لازالت الأصداء مستمرة حول الطلب الذى تم تقديمه لمجلس النواب، للتصدى لمسألة "تخبيب الزوجة على زوجها"، وذلك لوضع مادة لها في مشروع قانون للأحوال الشخصية تتوافق مع متغيرات العصر من تقدم تكنولوجي يستلزم استحداث نصوص قانونية للحفاظ على تماسك الأسرة المصرية، خاصة بعد رصد ألاف الحالات والقضايا أن أسباب القدوم على الخلع أو الطلاق نجد بأن هناك حالات خلفها من يحرضون الزوجات على الطلاق للزواج بهن بعد الطلاق ممن يتلاعبون بمشاعر وعاطفة النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويفسدها على زوجها واسرتها بإيهامها أو بوعدها للزواج منها وهو ما يطلق عليه شرعا بـ"التخبيب".
وتضمن "الطلب" المقدم من المحامى عبد الحميد رحيم أن "التخبيب" أمر مخالف للقيم الإنسانية والعرفية وللشريعة السمحاء وقد نهت الشريعة الإسلامية عن التخبيب وهو افساد الرجل الزوجة على زوجها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده)، وفي حديث أخر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ غِرٌّ كَرِيمٌ وَإِنَّ الْفَاجِرَ خَبٌّ لَئِيمٌ )، فمن أفسد زوجة على زوجها وأسرتها وأغراها وحرضها بطلب الطلاق أو تسبب في ذلك فقد أتى بابا عظيما من أبواب الكبائر التي يجب أن لا يغفل عنها المشرع المصـري.
أشخاص يحرضون الزوجات على الطلاق والعكس
وقد صرح الفقهاء بالتضييق على المخبب وزجره حتى افتى فقهاء المالكية بتأييد تحريم المرأة المخببة على من أفسدها على زوجها معاملة له بنقيض قصده، لكي لا يتخذ الناس ذلك ذريعة إلى إفساد الزوجات وتدمير الأسرة والمجتمع، وهو أمر قد أشارت وتطرقت إليه بعض نصوص قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية بعد أن وقفت على ذلك وأوجبت الزامها بالتدخل للحد منه، وتابع: من ذلك نقدم النص المقترح ليكون في هذا المضمون وهو كالتالي:
"لا يجوز أن يتزوج الرجل امرأة أفسدها على زوجها أو حرضها على الطلاق منه للزواج بها إلا إذا عادت إلى زوجها الأول ثم طلقها أو مات عنها"، وذلك ليكون النص صيانة وحماية للأسرة المصرية من الذين يسعون إلى التفريق بين المرء وزوجه، بتحريض الزوجة على مضارة زوجها، أو إغرائها بمال أو التلاعب بعاطفتها في الواقع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد ان تقع في حبائلهم – بحسب "الطلب".
الأسئلة الشائكة حول كيفية إثبات التخبيب حال إقراره
ولكن فور تقديم "الطلب"، تم طرح حزمة من الأسئلة حول كيفية إثبات "التخبيب" حال الموافقة على "الطلب" ووضع مادة في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديدة، والشروط والإجراءات التي يجب توافرها لإقامة الدعوى خاصة وأن هناك 3 دول عربية تطبق معاقبة الإقدام على "تخبيب الزوجة على زوجها" وهى الكويت والسعودية والأردن، وماذا لو كان الأمر يدور في حدود الإستشارة فقط؟ خاصة وأن في كثير من الأحيان ما يتدخل إبن العم أو ابن الخالة لحل مثل هذه المشكلات الزوجية، فهل في هذه الحالة سيتم توجيه الإتهام له بالتخبيب؟، كما أنه في كثير من الأحيان ما يقدم النصيحة أو الاستشارة القانونية محامى، فهل يتهم هو الأخر؟
وللإجابة على حزمة الأسئلة هذه – يقول الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى عبد الحميد رحيم - أن التخبيب هو عندما تقوم المرأة بالتخبيب على زوجها بمعنى إفسادها عليه، وأيضاً نفس الأمر الزوج على زوجته، ومعنى الفعل هو خديعة شخص، في المعنى الاصطلاحي الشرعي للتخِيب التي أتى في السنة فقد تم التحدث عن التخبيب أنه هو الإفساد، كما أن التخبيب في اللغة العربية، تدل على الخداع والتدمير، عن طريق إفساد البيوت وتفكيك العلاقات الزوجية، وهو ذنب كبير، ووهو محرم شرعاً وقد جاء هذا في الحديث الشريف: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله وعليه وسلم: ليس منّا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيدة".
