حدث في إحدي القضايا أن اتهم زوج وزوجته وآخر بالاشتراك بطريقي التحريض والمساعدة مع مأذون حسن النية في ارتكاب تزوير في اشهاد مراجعة الزوجية، بأن أثبت فيه علي خلاف الحقيقة أنه طلق زوجته مرتين، فيحق له مراجعتها علي خلاف الحقيقة من أنه طلقها ثلاث واضحي الطلاق بائنا بينونة كبري بحيث لا تحل المراجعة إلا إذا تزوجة بآخر.
فأقام الزوج دعوي أمام محكمة الأسرة بتصحيح وصف الطلاق الذي اعتبر بائن بينونة كبري إلي ما دون الثلاثة، كي ينفي التزوير في اشهاد المراجعة، وطلب من محكمة الجنايات وقف جنايتي التزوير والاستعمال حتي يفصل في دعوي التصحيح من محكمة الأسرة غير أن محكمة الجنايات رفضت طلب الوقف وادانته، فطعن بالنقض لهذا السبب، فرفضت محكمة النقض الطعن.
للمتضررين.. إشكاليات دعاوى "تصحيح وصف الطلاق" أمام المحاكم
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على السؤال.. هل إقامة دعوي بتصحيح وصف الطلاق أمام محكمة الأحوال الشخصية لا يلزم محكمة الجنايات المنظور أمامها تزوير اشهاد مراجعة هذا الطلاق وقف الدعوي الجنائية لحين الفصل في دعوي تصحيح الطلاق؟ حيث أن هناك مئات القضايا المنظورة أمام محكمة الجنايات في هذا الشأن، ما يجعلنا نتطرق للحديث عن تلك الأزمة – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض الدكتور ياسر الأمير فاروق.
في البداية – محكمة النقض في الواقعة سالفة الذكر فندت تلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم رقم 50331 لسنة 75 جلسة 13 نوفمبر 2012 حيث قالت النقض في حكمها أنه لا إلزام علي محكمة الموضوع بوقف الدعوي الجنائية في هذه الحالة مادام أن المحكمة الجنائية قدرت عدم جدية منازعة الأحوال الشخصية، واستندت في ذلك علي المادة 223 إجراءات، وقالت أنه من المقرر أن المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أنه: " إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية جاز للمحكمة الجنائية أن توقف الدعوى وتحدد للمتهم أو المدعى بالحقوق المدنية أو المجنى عليه على حسب الأحوال أجلاً لرفع المسألة المذكورة إلى الجهة ذات الاختصاص" – وفقا لـ"فاروق".
الدعوى تورط الزوج وزوجته والمأذون والشهود في قضية تزوير "اشهاد مراجعة الطلاق"
فأجاز المشرع بذلك للمحكمة الجنائية سلطة تقدير جدية النزاع، وما إذا كان يستوجب وقف السير في الدعوى الجنائية أو أن الأمر من الوضوح أو عدم الجدية بما لا يقتضى وقف الدعوى واستصدار حكم فيه من المحكمة المختصة، ولما كان الحكم المطعون فيه أخذاً من أقوال شهود الإثبات وإقرار الطاعن الوارد بالتحقيقات، قد دلل على أن الطاعن قام بمراجعة المحكوم عليها الثانية لعصمته مع علمه علماً يقينياً أنه طلقها 3 طلقات أصبحت بها المحكوم عليها الثانية بائنة بينونة كبرى لا تحل له إلا بعد زواجها بآخر – الكلام لـ"فاروق".
وشهد على هذه المراجعة المحكوم عليه الثالث، وقد أخفوا على المأذون الذى قام بالمراجعة أن الطلاق الذى يقوم بمراجعته هو الطلاق الثالث، وخلص الحكم في حدود سلطته التقديرية إلى ما مؤداه أن المستند المقدم من الطاعن بشأن رفع دعوى تصحيح وصف الطلاق أمام محكمة الأحوال الشخصية قصد به إطالة أمد التقاضى، وأن الطاعن لو كان حسن النية لرفع هذه الدعوى قبل مراجعة المحكوم عليها الثانية ، وهو تدليل سائغ يؤدى إلى ما رتبه عليه الحكم، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون على غير أساس – انتهت حيثيات الطعن.
تأويل نص المادة 223 إجراءات
ويضيف "فاروق": هذا الحكم جد خطير وهو في هذا النطاق العريض ينطوي علي تأويل "فيه نظر" لنص المادة 223 إجراءات، إذ هذه المادة بدلالة عبارتها وإن كانت تجعل أمر وقف الدعوي الجنائية جوازيا للمحكمة إلا أن شرط ذلك أن تكون مسألة الأحوال الشخصية مدفوع بها أمام المحكمة الجنائية، أما أن كانت قد رفعت بشأنها دعوي أمام محاكم الأحوال الشخصية فإنه بمفهوم المخالفة ينحسر انطباق نص تلك المادة، ويضحي وقف الدعوي الجنائية وجوبيا وهذا الوجوب لا يفهم من عبارة نص المادة 223 إجراءات، وإنما من نص المادة 458 إجراءات فيما قرره من أن الحكم الصادر في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية يكتسب حجية أمام المحاكم الجنائية.
