قبيل شهر رمضان المعظم، وإزدياد الإقبال على شراء اللحوم وتخزينها لمواجهة ارتفاع الأسعار الغير مسبوق، تواصل مديريات الأمن على مستوى محافظات الجمهورية، بالتنسيق مع مباحث التموين لضبط الأسواق، الضربات الأمنية المتلاحقة للتصدى لعمليات تهريب السلع منتهية الصلاحية والمغشوشة، حيث يتم ضبط عشرات الأطنان يومياَ من لحوم ودواجن يشتبه فى كونها غير صالحة للاستهلاك الآدمى، داخل ثلاجات لحفظ السلع الغذائية، حيث يتبين من التقارير الطبية أن المضبوطات يوجد بها تغير فى خواصها الطبيعية، وتشكل خطرا على الصحة العامة للمواطنين.
ورغم ذلك - تعددت خلال الفترة الماضية وقائع ذبح الحمير، فبين الحين والآخر، تقوم الدنيا ولا تقعد، بعد الإعلان عن اكتشاف رؤوس حمير سواء فى مقالب القمامة، أو حمير مسلوخة ملقاة فى الطرقات، أو المصارف، خشية تسربها لمحال الجزارة وبيعها على أنها لحوم بلدي، تلك الوقائع المتعددة فى محافظات مختلفة بالوجه البحرى والقبلى، وكان أكثر ما أثار حفيظة الشعب المصرى خلال الأيام الماضية هو تسريب فيديو لأحد الأشخاص أدعى البعض أنه صاحب إحدى محلات السمين بمنطقة السيدة زينب، بأن جميع المحلات تستعمل لحوم الحمير لبيعها على أنها لحوم عجول، إلا أنه تم القبض عليه بعد مطالبات رواد مواقع التواصل الإجتماعى، لاتهامه بانتحال الصفة ونشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم الإجتماعى، إلا أنه أيضا بعدها مباشرة قامت الأجهزة الأمنية بتشميع وغلق إحدى هذه المحلات الشهيرة بمدينة نصر لبيعها لحوم مغشوشة ومنتهية الصلاحية.
بعد أزمة أكل لحم الحمير.. إشكالية تناول لحم الكلاب بين الإباحة والتجريم
الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد – فبعد حالة الجدل التي انتشرت خلال الساعات الماضية، حول حكم الشرع في أكل لحم الحمير والخيول والكلاب، أعاد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، تداول تصريح قديم لأحد شيوخ الأزهر الشريف، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، يقول فيه إن الإمام مالك بن أنس اعتبر الكلب طاهرًا وليس نجسا، وبالتالي أكل لحم الكلاب جائز لأنها طاهرة، وذلك عند الإمام مالك، الأمر الذى أثار حفيظة رواد مواقع التواصل الإجتماعى "فيس بوك" و "تويتر"، ليؤكدوا أن الأمر أنتقل من أزمة تناول لحوم الحمير إلى تناول لحوم الكلاب وجوازها لدى بعض علماء الدين، ما يحتاج معه لوقف قانونية وشرعية دينية، لكى ننهى النزاع في تلك الإشكالية.
من جانبه – قال الخبير القانونى والمحامى بالنقض ميشيل إبراهيم حليم - أن ذبح الحمير والكلاب محظور بالقرار الوزارى رقم 517 الصادر فى عام 1986، الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، والذى نص فى المادة رقم (3) منه على أنه لا يجوز أن يذبح لغرض الاستهلاك الآدمى العام سوى الأبقار، والجاموس، والماعز، والجمال، والخنازير، والدواجن، ولا يتم الذبح إلا فى المجازر، ونقط الذبح المحددة طبقا للمادة رقم (1) من ذات القرار، والتى يتم إنشاؤها بقرار من وزير الزراعة، بتحديد المدن، أو الأحياء، أو القرى التى تدخل فى نطاق كل مجزر، بقرار من المحافظ المختص، بناء على اقتراح من مدير عام الطب البيطرى بالمحافظة، وبالتالى فإن ذبح الحمير بغرض الاستهلاك الآدمى يمثل مخالفة للقانون، ويعرض صاحبها للمحاسبة والمساءلة.
ذبح الحمير والكلاب محظور بالقرار الوزارى رقم 517 الصادر فى عام 1986
وبحسب "حليم" فى تصريح لـ"برلمانى" - ينبغى على المستهلك، مراجعة الأختام على جسم الذبيحة المعلقة بمحل الجزارة، حيث تكون مختومة بأختام لا يمكن محوها، فإذا تمكن المستهلك من إزالتها بقليل من الماء تكون اللحوم مغشوشة، كما أن أختام اللحوم تكون مقروءة، ومدونا عليها بعض التفاصيل، مثل اسم المحافظة، والمجزر، ويوم الذبح، ونوع الذبيحة "بقرى - جاموسي- جملي- غنم" وهكذا، فضلا عن وجود علامة سرية ضمن محتويات ختم اللحوم، أما إذا كانت اللحوم على هيئة قطع، فينبغى على المستهلك مراجعة البيانات على عبوة اللحم، والتأكد من أنها تتضمن بيانات باسم الشركة المنتجة، وعنوانها، والقرار الوزارى المرخص لها بالتعبئة بموجبه، بحيث يستطيع المستهلك تتبع المنتج، والتقدم بشكوى ضد الشركة المنتجة، حال ثبوت اية مخالفات، ومن ثم مساءلتها وفقا للقانون واللوائح.
