تعيش باكستان، بخلاف أزمتها السياسية، أزمة تشريعية كبيرة عمقت الخلاف بين الرئيس الباكستانى والحكومة، بعد أن رفض الرئيس عارف علوى التوقيع على عدد من مشروعات القوانين التى أقرها البرلمان مؤخرا، من بينها قوانين أثارت الجدل فى مقدمتها تشريع يمنح السلطات مزيدا من الصلاحيات لمقاضاة الأشخاص الذين يرتكبون أعمالًا معادية للدولة والجيش.
وفى سابقة هى الأولى من نوعها أعاد الرئيس الباكستانى 13 قانونًا دون توقيعها رغم إقرارها من البرلمان السابق والذى تم حله قبل أسبوعان، 7 منهم تم تمريرها فى الجمعية الوطنية، بينما تم تمرير 6 من مجلس الشيوخ وبعض مشروعات القوانين فى جلسة مشتركة.
ووفقا لصحيفة "إنترناشونال نيوز"، فإنه من ضمن المشروعات التى أعادها الرئيس مشروع قانون تعديل قانون الإجراءات الجنائية فى إسلام أباد، والذى يمكن الشرطة من إلقاء القبض على أى شخص دون أمر قضائى، كما تم إعادة مشروع قانون تعديل الواردات والصادرات دون موافقة الرئيس. كما أعاد مشروع قانون تعديل لجنة التعليم العالى ومشروع قانون تعديل لجنة الخدمة العامة الفيدرالية.
وأعاد أيضًا مشروع قانون المعهد الباكستانى لعلوم الإدارة والتكنولوجيا، ومشروع قانون حماية الصحفيين والإعلاميين، ومشروع قانون تسجيل الصحف ووكالات الأنباء والكتب، جنبًا إلى جنب مع مشروع قانون جامعة هورايزون.
فى حين هناك قانونين بالأخص أثارا خلافا بين الرئيس وحكومته، وقال علوى على صفحاته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعى: "يشهد الله أننى لم أوقع على مشروع لتعديل قانون الأسرار الرسمية لعام 2023، ومشروع لتعديل قانون الجيش الباكستانى لعام 2023 لأننى لا أوافق عليهما".
وأشار، إلى أنه طلب من موظفى الرئاسة إعادة مشروعى القانونين دون توقيع إلى الهيئة التشريعية فى غضون المهلة المحددة قبل أن يصبحا قانونين ساريين، لكنه أضاف: "لكننى اكتشفت اليوم أن طاقمى قوض إرادتى وأمرى".
وعلى ما يبدو أن مكتب الرئيس لم ينصاع لرغبته ولم يُعيد مشروعات القوانين للمؤسسة التشريعية فى المهلة التى يحددها الدستور، ما أوقع الرئيس فى أزمة مع المؤسسة التشريعية والحكومة، حيث أعربت وزارة القانون والعدل عن قلقها من قرار الرئيس الباكستانى، لافتةً فى بيان إلى أن "الرئيس أمامه خياران، إما إعطاء الموافقة، أو إحالة الأمر إلى البرلمان بملاحظات محددة".
وأشارت، إلى أن الرئيس لم ينفذ أياً من الخيارين، معتبرةً أن "هذا الإجراء يتعارض مع نص وروح الدستور"، وينص الدستور الباكستانى على أنه فى حالة عدم توقيع الرئيس على مشروع القانون، أو عدم إعادته بملاحظات أو اعتراضات فى غضون 10 أيام بعد تمريره بالفعل من خلال المجلسين التشريعيين، فإنه يصبح قانوناً.
وقال وكيل وزارة القانون فى مؤتمر صحافى: "بما أن الرئيس لم يوقع ويعيد مشروع القانون فى غضون 10 أيام، فقد أصبح قانوناً".
واعتبر وزير الإعلام المؤقت مرتضى سولانجى، أن تعليقات علوى على حسابه الشخصى بأحد مواقع التواصل الاجتماعى "ليس لها أى صلاحية لأنه لم يرسل أى اعتراضات على مشروعى القانونين خلال الإطار الزمنى المحدد".
ووصف سولانجى اعتراضات علوى بأنها "مجرد محاولة لخلق البلبلة"، مشيراً إلى أنه "ليس لها قيمة قانونية".
وذكرت صحيفة "دوان" الباكستانية أن علوى كان قد وافق، السبت، على مشروعى القانونين، واصفةً وضعهما الحالى بـ"غير الواضح" فى ظل تصريحات الرئيس الباكستان.
واعتبرت المادة 6-A من تعديل قانون الأسرار الذى يرفضه الرئيس أن "الكشف دون إذن عن هويات أعضاء وكالات الاستخبارات أو المخبرين أو المصادر"، جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة تصل 3 سنوات وغرامة مالية تبلغ 10 ملايين روبية (33.7 ألف دولار).
