"اكتظاظ السجون" أزمة كبيرة تواجهها المغرب منذ سنوات ولم تتمكن من التعامل معها إجرائيا من خلال التدخل فى القضاء وأحكامه، الأمر الذى دفع الحكومة إلى اتخاذ منحى آخر وخوض تجربة جديدة فى مجال العدالة عبر مشروع قانون يتعلق بالعقوبات البديلة.
مشروع القانون الذى تضع الحكومة اللمسات النهائية له، كشف عنه وزير العدل عبد اللطيف وهبة أمام مجلس النواب فى جلسة عامة هذا الأسبوع، والذى يهدف إلى تحديث الإجراءات فى مجال الحقوق والحريات.
وقال وزير العدل إن المصادقة على قانون جديد يتعلق بالعقوبات البديلة هى الحل لمواجهة ارتفاع أعداد المعتقلين فى السجون المغربية احتياطياً.
وأضاف أن مشروع العقوبات البديلة أُحيل على مجلس الحكومة، ويرتقب برمجته قريباً لمناقشته والمصادقة عليه.
وحضّ الوزير المغربى، النواب على الإسراع فى المصادقة على القانون بعد إحالته إلى البرلمان لتفعيله، مشيرا إلى أن المشروع أعطى سلطة تقديرية واسعة للقضاة فى القضايا التى تقل عقوبتها عن سنتين.
وأوضح وهبى أن القاضى يمكنه الاختيار بين عدة إجراءات بديلة عن الاعتقال الاحتياطى، مثل فرض كفالة باهظة لإطلاق سراح المتهم، أو فرض سوار إلكترونى، أو الإقامة الإجبارية، وغيرها من الإجراءات.
وأفاد تقرير شامل أصدره المرصد المغربى للسجون فى أغسطس الماضى بارتفاع عدد نزلائها من 83102 عام 2017 إلى 88941 سجيناً فى 2021، وبالمقارنة مع عشرة أعوام مضت، ارتفع العدد بنسبة تفوق 25%.
ووفق التقرير، فإن أكبر نسبة من نزلاء السجون فى المغرب من الفئة العمرية بين 20 و30 سنة بمعدل 43%، تليها الفئة العمرية من 30 إلى 40 سنة بنسبة 30%، ما يعنى أن 73% من النزلاء من فئة الشباب بين 20 و40 سنة.
واعتبر المرصد أن ظاهرة اكتظاظ السجون تعوق تنفيذ برامج التأهيل وإعادة الإدماج، وتحول دون التمتع بحقوق الإنسان الرئيسة، ما دفع المرصد إلى مطالبة الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة العدل، بالعمل على إقرار عقوبات بديلة للمحكومين بمدد سجنية قصيرة.
واستجابت وزارة العدل للمطالب الحقوقية من خلال مشروع القانون الجديد المرتقب عرضه قريبا، والذى سيساهم فى التقليص من أعداد السجناء، وتوفير تكاليف معيشتهم، خصوصا بالنسبة للسجناء المحكومين بمُدَدٍ قصيرة.
وكانت إحصائيات وزارة العدل، كشفت أن نحو 50% من السجناء محكومون بمدة تقل عن سنتين، فيما شدد وزير العدل عبد اللطيف وهبى على أن مشروع قانون العقوبات البديلة أصبح يشكل رهانا أساسيا.
ووفقا لمشروع القانون يستثنى من هذه العقوبات البديلة، ما يتعلق بجرائم الاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ، ثم الاتجار الدولى فى المخدرات والمؤثرات العقلية، والاتجار فى الأعضاء البشرية، والاستغلال الجنسى للقاصرين.
ويشمل مشروع القانون مجموعة من العقوبات البديلة، على رأسها المراقبة الإلكترونية، والغرامات المالية، وخدمة المنفعة العامة، إلى جانب تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير علاجية أو إعادة تأهيل.
وتُمكّن المراقبة الإلكترونية، من خلال قيد فى معصم المعنى أو بساقه، المحكمة من أن تحدد مكان ومدة المراقبة، ويراعى فى تحديدها خطورة الجريمة والظروف الشخصية والمهنية للمحكوم عليه وسلامة الضحايا.
ويتيح مشروع القانون أيضا، إمكانية استبدال العقوبات السالبة للحرية بغرامات مالية تحدد مبلغها المحكمة عن كل يوم من مدة الحبس المحكوم بها، بشرط ألا يتجاوز منطوقها سنتين حبسا.
وتضم البدائل، العمل من أجل المنفعة العامة كواحد من أهم البدائل، لكن بشرط أن يبلغ المحكوم عليه 15 سنة كحد أدنى من وقت ارتكابه الجريمة، وعلى ألا تتجاوز العقوبة المنطوق بها سنتين حبسا.