مئات القضايا التي تنظرها محاكم الجنايات والنقض بشأن اتهام موظفين عموميين فيها بتسهيل الإستيلاء علي مال عام وتحصيل ربح ومنفعة من أعمال الوظيفة، والإضرار العمدي بالمال العام، لأنه تعاقد بالأمر المباشر مع أحد منتجي الخدمات على توريد منتج بعينه اتضح فساده وعدم الحاجة إليه دون إجراء مناقصة أو مزايدة، مما يعرض الموظف للمسألة القانونية، وذلك على الرغم أن القانون أجاز للموظف العام التعاقد بالأمر المباشر في بعض الظروف وفى أضيق الحدود.
وتنص المادة 60 من قانون العقوبات على أن: "لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة"، كما تنص المادة 63 من ذات القانون علي أن: "لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية: أولا: إذا ارتكب الفعل تنفيذا لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه، ثانيا: إذا حسنت نيته وارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه، وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة".
مدى قانونية استخدام الموظف العام التعاقد بالأمر المباشر؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية مدى جواز استخدام الموظف العام الحق في التعاقد بالأمر المباشر، وذلك أن المشرع وضع سبب إباحة عام وأخر خاص، أما الأول فهو استعمال الحق، وأما الآخر فهو خروج الموظف عن حدود وظيفته متي كان يعتقد أن ما ارتكبه من فعل يطابق القانون أو أن إجراءه من اختصاصه متي كان حسن النية، وتثبت وتحري فأعتقد خطأ مشروعية الفعل، ففي هذه الحالة فإنه ولئن كان فعل الموظف يشكل في الأصل جريمة إلا أنه لا يعاقب لتوافر سبب إباحه، أما في الحالة الأولى فلا جريمة في الأصل متي التزم الموظف حدود الحق لأن ما يأذن به القانون لا يصح أن يكون محل للعقاب، كما أن الاباحة والتأثيم لا يسوغ أن ترد على محل واحد في آن واحد – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - علي الرغم من اختلاف الحقان – سالفى الذكر - إلا أن القضاء يخلط بينهما بل يعتبرهما صنوان في اباحة الفعل سيما، إذ وقع الفعل من موظف عام، ولقد عُرض علي محكمة الجنايات واقعة كانت النيابة العامة قد اتهمت موظف عام فيها بتسهيل الاستيلاء علي مال عام وتحصيل ربح ومنفعة من اعمال الوظيفة والإضرار العمدي بالمال العام، لأنه تعاقد بالأمر المباشر مع أحد منتجي الخدمات علي توريد منتج بعينه اتضح فساده وعدم الحاجة إليه دون إجراء مناقصة أو مزايدة، مما ترتب عليه تظفير المنتج بربح والإضرار بأموال الدولة، وذلك بعد أن اتهمه رئيسه في العمل بذلك الاتهام، ولكن دفع الموظف أن اللوائح والقوانين تجيز له في تلك الحالات التعاقد بالأمر المباشر وأنه تثبت وتحري من خلال الشئون القانونية بالوزارة وأنه حسن النية وقدم سنده في ذلك – وفقا لـ"فاروق".
مئات القضايا للموظفيين أمام المحاكم بتهمة التعاقد بالأمر المباشر بغرض المكايدة الوظيفية
إلا أن محكمة الجنايات أدانته فطعن في الحكم أمام محكمة النقض لهذا السبب، ونعي علي حكم الإدانة عدم تمحيص دفاعه بحسن نية، وأن الاتهام جاء من باب المكايدة الوظيفية ليس إلا رغم أن القانون يُجيز له حق التعاقد بالأمر المباشر بشروط وانطباق هذه الشروط عليه، فقبلت النقض طعنه، وقالت أن مفاد نص المادتين 60، 63 الفقرة الثانية من قانون العقوبات انتفاء المسئولية الجنائية عن الموظف العام إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو اعتقد أن إجراءه من اختصاصه، وإضافة النقض أن عدم تمحيص دفاع المتهم القائم علي نفي قصد الإضرار وانتفاء مسئوليته الجنائية قصور – الكلام لـ"فاروق".
