تعد المساحات الخضراء ليست مجرد أماكن جميلة للاستمتاع بالطبيعة، بل هي أيضًا عامل أساسي في خلق مجتمعات آمنة ومزدهرة، كما تلعب هذه المساحات دورًا حيويًا في مكافحة الجريمة وتعزيز الأمان الاجتماعي، فلا تزال الإشادات مستمرة حول نتائج مؤتمر المناخ بعد أن وافقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP28) في دبي، على خارطة طريق "للتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري" - وهي المرة الأولى من نوعها في مؤتمر للأمم المتحدة للمناخ - لكن برغم ذلك فإن الاتفاق لا يزال مقصرا بشأن الدعوة التي طال انتظارها "للتخلص التدريجي" من النفط والفحم والغاز.
ويمر العالم الأن برغبة عارمة في تخضير كل شيء حتى لو اقتصر ذلك على تخضير المسميات فقط بغض النظر عن مدي قابلية أو تكلفة ذلك التخضير، ولكن الأحلام مشروعة على أية حال، فقد انتهت قمة المناخ في نسختها الثامنة والعشرين - COP28 - المنعقدة في دبي - ويدور الحديث عن مبادرات عديدة كلها حديثة العهد على أسماعنا، حيث الحديث عن التجارة الخضراء وعن التمويل الأخضر، والاقتصاد الأخضر، وعن السفن الخضراء، والشحن الأخضر، وعن الصناعة الخضراء، وعن الفولاذ الأخضر والتعدين الأخضر، والوظائف الخضراء، وعن البناء الأخضر، والابتكار الأخضر والوقود الأخضر وغيره.
دور المساحات الخضراء في مكافحة الجريمة وتعزيز الأمان الاجتماعي
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على دور المساحات الخضراء في مكافحة الجريمة وتعزيز الأمان الاجتماعي، خاصة أن الجريمة تعتبر مشكلة مزمنة في كثير من المناطق الحضرية الكبيرة والصغيرة وخاصة الفقيرة منها، وفي بحث جديد، درس كلا من كيت جليستاد- هايدن وسبنسر ماير من جامعة ييل، الآثار المترتبة من وجود الغطاء الشجري على الجريمة، وجد الباحثان أنه مع كل زيادة بحوالى 10٪ في الغطاء الشجري canopy cover، كان هناك انخفاض بنسبة 15٪ في جرائم العنف، وانخفاض بنسبة 14٪ في معدل جرائم سرقة الملكية الخاصة - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.
في البداية - مع تطور المدن، تنشأ صراعات حول التطوير الأمثل للمساحات الحضرية، يمكن للتخطيط البيئي، عند دمجه في التخطيط المكاني الحضري، أن يسهل تنمية أكثر استدامة للمدن من خلال الموازنة بين تنمية الأراضي والحفاظ على البيئة، يعد تطوير المساحات الخضراء الحضرية أحد الاستراتيجيات الأكثر شيوعًا في التخطيط البيئي للحفاظ على جودة البيئة في المناطق الحضرية، بالإضافة إلى الفوائد البيئية، تشمل الفوائد المباشرة الأخرى للمساحات الخضراء الحضرية تحسين جماليات المدن، وتوفير أماكن لممارسة الرياضة البدنية، وتسهيل التفاعلات الاجتماعية – وفقا لـ"العزاوى".
3 أسباب و4 عناصر لتعزيز الأمان الاجتماعي.
علاوة على ذلك، تم تحديد فوائد غير مباشرة أخرى للمساحات الخضراء الحضرية، بما في ذلك الحد من الجريمة في مدن العالم المتقدم، وسنتحدث هنا حول 3 مطالب حيث تتمثل في المطلب الأول، عن أهمية المساحات الخضراء في إندونيسيا لمكافحة الجريمة، بينما المطلب الثاني، مدى فعالية المساحات الخضراء في الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الجريمة، أما المطلب الثالث حول نصيب صيانة وتحويل الأراضي الشاغرة – الكلام لـ"العزاوى".
