لم يخلف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خسائر اقتصادية وبشرية في صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلية فقط، لكن الأمر تتطور أكثر من ذلك ووصل إلى أبعد مما يتصور البعض، حتى وصل إلى إصابات نفسية بالغة في صفوف القوات التي تحاصر القطاع منذ اليوم السابع من شهر أكتوبر الماضي.
فالحالة النفسية السيئة وانخفاض الروح المعنوية، دبت في صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلية، نظرا للخسائر البشرية في صفوف الجنود الذى دائما ما اعتمدوا على استخدام الصواريخ والطائرات القتالية والمسيرة في الحروب، وليس القتال على الأرض.
فالحرب المستمرة على قطاع غزة تفرض ثمناً باهظاً لا يطاق في الأرواح، والإصابات الجسدية، والاضطرابات النفسية، خصوصاً بين المعاقين من الجنود الإسرائيليين، وسط اتهامات للحكومة بالتخلي عنهم.
فجيش الاحتلال الذي يقاتل المقاومة المتمرسة على استغلال جميع مزايا الدفاع، من الأفخاخ المتفجرة إلى مواقع القناصة، هذا بالإضافة إلى مجموعة من التكتيكات منخفضة التقنية لإضعاف القدرات التكنولوجية الإسرائيلية إلى جانب سلاح الأنفاق، تلك التكتيكات في مجملها منعت إسرائيل سابقا من القيام بعمليات برية واسعة النطاق داخل غزة، وتسببت في انهيار القوات نفسيا.
أمراض عقلية ونفسية تصيب قوات الاحتلال
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن منتدى مديري مستشفيات الأمراض النفسية دعوا في رسالة لمراقب الدولة إلى إعلان حالة الطوارئ، وحذر المنتدى من ارتفاع عدد حالات الإصابة بالأمراض العقلية والانتحار في صفوف الإسرائيليين.
وأضافت تلك الوسائل، أنه بعد يوم من إعلان وزارة الصحة عن أسرة إضافية في المستشفيات وأسرة للأمراض النفسية، أرسل عشرة مديرين لمستشفيات الصحة العقلية رسالة غير عادية إلى مراقب الدولة وطالبوه بإعلان "حالة الطوارئ".
وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إلى أنه تم إرسال الرسالة بعد سنوات من الادعاءات بالإهمال الشديد ونقص الميزانية والنقص الشديد في العاملين في مراكز الصحة العقلية، وهو الأمر الذي قد يتفاقم في أعقاب الحرب في غزة. وسبق أن فكر مديرو المستشفيات في الاستقالة، لكنهم تراجعوا عن قرارهم في النهاية.
وقد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، عن إطلاق برنامج لمساعدة الجنود الإسرائيليين الذين يعانون من الاضطرابات النفسية بسبب الحرب في غزة، وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن هذا البرنامج يهدف بالأساس للتعامل مع الميول الانتحارية للجنود.
فيما أشارت إلى أن البرنامج سيبدأ أعماله في فبراير المقبل، وسيشمل جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين يتلقون العلاج من حروب إسرائيل السابقة على غزة، ويزيد عددهم عن 13500 جندي.
الصحيفة الإسرائيلية نقلت عن مسؤولين قولهم في تقرير نشرته الأحد 24 ديسمبر، إنه سيتم تشكيل فرق من ممرضين وأطباء نفسيين، يستطيعون التعامل مع الميول الانتحارية من أجل إجراء تقييم للجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية.
بينما لفتت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن 2800 جندي دخلوا إلى قائمة إعادة التأهيل النفسي، بينهم 3% يعانون من حالة خطيرة، و18% من مشاكل عقلية بسبب "إجهاد ما بعد الصدمة".
