أصدرت الدائرة "68 – تراخيص" – بمحكمة القضاء الإدارى بطنطا، حكما فريدا من نوعه، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية بشأن تراخيص المقابر، قالت فيه: "أن الجبانات تخضع لقانون خاص ولا ينطبق عليها قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 فإن أي قرار صادر من الجهات الإدارية تطبيقا لقانون البناء علي الجبانات يكون قرارخاطئ واجب الإلغاء".
ملحوظة: المقصود أن قانون البناء 119 لسنة 2008 يطبق علي المنشآت السكنية والإدارية من حيث الانشاء والترخيص وأن الجبانات لها قانون خاص ينظم انشائها وترخيصها وهو القانون رقم 5 لسنة 1966، لذلك فإن الوحدات المحلية واجب عليها تطبيق قانون 5 لسنة 1966 في شأن الجبانات ولا يجوز تطبيق قانون 119 لسنة 2008 عليها.
صدر الحكم في الدعوى المقيدة برقم 1128 لسنة 29 قضائية، لصالح المحامى محمد يسرى باظه، برئاسة المستشار أشرف محمد حجازى، وعضوية المستشارين ياسر أحمد، وهيثم محمد بسيونى، وأمانة سر محمد إبراهيم الزهيرى.
الوقائع.. "الإدارية العليا" ترسخ مبادئ بناء المقابر
أقام المدعي دعواه الماثلة بموجب عريضة موقعة من محام، ومعلنة قانوناً أودعت قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 13 أكتوبر 2021 طلب في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وأولاً: بوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 831 لسنة 2021 فيما تضمنه من سحب التصريح الممنوح له بصيانة وترميم المقبرة الخاصة به، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ثانيا: الحكم بأحقيته في سريان التصريح الممنوح له، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات .
وذكر المدعي - شرحاً لدعواه - أنه يصفته أحد ورثة المرحوم "على. ز" قد صدر له تصريح لصيانة وترميم مقبرة خمس عيون بناحية " ...."، مركز كفر الزيات من الوحدة المحلية بالدلجمون، وقد قام بناء على هذا الترخيص بعمل اللازم للمقبرة، إلا أنه فوجئ بخطاب صادر من الوحدة لية تخطره بإلغاء التصريح الممنوح لهم، ونعى المدعي على قرار المطعون فيه مخالفته الأحكام القانون نظراً لصدوره بعد ما يقارب من 5 أشهر على منحه التصريح، فضلاً عن أن هذا التصريح قد منح له بعد عمل المعاينات اللازمة من الجهة المختصة ولم يتم أي حد من حدود المقبرة أرض زراعية بل أن المقبرة محاطة من 3 جهات بالمقابر والجهة الرابعة شارع للدخول لهذه المقبرة، الأمر الذى حدا به إلى إقامة دعواه الماثلة بغية الحكم له بطلباته سالفة البيان.
الجبانات تخضع لقانون خاص ولا ينطبق عليها قانون البناء رقم 119 لسنة 2008
وقدم المدعي سنداً لدعواه حافظة مستندات اشتملت على صورة ضوئية من تصريح ترميم وصيانة للمقبرة موضوع الدعوى الماثلة صادر من الوحدة المحلية بالدلجمون، وأصل الكتاب الصادر من رئيس الوحدة المحلية لقرية الدلجمون بإخطاره بإلغاء التصريح الصادر له، لأنه مقام على أرض زراعية، وما يفيد تظلمه من القرار المطعون فيه بتاريخ 27 سبتمبر 2021.
وفى تلك الأثناء - وقد نظرت الدعوى أمام المحكمة على النحو المبين بمحضرها، وبجلسة 24 نوفمبر 2021 قضت المحكمة تمهيديا وقبل الفصل فيها بندب مكتب خبراء وزارة العدل بالغربية ليندب بدوره لجنة من خبرائه الهندسيين المباشرة المأمورية المبينة بأسباب هذا الحكم، وألزمت المدعى بإبداع أمانة على ذمة اتعاب اللجنة، وقد باشرت اللجنة مأموريتها المنوطة بها وأودعت تقريرها ملف الدعوى، وبجلسة 18 أغسطس 2022 قدم الحاضر عن جهة الادارة حافظة مستندات من بين ما طويت عليه صورة طبق الأصل من قرار الإزالة رقم 1 لسنة 2021 وحيث قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها، وقد أعد مفوض الدولة تقريرا مسببا بالرأى القانونى فى موضوع الدعوى.