المطلب الأول: أهمية المساحات الخضراء في إندونيسيا لمكافحة الجريمة
ففي دراسة جديدة حيث تناولت هذه الدراسة دور المساحات الخضراء المفتوحة في الحد من حدوث الجريمة في المناطق الحضرية، وعلى وجه التحديد، حيث ركزت هذه الدراسة على حدوث الجريمة في مدن العالم النامي، (أي القرى داخل المناطق الحضرية) وذلك من خلال ثلاث مدن رئيسية في إندونيسيا: جاكرتا، وميدان، وسورابايا، هذه المدن الثلاث هي عواصم المقاطعات الثلاث التي لديها أعلى معدلات الجريمة في إندونيسيا – طبقا لـ"العزاوى".
الإحصائيات الإندونيسية - Badan Pusat Statistik - ذكرت أنه في عام 2019، سجلت الشرطة الإقليمية مترو جايا (جاكرتا) أكبر عدد من الجرائم في إندونيسيا مع 31,934 حادثة، تليها شرطة سومطرة أوتارا الإقليمية (مقرها في ميدان) التي سجلت 30,831 حادثة، وشرطة جاوا تيمور الإقليمية ( المقر الرئيسي في سورابايا) الذي سجل 26,985 حادثة.
وتطبق هذه الدراسة نهج الاختلاف في الاختلافات لتحديد تأثير المساحات الخضراء الحضرية على احتمالية حدوث الجريمة في أكبر ثلاث مناطق حضرية في إندونيسيا بين عامي 2014 و2018م باستخدام بيانات من التعدادات المحتملة للقرى (PODES) لعامي 2014 و2018م وأظهرت النتائج أن المساحات الخضراء الحضرية خفضت بشكل كبير من احتمال حدوث الجريمة في هذه المدن الثلاث، وجد أن إدخال منطقة خضراء واحدة يقلل بشكل كبير من معدل الجريمة بحوالي 13.4% - هكذا يقول أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى.
تخصيص كل مدينة ما لا يقل عن 30% من إجمالي مساحتها للمساحات الخضراء
وفي إندونيسيا أيضًا، وفقًا للقانون رقم 26 لعام 2007، يجب أن تخصص كل مدينة ما لا يقل عن 30% من إجمالي مساحتها للمساحات الخضراء المفتوحة، ولسوء الحظ، فإن وجود المساحات الخضراء المفتوحة في مدن إندونيسيا لا يزال أقل من هذا الرقم المنصوص عليه، جاكرتا، على سبيل المثال، تبلغ مساحتها 661.5 كيلومترا مربعا؛ وفقًا لهذا القانون، يجب أن يكون بها ما لا يقل عن 200 كيلومتر مربع من المساحات الخضراء المفتوحة، ومع ذلك، ونظرًا لاستخدام الأراضي المتاحة للبنية التحتية الأخرى مثل المباني ومراكز التسوق الحديثة، تم تخصيص أقل من 99 كيلومترًا مربعًا لفتح المساحات الخضراء في المدينة بحلول عام 2019.
في دولة إندونيسيا ككل، انخفض وجود المناطق الخضراء على مدى الثلاثين عامًا الماضية بسبب التطوير الهائل للبنية التحتية، وهو أمر غير سليم بيئيًا، وفقًا لبيانات وزارة الأشغال العامة والإسكان العام اعتبارًا من منتصف عام 2019، أكدت 13 مدينة فقط من أصل 174 مدينة في إندونيسيا على أهمية المساحات الخضراء المفتوحة للتنمية الإقليمية، ومن جانب أخر وجدت إحدى النظريات والتي ترجع إلى فكرة جين جاكوبس "عيون على الشارع": حيث تشجع المروج الخضراء والمساحات المجتمعية المصانة جيدًا المزيد من الناس على قضاء بعض الوقت في الخارج في تلك الأماكن، مما يؤدي إلى درجة أكبر من المراقبة غير الرسمية للمنطقة وردع الجريمة.
