التفتيش هو البحث عن الحقيقة في مستودع السر، ولقد أجازه المشرع في قانون الإجراءات الجنائية متي توافرت قرائن على أن المتهم يخفي معه أشياء تتعلق بجريمة وقعت، واكتفى في هذا الشأن بإذن النيابة العامة، وهو ما نصت عليه المادتان 94، 199 إجراءات جنائية، والأصل أن ينصرف التفتيش إلى المتهم إذا تم اتهامه بجريمة دلت القرائن أنه يخفي أدلتها، لكن قد يكون مبررا لتسلل إلى حياته الخاصة وانتهاك أسراره بالتفتيش، ومسألة التفتيش من المسائل التي تتضمن بعض الحالات الخاصة التي قد تثير إشكاليات في الواقع العملى.
أما فكرة تفتيش المسكن، وهو لا يجوز بغير إذن من النيابة العامة استنادا لحالة التلبس والذى قضى بعدم دستوريته عام 1984 لا يجوز إلا بإذن قضائى مسبب، أما حكم المتجر أو المحال يجب التفريق بين أمرين تفتيش المتجر وبين دخول المتجر أو المحل العام، فهذا أمر وهذا أمر أخر، فإذا كان هناك سند قانون لتفتيش صاحب المتجر أن كان في حالة تلبس يكون جائز والتفتيش يكون بدون إذن لأن حرمة المتجر من حرمة حائزه أو صاحبه، أما الدخول المحال العامة يجوز للرجال السلطة العامة لمراقبة تنفيذ القوانين واللوائح بشرط أن يكون ذلك أثناء الوقت المحدد لممارسة النشاط، وغير ذلك لا يجوز .
هل يجوز دخول المحال العامة وتفتيشها ومن له الحق في ذلك؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" على إشكالية في غاية الأهمية من خلال الإجابة على حزمة من الأسئلة تتعلق بالأزمة أبرزها مدى جواز دخول المحال العامة وتفتيشها ومن له الحق في ذلك؟ ومن له صفة الضبطية القضائية؟ وماهي المخالفات التي يتم اغلاق المحل العام بسببها؟ ماهي حدود وضوابط التفتيش؟ ورأى محكمة النقض في تلك الإشكالية، وذلك بالتزامن مع صدور قانون المحال العامة رقم 154 لعام 2019، الأحد الماضى، ليصبح بذلك ملزماً للأطراف المعنية، وشمل القرار 83 نشاطاً تجارياً تتطلب موافقة أمنية للممارستها – بحسب الخبي رالقانونى والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى.
في البداية - تضمن قانون المحال العامة ولائحته التنفيذية أنه يجوز لمأمورى الضبط القضائى التفتيش على المحال دون إخطار مسبق، فوفقا للمادة "34" من اللائحة التنفيذية لقانون المحال العامة "لمأمورى الضبط القضائى التفتيش على المحال دون إخطار مسبق، ولهم الدخول إلى هذه المحال والإطلاع على كافة الأوراق ويتم إثبات ما ينجم عن التفتيش من مخالفات في محضر معد لذلك، ويتعين على مأموري الضبط القضائي إنذار المخالف لإزالة المخالفات خلال مدة تمنح بحسب طبيعة تلك المخالفات والمدة اللازمة لإزالتها بما لا يجاوز 6 أشهر من تاريخ ضبطها، ويحرر محضر بما تم من إجراءات عند انتهاء المدة الممنوحة المشار إليه أن ولا يرسل المحضر إلى جهات الاختصاص إلا بعد انتهاء هذه المدة مرفقًا به ما قام به المخالف من إجراءات – وفقا لـ"الجعفرى".
من له صفة الضبطية القضائية؟
أما للإجابة على السؤال من له حق الضبطية القضائية - وفقا للمادة 28 من قانون المحال العامة: "يجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع رئيس اللجنة منح بعض موظفي مراكز التراخيص صفة مأموري الضبط القضائي وذلك بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون والقرارات المنفذة له، ويكون لهم الدخول إلى هذه المحال للتفتيش عليها، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون إجراءات فحص المحال، وإثبات ما ينجم عن الفحص من مخالفات، وما يحرر في شأنها من محاضر ترسل لجهات الاختصاص – الكلام لـ"الجعفرى".
ووفقا للفقرة الأخيرة من المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية: "ويجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة إلى الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم، وتعتبر النصوص الواردة في القوانين والمراسيم والقرارات الأخرى بشأن تخويل بعض الموظفين اختصاص مأموري الضبط القضائي بمثابة قرارات صادرة من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص.
ما هي المخالفات التي يتم اغلاق المحل العام بسببها؟
وفقا للمادة 24 من ذات القانون: يجوز غلق المحل العام إداريا في الأحوال الآتية:
1- مخالفة أحكام المواد أرقام (2، 11، 12، 19، 20،23) من هذا القانون.
2- ممارسة أفعال مخلة بالنظام العام أو الآداب العامة.
3- مخالفة شروط السلامة أو الصحة المهنية أو الحماية المدنية.
4- مزاولة النشاط التجاري خارج حدود المحل المحددة بالترخيص سواء كان ذلك بالطريق العام أو الأرصفة المجاورة أو غيرها على نحو يشغلها بالكامل أو جزء منها دون ترخيص.
5- إذا أصبح المحل غير مستوف للاشتراطات التي يتطلبها هذا القانون.
