على مدار الأيام القليلة الماضية اتخذت الحرب الروسية الأوكرانية منحى آخر لم يكن متوقعا، حيث كثفت كييف هجماتها بالطائرات المسيّرة فى الداخل الروسى واستطاعت أن تصل إلى مناطق قريبة من العاصمة موسكو بل ونجحت فى تحقيق بعض الضربات الناجحة، هذا التحول اعتبره محللون محاولة من كييف لاستنزاف روسيا ونقل الحرب إلى أراضيها، وهو الأمر الذى دفع البرلمان الروسى إلى تكثيف ترسانته التشريعية كخطوة استباقية للتصدى لتلك التحولات فى المعركة.
وفى ظل نجاح المسيرات الأوكرانية فى اختراق الأجواء الروسية واستهداف العمق الروسى سارع البرلمان الروسى إلى إقرار عدد من التشريعات بصورة سريعة، فى مقدمتها قانون رفع تسليح قوات الحرس الوطنى بمعدات ثقيلة بعدما كان الأمر مقتصرًا على الأسلحة الخفيفة كالبنادق والمسدسات، وهو القانون الذى تم مناقشته وإقراره خلال يومين فقط ودخل حيز التنفيذ بداية الأسبوع، الأمر الذى اعتبره المراقبون اعتراف ضمنى من موسكو بنجاح الموجة الثانية من الهجوم المضاد.
هذه الإجراءات جميعها، إضافةً إلى القوانين التى تم توقيعها من قبل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حول الخدمة العسكرية، حيث رفع سن التجنيد من سن 27 عاما إلى 30 عاما الأمر الذى يزيد دائرة المجندين بحوالى مليونى عنصر، اعتبرها مراقبون أنها دليل واضح على أن روسيا تتجه نحو التعبئة العامة وإعلان حالة الطوارئ فى البلاد للاستعداد لخوض حرب شاملة وليست مجرد عملية عسكرية محددة الأهداف.
وأسقطت أنظمة الدفاع الجوى الروسية، الاثنين، طائرة مسيرة فى سماء مقاطعة "كالوجا" الواقعة جنوب غربى موسكو، فى حين استهدفت هجمات أوكرانية عدة بواسطة مسيرات هذا الاسبوع سفنا روسية فى البحر الأسود، بالإضافة إلى مدينة موسكو وشبه جزيرة القرم التى ضمتها روسيا فى 2014.
وألحق هجوم، مطلع أغسطس، أضراراً ببرج فى حى الأعمال وسط العاصمة الواقعة على بعد نحو 500 كيلومتر من الحدود مع أوكرانيا، وقبل ذلك، تعرضت روسيا لهجمات أخرى بطائرات مسيّرة استهدفت مناطق من بينها موسكو أيضاً، ويوم الجمعة الماضى، فتحت أوكرانيا جبهة جديدة فى هجماتها بالمسيرات، عندما ضربت طائرة بدون طيار سفينة بحرية روسية فى ميناء "نوفوروسيسك" بالبحر الأسود، الذى يُصدر النفط الخام، وهو الهجوم الأول من نوعه الذى تستهدف فيه كييف البنية التحتية النفطية الروسية.
ومطلع الأسبوع الجارى، وقع الرئيس فلاديمير بوتين، قانونًا فيدراليًا يمنح الحرس الوطنى الروسى حق الحصول على معدات عسكرية ثقيلة لاستخدامها فى الخدمة، مع فرض تعديلات على قانون "قوات الحرس الوطني". الذى كان يحمل رقم 226 الصادر بتاريخ 3 يوليو عام 2016.
وتشمل الأسلحة الثقيلة أسلحة رشاشة أو قذائف هاون أو قذائف صاروخية أو قاذفات اللهب أو قاذفات قنابل يدوية أو أسلحة مضادة للدبابات أو أى أسلحة أخرى محمولة، ووفقا لسكاى نيوز، فإن عملية إدخال هذه التعديلات التشريعية تعد الأسرع فى تاريخ تشريع القوانين فى روسيا، فمشروع القرار تم إدخاله إلى مجلس الدوما بتاريخ 17 يوليو 2023، وتم إقراره فى 19 يوليو من البرلمان الروسى، وفى 28 من الشهر ذاته أقره المجلس الفيدرالى، وفى 4 أغسطس الجارى، وقعه الرئيس فلاديمير بوتين، وبدأ تنفيذه بالفعل من جانب وزارة الدفاع.
ووفقًا للقانون الجديد فإن الحرس الوطنى سيكون قادرا على استخدام الدبابات والمدفعية فى تسليحه وسيساعد هذا الحرس الوطنى على الاستجابة للتحديات خلال العملية العسكرية الخاصة فى أوكرانيا والرد على الاعتداءات الخارجية.
حيث تتمحور وظائف الحرس الوطنى بشكل أساسى حول حماية النظام العام والمنشآت الحكومية، والمشاركة فى الدفاع عن حدود الدولة، ومراقبة الامتثال للقوانين الفيدرالية فى مجال الدفاع والتسليح والحراسة الخاصة، ومكافحة التطرف والإرهاب.
وتنص التعديلات التى تمت المصادقة عليها على استبدال مصطلح "سلاح" فى نص القانون الروسى الذى يشمل "الأجهزة والأدوات البسيطة المصممة للتأثير وضرب الأهداف الحية أو غيرها وإصدار الإشارات" بمصطلح "التسليح" والذى يشمل "مجموعة من الأسلحة والوسائل التقنية الثقيلة".
ومصطلح "المعدات القتالية" الذى يشمل المعدات العسكرية الأساسية المخصصة للقتال"، سيتم استبداله بمصطلح "المعدات العسكرية" الذى يعنى "مختلف الوسائل التقنية التى تجهز بها القوات لاستخدامها فى الأنشطة القتالية اليومية والمعدات العسكرية، والوسائل التقنية للقيادة والسيطرة، والوسائل التقنية للقتال، والدعم التقنى واللوجيستي.
صحيفة "فاينانشيال تايمز" اتفقت مع الرأى بأن الهجمات تأتى ضمن جهود أوكرانيا لإنهاك موسكو وإحضار الحرب إلى أراضيها، ودحض رواية الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأن الحرب مجرد "عملية عسكرية خاصة" تهدف إلى تحرير أوكرانيا ولا تؤثر على روسيا، ولكن تحركات روسيا التشريعية تنذر باحتمالية تحول الحرب فعليا إلى حر شاملة.