تل أبيب تستعد لإعلان الطوارئ
كما نقلت عن رئيسة وحدة الخدمة الاجتماعية في قسم إعادة التأهيل في وزارة الحرب، نوا روفا، قولها إن هنالك من يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة، الذين يتصلون بمشرفيهم، أو أفراد أسرهم، طلباً للإغاثة، قائلةً إنه لا يوجد حل لهذه المشكلة حالياً، مؤكدة أن الأعداد سوف تتضاعف خلال عامين.
وتابعت الصحيفة: "عندما يكون لديّ جندي معاق يخبرني بأنه في محنة وقرر الذهاب إلى الغابة، أو عزل نفسه، وأن لديه أفكاراً سيئة، ويفكر في إيذاء نفسه، الشيء الوحيد الذي نفعله هو إخبار الشرطة. وفي كثير من الأحيان يؤدي استدعاء الشرطة إلى تفاقم الوضع".
من ناحية أخرى، شهدت قوات الاحتلال في قطاع غزة ارتفاعا في حالات الإصابة بالأمراض المعوية والتسمم الغذائي بين الجنود، كما تلقى 2000 جندي إسرائيلي مساعدة الطب النفسي منذ بدء الحرب على القطاع.
وواجهت قوات جيش الاحتلال في غزة "ارتفاعا غير عادي" في هذه الحالات المرضية في صفوف الجنود خلال الأسابيع الأخيرة، وتم إجلاء العشرات من الجنود إلى قواعد التدريب لتلقي العلاج الطبي بعد إصابتهم بتفشي مرض الدوسنتاريا (بكتيريا الشيغيلا) وأعراض الإسهال والقيء.
وأرجع الأطباء تفشي تلك البكتيريا بين جنود الاحتلال إلى انعدام النظافة، وتبرعات غذائية من الجمهور، حيث دأبت العديد من المطاعم والإسرائيليين إلى إرسال الطعام لجنود الاحتلال في قطاع غزة.
ومن النتائج الملفتة والمثيرة للقلق أن بكتيريا الشيغيلا تسبب الزحار، وتسبب في كثير من الحالات إسهالا شديدا وارتفاعا في درجة الحرارة، وهو مرض خطير للغاية، وقد تفشى بين جنود الاحتلال في غزة، وتتم العدوى من خلال الاتصال المباشر بين شخص وآخر أو من خلال الطعام.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، يوضح الدكتور تال بروش، مدير وحدة الأمراض المعدية في مستشفى أسوتا العام في أسدود أن تفشي هذه البكتيريا لها عواقب عملياتية، إذا كان هناك 10 جنود في سرية مشاة يعانون من حمى تصل إلى 40 درجة ويعانون من الإسهال كل 20 دقيقة، فإنهم غير صالحين للقتال ويعرضون أنفسهم للخطر"
ونقلت صحف إسرائيلية، عن أحد الجنود المتواجدين في غزة قوله بأن الجزء الأكبر من الأغذية في وحدته التي يخدم بها يأتي من التبرعات الغذائية، مشيرا إلى أن “طعام العسكريين غير صالح للأكل".
وبخصوص الحالة النفسية، فقد قالت هيئة البث الإسرائيلية إن 2000 جندي تلقوا مساعدة الطب النفسي منذ 7 أكتوبر الماضي، بينهم 200 خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من العملية البرية في قطاع غزة التي بدأت يوم 27 من الشهر نفسه.
ويتم تعريف المصاب في أرض المعركة، بحسب الهيئة، بأنه جندي تعرض لحدث مثل إطلاق نار أو مواجهة أو إصابة أو كان شاهدا لإصابات خطيرة ومشاهد خطيرة لآخرين، مما أدى إلى تراجع في مستوى أدائه، ويمكن أن يتجلى الضرر على المستوى الوظيفي في ردود الفعل لديه مثل الانزواء أو الصمت أو القلق أو التوتر أو الشعور العام الصعب الذي يلازم الجندي في مثل هذه الحالات.
وكان جيش الاحتلال قد ذكر أن عدد قتلاه- منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر الماضي- ارتفع إلى 401 جندي وضابط.