مخاوف مشروعة
ذبح لحوم الحمير وغيرها لا تمثل ظاهرة - على حد قول "حليم" - لكنها تمثل حالات فردية، حيث يتم العثور بين الحين والآخر على حمير مذبوحة و "مسلوخة"، وملقاة فى الشارع، غير أن ذلك لا يمنع من وجود شكوك ومخاوف من تسرب بعض من لحوم الحمير للمحال وبيعها "مفرومة"، ولذلك ينبغى عدم شراء اللحم المفروم إلا من خلال مصادر موثوق بها، أو شراء اللحوم على هيئة قطع، وأن يقوم المستهلك بفرمها بنفسه، للتأكد من سلامة مصدرها، وعدم غشها بلحوم الحمير.
قانونيون: الاتجار بلحم الحمير عقوبته تصل للحبس 3 أعوام.. ويمكن أن يصل للمؤبد
وعن العقوبات المقرر – قال "حليم" – إنه لا يوجد فى قانون العقوبات المصرى مادة صريحة تعاقب على الاتجار فى لحوم الحمير والكلاب، ولكن جريمة الاتجار فى لحوم الحمير والكلاب تقع تحت طائلة جريمة الغش التجارى والشروع فى بيع سلع غير صالحة للاستهلاك الآدمى على المواطنين بقصد التربح السريع، حيث أن الاتجار فى لحوم الحمير يشبه الاتجار فى المخدرات، فالمشرع لم يحدد عقوبة لكل نوع من أنواع المواد المخدرة التى يتم الاتجار فيها، ولكنها أدرجت جميعها تحت بند الاتجار فى المواد المخدرة، ويوضع بين قوسين نوع المادة المخدرة التى يتم الإتجار فيها، وهكذا يتم التعامل مع المتاجرين فى لحوم الحمير.
ووفقا للخبير القانوني، فإن الغش التجارى وبيع سلع غير صالحة للاستهلاك الآدمى يعد جنحة وتصل عقوبتها وفقًا لقانون العقوبات المصرى ما بين سنة لـ 3 سنوات وغرامة مالية قد تصل لـ10 آلالف جنيه، وهى تقديرية للقاضى حسب عقيدته - وحسب وقائع الدعوة المنظورة أمامه – حيث أنه قد يحصل التاجر فى السلع غير الصالحة للاستهلاك على البراءة، إذا ما ثبت عدم نيته بيع تلك السلع أو أنها فسدت نتيجة عوامل طبيعية وليس له دخل فيها، واستقر فى ذهن المحكمة أن المتهم لم يكن على دراية بفساد تلك السلع، وهذا غير جائز مع المتاجرين فى لحوم الحمير، لأن الاتجار فى تلك اللحوم يكون بمحض إرادة المتهم.
ذبح الحمير وبيعها لحومها يندرج تحت طائلة قانون الغش التجارى
وفى سياق أخر – قال الخبير القانونى المحامى بالنقض ياسر سيد أحمد – إن الإتجار بلحوم الحمير والكلاب، يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، حيث يواجهه المتهمون تهم الغش التجاري وبيع سلع فاسدة والذبح بدون ترخيص، ومن ثم فهي جنحة، تتراوح مدة عقوبتها بين الحبس لمدة 24 ساعة وحتى 3 أعوام، ولأجل ذلك يجب أن تكون هناك عقوبات مغلظة في هذا الشأن خاصة بعد إلغاء قانون الطوارئ الذى كان من الممكن أن يضاعف عقوبة تلك الجريمة.
ويضيف "أحمد" في تصريحات صحفية خاصة - إنه في حال الإضرار بصحة المواطنين قبل عملية إلغاء قانون الطوارئ كان من الممكن مضاعفة العقوبة لتصل من جنحة إلى جناية، التي تبدأ من السجن لثلاثة أعوام وحتى المؤبد، فضلا عن الغرامة التي قد تصل إلى 10 ألاف جنيه، كونها يمكن أن تؤدي إلى الوفاة، إلا أنه في حقيقة الأمر لا يوجد نص قانون محدد عن الاتجار وبيع لحم الحمير والكلاب، ولذلك فهو يدخل ضمنيا في قانون الغش التجاري وبيع سلع غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وفي حال وجود أذى على المواطنين تكون العقوبة بحسب الضرر بالصحة العامة.