أما التعديل الجديد لقانون الجيش فقد تضمن المعاقبة بالسجن لمدة تصل إلى 5 سنوات، لكل من "كشف عن معلومات حصل عليها بصفة رسمية قد تضر بأمن ومصالح باكستان أو قواتها المسلحة".
وتمنح التعديلات الجديد صلاحيات أكبر لقائد الجيش الباكستانى، كما تمنع الجنود السابقين من المشاركة فى السياسية، وكذلك القيام بمشروعات قد تتعارض مع مصلحة الجيش، وبحسب الصحيفة تحظر التعديلات على أى شخص يعمل بالجيش، ممارسة النشاط السياسى لمدة عامين من تاريخ "تقاعده أو إطلاق سراحه أو استقالته أو تسريحه أو عزله أو فصله من الخدمة".
وتعيش باكستان على وقع أزمة سياسية خانقة منذ إبعاد عمران خان رئيس الوزراء السابق، أحد أكثر السياسيين شعبية فى البلاد ورئيس "حركة الإنصاف" السياسية، من الحكم فى أبريل 2022 بموجب تصويت بالبرلمان لحجب الثقة، وزادت الأزمة حدة الأسبوع الماضى مع إدخاله نجم السجن تنفيذا لعقوبة بحبسه ثلاثة أعوام لإدانته بتهم فساد.
وحُكم على خان، الذى ينفى ارتكاب أى مخالفات، بالسجن لـ3 سنوات، بتهمة بيع هدايا منحت للدولة بطريقة غير قانونية بعد أن حصل عليها هو وعائلته خلال فترة ولايته من 2018 إلى 2022.
وينتمى الرئيس الباكستانى علوى لحزب "حركة الإنصاف" بزعامة رئيس الوزراء السابق عمران خان، ويعارض الحكومة الائتلافية التى أقرت مشروعى القانونين، وجاء بيان علوى بعد ساعات من إلقاء السلطات الباكستانية القبض على وزير الخارجية السابق ونائب رئيس حزب "حركة إنصاف" شاه محمود قريشى، فى منزله بالعاصمة إسلام آباد.
واعتبرت الصحيفة الباكستانية أن قرار القبض على قريشى واستجواب عمران خان فى سجن أتوك جاء على خلفية تسريب وثيقة سرية إلى موقع "ذا إنترسبت" الأمريكى تضمنت الكشف عن تشجيع وزارة الخارجية الأمريكية للحكومة الباكستانية على إقالة عمران خان من منصب رئيس الوزراء بسبب حياده تجاه الغزو الروسى لأوكرانيا.
وذكرت صحيفة "دوان" أن قرار القبض على قريشى، واستجواب عمران خان من قبل وكالة التحقيقات الفيدرالية جاء بموجب قانون الأسرار الرسمية الذى تم إقراره حديثا دون موافقة الرئيس.
ووفقا لرويترز يتعلق التحقيق الجديد ببرقية سرية أرسلها سفير باكستان لدى واشنطن إلى إسلام أباد أوائل العام الماضى، ويُزعم أن خان كشف عنها علنا، وزعم خان أن البرقية هى جزء من مؤامرة لأمريكا لدفع الجيش الباكستانى للإطاحة به فى تصويت على سحب الثقة بالبرلمان عام 2022 على خلفية زيارته لموسكو قبل غزو روسيا لأوكرانيا. لكن واشنطن والجيش الباكستانى ينفيان الأمر.
وقال مصدر أمنى مسؤول "تحقيقنا يجمع أدلة لإحالة القضية إلى محكمة لاتهام عمران خان بتهمة تسريب أسرار رسمية".
وبموجب قانون الأسرار الرسمية فى باكستان يمكن أن تتراوح عقوبة الإدانة فى قضية تسريب أسرار الدولة بين السجن من سنتين إلى 14 عام، وقد تصل إلى الإعدام، وفق ما نقلته رويترز عن محامين.
ودعا وزير الخارجية السابق ونائب رئيس حزب "حركة إنصاف" قبل دقائق من اعتقاله، حكومة تصريف الأعمال التى عينت، الخميس الماضى، ورئيس قضاة باكستان، ومفوضية الانتخابات الباكستانية إلى "ضمان تكافؤ الفرص فى الانتخابات المقبلة".
وقال قريشى إن من "حق حركة إنصاف أن يُسمح لها بالتواصل مع مؤيديها خلال الانتخابات"، معرباً عن أسفه بشأن "اعتقال قادة الحركة ثم إطلاق سراحهم بعد إعلان أنهم يريدون الانفصال عن الحركة".
وكانت لجنة الانتخابات الباكستانية قررت فى 8 أغسطس منع رئيس الوزراء السابق عمران خان من ممارسة العمل السياسى لـ5 سنوات، بعد إدانته وحبسه بتهم فساد، بخلاف التحقيقات معه لاتهامه بتسريب أسرار الدولة.