بين ليلة وضحاها اشتعلت إسرائيل بعد أن وصلت تعديلات قانون القضاء إلى مرحلة متقدمة فى الكنيست، واكتظت الشوارع بالمحتجين فى ليلة دامية لم تشهد تل أبيب مثلها من قبل، واستفاقت على إضراب عام وشامل أدى إلى توقف الحياة بالكامل، فيما اعتبر مراقبون أن إسرائيل تقف على شفا الحرب الأهلية، إذا لم يتراجع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خطته لإصلاح القضاء والتى أشعلت الغضب.
ووسط حالة الغليان التى يشهدها الشارع الإسرائيلى ورفع حالة تأهب الجيش بعد وصول الأمر لمرحلة عدم السيطرة، أصبحت كلمة نتنياهو أمام كلمة الشعب، إما أن يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلى ويقرر تجميد تعديلات القانون وينزع فتيل الأزمة، أو يستمر فى عناده والمضى قدما بالبلاد نحو الهاوية.
وقال مكتب رئيس الوزراء: "إنه من المتوقع أن يلقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كلمة أمام الأمة اليوم الاثنين بشأن قرار إقالة وزير دفاعه"، فيما تتوقع مصادر سياسية فى إسرائيل، إن نتنياهو سيعلن تعليق خطة التعديلات القضائية، التى أثارت احتجاجات غير مسبوقة فى تاريخ إسرائيل وأدخلتها فى أزمة حكم، ولكن حتى الأن كل هذا مجرد تكهنات.
وردا على رئيس الوزراء حاولت المعارضة سحب الثقة من نتنياهو داخل الكنيست، إلا أن رئيس الكنيست الإسرائيلى، أمير أوحانا، قال أنّ أغلبية الائتلاف الحاكم رفضت المقترح الذى قدمته المعارضة، وأعلن رئيس الكنيست أن المقترح رُفض بأغلبية 59 صوتا مقابل موافقة 53 صوتا.
ودعا الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوج الحكومة، إلى وقف الإجراءات المتعلقة بالتعديلات القضائية المثيرة للخلاف، وذلك بعد يوم من إقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوزير دفاعه؛ بسبب اعتراضه على التعديلات.
ووفقا للقناة 12 الإسرائيلية، أعلنت نقابة المحامين الإسرائيلية انضمامها للإضراب العام رفضًا للإصلاحات القضائية التى تنوى حكومة نتنياهو إقرارها.
ودعا الاتحاد العام لنقابات العمّال فى إسرائيل إلى "إضراب عام" فورى، وقال رئيس اتحاد "هستدروت" أرنون بار-دافيد :"أدعو إلى إضراب عام، بعد هذا المؤتمر، ستتوقف الحركة فى دولة إسرائيل"، مضيفا "لدينا مهمة، علينا وقف هذه العملية التشريعية وسنقوم بذلك"، متعهدا "مواصلة الاحتجاج".
وأعلنت النقابات الطبية فى إسرائيل بعد ذلك "إضرابا شاملا فى قطاع الصحة" سيكون له تأثير حتمى على كل الخدمات الطبية، وأكدت المتحدثة باسم هيئة المطارات الإسرائيلية ليزا دفير أن الإضراب سيشمل الرحلات الجوية فى مطار بن غوريون قرب تل أبيب الساحلية.
وأعلن حاييم بيباس، رئيس اتحاد السلطات المحلية، أن البلديات والمجالس المحلية بإسرائيل ستنضم إلى الإضراب العام إلى جانب نقابة عمال الهستدروت والنقابات الطبية.
وقال بيباس، العضو البارز فى حزب الليكود: "خلاف الشعب والفوضى الهائلة التى تعيشها إسرائيل وصلت إلى نقطة اللاعودة تقريبًا".
ويهدف مشروع الإصلاح الذى اقترحته حكومة نتانياهو، وهى من أكثر حكومات إسرائيل يمينية، إلى تعزيز سلطة البرلمان على حساب القضاء.
وتهدف خطة التعديلات إلى السيطرة الحكومية الكاملة على تعيين القضاة، بما فى ذلك المحكمة العليا، كما أنَّها تُقلِّص، بشدَّة، قدرة المحكمة العليا على إلغاء التشريعات، وتُمكِّن "الكنيست" من إعادة تشريع القوانين، التى تمكنت المحكمة من إلغائها، بأغلبية 61 عضوًا.
ووصفت المعارضة هذه الخطة بـ"الانقلاب"، بينما دافع نتنياهو عنها، قائلاً إنّها "تهدف إلى إعادة التوزان بين السلطات".
وترى المعارضة أنّ الهدف الأساسى من التعديلات التى طرحها الائتلاف الحاكم هو "تبرئة نتنياهو من اتهامات بالفساد فى 3 ملفات يُحاكَم بشأنها"، بالإضافة إلى فتح الباب أمام حليفه درعى لتولى حقيبة وزارية على رغم إدانته بتهم التحايل على الضرائب، والسرقة للمرة الثانية.
ويرى نتانياهو وحلفاؤه أن الإصلاح يهدف الى إقامة توازن بين صلاحيات البرلمان والقضاء الذى يرون أنه مسيّس.
وأعلنت لجنة الدستور بالكنيست الإسرائيلى، مصادقتها على التعديلات القضائية بالقراءتين الثانية والثالثة.
من جانبه، قال وزير الدفاع المقال يوآف جالانت فى جلسة للجنة الشؤون الخارجية والأمن، إن مكانة إسرائيل الدولية أصبحت على المحك.
لكن حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المالية الإسرائيلى رفض رفضا قاطعا لوقف مشروع التعديلات القضائية.
فى غضون ذلك، دعا أعضاء فى حزبه الحاكم "الليكود" إلى وقف قانون الإصلاح القضائى وسط احتجاجات وإضرابات متوقعة على مدار اليوم، وفقًا لصحيفة "يديعوت أحرونوت".
وأضاف "ندعو رئيس الوزراء لوقف قانون الإصلاح القضائى فورًا وإلغاء إقالة وزير الدفاع الذى تربطنا به علاقات عمل فى مجال أمن المدن والجبهة الداخلية".
وتأكيدًا على خطورة الموقف أعربت الولايات المتحدة، عن مخاوفها بشأن التطورات الأخيرة فى إسرائيل ودعت مرة أخرى إلى حل وسط بشأن الإصلاح القضائى الذى اقترحته حكومة نتنياهو.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى أدريان واتسون - فى بيان صحفى نشر على صفحة المجلس الرسمية - "إننا نشعر بقلق عميق إزاء التطورات الحاصلة فى إسرائيل، والتى تؤكد بشكل أكبر على الحاجة الملحة للتوصل إلى حل وسط، وكما ناقش الرئيس بايدن مؤخرًا مع رئيس الوزراء نتنياهو، كانت القيم الديمقراطية دائمًا ويجب أن تظل سمة مميزة للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
وأضافت: "يتم تقوية المجتمعات الديمقراطية من خلال الضوابط والتوازنات، ويجب متابعة التغييرات الأساسية للنظام الديمقراطى بأوسع قاعدة ممكنة من الدعم الشعبى. نواصل حث القادة الإسرائيليين بقوة على إيجاد حل وسط فى أقرب وقت ممكن".