فى الوقت الذى تعانى فيه أغلب دول العالم من تضخم وارتفاع أسعار السلع الغذائية عمدت حكومة الهند إلى اتخاذ عددا من القرارات الداخلية لضبط الأسعار وتوفير السلع للسوق المحلى بسعر مناسب بتوجيه مباشر من رئيس الوزراء ناريندرا مودى، تلك القرارات التى وصفها مراقبون بأنها منح أو هبات انتخابية لاستعادة شعبيته قبل الانتخابات العامه التى ستجرى فى 2024، حيث يسعى لتأمين ولاية ثالثة له فى الحكم فضلا عن أغلبية البرلمان التى يسعى لها.
ومن أبرز القرارات التى اتخذتها الحكومة الهندية هى تحجيم تصدير بعض السلع وخاصة الأرز والبصل بعد أن ارتفعت اسعارهم محليه مما اثار غضب الشعب الهندى، وقالت وزارة المالية الهندية، إن الحكومة ستفرض بأثر فورى رسوم تصدير بنسبة 40% على البصل حتى نهاية العام الحالى، فى محاولة لتحسين التوافر المحلى للخضروات.
وقفز متوسط سعر الجملة للبصل فى الأسواق الرئيسية بنسبة 20% تقريبًا من يوليو إلى أغسطس، إلى 2400 روبية (28.87 دولارًا) لكل 100 كجم بسبب مخاوف من عدم انتظام هطول الأمطار الذى من شأنه أن يؤدى إلى انخفاض الغلة، وقفزت صادرات الهند من البصل فى النصف الأول من عام 2023 بنسبة 63%، مقارنة بالعام الماضى لتصل إلى 1.46 مليون طن مترى.
كما ستعزز الهند مشترياتها من البصل والإفراج عن المخزونات، التى سيتم بيعها بسعر مدعوم، وطبقا لإشعار صادر عن وزارة شئون المستهلك، فإن الهند تسعى للحصول على 200 ألف طن إضافى من البصل، بعد الوصول إلى هدف أولى هو 300 ألف طن. ووصفت وزارة شئون المستهلك الإجراءات الجديدة التى تم الإعلان عنها؛ لمعالجة ارتفاع أسعار البصل بأنها خطوة "غير مسبوقة".
واتخذت حكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودى العديد من الخطوات لمحاولة التخفيف من ارتفاع أسعار الغذاء عموما، بما فى ذلك فرض حظر مؤخرا على تصدير بعض أصناف الأرز، حيث فرضت مزيد من القيود على شحناتها من صادرات الأرز المكسور والأرز الأبيض غير البسمتى، وقيّدت شحنات القمح والسكر والطماطم وتخزين بعض المحاصيل.
تحركات رئيس الوزراء هذه تأتى مدفوعه برغبته فى الحفاظ على شعبيته وزيادتها قبل الانتخابات العامة التى ستشهدها الهند العام المقبل، حيث يُعَدّ استقرار أسعار المواد الغذائية أمراً بالغ الأهمية لمودى الذى سيسعى إلى ولاية ثالثة مدتها خمس سنوات، فى حين يسجيل معدل التضخم فى قطاع التجزئة أعلى مستوياته منذ 15 شهراً، مما دفع الحكومة إلى التعجيل باتخاذ إجراءات لاحتواء أسعار الغذاء المتنامية.
وتعهد مودى فى خطاب للأمة الأسبوع الماضى بمكافحة التضخم، ثم بدأ بعدها سلسلة الإجراءات بحظر الصادرات، وذلك على الرغم من أن حظر الصادرات من المرجح أن تضر بدخول المواطنين فى المناطق الريفية، حيث يعيش نحو 65% من سكان الهند، والتى تعد قاعدة انتخابية لمودى، الذى يسعى للفوز بفترة ثالثة فى الانتخابات المقررة الصيف المقبل.
وفى محاولة لامتصاص تأثير القرارات السلبيه على الفلاحين، فمن المرجح أن يقوم رئيس الوزراء، بمنح إعانات للمزارعين الهنود قبل إجراء الانتخابات، وذلك بعدما بدأ يظهر التأثير السلبى لحظر صادرات السلع الغذائية للسيطرة على التضخم على دخول المزارعين، وربما يؤدى ذلك لخسارة مودى بعض الأصوات.
وذكرت وكالة بلومبرج للأنباء، أن أحد أسباب قلق مودى هو أن الأحزاب الحاكمة فى الماضى خسرت فى الانتخابات لأنها لم تستطع السيطرة على أسعار سلع أساسية مثل البصل، خاصة أن حزب القومى الهندوسى الذى يتزعمه مودى خسر الانتخابات المحلية التى أجريت فى مايو الماضى، مما اعتبره ناقوس خطر ومؤشر على الانتخابات العامة.
وكانت خسارة الحزب القومى الهندوسى للمحليات واحدة من المفاجئات السياسية فى الهند، فى مؤشر مبكر لتوجهات الناخب الهندى الذى انحاز لحزب المؤتمر المعارض، وعزا جيرام راميش، الأمين العام للمؤتمر، فوز الحزب إلى خوضه الحملة الانتخابية حول قضايا محلية مثل سبل العيش والأمن الغذائى، وارتفاع الأسعار، وضائقة الفلاحين، وإمدادات الكهرباء، والبطالة، والفساد.
وفى ظل المعطيات الحالية، فإن رئيس الحكومة يحاول جاهدا اتخاذ خطوات عاجلة لكبح جماح التضخم والسيطرة على الأسعار ودعم الفلاحين، وذلك قبل الانتخابات بفترة كافية ليضمن كسب الأصوات وتأمين حصوله على ولايه ثالثة.