الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 05:17 ص

المفاعلات النووية الصغيرة.. العالم يبحث عن حلول لتجاوز أزمات الطاقة.. مسئول بمركز الأمان النووى: يمكن استخدامها بمشروعات الهيدروجين الأخضر وتحلية مياه البحر.. ويسرى أبو شادى: تكلفتها ما زالت عائقا أمام انتشارها

المفاعلات النووية الصغيرة.. العالم يبحث عن حلول لتجاوز أزمات الطاقة.. مسئول بمركز الأمان النووى: يمكن استخدامها بمشروعات الهيدروجين الأخضر وتحلية مياه البحر.. ويسرى أبو شادى: تكلفتها ما زالت عائقا أمام انتشارها مفاعل نووى
الأحد، 24 سبتمبر 2023 02:00 م
كتب محمد أحمد طنطاوي

تحتل المفاعلات النووية النمطية الصغيرة اهتمام كبير من جانب دول العالم المختلفة في الوقت الراهن، انطلاقا من قدرتها على توفير طاقة نظيفة وآمنة ومستدامة، بتكلفة مقبولة، تجعلها متاحة للاستخدام في الدول الفقيرة والنامية، التي تطمح في الاستقرار والنمو الاقتصادي، وتخطط لخلق بيئة إنتاجية وصناعية فاعلة، تمنحها القدرة على مواجهة التحديات المختلفة في عالم باتت تحكمه تحالفات القوة، ويشتعل فيه التنافس الاقتصادي حتى وصل ذروته. 

 
المفاعلات الصغيرة وعالم خالي من الكربون

وقد صاغ مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل جروسي، في تصريحات له عبر موقع الوكالة، أهمية المفاعلات الصغيرة والمتوسطة قائلاً:  إن العديد من البلدان المتقدمة والنامية تستهدف توسيع نطاق القوى النووية لديها أو الأخذ بها لمساعدتها على تحقيق الأهداف المتصلة بالتنمية المستدامة، فالطاقة النووية قد باتت "حل الوقت الراهن"، الذي يوفر ما يقرب من ثلث الكهرباء منخفضة الكربون في العالم، و المفاعلات الصغيرة "بديل مستقبلي آمن، تجعل الطاقة النظيفة المستدامة متاحة للدول المتقدمة والنامية على حد سواء. 

المفاعلات الصغيرة  وفرص التنمية بالدول الفقيرة   وذكر موقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعريفاً  واضحاً للمفاعلات الصغيرة والمتوسطة، اعتماداً على قدرتها في إنتاج الطاقة، وأشار إلى أن كل الوحدات التي تنتج طاقة كهربائية تصل إلى 300 ميجا وات، تعتبر مفاعلات صغيرة، وتتميز بأنها تنتج كمية متوسطة من الكهرباء منخفضة الكربون، وكما أنها صغيرة الحجم، أي يمكن تجميع نظمها ومكوناتها في المصانع، ثم نقلها كوحدات  منفصلة إلى الموقع لتركيبها.
 
وأشار موقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن مصطلح "القوى النووية" كان دائماً ما يثير في الاذهان صورًا للمحطات النووية الضخمة، بأبراج تبريدها الشاهقة، لكن ما إنْ بدأت المفاعلات النمطية الصغيرة (SMR) و المفاعلات الأصغر "الدقيقة " (MRs) تتحول إلى حقيقة، حتى أخذت تتغير ملامح القوى النووية في العالم، ونطاق وصولها إلى كل الدول، خاصة الفقيرة محدودة الموارد، التي لم يكن بمقدورها إنشاء محطات نووية تقليدية ضخمة، نتيجة التكلفة وقلة حجم الموارد المتاحة.
 
