لا زالت لبنان بدون رئيس رغم مرور 10 أشهر على انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشيل عون، وبعد أن فشل البرلمان اللبنانى فى سلسلة من الجلسات المتتالية لاختيار رئيس البلاد، بسبب عدم توافق الفرقاء السياسيين على شخص الرئيس، عاد رئيس مجلس النواب اللبنانى ليطرح مبادرة جديدة لتحريك المياه الراكدة عبر حوار سياسى يضم كافة الأطياف، وبقدر الأمل الذى بعثته المبادرة بقدر ما تسببت فى انقسام النواب مرة أخرى.
دعوة رئيس النواب، نبيه برى، تشتمل على عدة نقاط فى مقدمتها إجراء حوار بين كل الكتل النيابية خلال شهر سبتمبر لمدة أسبوع بحد أقصى، من أجل التوافق حول انتخاب رئيس جديد للبلاد، معتبرا أن اللحظة السياسية التى يعيشها لبنان واللبنانيين هى الأخطر فى تاريخه.
ووجه برى، الدعوة مجددا إلى رؤساء وممثلى الكتل النيابية لحوار فى شهر سبتمبر بالمجلس النيابى لمدة حدها الأقصى 7 أيام، على أن يتم الذهاب بعدها لجلسات مفتوحة ومتتالية حتى الاحتفال بانتخاب رئيس للجمهورية.
وقال برى، إنه حرص على إنجاز الاستحقاق الرئاسى قبل أن يحدث شغور للمنصب، مذكرا بالدعوة التى أطلقها قبل عام من الآن للحوار، مشددا على ضرورة إنجاز هذا الاستحقاق اليوم وغدا قبل بعده وقبل فوات الأوان، مؤكدا أن هذا الاستحقاق لا يتم بفرض مرشح أو بوضع اعتراضات على مرشح.
وأضاف رئيس المجلس النيابى، أن استحقاق انتخاب رئيس جديد للبلاد لا ينجز ولا يتم بتعطيل أعمال المؤسسات الدستورية وشل أدوارها خصوصا عمل السلطتين التنفيذية كسلطة تصريف للأعمال بالحدود الضيقة وفقا لما نص عليه الدستور اللبنانى، ولا يكون بشل عمل السلطة التشريعية التى لها الحق أن تشرع فى كل الأحوال وهى ضرورة قصوى تفرض على الجميع تفعيل عمل هذه المؤسسة لا تعطيلها، مستنكرا رفض أطراف وخصوصا الطرفان المعنيان بالاستحقاق الرئاسى أى صيغة من صيغ الحوار والتوافق.
ورغم أن تلك المبادرة تأتى فى وقت حرج يُحتم على الأطياف السياسية التوافق، حيث بلغت الأزمة الاقتصادية ذروتها خاصة مع رفض البنك المركزى إقراض الحكومة من الاحتياطى النقدى لسداد إلتزاماتها، فضلا عن أن الحكومة الحالية هى حكومة تصريف أعمال وبالتالى غير مخولة لإتخاذ العديد من القرارات المصيرية، إلا أن القوى السياسية انقسمت حول مبادرة برى بين مؤيد ومعارض.
نائب رئيس مجلس النواب اللبنانى إلياس بوصعب، اعتبر أن مبادرة رئيس المجلس تعد الفرصة الأخيرة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية العام الجارى، موضحًا أنه لمس مواقف إيجابية من الدعوة الجديدة للحوار وخصوصًا فى ظل تأكيد برى أن الحوار سيستمر لمدة 7 أيام وبعدها يتم الدعوة لجلسات مفتوحة ومتتالية لا تنتهى إلا بانتخاب رئيس جديد للبلاد، معتبرًا أن هذا الجلسات المتتالية هى المطلب الأساسى للعدد الأكبر من النواب المعارضين.
