لازالت ردود الأفعال مستمرة حول المبدأ القضائى الذى أرسته محكمة النقض في الطعنين المقيدين برقمى 36 و 38 لسنة 91 أحوال شخصية، والذى نص على: "لا تختص محكمة الأسرة ببطلان أو إنعدام الحكم الصادر منها، فالقانون حدد المسائل التي تختص بها محاكم الأسرة على سبيل الحصر، وليس من بينها بنظر طلب بطلان أو انعدام حكم صادر من محكمة الأسرة".
ملحوظة:
الحكم أرسى مبدأ قضائيا جديدا يلغى حكم المادة 14 من قانون إنشاء محاكم الأسرة رقم 10 لسنة 2004 وحكم المحكمة الدستورية العيا الشهير الذى رفض الطعن على هذه المادة، ويفتح المجال لعودة الطعن بالنقض حال كانت الأسباب والدفوع متعلقة بالنظام العام على أحكام الاستئناف للأحوال الشخصية الذي منع الخصوم من الطعن وسمحت به للنائب العام فقط، كما تنص المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004 تنص على أنه: "مع عدم الإخلال بأحكام المادة (250) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، تكون الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية غير قابلة للطعن فيها بطريق النقض"، والمحكمة الدستورية رفضت الطعن علي هذة المادة.
خلو القوانين من اختصاص محاكم الأسرة بنظر البطلان
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى - أسست المحكمة قضائها علي أن القانون رقم 1 لسنة 2000 والقانون رقم 10 لسنة 2004 قد خلت نصوصهما من النص علي اختصاص محاكم الأسرة المحددة علي سبيل الحصر – علي حد وصف المحكمة - بنظر طلب بطلان أو انعدام حكم صادر من محكمة الأسرة، فمن ثم ينحصر الاختصاص بنظر هذه الدعوي عن محاكم الأسرة، وينعقد للمحاكم المدنية باعتبارها صاحبة الاختصاص الأصيل في نظر المنازعات المدنية والتجارية، وحيث أن هذه المسألة فيها نظر وتحتاج إلى فحص وتمحيص.
وبحسب "الكودى" في تصريح لـ"برلماني": تنص المادة 13 من القانون رقم 10 لسنة 2004 علي أن: "يتبع أمام محاكم الأسرة ودوائرها الاستئنافية القواعد والإجراءات المقررة في هذا القانون وفي قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، وتطبق فيما لم يرد به نص خاص فيها أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون الإثبات وأحكام القانون المدني في شأن إدارة وتصفية الشركات"، كما نصت المادة الأولي من مواد اصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 علي ذات مضمون نص المادة السابقة.
طرق الطعن في الأحكام والقرارات
ووفقا لـ"الكودى": كما تنص المادة 56 من القانون رقم 1 لسنة 2000 علي أن: "طرق الطعن في الأحكام والقرارات المبينة في هذا القانون هي الاستئناف والنقض والتماس إعادة النظر وتتبع فيما لم يرد به حكم خاص في المواد التالية القواعد والإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية"، ويبين من نصوص هذه المواد أن المشرع قد صرّح بأن ما لم يرد به نص في هذين القانونين المشار اليهما، وذلك فيما يتعلق بطرق الطعن أو سير إجراءات الدعوي فإنه يتم الرجوع في هذه الحالة الي قانون المرافعات المدنية والتجارية.
أما وأن محكمة النقض قد ذهبت في حكمها محل التعليق إلي أن دعوي انعدام الحكم ليست من الدعاوي التي تختص بها محاكم الأسرة والمحددة علي سبيل الحصر، فإن ما ذهبت إليه محكمة النقض في هذا الشأن "فيه نظر"، لأن محكمة النقض اختلط بها الأمر بين الدعاوي الموضوعية التي تختص بها محاكم الأسرة حصرا وبين طرق الطعن في الأحكام وجعلت الطعن علي الحكم دعوي موضوعية، وبما أنها ليست من الدعاوي المنصوص عليها في قوانين الأسرة – كما تقول محكمة النقض – فإنه بالتالي لا تختص محكمة الأسرة بنظر دعوي البطلان حتي في حكم صادر منها – الكلام لـ"الكودى".