وحدات إنتاج الطاقة بالمفاعلات الصغيرة
 
وحدات إنتاج الطاقة بالمفاعلات الصغيرة.. اهتمام عالمي وطلب متزايد
من جانبه قال الدكتور مصطفى عزيز، المسئول بمركز بحوث الأمان النووي والاشعاعي في هيئة الطاقة الذرية، إن المفاعلات الصغيرة والمتوسطة أصبحت في دائرة الاهتمام للعديد من دول العالم في الوقت الراهن نظراً لما تتميز به من إيجابيات كبيرة، بوصفها مفاعلات صديقة للإنسان، ولها دور كبير في إحداث التنمية، خاصة في الاقتصاديات الناشئة والدول التي يعيش أجزاء من سكانها في مناطق نائية، وتحتاج إلى إمدادها بمصادر الحياة المختلفة في مقدمتها الكهرباء والمياه النظيفة.
 
وأوضح عزيز، أن المفاعلات الصغيرة تشمل أنواع عديدة وكثيرة تصل إلى نحو 60 نوعاً، و هناك العديد من الدول مثل روسيا والصين والأرجنتين وأمريكا، لها خبرات كبيرة في مجال إنتاجها وتشغيلها، خاصة أنها فعالة جداً في عمليات التدفئة للمناطق الباردة أو تحلية المياه المالحة، كما أن وسائل الأمان بها مرتفعة،  و لا تسبب ملوثات للبيئة كما هو الحال في مصادر الطاقة التقليدية، التي تنتج الكربون بكثافة.
 
وكشف عزيز أن المفاعلات الصغيرة والمتوسطة يمكن استخدامها في مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، لما لها من قدرة على إنتاج الحرارة، بالإضافة إلى أن دورة الوقود "الحاجة للتزود بالوقود" بها طويلة نسبيا عن المفاعلات التقليدية الكبيرة، وتصل من 3 إلى 5 سنوات، بينما الأولى من سنة إلى سنة ونصف.
 
وحول مقارنتها مع المفاعلات الكبيرة كشف خبير الطاقة النووية أن المفاعلات الصغيرة يتوقف استخدامها على مدى الاحتياج لها، فهي تناسب  المناطق الحدودية والنقاط التي يصعب وصول الشبكة الكهربائية لها، بينما المفاعلات الكبيرة أفضل اقتصادياً، في حال حساب الموضوع من ناحية تكلفة إنتاج الكيلو وات من الكهرباء، لافتا إلى أن المفاعلات الصغيرة سوف يزيد استخدامها خلال الفترة المقبلة، لكن هذا لن يؤثر على دور وأهمية المفاعلات الكبيرة، باعتبارها الأنسب والأكثر قدرة على إنتاج الكهرباء.

سباق عالمي لإنتاج مفاعلات صغيرة
العديد من البلدان حول العالم بصدد تطوير وتصميم الجيل الجديد من المفاعلات الصغيرة، خاصة في ظل الظروف والصراعات التي تشهدها أوروبا في الوقت الراهن، وخريطة العالم التي أعادت صياغتها الحرب الروسية الأوكرانية، وأظهرت الحاجة إلى مصادر بديلة عن الطاقة التقليدية، وقد بدأت بالفعل أعمال البناء في  4 مفاعلات صغيرة ومتوسطة الحجم  في الأرجنتين والصين وروسيا، فالصين في الوقت الراهن اتجهت نحو تشييد أكثر المفاعلات المبرَّدة بالغاز تقدماً، وهو المفاعل المرتفع الحرارة النمطي (HTR-PM).
 
أما الأرجنتين فتعكف على بناء أول نموذج لمفاعل نموذجي صغير (SMR)، تحت مسمى CAREM 25، وقد زار موقعه مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل عشرة أشهر، وتفقد المفاعل الجديد، الذي سيشمل غرفة التحكم وجميع أنظمة السلامة والتشغيل وسوف ينتج 32 ميجا وات من الكهرباء وسيكون أول مفاعل نووى نمطي صغير في الأرجنتين، وله القدرة على الإغلاق تلقائياً في حال الكشف عن مشكلة ما في المفاعل.
نموذج لمفاعل صغير في امريكا
 