رأى محكمة النقض في الأزمة
وردت محكمة النقض وفندت هذا الحكم في الطعن المقيد برقم 8039 لسنة 81 جلسة 13 فبراير 2013، حيث قالت في حيثيات الطعن أن المادة الثامنة من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1989 تجيز في الفقرة الثانية منها لرئيس مجلس الوزراء في حالات الضرورة أن يصرح لجهة بعينها لاعتبارات يقدرها ترتبط بطبيعة عمل ونشاط تلك الجهة بالتعاقد عن طريق الاتفاق المباشر وفقاً للشروط والقواعد التي يحددها، كما أن المادة 60 من قانون العقوبات تبيح الأفعال التي ترتكب عملاً بحق قرره القانون وأن الفقرة الثانية من المادة 63 من القانون ذاته تنفى المسئولية عن الموظف العام إذا حسنت نيته، وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو اعتقد أن إجراءه من اختصاصه.
7 حالات أجاز فيها المشرع التعاقد بالأمر المباشر
الجدير بالذكر أنه في أكتوبر 2018 صدق رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، على القانون رقم 182 لسنة 2018 بشأن تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة، الذي يلغي العمل بالقانون رقم 89 لسنة 1998 بشأن تنظيم المناقصات والمزايدات الذى ظلت تعمل به الحكومة منذ 19 عامًا، وتنص المادة 62 من القانون على جواز التعاقد بالأمر المباشر في 7 حالات هي:
1- الحالات الطارئة التي لا تحتمل اتباع إجراءات المناقصة أو الممارسة بجميع أنواعها.
2- عندما لا يكون هناك إلا مصدر واحد فقط لديه القدرة الفنية أو القدرة على تلبية متطلبات التعاقد أو لديه الحق الحصري أو الاحتكاري لموضوع التعاقد.
3- بهدف تحقيق أغراض التكامل مع ما هو موجود ولا يوجد له سوى مصدر واحد.
4- عندما يكون موضوع التعاقد غير مشمول في عقد قائم وتقتضي الشرورة الفنية تنفيذه بمعرفة المتعاقد القائم بالتنفيذ.
5- في حالة التوحيد القياسي مع ما هو قائم.
6- في حالات تعزيز السياسات الاجتماعية أو الاقتصادية التي تتبناها الدولة.
7- في الحالات العاجلة التي يكون التعاقد فيها خلال مدة زمنية لا تسمح باتخاذ إجراءات المناقصة أو الممارسة، مع وجوب الحصول على عروض أسعار.
ضوابط وشروط متعلقة بالتعاقد بالأمر المباشر
ويكون التعاقد بالأمر المباشر وفق المادة 63 من سلطة رئيس الهيئة أو المصلحة فيما لا تجاوز قيمته مليون جنيه بالنسبة للشراء والاستئجار وتلقي الخدمات، و5 ملايين جنيه بالنسبة للمقاولات، ومن سلطة الوزير أو المحافظ فيما لا تجاوز قيمته 10 ملايين جنيه للشراء والاستئجار وتلقي الخدمات، و20 مليون جنيه بالنسبة للمقاولات، ويجوز لمجلس الوزراء في حالة الضرورة القصوى أن يأذن بالتعاقد بالأمر المباشر في نفس الحدود، وبالنسبة للأمصال واللقاحات والعقاقير الطبية ذات الطبيعة الاستراتيجية وألبان الأطفال؛ يجوز لوزير الصحة التعاقد عليها وفقاً لضوابط وشروط ستحددها اللائحة التنفيذية للقانون، على أن توثق إدارة التعاقدات مبررات اتباع الاتفاق المباشر.