وعبر بوصعب، عن أمله فى أن تراجع جميع القوى السياسية مواقفها ليكون للبنان رئيس جديد خلال الشهر الجارى، موضحًا أنه خلال الزيارات التى قام بها خلال الفترة الماضية لعدد من الفرقاء والكتل النيابية وجد أن تقريبًا 90% كانوا مع الحوار الذى يعطى نتيجة.
وأشار إلى موقف تكتل "لبنان القوى" - الكتلة النيابية للتيار الوطنى - إيجابى من الحوار، موضحًا أنه من دون حوار وتشاور وتفاهم فلا يمكن التوصل لانتخاب رئيس للجمهورية، مجددًا التأكيد على أن المجلس إذا لم يكن قادرًا على انتخاب رئيس للجمهورية فليستقل الجميع وتذهب البلاد إلى انتخابات نيابية مبكرة.
ودعا بوصعب، من يعارض هذه الدعوة للحوار أن يقدم بديلاً للتفاهم بين النواب بشأن هذا الاستحقاق الدستورى، مشددًا على أن هذه المبادرة إيجابية وقد تكون الفرصة الأخيرة للمجلس النيابى كى ينتخب فى العام الجارى رئيسًا للجمهورية.
فى حين انقسم نواب "التغيير" الـ 12 إلى 3 مجموعات على تعاطيهم مع المبادرة، ووفقا للشرق الأوسط يتجه القسم الأول لإعلان رفض طرح برى معتبرين أن الطرح الجديد – القديم لبرى ليس إلا محاولة جديدة لتمرير مرشحهم سليمان فرنجية.
وكتب النائب وضاح الصادق على منصة "إكس": "أسمع عن الحوار منذ أشهر من الإعلام، لا نعرف شيئاً عن تفاصيله، ويقال إننا نعطّله. دون أن نتلقّى دعوة رسمية واحدة". وسأل: "من سيدير الحوار؟ من سيدعى إليه بوجود أكثر من 15 كتلة وأكثر من 20 نائباً مستقلاً؟ كيف ستتم دعوتهم؟ ما هو جدول أعماله؟ هل هو حوار على اسم الرئيس؟ أم مهماته؟ أم على الرئيس ورئيس الحكومة والحكومة؟"، وأضاف: "عشرات الأسئلة بدون جواب. الدعوة إلى حوار جدى تحتاج أن تكون واضحة، جدّية، مفصّلة ورسمية، لا مجرد كلام إعلامى من دون أى تفصيل".
أما القسم الثانى من النواب، فيدقق بتفاصيل مبادرة برى وقد يكون أقرب للموافقة عليها فى حال حُسم أمر الدعوة لجلسات متتالية لانتخاب رئيس بعد الأيام الحوارية الـ7، إذ أكدت النائبة بولا يعقوبيان، فى حديث تلفزيونى، أن "الجلسات المتتالية هى مطلبنا منذ اليوم الأول وعندما نعرف تفاصيل الحوار يكون لنا موقف إيجابى أو سلبى. أما إذا كان رئيس مجلس النواب نبيه برى يناور واجبنا أن نلحقه (على باب الدار) بهذه المناورة".
فيما وصف النائب إلياس جرادة، فى حديث صحفى، دعوة برى للحوار بالمجلس لمدة أقصاها 7 أيام، بـ"الإيجابية جداً"، معتبراً أنها "جاءت فى وقتها، وهى تعدّ مخرجاً مشرّفاً للجميع دون كسر عظم".
أما النائب أشرف ريفى فيقول، وفقا لموقع المركزية اللبنانى: "لن ننفذ، لأن دستورنا واضح للأمانة ينص على أن رئيس الجمهورية ينتخب بالاقتراع السرى، ونقطة ع السطر".
وفى ظل هذا التشتت فى الآراء بين مؤيد ومعارض وطرف ثالث يؤيد بشروط يبدو أن مبادرة برى ستذهب أدراجها مثل مبادرات سابقة، إلا إذا غلب الجميع المصلحة العامة للبلاد والعباد وجلسوا إلى طاولة واحدة وتوافقوا على رئيس وطنى بدون حسابات سياسية.