الخلبير القانونى والمحامى بالنقض ياسر سيد أحمد
ما هي العقوبة إذا تم إصابة شخص بعاهة مستديمة من تلك الأغذية الفاسدة؟
نصت المادة 4: "إذا نشأ عن ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المواد 1, 2, 3, 3مكررا من هذا القانون إصابة شخص بعاهة مستديمة فتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن 25 ألف جنيه ولا تجاوز 40 ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، وإذا طبقت المحكمة حكم المادة 17 من قانون العقوبات فى هذه الحالة فلا يجوز النزول بالعقوبة المقيدة للحرية عن الحبس مدة سنة واحدة"، وإذا نشأ عن الجريمة وفاة شخص أو أكثر تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر – الكلام لـ"أحمد".
هل هناك عقوبات تبعية العقوبة الأصلية لتلك الجرائم؟
نصت المادة 8 المستبدلة بالقانون 281 لسنة 1994: "تقضى المحكمة في حالة الحكم بالإدانة في إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة بنشر الحكم في جريدتين يوميتين على نفقة المحكوم عليه".
الإفتاء: الحمير لا يجوز أكلها أو ذبحها
وكانت دار الإفتاء المصرية أكدت حرمانية ذبح الحمير والكلاب للاستخدام الآدمي، حيث إنه لا يجوز أكلها أو ذبحها، ولكنه جائز مع الكراهة عند المالكية، مضيفة أنه عن جابر بن عبدالله رضى الله عنه، قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم خيبر، عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل"، وعن أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنهما قالت: "نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ونحن في المدينة" متفق عليهما، واستندت الإفتاء، إلى الحديث الوارد فى البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر مناديا فنادى: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس، فأكفئت القدور وهى تفور باللحم".
كما قالت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، إن أكل لحم الكلاب والقطط غير جائز شرعًا، وهو ما يؤكده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكل كل ذي ناب من السباع حرام"، وأضافت اللجنة فى بيان سابق لها: "ما ورد في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع..."، ويدخل في كل ذى ناب: الكلب والهر أي: (القط) كما وروى الترمذي وأبو داود من حديث جابر - رضي الله عنه - وغيره قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الهر......" (القط)".
وانطلاقا من هذا التأصيل الشرعى، أكدت اللجنة أن ما أثير مؤخرًا من جواز أكل لحم الكلاب والقطط والحمير منسوبًا إلى مذهب المالكية غير صحيح، بل الصحيح في مذهب المالكية ما جاء في موطأ الإمام مالك من حرمة أكل الكلاب والقطط وكل ذي ناب من السباع، كما هو مذهب الجمهور، ففى الموطأ - رواية يحيي- قال: باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، وتابعت اللجنة: أن الإمام مالك قال: وهو الأمر عندنا- يعني أهل المدينة- وهذا هو القول الراجح لقوة دليله وموافقة الجمهور، وعليه: فيحرم أكل لحم الكلاب والقطط، وما ينسب إلى مذهب السادة المالكية من إباحة الأكل غير صحيح.
وأضافت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية فى بيانها: "وفيما يتعلق بما صدر على لسان الشيخ عبد الحميد الأطرش، فى إحدى الفضائيات بجواز أكل لحوم الكلاب والقطط فهو رأيّ غير صحيح ولا يمثل رأي الأزهر الشريف"، ونبه المجمع جميع وسائل الإعلام، بأن هذا الشيخ ليس له أدنى صلة بلجنة الفتوى وأن ما يصدر عنه من آراء مثيرة للجدل لا يعبر فيها إلا عن نفسه ورأيه الشخصى.
تصريح شيخ أزهرى بشأن أكل لحوم الكلاب
أما عن أزمة أحد شيوخ الأزهر الشريف وتعليقه عن الأزمة فكانت خلال فيديو لها منذ عام 2017، ردا على سؤال أحد المتابعين نصه: هناك امرأة عذبت هرة فدخلت النار، وهناك البعض بيفتي خلال هذه الأيام بسبب غلاء أسعار اللحوم، بأكل لحوم الكلاب والقطط والأحصنة، ويمكن أكل هذه الحيوانات، فهل هذا حرام أم حلال؟.
فرد عليها الشيخ: "هناك ثلاث نقاط، فهناك شيء اسمه الحكم على الفرع والحكم على الأصل، ومن ثم مينفعش تحكم على الفرع وأنت مش متفق معاك على الأصل، فلو أصل الحيوان نجس يبقى لن نتكلم عن أكله، يبقى خلصت القصة، فهل الكلب نجس؟"، مجيبا: عند جمهور الفقهاء من الأحناف والشافعية والحنابلة أن الكلب نجس، ما عدا المالكية وهم اللي جابو لنا الكلام.
واستطرد قائلا: المالكية قالوا الكلب ليس نجسا، فعند الإمام مالك أكل لحم الكلاب جائز؛ لأنها طاهرة، وهذا ليس كلامي يا بتوع السوشيال ميديا ولكن كلام الإمام مالك، أما الحُمر فهم نوعان، حمر أهلية وحمر وحشية، فالحمار المخطط يجوز أكله، والحمار الأهلي لا يجوز.