار تشريع ينص صراحة على اختصاص القضاء المستعجل بنظر الدعاوى الناشئة عن العلاقة الايجارية المبرمة فى ظل القانون رقم ـ4 لسنة 1996 وحتى صدور هذا التشريع نهيب بقضائنا المستعجل نظر هذه الدعاوي، حيث أنها يتحقق فيها شروط الاستعجال من رجحان وجود الحق وتحقق الاستعجال، وذلك من ظاهر الاوراق دون المساس بأصل الحق.
فالمؤجر عندما يلجأ للقضاء المستعجل طالبا طرد المستأجر لعدم سداد القيمة الايجارية، ولم يقدم المستأجر الايصال الدال على السداد فإن الشرط الفاسخ للتعاقد قد تحقق، وعليه يجب اجابة المؤجر لطلبه خصوصا إذا كان عقد الايجار منصوصا فيه على اختصاص القضاء المستعجل بنظر النزاعات الناشئة عن هذا العقد، ولكن مطلوب تعديل تشريعى ينص صراحة على اختصاص القضاء المستعجل بالنظر فى مثل هذه الاشكالية خاصة مع توافر ركن العجلة فى طبيعة النزاع؛ خاصة أن القانون شجع على طرح الوحدات السكنية المغلقة للإيجار محدد المدة، بما يسهم في حل مشكلة الاسكان ومواجهة الغلو في أسعار وحدات التمليك.