وتشير الأبحاث إلى أن الحفاظ على المتنزهات والحدائق الخضراء في المدن لديه القدرة على تقليل مخاطر الجريمة، ووجدت الدراسة أخرى أيضاً أن المزيد من المساحات الخضراء في المدينة يرتبط بانخفاض خطر ارتكاب الجرائم ضد الممتلكات - مثل السطو والحرق العمد والتخريب - وانخفاض خطر ارتكاب جرائم العنف.
المطلب الثاني: مدى فعالية المساحات الخضراء في الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الجريمة
ففي دراسة جديدة تم العثور من خلالها على العلاقة بين المساحات الخضراء وانخفاض مخاطر الجرائم العقارية في 300 مدينة - وقد كانت كيب كورال في فلوريدا هي الاستثناء - وفي جميع المدن باستثناء ثلاث - شيكاغو وديتريوت ونيوارك - فيما يتعلق بمخاطر جرائم العنف، والأهم من ذلك، كان هذا هو الحال حتى عند مراعاة العوامل الأخرى المرتبطة بالجريمة، مثل التركيبة السكانية والفقر، فقد استخدم الباحثون في جامعة إدنبرة، وجامعة ولاية كارولينا الشمالية، وجامعة كليمسون، في الولايات المتحدة، بيانات من مكتب الإحصاء الأمريكي.
واستخدموا تقنية إحصائية تُعرف باسم النمذجة متعددة المستويات للتحقيق والتنبؤ بالعلاقة بين مخاطر الجريمة والمساحات الخضراء باستخدام البيانات التي تم جمعها من حوالي 60.000 وحدة سكنية، فيما قام الباحثون بدمج بيانات التعداد مع عدد من مجموعات البيانات الأخرى بما في ذلك مخاطر الجريمة وإحصاءات الجريمة وإنفاذ القانون الخاصة بمكتب التحقيقات الفيدرالي، كما نظر الباحثون في البيانات المتعلقة بنقص دخل الأسرة.
ووجدت الدراسة أن أقوى مؤشر إيجابي لخطر جرائم العنف هو الحرمان الاجتماعي، وذلك تمشيا مع العديد من الدراسات حول أسباب الجريمة، وكانت المساحة الخضراء مؤشرا ثابتا على انخفاض مخاطر جرائم العنف والممتلكات، ويقول الباحثون إنه على الرغم من أنه من غير المؤكد مدى تأثير المساحات الخضراء على الجريمة، إلا أن النتائج تضيف المزيد من الأدلة إلى فوائد وجود مساحات خضراء في المناطق الحضرية.
انخفاض الجرائم في هذه الحالة
وفي دراسة لتطورات الإسكان العام في شيكاغو، وجد الباحثون انخفاضًا بنسبة 52% في الجرائم المبلغ عنها بالقرب من المباني المحاطة بالأشجار والنباتات الأخرى، وفي مدينة نيويورك، تشهد الأحياء ذات الاستثمار الأعلى في المساحات الخضراء العامة انخفاضًا بمعدل 213 جناية سنويًا، وقد لوحظت علاقات مماثلة بين المساحات الخضراء، والجريمة بالتيمور وشيكاغو وفيلادلفيا وبورتلاند، وكذلك في مدن خارج الولايات المتحدة.
وتشير دراسة أخرى حديثة إلى أن المساحات الخضراء المصممة والمحافظة عليها بشكل مناسب لديها القدرة على الحد من جرائم العنف والعنف المسلح، مع جعل المجتمعات أكثر أمانًا والحفاظ على صحة السكان. تضمنت الدراسة مراجعة منهجية للأدبيات والأبحاث حول العلاقة المعقدة بين الجريمة والطبيعة. نظر الباحثون في البداية في أكثر من 14000 ورقة بحثية، ولكنهم في نهاية المطاف قاموا بغربلتها وصولاً إلى 45 ورقة بحثية تم إجراؤها في الولايات المتحدة، والتي قدمت الأفكار الأكثر صلة حول كيفية تحسين الوصول إلى الطبيعة للسلامة العامة. وأظهرت النتائج أن المساحات الخضراء التي تم تصميمها بشكل مدروس لتكون بمثابة تدخل للسلامة العامة ستساعد في الحد من الجريمة، ولكن المساحات الخضراء الموجودة المهملة يمكن أن تساعد في ترسيخ الجريمة.
