يعد استخدام أسلوب التحريض الصوري أو ما يطلق عليه "التحريض البوليسي"، أو العمل تحت الساتر أو الاختراق أو التسرب أو العمليات المستترة أو العمليات السرية من أهم وأخطر أساليب البحث والتحري، والذي يلجأ إليه رجال السلطة العامة من أعضاء الضبط القضائي أو أعوانهم من المخبرين أو المرشدين السريين في مكافحة الجرائم المنظمة، وأكثرها جدلاً حول مشروعيتها بين رجال الفقه والقضاء الجنائيين.
وهناك العديد من الأعمال السينمائية والدرامية قد استخدمت طرح مثل هذه الأسلوب في التناول على سبيل المثال لا الحصر – فيلم الباشا تلميذ – للفنان كريم عبد العزيز حينما كان يقوم بدور ضابط شرطة وتنكر في شخصية طالب بإحدى الجامعات حتى يتمكن من القبض على تجار المخدرات داخل الجامعة، وكذا فعلها الفنان القدير عادل إمام في فيلمه الشهير "النمر والأنثى"، وغيرها من الأعمال، وكذا الفنان أحمد زكى في فيلم "أرض الخوف"، وهذا يؤكد أن مع تطور الجريمة وتشعبها وظهور الجرائم المنظمة كان لابد من تطور أساليب مكافحتها كأساليب البحث والتحري للكشف عن تلك الجرائم.
"أرض الخوف".. مدى جواز استخدام "الاختراق" لضبط "الجناة"
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بتطور الجريمة وضرورة تطور أساليب مكافحتها، ومن أهم تلك الأساليب أسلوب التحريض الصوري أو الاختراق والتحريض الصوري هذا مصطلح فقهي يعني ببساطة تداخل رجال السلطة أو معاونيهم أو المخبرين السريين أو المرشدين في الجريمة، أي أن رجل السلطة يتظاهر بأنه فاعل أو شريك أو مساهم في الجريمة بهدف ضبط الجناة بالجرم المشهود وتقديمهم للعدالة – بحسب الخبير القانوني والمحامية شيماء حسنى كمال.
في البداية - كانت نشأة هذا الأسلوب من التحري في بعض دول أوربا ذات الأنظمة القمعية آنذاك كفرنسا وروسيا وألمانيا وكان يستخدم إستخدام سياسي ليس قانوني حيث كان يستخدم في الكشف عن المعارضين السياسيين، وظل يستخدم سياسيا فقط حتى انتهت الحرب العالمية الثانية حيث خلفت عدة أزمات كالأزمات الاجتماعية، فظهرت جرائم بشكل مختلف كجرائم المخدرات التي انتشرت واتخذت أنماط عديدة، والأزمات الاقتصادية التي تسببت في إنتشار الجرائم الاقتصادية كاحتكار السلع والسوق السوداء وتزييف العملات وتهريب النقد الوطني والأجنبي – وفقا لـ"كمال".
مصر انضمت لإتفاقية الأمم المتحدة لـ"مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية"
وكانت انشطة الجناة تتسم بالتنظيم والسرية وتفنن الجناة في أساليب التخفي التي يصعب كشفها فكان على رجال السلطة في هذا الوقت العمل على تطوير أساليبهم في البحث والتحري حتى يتمكنوا من مكافحة تلك الجرائم، فكان التحريض الصوري أبرز وسيلة لكشف نشاطهم الإجرامي والحصول على أدلة كافية لإدانتهم، فكان رجال السلطة يتداخلون في القضايا والجرائم ويشتركون فيها حتى يصلون إلى الرأس الكبيرة التي تدير تلك الجريمة التي تهدد المجتمعات أحيانا مثل تجارة المخدرات أو خطف الأطفال أو حتى تجارة السلاح، وكذا جرائم ممارسة الدعارة مثل ما يُطلق عليه الإشتراك في النوادى الصحية – الكلام لـ"كمال".
ومؤخرا - وفي نهايات القرن العشرين أخذت التغييرات تطرأ على المجتمع الدولي وعرف العالم العولمة بكل تأثيراتها، وظهرت أنماط جديدة من الجرائم لم يكن العالم يعرفها قبل العولمة، وتلك الجرائم أكثر تنظيما وتتسم بالطابع عبر الوطني، كما أن العصابات التي تقوم بإرتكابها لديها التنظيم والتخطيط وتستخدم الأساليب التكنولوجية الحديثة في ارتكاب جرائمهم والتواصل فيما بينهم، وكان لابد من استحداث أساليب التحري واستخدام أسلوب التحريض الصوري في التداخل بين الشبكات الإجرامية المنظمة حتى يتمكن أعضاء الضبط القضائي من مراقبة نشاطهم وتتبع أعمالهم الاجرامية ومعرفة أهدافهم وفروعهم وافرادهم وإحباط مخططاتهم وهو ما تعجز عنه الأساليب التقليدية في التحري والبحث – هكذا تقول الخبير القانونى.
فيلم "أرض الخوف" استعرض الأزمة منذ 22 سنه
ولكن استخدام هذا الأسلوب بلا ضوابط أو معايير قد يشكل خطورة على العدالة وحقوق الإنسان وحريته، كما أنها تشكل خطورة على رجل السلطة المخترق بين العصابات إذا تم كشف هويته أو توجيه الاتهام له كفرد من أفراد العصابة، وقد تصدر ضده أحكام بالإدانة في جرائم قد تداخل مع مرتكبيها بغية كشفها وهى ذات الواقعة التي قام بها الفنان أحمد زكى في فيلمه الشهير "أرض الخوف"، الذى طرح سنة 2000، حيث ظهر في الفيلم كضابط ثم تنكر في شخص تاجر مخدرات وظل يخترق ويتدرج في تجارة المخدرات حتى أصبح من أكبر تجار المخدرات، ومع مرور الزمن أراد الرجوع عن استكمال "العملية"، وينتهى به الأمر إلى قتله لمعلمين كبار من تجار المخدرات ومحاربة ضابط آخر كان زميلا له ثم تركه المفاجئ له، وتبرئته من التهم لإفشاء أنه عميل حكومى، فينتج عن ذلك حرب مهربى المخدرات له ومحاولة قتله – طبقا لـ"كمال".
وجاءت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة باليرمو 2000 في المادة 20 / 1 نصت على أساليب تحري خاصة، وإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في لسنة 2003 في المادة 50 /1 نصت أيضا على اتباع أساليب تحري خاصة، وقد جاءت تلك العمليات في الاتفاقية الأولى تحت اسم "العمليات المستترة"، بينما في الاتفاقية الثانية تحت اسم "العمليات السرية"، وقد أطلق فقها اسم التحريض الصوري عليهم.
معايير لمباشرة عملية الاختراق
والعديد من الدول سارعوا لتنفيذ الاتفاقيات بعد المصادقة عليها وإصدار قوانين تحقق المواءمة مع ما نصت عليه بنود الاتفاقيات كفرنسا التي استحدثت سبع مواد في قانون الإجراءات الجنائية يخص أساليب التحري المستحدثة والتي أطلقت عليها " التسرب "، وكذلك بلجيكا والجزائر أطلقوا على ذلك الأسلوب " التسرب" ، أما ألمانيا فقد أطلقت عليه "الشرطة السرية"، ودولة المغرب في قانون المسطرة الجنائية أطلقت عليه "الاختراق"، ووضعت معايير لمباشرة عملية الاختراق أو التحريض الصوري مثل:
1-كصدور إذن نيابة لتتم عملية الاختراق تحت مراقبة النيابة.
2- وأن يكون إذن النيابة محدد بمدة 4 أشهر.
3- وأن يصدر إذن النيابة بناء على جريمة محددة، وفي ذلك تطبيق لنصوص القانون حتى لا تتعرض عملية الاختراق كإجراء من إجراءات التحري للبطلان.
مصر انضمت لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية عام 2003
وعلى الرغم من أن مصر قد انضمت بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 294 لسنة 2003 لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وبموجب القرار رقم 307 لسنة 2004 لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، إلا أنه حتى الآن لم يصدر تشريع ينظم إستخدام أساليب التحري الحديثة في تتبع الجرائم المنظمة عبر الوطنية كجرائم الاتجار بالبشر، وغسل الأموال والإرهاب وما إلى ذلك.
"فراغ تشريعى" لتنظيم تطبيق الإتفاقية منذ 20 سنه
وفى الأخير ناشدت "كمال" المشرع المصري بسرعة إصدار تشريع لتتحقق المواءمة مع الاتفاقيات المذكورة والتي تقتضي المصلحة العامة في ظل الثورة التكنولوجية، وتنفيذ ما جاء في بنودها من استحداث أساليب التحري فيما يخص تلك الجرائم ووضع معايير واضحة لاستخدام تلك الأساليب حتى يمكن لرجال القانون مراقبة سلامة الإجراءات خشية بطلان أو اختلاق لجرائم أو تلفيق، وكذلك حرصا على رجال الضبط القضائي المكلفين بإستخدام هذا الأسلوب، وذلك من خلال إصدار تشريع أو تعديل قانون الإجراءات الجنائية حيث لا تتضمن مواده وبنوده ما يتلائم مع تلك الوقائع.