والمقابر لها قانون خاص ينظم انشائها وهو رقم 5 لسنة 1966
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: إن المشرع نظم ما يتعلق بالجبانات والإنتفاع بها، حيث حدد ما المقصود بالجبانات بأنها أماكن دفن الموتى تحددها السلطة المختصة، وقرر إن أراضى الجبانات هي أموال عامة تمتلكها الدولة وذلك لأهميتها، والنتيجة التي تترتب على اعتبار أراضي الجبانات أموال عامة إن الأفراد غير مسموح لهم بتملكها، إنما يتم منحهم حق الانتفاع بها واستغلالها وفقا للقواعد والشروط التي تضعها الجهة الإدارية القائمة على الإشراف على تلك الأراضي.
وبحسب "المحكمة": وفي ذلك نص المشرع على أحقية المجلس المختص في تحديد رسم الانتفاع بالجبانة، وتحديد القواعد والوقائع المنظمة لهذا الإنتفاع وتحديد أيضا الوقائع والشروط والمواصفات التي يلزم إتباعها لإقامة المقابر والأحواش وتعديلها وترميمها، كما قرر المشرع قواعد عامة آمرة في شأن الإنتفاع باراضي الجبانات للمواطنين يجب على جميهم الإمتثال لها، فنص المشرع على ضرورة قيام المرخص له بالانتفاع بإحدى أراضي الجبانات بأن يشرع في البناء في مدة لا تجاوز 3 أشهر من تاريخ إخطاره باستلام الموقع و الجهة الإدارية المشرفة على الجبانة أن تمد هذه المهلة لمدة أخري مماثلة.
يجب على المرخص له بأرض لبناء حوش أن يقوم بإحاطته بسور
وتضيف "المحكمة": ويجب على المرخص له بأرض لبناء حوش أن يقوم بإحاطته بسور من المباني لا يقل ارتفاعه عن مترين، وذلك في خلال مدة لا تجاوز 6 أشهر من تاريخ المعاون استلام الموقع، وللجهة الادارية المشرفة على الجبانة أن تمد هذه المهلة لمدة أخرى مماثلة، وإلا جاز للمجلس المحلى المختص إلغاء الترخيص، وإن هدف المشرع من تلك الشروط والمواعيد هو ضمان جدية استغلال المرخص لهم بالانتفاع بتلك الأرض في الغرض الذي خصصت له، ومن حيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد ذهب إلى أن التراخيص الخاصة بشغل مساحات محدودة من أراضي الجبانات لأقامة مدافن أو أحواش تتسم بطابع الاستقرار، وأن الترخيص بمثل هذا النوع من الانتفاع في مصر يرتبط باعتبارات ومعتقدات دينية وأعراف مقدسة عميقة الجذور في نفوس الكافة منذ فجر التاريخ باعتبار أن القبر هو مثوى المرء بعد مماته وداره التى يوارى فيها بعد إنتهاء رحلته الدنيوية ومزار ذويه و عارفيه فى المناسبات الدينية المختلفة كذلك فإن افراد الأسرة الواحدة حريصون بحكم التقاليد على أن يضم قبورهم على تعاقب الأجيال مكان واحد .
كل ذلك أضفى على التراخيص بشغل أراضى الجبانات فى مصر منذ وجدت طابعا من الثبات و الاستقرار لا يزحزحه إلا أنهاء تخصيص المكان للدفن، وقلما يتم ذلك إلا فيما يتعلق بالجبانات التي بطل الدفن فيها – طبقا للطعن رقم 1362 لسنة 10 قضائية عليا - ومن حيث إن قضاء المحكمة الإدارية قد جرى على أن المشرع أصدر القانون رقم 5 لسنة 1966 في شأن الجبانات ولائحته التنفيذية واللذان تضمنا نصوصاً تنظم ضوابط تراخيص الجبانات والشروط الواجب توافرها في إقامتها، وذلك على النحو سالف الذكر، كما أن القانون سالف الذكر قد بين في المادة 11 منه على أن سلطة الإزالة من اختصاص القضاء وحده.
القرارات الإدارية التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها
ومن حيث إن المستقر عليه قضاء هذه المحكمة أن القرارات الإدارية التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة، وذلك استجابة لدواعي المصلحة العامة التي تقتضي استقرار تلك المراكز، وبالنسبة للقرارات الفردية غير المشروعة فالقاعدة أنه يجب على جهة الإدارة أن تسحبها التزاماً منها بحكم القانون وتصحيحاً للأوضاع المخالفة، إلا إنه إعمالاً لدواعي المصلحة العامة التي تقتضي أنه إذا صدر قرار معيب من شأنه أن يولد حقاً فإن هذا القرار يجب أن يستقر عقب فترة معينة من الزمان بحيث يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح الذي يصدر في الموضوع ذاته.