فحص 4 مدن في مناطق مختلفة بالولايات المتحدة
وفي دراسة جديدة أقتصرت على الحدائق الحضرية فقط، حيث تم فحص 4 مدن في مناطق مختلفة بالولايات المتحدة ــ أوستن، وفيلادلفيا، وفينيكس، وسان فرانسيسكو ــ وجدنا أن جرائم العنف كانت أعلى بنسبة 28% إلى 64% في الأحياء المجاورة للمتنزهات مقارنة بالأحياء الواقعة على بعد ميل من نفس المتنزهات، بينما كانت جرائم الممتلكات أعلى بنسبة 38٪ إلى 63٪ في المناطق القريبة من المتنزهات، وكان الاستثناء الوحيد هو فينيكس، حيث لم يكن للقرب من المتنزهات أي تأثير على جرائم الممتلكات.
وبالنظر إلى عينة المدن الأربع، وجدنا أدلة على أن بعض المتنزهات تقوم بالفعل بعمل جيد في ردع الجريمة، حيث يعد التصميم والصيانة أمرًا بالغ الأهمية إذا كان للمتنزهات أن تقلل من الجريمة بدلاً من جذبها، وكانت حديقة براينت في نيويورك، في وسط مانهاتن، ذات يوم ملاذاً سيئ السمعة للنشاط الإجرامي - وهو المكان الذي كان العاملون في المكاتب يتجنبون المرور فيه بعد حلول الظلام، وفي عام (1985م)، تم إغلاق حديقة براينت بسبب جهود تجديد ضخمة شملت إضافة الأنشطة والفعاليات هناك، وعندما أعيد افتتاحه في عام (1992م)، أبلغت الشرطة عن انخفاض بنسبة 92٪ في الجريمة المحلية.
الحدائق والمساحات الخضراء الحضرية الأخرى تمنع العنف
يقول بعض العلماء أن الحدائق والمساحات الخضراء الحضرية الأخرى تمنع العنف، عندما تتحول الأراضي الشاغرة والمساحات الحضرية المتدهورة إلى أماكن أكثر جاذبية وإفادة للسكان، فإن العنف والجريمة يتراجعان عادة في المنطقة المجاورة مباشرة، ووجدت دراسة أجريت عام (2015م) على عدة مدن أمريكية أن معدلات الجرائم العقارية أعلى مرتين إلى أربع مرات في الأحياء القريبة من المتنزهات، وكانت معدلات جرائم العنف أسوأ بما يصل إلى 11 مرة، وأحد أسباب اختلاط الأدلة حول العلاقة بين المتنزهات والجريمة هو أن معظم الدراسات حول هذا الموضوع ركزت على مدينة أو موقع واحد.
وفي محاولة لتحديد الاتجاهات الوطنية، بدأ فريقا من الباحثين في جامعات كليمسون وولاية نورث كارولينا في عام (2017م) بجمع معلومات عن الجريمة والمساحات الخضراء والحدائق العامة في أكبر 300 مدينة في الولايات المتحدة، وذلك على عكس العديد من الدراسات التي تستخدم مصطلحي "الحدائق" و"المساحة الخضراء" بالتبادل، فقد ميز التحليل بين هاتين البيئتين الحضريتين، وقد تم قياس المساحة الخضراء من خلال كمية العشب والنباتات وغطاء الأشجار والمساحات الخضراء الأخرى في المناظر الطبيعية، لقد قمنا بتعريف الحدائق الحضرية على أنها مساحات مفتوحة مخصصة تديرها هيئة عامة - وهي مجموعة فرعية من المساحات الخضراء.