6- عدم تقديم البيانات والمعلومات المطلوبة نفاذا لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية.
7- لعب القمار أو تداول أو بيع مشروبات روحية أو مخمرة أو كحولية، بالمخالفة للقانون.
8- إذا نجم عن مباشرة النشاط التجاري إزعاج جسيم يضر براحة القاطنين المجاورين له.
9- مخالفة الضوابط التي تصدرها اللجنة بشأن مزاولة النشاط.
وفيما عدا البندين رقمي (2،7) لا يصدر قرار الغلق إلا بعد إنذار المسئول عن المحال المرخص بها بالغلق الإداري بخطاب موصى عليه بعلم الوصول أو بأي وسيلة أخرى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون تحقق علم ذوي الشأن، فإذا انقضت مدة 15 يوما دون تلافي أسباب المخالفة، يصدر المركز المختص قرارا مسببا بالغلق الإداري ينفذ بمجرد صدوره، ويستمر الغلق حتى صدور قرار من المركز بالفتح بعد تصحيح المخالفة أو استيفاء الاشتراطات المقررة بحسب الأحوال، على ألا تقل مدة الغلق عن شهر.
ما هي حدود وضوابط التفتيش؟
طبقا للمادة 50 من قانون الإجراءات الجنائية: "لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات أو حصول التحقيق بشأنها، ومع ذلك إذا ظهر عرضا أثناء التفتيش وجود أشياء تعد حيازتها جريمة، أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى، جاز لمأمور الضبط القضائي أن يضبطها".
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لإشكالية دخول المحال وتفتيشها في عدد من أحكام أبرزها الطعن المقيد برقم الطعن رقم 899 لسنة 31 قضائية - بتاريخ 15 يناير 1962 – حيث ذكرت في حيثيات حكمها: متى كان هناك إذن من سلطة التحقيق بتفتيش المتهم، فإن تفتيش محل تجارته بمقتضى هذا الإذن يكون صحيحاً - ذلك أن حرمة محل التجارة مستمدة من إتصاله بشخص صاحبه أو بمسكنه، و من ثم فإن ما قضى به الحكم المطعون فيه - من بطلان تفتيش محل تجارة المتهم تأسيساً على أن إذن النيابة بالتفتيش إنما ورد على شخصه و مسكنه و مسكن أشقاء زوجته دون أن يرد فيه ذكر لمتجره الذى ضبط فيه المخدر - لا يكون صحيحاً فى القانون .
طعن أخر عن تفتيش المحال ودخولها
وهناك طعن أخر مقيد برقم 1586 لسنة 39 - بتاريخ 24 نوفمبر 1969 – حيث ذكرت في حيثيات حكمها: التفتيش المحظور هو ما يقع على الأشخاص و المساكن بغير مبرر من القانون، أما محل التجارة فلا يمكن القول ببطلان تفتيشه إلا على إعتبار إتصاله بشخص صاحبه أو مسكنه، و ما دام أن لمأمور الضبط القضائى أن يفتش المتهم فلا يقبل الطعن ببطلان تفتيش هذا المحل .
طعن ثالث عن إشكالية تفتيش المحال العامة ودخولها
وفى طعن ثالث لمحكمة النقض قيد برقم 3778 لسنة 57 قضائية – جلسة 7 فبراير 1989 – قالت في حيثيات الحكم: من المقرر أن لرجال السلطة العامة فى دوائر إختصاصهم دخول المحال العامة أو المفتوحة للجمهور لمراقبة تنفيذ القوانين و اللوائح و هو إجراء إدارى أكدته المادة 41 من القانون رقم 371 لسنة 1956 فى شأن المحال العامة بيد أنه مقيد بالغرض سالف البيان و لا يجاوزه إلى التعرض لحرية الأشخاص أو إستكشاف الأشياء المتعلقة غير الظاهرة ما لم يدرك مأمور الضبط القضائى بحسه قبل التعرض لها كنه ما فيها بما يجعل أمر حيازتها أو إحرازها جريمة تبيح التفتيش فيكون فى هذه الحالة قائماً على حالة التلبس لا على حق إرتياد المحال العامة و الإشراف على تنفيذ القوانين و اللوائح .
تفتيش المحال العمومية.. يبين نطاق وضوابط ذلك التفتيش
وفى حكم رابع وضعت محكمة النقض 4 شروط لتفتيش المحال في الطعن المقيد برقم 30812 لسنة 67 القضائية حيث يخلص الطعن في التالى:
1- المحلات العامة والتجارية لا يستلزم دخولها وتفتيشها إذنا من النيابة بل استلزام الإذن خاصا بالمنازل السكنية فقط.
2- ودخولهم - اي مآموري الضبط - لهذه المحال في دوائر اختصاصه ولمراقبة تنفيذ القوانين واللوائح وهذا الاجراء مقيد بهذا الغرض.
3- ولا يجوز للضابط أو لمأمور الضبط أثناء مباشرة هذا الاجراء التعرض لحرية الأشخاص أو اكتشاف الأشياء المغلقة غير الظاهرة ما لم يدرك كنه ما فيها بحسه، وذلك قبل التعرض لها
4- إجازة تفتيش الشخص تشمل تفتيش محل تجارته، لأنها حرمتها مستمدة من الاتصال بشخصه.
الخبير القانونى والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى