أسبوع دامى عاشته فرنسا على وقع الاحتجاجات العنيفة التى شهدتها عدد من البلديات بعد مقتل الشاب نائل الجزائرى الأصل والذى لم يتعدى عمره 17 عاما برصاص قوات الشرطة، تلك الاحتجاجات التى تحولت لأعمال عنف استدعت استنفار كافة أجهزة الدولة وعلى رأسها الرئيس إيمانويل ماكرون، الذى وجد نفسه فى مأزق جديد أمام الشعب الفرنسى.
وفى الوقت الذى اشتعل فيه الشارع غضبا ضد أجهزة الشرطة خرجت الدعوات من قبل الحقوقيين والسياسيين بضرورة إلغاء قانون "كازينوف"، والذى يسمح لأفراد الأمن بضرب الرصاص المباشر خلال لجان المرور فى حال الاشتباه ببعض الأشخاص.
وبموجب القانون الفرنسى، يُسمح للشرطة بإطلاق النار فى 5 حالات بعد تغيير القانون فى العام 2017، حيث يشمل ذلك تجاهل سائق السيارة أو ركابها أمراً بالتوقف واعتبارهم أنهم يشكلون خطراً على حياة الضابط أو سلامته الجسدية أو سلامة الآخرين.
ولم تكد فرنسا تهدأ بعد من معركة قانون رفع سن التقاعد والذى أشعل مظاهرات واحتجاجات نقابية عمت كل فرنسا، حتى وجدت نفسها فى مأزق تشريعى جديد بسبب قانون كازينوف، ليعود البرلمان الفرنسى لتحدى جديد أمام الشارع الفرنسى.
و من المقرر أن يستقبل الرئيس الفرنسى، اليوم الاثنين، بقصر الإليزيه، رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، ثم بعد ذلك رئيسة الجمعية الوطنية (مجلس النواب) يائيل براون بيفيه، لبحث تلك الأزمة.
وقتل نائل بعد أن أطلق شرطى عليه النار من مسافة قريبة، بعد عدم توقفه على حاجز شرطة مرور الثلاثاء الماضى، ووجهت إلى الضابط الذى أطلق الرصاصة تهمة القتل العمد وهو رهن الحبس الاحتياطى، وقال لوران فرانك لينارد، محامى الضابط، لراديو أوروبا 1 إن الشرطى اعتقد أنه بحاجة إلى إطلاق النار.
وتلى ذلك احتجاجات دامية وأعمال عنف فى كافة فرنسا، استدعت عودة الرئيس الفرنسى من مشاركته فى القمة الأوروبية ببروكسيل، وتأجيل زيارته التى كانت مقرره لألمانيا.
وخفت حدة التوترات بشكل طفيف فى فرنسا خلال الليلة الخامسة من الاضطرابات حيث سعت السلطات لاحتواء تداعيات مقتل المراهق من أصول عربية، والتى أعادت إشعال الجدل حول العنصرية وعدم المساواة.
ووسط تواجد مكثف للشرطة فى جميع أنحاء البلاد، تم اعتقال حوالى 719 شخصاً خلال الليل، انخفاضاً من أكثر من 1300 فى الليلة السابقة، وفقاً للحكومة. ونشرت السلطات 45 ألف شرطى وألوية خاصة ومركبات مسلحة فى الشوارع التى اجتاحها شبان أشعلوا النيران وهاجموا الضباط والمبانى العامة والمتاجر.
كما تتصاعد التكاليف الاقتصادية للاضطرابات. وقال وزير المالية برونو لو مير، إن حوالى 10 مراكز تسوق وأكثر من 200 متجر - سوبر ماركت - و250 متجر تبغ و250 منفذاً مصرفياً تعرضوا للهجوم أو النهب فى الليلة السابقة.
بدوره، قال رئيس غرفة التجارة فى إيكس مرسيليا بروفانس، جان لوك شوفين، لموقع فرانس إنفو: "تم استهداف جميع أنواع الشركات، خاصة تلك التى لديها سلع ثمينة". وقال إن التقدير الأولى لشركات التأمين قدر الأضرار بأكثر من 100 مليون يورو (109 ملايين دولار)، وهو رقم سيرتفع بلا شك.
وطالبت رابطة حقوق الإنسان وأحزاب اليسار فى فرنسا، اليوم الأحد، بإلغاء "قانون كازينوف" والذى يسمح للشرطة بإطلاق النار على من يرفض الامتثال لأوامرها، وذلك بعد مقتل المراهق نائل على أيدى ضابط شرطة الثلاثاء الماضى ما أدى لاندلاع أعمال شغب واضطرابات.
وحسب "روسيا اليوم"، قالت رابطة حقوق الإنسان فى بيان: "يجب أن نتحرك.. تكرر رابطة حقوق الإنسان مطالبتها بإلغاء قانون "كازينوف".
وأضافت: "أن نكون ساخطين لم يعد كافيا، يجب أن نتصرف.. استأنفت رابطة حقوق الإنسان، طلبها بإلغاء المادة L.435-1 من قانون الأمن الداخلى الذى تم تقديمه فى عام 2017، وهو يسمح للشرطة بإطلاق النار أثناء رفض الامتثال، إذا كانت حالة دفاع عن النفس".
كما دعت شخصيات سياسية إلى إلغاء هذا القانون المعروف باسم "قانون كازينوف"، مثل ماتيلد بانوت رئيسة الكتلة اليسارية فى البرلمان (LFI).
ويعد مقتل نائل هو ثالث حالة قتل على يد الشرطة خلال العام الجارى فى حوادث توقيف مرورى تلت 13 حالة قتل من هذا النوع العام الماضى وهو رقم قياسى.
وقال أقارب إنه يجب على السلطات الفرنسية تغيير القانون الذى يسمح للشرطة بإطلاق النار عند حواجز المرور، ودعوا إلى "تدريب الشرطة الفرنسية بشكل أفضل، وتنظيم أسلحة الشرطة ومراجعة القانون الذى يسمح للشرطة باستخدام القوة المميتة إذا رفض شاب الوقوف عند نقطة مرور ".
وقد تغير قانون العقوبات فى فرنسا عام 2017 ليسمح باستخدام الأسلحة على نطاق أوسع، بعد إبلاغ الشرطة عن مواجهة درجات متزايدة من العنف.
وتشير الانتقادات إلى أن زيادة عدد حوادث إطلاق النار المتعلقة بالمرور، هى نتيجة مباشرة لهذا التعديل القانونى، والذى يقول معارضوه إنه غامض جداً، لأنه يترك للضباط تحديد ما إذا كان رفض السائق الامتثال يشكل خطرا.
وأظهرت دراسة العام الماضى، أن إطلاق الشرطة فى فرنسا النار بطريقة قاتلة على سائقى المركبات المتحركة قد تضاعف 5 أضعاف منذ تطبيق القانون.
ومن بين 39 شخصاً قتلوا على يد الشرطة فى العام 2022، كان 13 منهم سائقى سيارات تم إطلاق النار عليهم على أساس أنهم لم يمتثلوا للأوامر.
وكان من بينهم ريانة، وهى شابة قتلت برصاص الشرطة بينما كانت راكبة فى سيارة، تجاهل سائقها أمر الشرطة بالتوقف.