تأثير المساحات الخضراء والعوامل الاجتماعية المرتبطة عادة بالجريمة
وللتمييز بين تأثير المساحات الخضراء والعوامل الاجتماعية المرتبطة عادة بالجريمة - الكثافة السكانية، والدخل، والتعليم، والتنوع، والحرمان الاجتماعي - قمنا بالتحكم في تلك العوامل عند تقييم بيانات الجريمة، ولقد تعلمنا أن المزيد من المساحات الخضراء كان مرتبطًا بإنخفاض خطر الجريمة عبر الأحياء في جميع المدن الثلاثمائة التي درسناها، حيث تحدث عمليات السطو والسرقة وسرقة السيارات وغيرها من جرائم الممتلكات بشكل أقل في الأحياء الخضراء في كل مدينة في عينتنا. كما كانت جرائم العنف مثل القتل والاعتداء والسطو المسلح أقل شيوعًا في الأحياء الخضراء في جميع المدن التي درسناها تقريبًا.
3 مدن فقط في عينتنا لم تستفد من المساحات الخضراء، وفي شيكاغو وديترويت ونيوارك ــ وجميعها أماكن ذات معدلات جريمة مرتفعة وعنيدة، ارتبط المزيد من المساحات الخضراء بمستويات أعلى من جرائم العنف، وقد حدد العلماء عدة أسباب تجعل وجود المساحات الخضراء قد يؤدي إلى انخفاض الجريمة.
1- الاتصال بالطبيعة يقلل من مؤشرات الجريمة مثل التوتر والعدوان، مما يجعل الناس يشعرون بسعادة أكبر وأقل ميلاً للانخراط في أعمال إجرامية، ومن خلال منح الناس مكانًا للمشاركة في الأنشطة الخارجية معًا، تعمل الحدائق أيضًا على تعزيز التفاعلات الاجتماعية الإيجابية وروابط الجوار داخل المجتمعات الحضرية المتنوعة.
2- عندما يتجمع الناس في الحدائق والمساحات الخضراء الأخرى، فإن ذلك يضع المزيد من "الأعين على الشوارع "، مما يعرض المجرمين للمراقبة المجتمعية المستمرة.
3- هناك بعض الأدلة على أن المزيد من المساحات الخضراء يجعل المناطق القريبة أكثر أمانًا ببساطة عن طريق دفع الجريمة إلى الأحياء المجاورة - وليس القضاء عليها تمامًا.
المطلب الثالث: صيانة وتحويل الأراضي الشاغرة
إن الحفاظ على المساحات الخضراء الموجودة وتخضير المساحات الشاغرة يمكن أن يحول البيئة المادية من بيئة تشجع الجريمة والخوف إلى بيئة قد تقلل الجريمة وتحسن تصورات السلامة، وقد تضمنت دراسة أجراها تشارلز سي براناس، رئيس قسم علم الأوبئة في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، وزملاؤه، إلى جانب باحثين في جامعة بنسلفانيا، حول آثار تخضير الأراضي الشاغرة على جرائم العنف، ثلاثة تدخلات على 541 قطعة أرض شاغرة في فيلادلفيا:
تجديد واسع النطاق من خلال التسوية والغرس والسياج؛ التدخل الأساسي للتطهير والقص؛ وعدم التدخل على الإطلاق. وأظهرت النتائج أن تدخلات التنظيف والتخضير الكاملة والأساسية قللت بشكل كبير من جرائم العنف بنسبة تصل إلى 30%، وقللت من خوف الناس من الخروج بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة بنسبة 58%، وزادت استخدام الناس للمساحة الخارجية بنسبة 76%.
تسلط هذه الدراسة الضوء على فوائد الصحة العقلية والجسدية لتخضير الأراضي الشاغرة، إن تخضير الأراضي الشاغرة لا يقلل من جرائم العنف والقلق والمخاوف فحسب، بل يمكن أن يخلق أيضًا مساحة للمجتمعات للالتقاء معًا والشعور بالأمان في مساحة خارجية، وليس هذا فحسب بل هناك جوانب أخرى تستحق الاهتمام عند الحديث عن دور المساحات الخضراء في مكافحة الجريمة وتعزيز الأمان الاجتماعي.
1- تحفيز الحركة واللياقة البدنية: حيث تعمل المساحات الخضراء على تشجيع ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية، مما يحسن اللياقة البدنية للأفراد، كما الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام عادةً يكونون أكثر تفاؤلا ورفاهية، وبالتالي يكونون أقل عرضة للانجراف نحو الجريمة.