وقد اتفق على تحديد هذه الفترة بـ60 يوما من تاريخ نشر القرار أو إعلانه قياساً على مدة الطعن القضائي، فإذا انقضت هذه الفترة اكتسب القرار حصانة تعصمه من أي إلغاء أو تعديل ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار، وكل إخلال بهذا الحق بقرار لاحق بعد أمراً مخالفاً للقانون بعيب القرار ويبطله، بيد أن ثمة استثناء من موعد الـ 60 يوما هذه تتمثل فيما إذا كان القرار المعيب معدوماً أي لحقت به مخالفة جسيمة للقانون تجرده من صفته كتصرف قانوني وتنحدر به إلى مجرد الفعل المادي المنعدم الأثر قانوناً، وأيضاً إذا حصل أحد الأفراد على قرار إداري نتيجة غش أو تدليس من جانبه.
صدور التراخيص دون الحصول على موافقة وزارة الزراعة
من حيث أنه بالبناء على ما تقدم - ولما كان الثابت من الأوراق وتقرير الخبير المودع بالدعوى أن المدعي قد تحصل علي تصریح ترميم وصيانة وبعد عمل محضر معاينة على الطبيعة تبين أن المقبرة مقامة على أرض زراعية، وتم عمل محضر انضمامي في 30 يونيو 2021 بإثبات بناء مربع مقابر على أرض زراعية على مساحة 24م2 مقامة المقامة المقامة خارج الحيز العمراني التي أقامها المدعى – وذلك لصدور التراخيص دون الحصول على موافقة وزارة الزراعة بالمخالفة لأحكام قانون الزراعة وقانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008.
ومن حيث إنه في وزن القرار المطعون فيه بميزان المشروعية في ضوء الأسباب التي أبدتها الجهة الإدارية واتخذتها مبرراً لإصداره فإن البين أن المدعي قد حصل على موافقة الجهة الإدارية القائمة بالإشراف على الجيانات وصدر له تصريح الترميم بتاريخ 7 أبريل 2021 بالموافقة على ترميم الجبانة على قطعة الأرض محل التداعي، ولم يثبت من الأوراق أن المدعي قد تحصل على هذا الترخيص بناء علي غش أو تدليس من جانبه، ولما كانت الأسباب التي ذكرتها الجهة الإدارية في القرار المطعون فيه تتعلق جميعها بموقع قطعة الأرض السابق معاينتها والموافقة على صلاحيتها لترميم الجبانة، وهي أوضاع قائمة وظاهرة بالموقع لدى المعاينة.
القانون رقم 119 لسنة 2008 قد نسخ أحكام القانون رقم 5 لسنة 1966
كما أن المدعي قام بتنفيذ الأعمال محل الترخيص بالفعل، الأمر الذي من شأنه أن ينشئ للمدعي مركزا قانونيا ذاتيا يكسبه حقاً لا يجوز المساس به، ويحول بين جهة الإدارة وبين العدول عن هذه الموافقة بعد مرور أكثر من 60 يوما على صدور الترخيص المشار إليه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المشرع قد أصدر القانون رقم 5 لسنة 1966 في شأن الجبانات ولائحته التنفيذية، واللذان تضمنا نصوصاً تنظم ضوابط تراخيص الجبانات والشروط الواجب توافرها في إقامتها وتعديلها وترميمها، وذلك على النحو سالف الذكر، وهو الأمر الذي لا يمكن معه القول أن القانون رقم 119 لسنة 2008 قد نسخ أحكام القانون رقم 5 لسنة 1966.
ومتى كان ما تقدم وكانت الجبانات تخضع لأحكام القانون رقم 5 لسنة 1966، وإذ قامت الجهة الإدارية بإصدار قرارها المطعون فيه استنادا لأحكام قانون البناء رقم 119 لسنة 2008، وبالتالي يكون القرار قد صدر استنادا إلى أحكام قانون غير واجب التطبيق، إذ لا تسرى أحكام قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 على الجبانات باعتبارها لا تدخل في مفهوم أعمال البناء التي نظمها قانون البناء الموحد لأن نصوص القانون الأخير لم تتضمن نصوصا تنظم ضوابط وأحكام تراخيص الجبانات والشروط الواجب توافرها في إقامتها وتعديلها وترميمها على النحو الذي يمكن معه القول أنه نسخ أحكام القانون رقم 5 لسنة 1966، بل تدور نصوصه في إطار تنظيم المنشات السكنية والإدارية والتجارية من حيث الانشاء والتعديل والإصلاح والترميم وهي أمور لا مجال لها في الجيانات والتي لها قانون خاص بنظم شروط وضوابط بنائها والترخيص اللازم لها ومن ثم ومن جماع ما تقدم يكون القرار المطعون فيه رقم 910 لسنة 2021 فيما تضمنه من وقف وإلغاء الترخيص الصادر للمدعي برقم 17 بتاريخ 24 أغسطس 2021 بإنشاء الجبانة محل التداعي يكون غير قلم على سند صحيح من القانون جديرا بالإلغاء، وهو ما تقضى به المحكمة.