نجحت مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في اتخاذ خطوات جادة لإصلاح السياسة النقدية للبلاد، وكانت البداية بتحرير سعر الصرف في مطلع نوفمبر 2016، ليتم تسعيره وفقًا لقوى العرض والطلب، كما نجحت الدولة في التعامل مع التحديات العالمية المستمرة والتي بدأت قبل عدة سنوات بفيروس كورونا وصولا إلى مشكلات الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة التضخم العالمي ومشكلات سلاسل الإمداد والتوريد، والمشكلات المتعلقة بتوفير الدولار في العالم نتيجة الزيادة الكبيرة في معدلات الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية لأرقام هي الأعلى من 22 سنة، إضافة إلى نزوح الاستثمارات الأجنبية في السندات والبورصات، الأمر الذي ضغط بقوة على الاقتصاد الوطني، ولذلك انتهجت الدولة خطة للتعامل مع هذه التحديات وتوفير الدولار لتقليل الضغط على العملة.
استهدف البنك المركزى من تلك السياسات إصلاح التشوه السعري بسوق الصرف والقضاء على السوق الموازية، وتمكين الدولة من توفير العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع الأساسية والوفاء بالتزاماتها نحو الشركات الأجنبية العاملة بالسوق المصرية، وبناء الاحتياطي الأجنبي لمستويات ما قبل أحداث يناير ليغطي الواردات لمدة 6 أشهر على الأقل، وجذب الاستثمارات الأجنبية، والسيطرة على الموجة التضخمية الناتجة عن تحرير سعر الصرف، وتحقيق مستهدفات السياسة النقدية في استقرار الأسعار على الأجل المتوسط.
وفي سبيل تحقيق تلك الأهداف السابقة اتخذ البنك المركزي مجموعة من القرارات التي تتمثل في التالي: تخفيف القيود الرقابية التي سبق فرضها على عمليات النقد الأجنبي ومن أهمها حدود السحب والإيداع والتي أسهمت في القضاء على السوق الموازية للنقد الأجنبي، وتوفير العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع الأساسية وكذلك سداد مستحقات الشركات الأجنبية العاملة بالسوق المصرية، وبناء الاحتياطيات الأجنبية والتي وصلت لمستويات تاريخية بالرغم المخاطر التي تعرضت لها الأسواق الناشئة في منتصف عام 2018.
كما اتبع البنك المركزي سياسة نقدية تقييدية من أجل السيطرة على معدلات التضخم والتي تضمنت استخدام مزيج من أدوات السياسة النقدية منها سعر الفائدة، نسبة الاحتياطي الإلزامي وعمليات السوق المفتوح للسيطرة على مستويات السيولة بالسوق المصرفية، وإعلان مستهدفات التضخم في البيانات الصحفية للجنة السياسة النقدية لأول مرة في تاريخ البنك المركزي مما يزيد من مستويات ثقة المستثمرين والمستهلكين في الاقتصاد المصري وقدرة المركزي على الإبقاء على معدلات التضخم ضمن مستوياتها المستهدفة.
اتخذت القيادة السياسة إصلاحات اقتصادية جريئة خلال السنوات العشر الأخيرة، على رأسها إصلاح السياسية النقدية، عبر تحرير سعر الصرف مما ساهم في تدفقات استثمارات المحافظ الأجنبية، حيث تخطت 30 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف، وهو ما يؤكد على جاذبية الاستثمارات المالية المصرية للمستثمرين الأجانب.
ووزعت تدفقات استثمارات المحافظ الأجنبية إلى 4.2 مليار دولار خلال عام 18/2019 مقابل 12.1 مليار دولار خلال عام 17/2018 ليصل إلى 7.3- مليار دولار عام 2019/2020، وهو ما يتوافق مع الأحداث العالمية، فالحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد أثرت سلبيًا على تدفقات استثمارات الحافظة بجانب جائحة فيروس كورونا المستجد، إلا أنه مع تحسن الأوضاع عادت لتحقق 18.7 مليار دولار خلال عام 2020/2021.
وارتفعت التدفقات الاستثمارية خلال العام الحالي 2023 بنسبة 72% بفضل التسهيلات التي قدمتها الدولة للمستثمرين على خلفية 22 قرارًا صادرًا من المجلس الأعلى للاستثمار.
وجاء ارتفاع التدفقات الاستثمارية مدعومًا بارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال عام 2022 إلى 8.9 مليار دولار مقابل 5.2 مليار دولار في 2021، وخلال الربع الأول من العام الحالي 2023، ارتفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر ليصل إلى حوالي 3.3 مليار دولار، لتحقق مصر المركز الأول على مستوى دول شمال إفريقيا في مؤشر التدفقات الواردة من الاستثمار الأجنبي والأولى عربيًا من حيث نمو الاستثمارات الأجنبية.
وأسهمت قرار الإصلاح النقدي في تحقيق فائض في ميزان المدفوعات يتخطى 26 مليار دولار خلال عامي 16/2017 و17/2018، وشهد عام 18/2019 تباينًا في أداء الموازين الثانوية وهو ما انعكس على ميزان المدفوعات سلبًا ليحقق عجزا بمقدار 0.1 مليار دولار، إلا أن ميزان المدفوعات حقق فائضا قدره 1.86 مليار دولار في العام المالي 2020/2021.