2- تعزيز الوعي البيئي: عندما ينمو الوعي بأهمية البيئة، يزداد احترام المجتمع للمساحات الخضراء والمحافظة عليها، وهذا ما يؤدي بدوره إلى تحسين الحفاظ على هذه المناطق وبالتالي تقديم بيئة نظيفة وجميلة للجميع.
3- الترابط بين الأجيال: تشجع المساحات الخضراء على التفاعل بين الأجيال المختلفة، حيث يمكن للعائلات والأصدقاء من مختلف الأعمار الاستمتاع بالوقت معًا، هذا التفاعل يعزز من التواصل بين الأجيال ويقوي العلاقات الاجتماعية.
4- زيادة الجاذبية العقارية: إن وجود المساحات الخضراء بالقرب من المنازل يجعل المنطقة أكثر جاذبية للمستثمرين والمشترين العقاريين، مما يزيد من التحسينات المحلية ويساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي.
وقد تم تسليط الضوء على عمل برنامج رعاية الأراضي التابع لجمعية بنسلفانيا البستانية في الدراسة لتأثيره على الحد من جرائم العنف في مجتمعات فيلادلفيا.
يحافظ البرنامج على ما يقرب من 12000 قطعة أرض تم تطهيرها - حوالي ثلث الأراضي الشاغرة في جميع أنحاء فيلادلفيا، ويحول قطع الأراضي الشاغرة إلى مورد مجتمعي يقلل من الجريمة، ويحسن الرفاهية، ويخلق فرصًا للنمو والتوظيف للعديد من السكان، في النهاية، يمكن القول إن المساحات الخضراء لا تكون فقط مكانًا للاستراحة والاستمتاع بالجمال الطبيعي، بل هي أيضًا محرك رئيسي لبناء مجتمعات آمنة وصحية، يجب على المجتمعات والحكومات الاستثمار في هذه المساحات والحفاظ عليها لضمان الرفاهية والأمان للجميع.
خلاصة القول:
إن إدراك أهمية المساحات الخضراء في مكافحة الجريمة وتعزيز الأمان الاجتماعي أمر حيوي يجب علينا الاستثمار في إنشاء وصيانة المتنزهات والحدائق والمناطق الخضراء العامة، هذا ليس فقط لجماليتها، ولكن أيضًا للأثر الإيجابي الذي تمثله في بناء مجتمعات آمنة ومزدهرة للجميع، وعلى الرغم من التصور السائد بأن المساحات الخضراء الحضرية عرضة للعنف والجريمة، إلا أن النتائج الأخيرة تناقض هذه التصورات، حيث أشارت الأبحاث المبتكرة ومتعددة التخصصات التي تدرس على وجه التحديد العلاقات بين المساحات الخضراء الحضرية والجريمة مؤخرًا إلى أن المساحات الخضراء الحضرية تسهل الحد من الجريمة والعنف، غالبًا من خلال نفس الآليات مثل الفوائد الصحية الأخرى للمساحات الخضراء – طبقا لـ"العزاوى".
وبالنظر إلى هذه المفاهيم المتباينة للعلاقات المتبادلة بين المساحات الخضراء الحضرية والجريمة، وإمكانية استراتيجيات التخضير لتحسين مجموعة واسعة من قضايا الصحة العامة بما في ذلك الجريمة والعنف، هناك حاجة إلى فهم أعمق للأدلة الحالية، وعلى وجه الخصوص، ينبغي تحديد اتجاه العلاقة بين المساحات الخضراء الحضرية والجريمة، والمعنى الكمي لهذه العلاقة، والعمليات السببية التي تعزز العلاقة بين المساحات الخضراء الحضرية والجريمة، بشكل منهجي، حيث تساهم هذه الدراسة في هذه المجموعة من الأدبيات من خلال إنشاء أدلة تجريبية للاستدلال السببي على تأثير إنشاء وإزالة المساحات الخضراء المفتوحة في منطقة حضرية ضمن سياق العالم النامي، وختاماً يتبين لنا أن وجود الأشجار والطبيعة تحد من الإجهاد الذهنى، الذى يمهد للسلوك العنيف.