وهنا نقول أن الحكم "فيه نظر" لأن محكمة النقض حينما ولت وجهها شطر المادة 223 اجراءات وطبقتها علي النزاع، لأن شرط انطباقها أن تكون مسألة الاحوال الشخصية مثاره أمام محكمة الجنايات كدفع هنا تقدر المحكمة جدية الدفع فإن رأت عدم جديته التفتت عنه وقضت في الدعوي، وأن رأت جديته حددت للمتهم اجلا لإقامة دعواه أمام محكمة الأحوال الشخصية، ولكن حين تكون مسألة الأحوال الشخصية رفعت بشأنها دعوي أمام محاكم الأحوال الشخصية فإنه يجب علي المحكمة الجنائية وقف الدعوي الجنائية حتي يفصل في المسألة من محكمة الأحوال الشخصية، وذلك لسبب بسيط وهو أن الحكم الصادر من محكمة الأحوال الشخصية في هذه الحالة يحوز حجية أمام المحاكم الجنائيه طبقا للماده 458 إجراءات – هكذا يقول "فاروق".
وخبير يؤكد: لابد من وقف الدعوي الجنائية لحين الفصل في دعوي التصحيح
وعلينا أن نفترض أن محكمة الأحوال الشخصية قد حكمت بتصحيح وصف الطلاق حال أن محكمة الجنايات كانت قد حكمت بالادانة طبقا للوصف الذي لم يصصح، فكيف يحل هذا التعارض؟ ثم إن تراخي المتهم في إبداء دفاعه يجب ألا يتخذ قرينة علي كذبه حسبما ذكرت محكمة الجنايات وسوغت قضاءها محكمة النقض، ثم أن الأدلة التي أوردتها محكمة الجنايات وحال لمحكمة النقض أنها حسمت النزاع في علم المتهم بأنه سبق له الطلاق أكثر من ثلاث مرات ينطوي علي مصادرة علي المطلوب من جهه ولا يقطع بعلمه من جهه أخري.
إذ قد يكون سلوكه ذلك راجعا لجهل منه بكيفية وقوع الطلاق واحتساب المدد وهو جهل بمسألة متعلقه بقانون غير جنائي هو قانون الأسرة يغفر له جهله به، وعلي أي حال فإن تلك الأمور كلها تتسع لها صدر محكمة الاسرة، وليس محكمة الجنايات، فضلا عن أن محكمة الجنايات لم تقتصر علي تقدر جدية الدفع في وصف الطلاق بل فصلت فيه إذ لم تقف علي تحسس جديته من ظاهر الأوراق ومدي تعلقه بالتزوير في اشهاد المراجعة، وإنما أوردت الأدلة والقرائن علي صحة الوصف المتخذ كأساس للإدانة.
شرط العقاب على التزوير فى وثيقة الزواج
والعقاب على التزوير فى وثيقة الزواج مناطه وقوع تغيير فى الحقيقة فى إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية مع العلم بذلك حضور الطاعن أمام المأذون مع المحكوم عليهما الآخرين وإقرارهم بخلو الزوجين من الموانع الشرعية مع أن المرأة كانت بائنة من الطاعن بينونة كبرى مع علمهم بذلك كفايته لتوافر الاشتراك فى تزوير وثيقة الزواج؛ ومن المقرر أن عقد الزواج هو وثيقة رسمية يختص بتحريرها موظف عام هو المأذون الشرعى، وهذه الورقة قد أسبغ القانون عليها الصفة الرسمية لأنه بمقتضاها تقوم العلاقة الزوجية قانوناً بين المتعاقدين وتكون للآثار المترتبة عليها متى تمت صحيحة قيمتها إذا ما جد النزاع بشأنه.
ومناط العقاب على التزوير في وثيقة الزواج هو أن يقع تغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد المتعاقدين من الموانع الشرعية مع العلم بذلك، فكل عبء يرمى إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعد تزويراً، وكون المرأة أصبحت بائنة بينونة كبرى من زوجها هو من الموانع الشرعية للزواج وإثبات المأذون الشرعى خلو الزوجين من الموانع بعد أن قرر أمامه الطاعن والمحكوم عليهما الآخرين بذلك مع أنهم يعلمون أنها بائنة من الطاعن بينونة كبرى ولا تحل له إلا بعد الزواج من آخر يتحقق به جريمة الاشتراك في تزوير وثيقة الزواج مع العلم بذلك ويكون نعى الطاعن على الحكم بانتفاء أركان جريمة اشتراكه في التزوير غير سديد، طبقا للطعن رقم 50331 لسنة 75 قضائية.