موسكو وتجارب جديدة في تصميمات المفاعلات الصغيرة

المفاعلات النمطية الصغيرة يمكن أن تحمل فرصا واعدة للشركات العاملة في مجالات الشحن والتفريغ والخدمات بصورة مباشرة، كما أنها من ناحية أخرى قادرة على خلق مجمعات صناعية متكاملة، خاصة مع مراحل الإنتاج الكمية للكهرباء المستدامة، التي يمكن من خلالها إقامة المصانع والاستثمارات المتنوعة، واستغلال الموارد بالصورة المناسبة، التي تنعكس بطريقة واضحة على زيادة معدلات دخل الفرد، وحصته من الناتج القومي الإجمالي، وتأثيرات ذلك على تراجع معدلات البطالة، التي تعتبر التحدي الأكبر أمام دول العالم الثالث بشكل عام، ودول القارة الأفريقية بوجه خاص.
 
وكشف موقع مؤسسة روس أتوم الروسية، أن لموسكو تجربة مهمة في مجال المفاعلات النمطية الصغيرة، فقد نجحت مؤخراً في الحصول على ترخيص من الهيئة الفيدرالية للإشراف البيئي والتكنولوجي والنووي لبناء محطة "ياكوتسك" للطاقة النووية منخفضة القدرة في جمهورية ساخا (ياقوتيا)، ويعتمد المشروع على أحدث الابتكارات الروسية من خلال مفاعل نووي مبرد بالماء RITM-200N، الذي نتج عن عملية تكييف التقنية المبتكرة منخفضة القدرة للمفاعلات العائمة لتصبح صالحة للعمل براً، وقد تم اختبار مفاعلات من سلسلة RITM-200 في ظل الظروف القاسية في القطب الشمالي على أحدث كاسحات الجليد الروسية، علماً بأن المحطة تتميز بصغر الحجم والنمطية وتقليل وقت البناء مقارنة بمحطات الطاقة النووية عالية القدرة، وخلال الوقت الراهن تسير الأعمال بخطى مدروسة، ومن المقرر تشغيل أول محطة أرضية للطاقة النووية منخفضة القدرة في العالم في عام 2028. 

نموذج المفاعل المصري  أليكس 50
 
نموذج المفاعل المصري "أليكس 50 " في جامعة الإسكندرية
في سياق متصل قال الدكتور يسري أبو شادي، كبير المفتشين السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن المفاعلات الصغيرة قد أبدت بعض الدول العربية اهتمامها بها، خاصة تلك التي  تصل قدرتها من 50 إلى 150 ميجا وات، لكن الأهمية الكبرى لهذه المفاعلات تكمن في أنها مناسبة تماماً  للمناطق المنعزلة، والبعيدة عن الشبكة الكهربائية، التي أحيانا قد تصل تكلفة مد خطوط كهرباء إليها أضعاف تكلفة إنشاء مفاعل نووي.
 
وأوضح أبو شادي، أن المفاعلات الصغيرة، تخدم القرى الواقعة على البحار  أو الصحاري، كاشفاً أنه نجح مع مجموعة من طلاب جامعة الإسكندرية في تصنيع نموذج مفاعل صغير بقدرة 50  ميجا وات، عام 2013 وحمل اسم  "أليكس 50"، لافتا إلى أن هناك اهتمام عالمي كبير بالمفاعلات الصغيرة والمتوسطة، خلال السنوات الأخيرة وقد زاد الطلب عليها من جانب الدول التي بها صحاري مثل شمال إفريقيا والسعودية.
 
وأشار أبو شادي، إلى أن المشكلة الوحيدة التي تعيق انتشار المفاعلات الصغيرة والمتوسطة حول العالم هي ارتفاع تكلفتها مقارنة بالكبيرة التقليدية، لكن إذا تم وضع هذه التكلفة في إطار دورها   في تنمية المناطق النائية والحدودية، حينها يمكن أن نقول أنها عملية وتحمل مستقبل كبير لهذه المناطق.

 


print