المبدأ خلط بين الدعاوي الموضوعية المختصة بها محاكم الأسرة وبين طرق الطعن في الأحكام
وإذا كان المشرع قد خصّ محاكم الأسرة بنظر الدعاوي المتعلقة بالأحوال الشخصية والمنصوص عليها في القانون رقم 1 لسنة 2000 وجعل لها تنظيما خاصا وفقا لفلسفة أرتاها المشرع في ذلك، بغرض أن تكون دعاوي الأحوال الشخصية تحت مظلة محكمة واحدة، فمن الأوجب وتمشيا مع هذه الفلسفة أن الطعن علي الأحكام الصادرة منها – محاكم الأسرة - والتي من بينها طلب انعدام الحكم يكون أمام ذات المحاكم علي حسب نوع الطعن، أما القول بأن دعوي انعدام الحكم لا تختص بها محاكم الأسرة لعدم النص عليه صراحة في قانون انشائها، فهذا ما لم يقل به أحد وما لم يعنيه المشرع ويؤدينا في ذلك الدكتور أحمد أبو الوفا حيث قال في خصوص المحكمة المختصة بنظر دعوي بطلان الحكم ما يلي:
"المحكمة بإصدار حكم معدوم لا تستنفذ ولايتها بالنسبة للنزاع وبعبارة أخري لا تنتهي مهمة المحكمة إلا بإصدار الحكم في الدعوي سواء أكان صحيحا أم قابلا للبطلان إنما لا تنتهي مهمتها بأمر معدوم، وإذا كانت الخصومة معدومة، فتعد هي والحكم الصادر في حكم العدم ومن ثم فالدعوي بطلب انعدام حكم ترفع الي ذات المحكمة التي أصدرته بطلب سحبه وإعادة النظر في الموضوع – أن شاء صاحب المصلحة - وبشرط استيفاء ما كان سببا في انعدام الحكم وتستكمل الإجراءات من أخر اجراء صحيح تم في الخصومة أو تعاد الخصومة من جديد بإجراء صحيح إذا كانت الأولي معدومة.
وخبير يؤكد: جعلت الطعن علي الحكم دعوي موضوعية
ومن ناحية أخري - سلامة التنظيم القضائي تتطلب أن تفصل في الدعوي بانعدام الحكم ذات المحكمة التي أصدرته حتي لا تمكن محكمة من إشراف علي قضاء صادر من محكمة أعلي منها درجة، إذ قد يصدر الحكم المعدوم من محكمة استئناف فكيف يسمح لمحكمة ابتدائية أن تنظر في طلب انعدامه.
يبين من ذلك أن المحكمة مصدرة الحكم المدعي بإنعدامه لم تستنفذ ولايتها بمجرد صدور الحكم المنعدم، فإذا صدر الحكم منعدما فإن القاضي لا يستنفد بذلك سلطته ولا يرتب الحكم حجية الأمر المقضي ولا يرد عليه التصحيح لأنه معدوم وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض بقولها:
"المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه إذا شاب الحكم عيب جوهرى يعيب كيانه ويفقده صفته كحكم ويحول دون اعتباره موجوداً منذ صدوره، كما إذا صدر حكم ضد خصم لم يعلن بصحيفة الدعوى حتى تنعقد الخصومة فيها بالنسبة له فإنه يعد حكماً منعدماً لا يرد عليه التصحيح لأن المعدوم لا يمكن رأب صدعه فلا يستنفد القاضى الذى قضى به سلطته - لما كان ذلك - وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن لم يعلن بجلسة التحضير أو بإحالة الدعوى أمام محكمة استئناف القاهرة للمرافعة، وإذ صدر الحكم فيها فإنه يكون حكماً منعدماً لا تستنفد تلك المحكمة سلطتها بما يتعين معه نقض الحكم وإعادة الدعوى لها للفصل فيه مجدداً بعد تصحيح إجراءات انعقاد الخصومة" – طبقا للطعن المقيد برقم 64 لسنة 77 جلسة 14 أبريل 2009.