وبنهاية سبتمبر من العام الماضي 2022، حقق ميزان المدفوعات المصري فائضًا كليا بلغ 523.5 مليون دولار، مدعومًا بارتفاع الإيرادات السياحية وحصيلة الصادرات السلمية البترولية وغير البترولية إلى جانب تصاعد إيرادات قناة السويس وارتفاع صافي التدفق الداخل للاستثمار الأجنبي المباشر في مصر.
انعكست تلك التطورات على صافي الاحتياطيات الدولية والتي شهدت أعلى معدلات تاريخية في ديسمبر 2018 بقيمة 45.55 مليار دولار، إلا أنه تخلى عن هذه المستويات يفعل التأثيرات العالمية ليصل إلى 33.53 مليار دولار بحلول نوفمبر 2022، ليتعافى عقب ذلك بحلول أغسطس 2023 عند 34.9 مليار دولار.
وبالنسبة لأسعار الصرف شهد عام 2020 أداءً جيدًا للجنيه المصري مقارنة بالأسواق الناشئة، وذلك بدعم من نتائج برنامج الإصلاح الاقتصادي ومساعي الدولة لتحسين مؤشرات الاقتصاد والبرامج الحمائية التي اتخذتها الدولة خلال فترة جائحة كورونا، إلا أن سوق الصرف شهدت مطلع عام 2022 تحولا كبيرًا على خلفية التقلبات العالمية وصدمات الاقتصاد الدولي الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، لتتخذ البنوك المركزية عالميا وبالتبعية البنك المركزي المصري سياسة تشددية للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، وفي ظل تلك الأوضاع ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري من 15 جنيها للدولار ليصل إلى 30.90 جنيها مقابل الدولار.
وتراجعت معدلات التضخم بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا من قبل المحللين، فقد سجل معدل التضخم تراجعًا من 21.6% عام 2017/2018 في أعقاب تحرير سعر الصرف نتيجة برنامج الإصلاح الاقتصادي إلى 6.4% و7% خلال عامي 2019/2020، 2020/2021، على التوالي، مرتفعًا بعد ذلك بمستويات كبيرة بفعل تأثيرات الحرب الروسية-الأوكرانية على معدلات التضخم العالمية والمحلية، إلا أنه من المتوقع أن يعود إلى الاستقرار مرة أخرى في عام 2023/2024 إلى مستويات ما دون 20%.
انعكس إصلاح السياسة النقدية في مصر، خلال السنوات العشر الماضية، إيجابيًا على الاقتصاد المصري في العديد من المؤشرات أهمها: مؤشرات ميزان المدفوعات، والذي شهد تطور عجز الميزان التجاري من خلال تقلص عجز الميزان التجاري من 39.1 و38.7 مليار دولار لعامي 2015/14و 2016/15 على التوالي لتصل إلى 36.4 مليار دولار بحلول عام 2019/2020، ليرتفع عقب ذلك إلى 43.96 مليار دولار بحلول عام 2021/2022، وذلك بفعل تأثيرات الأزمات العالمية كجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على أداء الصادرات والواردات المصرية.
غير أن الأمر الإيجابي أن الاقتصاد المصري حقق فائضًا في ميزان المعاملات البترولية، إذ بلغت الصادرات البترولية نحو 17.9 مليار دولار في العام 2021/2022 مقابل الواردات البترولية البالغة 13.5 مليار فقط خلال نفس العام، يرجع هذا إلى ارتفاع معدلات إنتاج المواد البترولية وخصوصًا الغاز الطبيعي في ظل الاكتشافات الحديثة.
كما أدى إصلاح السياسة القدية إلى تطور الميزان الخدمي، من خلال تضاعف فائض الميزان الخدمي مدعومًا بزيادة ملحوظة في إيرادات السياحة وحصيلة قناة السويس، إذ أسهم تحرير سعر الصرف الذي ساعد على تحسن مستوى مصر في مؤشرات تنافسية السياحة وهو ما انعكس بدوره على إيرادات السياحة والتي شهدت تزايدًا ملحوظًا في أعقاب تحرير سعر الصرف حيث بلغت 10.3 مليارات دولار خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الماضي 2022 وهو ضمن مستويات الأداء المرتفعة حتى بالمقارنة مع ما قبل ثورة يناير ومقابل 3.8 مليارات دولار خلال عام 15/2016 أي بنسبة زيادة قدرها 36.9%.
وبالنسبة لإيرادات قناة السويس، فقد أنعشت خزينة الدولة بحجم إيرادات بلغ 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022/2023 لتتجاوز تلك القيمة ما تحقق من قبل بالرغم من الأزمات العالمية المتتالية، إذ بلغت إيرادات قناة السويس 5.2 مليار دولار عام 2015، وخلال السنوات اللاحقة كانت الحصيلة أعلى قليلًا أو أقل قليلًا عن تلك النسبة حتى بدأت في الارتفاع منذ عام 2021 لتحقق 6.3 مليار دولار ثم نحو 8 مليارات دولار عام 2022، لتصل أخيرًا إلى 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022/2023.