كيف تثبت قضية التخبيب؟
أما عن الإجابة على السؤال كيف تثبت قضية التخبيب؟ يُجيب "رحيم": التخبيب يثبت من خلال الدلائل التي تكون في صورة رسائل أو تسجيلات الصوتية، خاصة وأننا في مصر لدينا قانون تقنية المعلومات المعروف بقانون الجرائم الإلكترونية، ويجب أن يحضر المدعي ما لديه من إثبات أن هناك طرف آخر قد عمل التخبيب، ومن ذلك يتم النظر بالمحكمة في الدلائل المتوفرة، وهل هي أدت إلى التخبيب أم لا، وفي حالات الآتية يكون التخبيب مثبت:
الحالة الأولى: عند إثبات أن الرجل "المخبب" أنه على معرفة من أن المرأة التي هو على علاقة معها متزوجة قبل التعامل معها.
الحالة الثانية: عند إثبات أن المرأة "المخببة" أن الرجل الذي على علاقة معه متزوج، وتقوم لإثارة الفتنة بينهم ليتم الطلاق وكأن تدفع المرأة المخببة صديقتها أو أي امرأة أخرى لها علاقة معها أن تبتعد عن زوجها أو لا تقبل طاعته.
وبحسب "رحيم": إذا قام المدعى عليه بنفي رغبة "التخبيب" في هذا الشأن، وفي هذه الحالة تكون العقوبة أقل، أم في العلاقات المحرمة فإن الشخص لا يمكنه نفي نية التخبيب لأن العلاقة المحرمة في أصلها إفساد للعلاقة الزوجية، ولكن في حالة أنه أثبت عدم العلم بأن هذا الشخص متزوج، تصبح عقوبة التخبيب في هذه الحالة "تقديرية" يقررها القاضي وفقاً لأبعاد الجريمة، والتخبيب في حقيقة الأمر ليس قاصر على الأصدقاء أو العلاقات المحرمة بل تتواجد بعض الحالات الأخرى داخل محيط الأسرة، سواء من جهة أم الزوجة التي قد تخبب ابنتها على زوجها مثل منعها من العودة إلى منزل الزوجية في حال حدوث شد بينهما، أو يقوم والد الزوجة بالتواصل مع زوج الابنه ويأمره بتطليقها، ولكن إذا كان يوجد مصلحة مترتبة على الطلاق فإن الأمر لا يصبح تخبيبا.
متى يثبت التخبيب؟
ووفقا لـ"رحيم": هناك بعض الضوابط الرئيسية للإجابة على هذا السؤال حيث أن التخبيب في الأصل يعتبر الإفساد بين الزوجين بهدف تطليقها وفي حالة يتزوج المُخبب الزوجة بعد طلاقها، فهذا سيتسبب في إثارة الفتنة بينها وبين زوجها، بصورة أو بآخرى لهذا الهدف ونتج عن هذا خلاف وإفساد بين الزوجين ويحدث الطلاق ومن هنا يرتكب الرجل إثم وكبيرة عظيمة.
في هذه الحالة إذا ثبت عليه التخبيب، حين يقوم البعض بتحفيز الزوجات باللأموال ويوعدها بالزواج وغيرها من الأمور التي بدورها تفسد العلاقة بين الزوجة وزوجها، فمن لم يقوم بهذا فإنه ليس مخبب أي إذا في حالة ما إن تم طلاق الزوجين، بغير أي تدخلات من طرف أخر أي كان فإنه لا يعتبر تخبيب، أما إن كان له دور في هذا حتى ولو بسيط فإنه مخبب لا ريب فيه.
الفاصل في إثبات الأمر هنا هو أن الأصل في المشكلات الزوجية هو الإصلاح، أي أنه إن كان الزوجين على مشارف الإقدام على طلاق وقام رجل أو امرأة بتأجيج نيران الفتن فيما بين الزوجان فصار مخبب، حيث أن الأمر يتطلب أن يكون بالصلح، وليس بالإفساد، هذا طبقاً لقول الله سبحانه وتعالى: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صُلحاً والصُلح خير" - في سورة النساء 128.
وهل سيكون هناك شروط لدعوى التخبيب؟
الحالة الأولى: أن يتم إثبات أن الزوج على علم بأن الرجل "المخبب" يعرف أن هذه المرأة متزوجة قبل التحدث إليها منذ البداية.
الحالة الثانية: أن يتم إثابت أن الزوجة أن المرأة "المخببة" أن الرجل متزوج، وتقوم في تلك الحالة بإثارة الفرقة فيما بينهم ليحدث الطلاق، من خلال دفع الزوجة إن كانت صديقة لها أو على أي صلة شرعية بها إلى أن تفترق عن زوجها أو أن لا تقبل طاعته وما إلى هذا فإن التخبيب يكون أما:
النوع مباشر: يتم بالدفع بشكل صريح للطلاق.
النوع الثاني غير مباشر: وهو الذي يتم إقامة فيه بعض الأفعال التي يحدث بسببها تدهور وإفساد العلاقة بين الرجل وزوجته، مع اعتبار وجود المغريات للزوجة في حالة حدوث الطلاق حتى تحصل على المال، أو الحرية أو أنه سوف تتزوج وفي هذه الحالة يكون التخبيب الغير مباشر ويعتبر النوعان محرمان شرعاً، ولابد أن يعاقب عليهما المشرع المصرى.
