حالة من الجدل تسود فرنسا وخاصة الجالية الإسلامية بعد قرار الحكومة المفاجئ بحظر ارتداء العباءة الإسلامية في المدارس بعموم فرنسا، هذا القرار الذى جاء بشكل مفاجئ من قبل وزارة التعليم الفرنسية قبل بدء العام الدراسى بأيام قليلة أثار غضب الجالية الإسلامية أعاد الجدل حول تطبيق العلمانية في البلاد.
وشهدت فرنسا مناقشات خلال الأشهر الأخيرة حول ما إذا كانت الملابس تعد رموزا دينية وبالتالي يجب حظرها في المدارس، فوفقا للقانون في باريس تعد فرنسا دولة علمانية تفصل بصرامة بين الدولة والدين، وتشير التقديرات إلى أن ما بين 3.5 مليون إلى 6 ملايين مسلم يعيشون في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 67 مليون نسمة.
ولطالما أثارت فرنسا الجدل حول الزى الإسلامي بمختلف أشكاله حيث سبق أن وضعت تشريعات تحظر إرتداء النقاب والحجاب في المدارس، واليوم تعود بقرار جديد يحظر ارتداء العباءة الإسلامية للرجال والنساء، ويبدو أن الحكومة عازمة على تطبيق القرار بحزم.
ويأتي هذا القرار تنفيذا لقانون 2004 الذي يمنع ارتداء الرموز الدينية في المدارس، باعتبار أن مظهر الطالب يجب ألا يدل على انتمائه الديني، فكل علامة ظاهرة تدل على دين التلميذ تعتبر مخالفة لقانون العلماني، ولكن قانون 2004 لم يضع لائحة كاملة بالرموز أو الملابس التي يمكن أن تشكل علامة ظاهرة تدل على الدين، والتي كان من بينها الحجاب والعمامة.
ودعم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون القرار، الذى يبدأ تطبيقه هذا الأسبوع، بمنع ارتداء العباءة وغيرها من الملابس الإسلامية في الفصول الدراسية، داعيا في الوقت نفسه إلى اتباع الحزم لضمان الالتزام بالقرار.
وقال ماكرون خلال زيارته ثانوية مهنية في أورانج بجنوب فرنسا إن الحكومة "لن تدع أي شيء يمر، نعلم أنه ستكون هناك حالات، جراء الإهمال ربما، ولكن حالات كثيرة لمحاولة تحدي النظام الجمهوري. علينا أن نكون حازمين".
وبرر ماكرون المنع بالقول إنه "لا ينبغي أبدا ترك المعلمين ومدراء المدارس يواجهون بمفردهم الضغوط أو التحديات القائمة بشأن هذا الموضوع"، مشددا على أن "فرسان الجمهورية" هؤلاء "لديهم الحق في الدفاع عن العلمانية، وعلينا أن نبدي تأييدنا لهم عندما يتعرضون للتهديد والضغط"، مؤكدا أن "الدولة والجمهورية تقفان وراءهم".
ووعد رئيس الدولة بأنه "في المدارس الثانوية أو الكليات الأكثر حساسية، سيتم فرز موظفين محددين للعمل بجانب مدراء المؤسسات والمعلمين لدعمهم وكذلك للمشاركة في الحوار الضروري مع العائلات والطلاب".
والخميس الماضى، أرسل وزير التربية الفرنسي غابرييل أتال مذكرة إلى رؤساء المؤسسات التعليمية أكد فيها أن ارتداء العباءة والقميص الطويل "يعبر عن انتماء ديني في البيئة المدرسية ولا يمكن التسامح معه فيها".
ووفقا لقناة تي إف 1 الفرنسية، قال وزير التعليم إنه سيجري محادثات في وقت قريب من الأسبوع الجاري مع مديري المدارس لمساعدتهم على تطبيق الحظر، مشددا على سعيه لوضع "قواعد واضحة على المستوى الوطني" لمدراء المدارس.
ولدى سؤال الوزير عن المسألة التي تثير جدلا منذ أشهر على خلفية حوادث على صلة بارتداء هذا اللباس، كشف أتال أنه يسعى "اعتبارا من الأسبوع الجارى"، إلى لقاء مسؤولي المدارس لمساعدتهم في تطبيق هذا الحظر، وقال: "عندما تدخل إلى الفصل الدراسي، لا ينبغي أن تكون قادرا على التعرف على ديانة التلاميذ بمجرد النظر إليهم".
وأشار أتال، الذي أعلن حظر العباءة، إلى أن القاعدة الجديدة ستشمل أيضا ارتداء القميص "العباءة الخاصة بالرجال"، موضحا: "وراء العباءة والقميص، هناك فتيات وفتيان صغار وهناك عائلات. هناك بشر يجب أن نتحاور معهم والقيام بالتربية".
وتابع "سيستقبلن ويستقبلون في المؤسسات التعليمية وسيكون هناك حوار معهم للشرح لهم معنى هذه القاعدة، لِمَ أتّخذ هذا القرار، لِمَ لا يمكننا ارتداء العباءة والقميص في المدرسة"، معلنا أنه "اعتبارا من الإثنين، لن يتمكن أي من هؤلاء التلاميذ من دخول الحصص الدراسية".
وشدد على أن "العلمانية هي إحدى القيم الأساسية لمدارس الجمهورية الفرنسية"، ومن المقرر أن يرسل خطاب إلى رؤساء المؤسسات "مخصص للعائلات" المعنية، وقال هذه "ظاهرة تخفي استغلاليين مهنيين، فهم لا يريدون الخير لا للمدرسة ولا للجمهورية، لسنا مغفلين وعلينا بكل بساطة تطبيق قانون 2004".
وأثار إعلان حظر ارتداء العباءة جدلا لا سيما بين الأحزاب اليسارية، مع توعّد حزب "فرنسا المتمرّدة" الطعن في القرار أمام مجلس الدولة، وعبر بعض المشرعين المعارضين عن رفضهم للقرار، وهاجمت دانييل أوبونو عبر منصة "إكس"، وهي سياسية معارضة بارزة، هذه الخطوة ووصفتها بأنها "حملة جديدة معادية للإسلام".
ووصف جان لوك ميلينشون، وهو من اليسار المتطرف، والذي احتل المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022، "حزنه لرؤية العودة إلى المدرسة مستقطبة سياسيا بسبب حرب دينية جديدة سخيفة مصطنعة تماما حول لباس المرأة"، مضيفًا: "متى سيكون هناك سلام أهلي وعلمانية حقيقية تتحد بدلًا من السخط؟".
وجاء القرار بعد حمله من الصحافة الفرنسية ضد الملابس الإسلامية بالمدارس الفرنسية، من ضمنها صحيفة "لوفيجارو" التي كتبت في أكتوبر 2022 مقالا بعنوان "اللباس الإسلامي في المدرسة: السلطات تتخلى عن التعامي".
كذلك كشفت مجلة "ليكسبرس" عن مذكرة في صيف العام الماضي صادرة عن اللجنة الوزارية لاستدراك الجنوح والراديكالية، عبرت فيها عن قلقها من ظاهرة ارتداء الملابس الدينية بالمدارس، لافتة إلى تصاعد الخطاب الإسلامي المشكك بقانون 2004 على مواقع التواصل.