إجراءات رفع قضية تخبيب
تعتبر قضية التخبيب تقوم على المرأة التي تريد إفساد العلاقة بين الزوجين وغرضه التفريق وقد يكون التواصل مع الزوج ليست من باب التخبيب ويكون من المستحسن عدم التجسس على الزوج، والوثوف به، ويتم رفع دعوى يجب توفير البيانات الكاملة من رقم البطاقة والإسم الرباعى، وعنوان الإقامة، والإختصاص الجغرافى للدعوى، خاصة وأن وزارة العدل تطبق الرقمنة والتحول الرقمى في القضايا والمحاكم وغيرها من خلال توفير الوسائل الالكترونية للإبلاغ القضائي ولكل أنواع القضايا.
المسؤولية الجنائية للتخبيب
أولاً: في حال وجود علاقة بين المخبب والزوجة، والأمر المقصود هنا ليس لعلاقة الجنسية، ولكن المقصود هو إقامة علاقة تواصل فقط بأي صورة سواء كان التواصل عن طريق محادثات أو الاتصال أو أي نوع من العلاقات التي يسعى فيها الرجل لتخريب العلاقة بين الزوجين، وفي حال ثبوت هذه العلاقة فإن الرجل يأخذ عقوبة بأنه مخبب وعلى علاقة غير شرعية مع امرأة متزوجة، وهذا هو الشرط الرئيسي في رفع دعوى التخبيب وهو سوء النية، وحتى إن لو الأمر مع أقرب الأشخاص.
ثانياً: عندما يتحدث المخبب عن موضوع الطلاق بين الزوجين بدل من أن يصلح بينهما لحل المشكلة في حالة وجود خلاف، وهذا هو الأساس.
التخبيب في التشريعات العربية
أما فيما يخص قضايا "التخبيب" فلم يهتم بها القانون في معظم البلاد الإسلامية والعربية عدا دول السعودية، الكويت و الأردن، فقد وضع قضية التخبيب ضمن المحرمات المؤقتة، كالتالى:
ففي المملكة العربية السعودية: هناك دعوى تخبيب، من حق الزوج أن يرفعها على أي شخص يحرض عليه زوجته، مثل: أصدقائه، أصدقائها، أقربائه، أقربائها أو حتى شقيقتها، حيث أن أي جملة أو عبارة تؤدي إلى التحريض "التخبيب" تُقام ضدّها دعوى، و يمكن للزوج إثبات دعوى التخبيب بأي وسيلة مثل رسائل الجوال أو مواقع التواصل الاجتماعي أو شهادة الشهود، والعقوبة سلطتها بيد القاضي إما بالسجن أو بالتعزير.
وفي دولة الكويت: ووفقًا لما جاء في نص المادة "23" من قانون الأحوال الشخصية: "أنه لا يجوز للرجل الذي خبب امرأة على زوجها أن يتزوجها إلا بشرط أن تعود إلى زوجها أولًا فيطلقها، أو يموت عنها"، وقد أوضحت دولة الكويت سبب هذا القانون فقالت أن التفريق بين المرأة وزوجها من أشر الأفعال، سواء كان بتخبيبها بالمال، أو الوعد بالزواج، أو غيرها من الأمور الخبيثة، حتى تضطر المرأة لتركها زوجها، والذهاب لشخص أخر، وكان الهدف من هذا القانون هو حماية الأسرة المسلمة وصيانتها .
وقانون العقوبات الأردني: أفرد نصًا لتلك الجريمة عاقب من خلاله كل من يحرض امرأة سواء أكان لها زوج أم لم يكن على ترك بيتها، لتلحق برجل غريب عنها أو أفسدها عن زوجها لإخلال الرابطة الزوجية بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر.
أما قانون العقوبات المصري: فلم يتعرض إلى مشكلة التخبيب كما ذكرنا من قبل، كغيره من التشريعات العربية الأخرى، و"الطلب" سالف الذكر ناشد السلطات التشريعية لإضافة مادة قانونية بينة ومحددة يُعالج من خلالها بنص صريح مشكلة التخبيب، وتجريم كل الأفعال التي ترتكب لإفساد الزوجات على أزواجهن والعكس، ويمنحهم صفة تحريك الدعوى الجنائية أو المدنية للضرر، فضلاً عن أنه يردع ويحفظ المجتمع من الانحدار الأخلاقي، فكم من العلاقات الزوجية انهار كيانها وقوامها وأصبحت بلا روح، وكم من العلاقات الزوجية التي انتهت بالطلاق، وكم من الأزواج من نشبت في قلوبهم مشاعر الكره والعداوة، وكم من عانى من مشاكل الغدر والخيانة، وكل ذلك بسبب إفساد المخبب على الأزواج وما ينطوي عليه هذا الفعل المشين من إثم عظيم وجرم كبير مجتمعياً في هدم الإسرة.