تمر علينا هذه الأيام ذكرى ليلة الإسراء والمعراج تلك المعجزة التي تظل خالدة في أذهان المسلمين، وتكون الإسراء والمعراج في يوم 27 رجب لعام 1445 هجرية، وعلينا أن تذكر جميعا الدروس المستفادة من هذه القصة التي خص بها الله تعالى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم -على سائر الرسل -عليهم السلام- ويبدأ موعد الإسراء والمعراج من مغرب يوم الأربعاء 26 رجب 1445هـ الموافق 7-2-2024 إلى فجر الخميس 27 رجب 1445هـ الموافق 8-2-2024.
إلا أننا في مثل تلك المناسبة العظيمة تطل علينا رؤوس الفتنة على منصات التواصل الاجتماعى أبرزها "فيس بوك" و"تويتر" بحجة دعاة الفكر المستنير وتجديد الخطاب الدينى للتشكيك فى رحلة الإسراء والمعراج، وليؤكدوا نفى صحة حدوث واقعة المعراج للنبي "محمد" وإن الإسراء والمعراج "قصة وهمية كاملة، كتب السيرة والتاريخ والحديث هي من تقول ذلك، لكن هو يصدر لك الكتب التي تقول إنها حدثت، أما التي تنفي حدوث المعراج لا يتم الإشارة لها"، فضلا عن وصف ما ورد عن "المعراج" بأنه "دعائي وغير حقيقي".
هل التشكيك فى "الإسراء والمعراج" جريمة؟
وفى مثل هذا التوقيت تخرج التصريحات من هنا ومن هناك سواء من متخصصين ورجال دين أو كتاب وصحفيين لتؤكد أو تنفى الواقعة وكلا الفريقين يستدل بما لديه من دلائل، إلا أن محكمة النقض المصرية، سبق لها وأن تصدت لأزمة انكار واقعة "الأسراء والمعراج" منذ ما أكثر من 80 سنة، حينما طلب شخص من الأخر أن يتلوا سورة الإسراء فتلا له الآية الخاصة بالإسراء، فقال له الأخر: "مش كده، واللي أسرى موسى، وأما محمد فلم يسر".
محكمة النقض تصدت للأزمة من 83 سنه
محكمة النقض المصرية ذكرت في الطعن المقيد برقم 653 لسنة 11 قضائية – جلسة 27 يناير 1941 – أن التشكيك فى معجزة "الإسراء" جريمة يتوافر بها القصد الجنائي، حيث قضت بإدانة متهم لأنه أنكر الإسراء وادعى أن من أسرى هو سيدنا موسى، أما سيدنا محمد فلم يسر به، كما زعم بأن ما جاء فى القرآن عن الإسراء هو خرافات، ويبين الحكم أن التشكيك فى معجزة الإسراء جريمة يتوافر بها القصد الجنائي.
وبحسب "النقض": وحيث إنه وإن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى أحكام الدستور إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في مبادئ الدين أن يمتهن حرمته ويحط من قدره أو يزدری به، فإذا ما تبين أن قصده من هذا الجدل لم يكن بريئاً، وأنه إنما تعمد المساس بكرامة الدين وانتهاك حرمته ووضعه موضع السخرية، فإنه يكون مستحقاً للعقاب وليس له في هذه الحالة أن يحتمي بحرية الاعتقاد التي أباحها الدستور لخروجه بما ارتكبه عن حدود البحث البريء الذي تشمله هذه الحماية، وتوافر القصد الجنائي هنا - كما في كل الجرائم - هو من الأمور التي تستخلصها محكمة الموضوع من الوقائع والظروف المطروحة أمامها، ولا يشترط في الحكم بالعقوبة أن يذكر فيه صراحة سوء نية المتهم، بل يكفي أن يكون في مجموع عباراته ما يفيد ذلك.
النقض: التشكيك في معجزة الإسراء جريمة يتوافر بها القصد الجنائي
وفيما أثبته الحكم بالصفة المتقدمة ما يكفي لبيان أن ما أثاره الطاعن لم يكن مناقشة بريئة بل إنه تعمد استدعاء الشخص الذي أراد مجادلته في الدين، واتخذ من تلك المجادلة سبيلاً للتعدى على الدين الإسلامي بقصد امتهانه وازدرائه ووضعه موضع السخرية والتهكم على أساسه، وبذلك يتحقق القصد الجنائي فى الجريمة المسندة إلى الطاعن – إلى هنا ينتهي حكم محكمة النقض بتأييد حكم الإدانة.
من جانبه – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمد على شليل – أن حكم محكمة النقض النهائي البات، بإدانة المتهم لأنه أنكر "الإسراء، وادعى أن من أسرى هو سيدنا موسى، أما سيدنا محمد فلم يسر به، كما زعم بأن ما جاء فى القرآن عن الإسراء هو خرافات، وأن التشكيك فى معجزة "الإسراء" جريمة يتوافر بها القصد الجنائي ضد كل من يدعوا لذلك، ما يؤكد أن الأمر الذي بجديد، فالحكم صادر منذ 83 سنه تقريبا.
قانونى: حرية التعبير ليست من الحريات المطلقة
ويضيف "شليل" في تصريح لـ"برلماني": حرية التعبير ليست من الحريات المطلقة، وليست القيمة الاجتماعية الوحيدة، وممارستها تقتضي التوفيق بينها وبين قيم أخرى لها وظائف اجتماعية لا تقل أهمية، ومن ذلك القيم الدينية التي يقتضي الحفاظ عليها عدم التعرض لثوابت الأديان أو الاستهزاء بالأنبياء وعصمتهم، فالدين وعلى وجه الخصوص في مجتمعاتنا يعدو أحد أركان النظام العام ويمثل عنصرا بالغ الأهمية في تكوين وجدان الجميع، ولذلك فإن العقل الجمعي لا يقبل أن يتم التعرض لثوابت الدين أو ازدراء رموزه، ولا يجري أي من ذلك دون أن تكون له أضرار اجتماعية جمة تفوق منافعه، ومن ثم فإنه لا يجوز قانوناً تبريره بداعي ممارسة حرية التعبير.
ما هي أركان جريمة ازدراء الاديان؟
تتحقق جريمة ازدراء الأديان بوقوع الفعل المجرم، وتوافر النية بغض النظر عن تحقق الهدف المرجو من هذا الفعل من عدمه ولابد من توافر ركنين:
أولا: ركن مادي: يتمثل في استغلال الأديان السماوية في الترويج والتحبيذ باستخدام أي وسيلة من وسائل النشر لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين.
ثانيا: ركن معنوي: ويقصد به توافر القصد الجنائي واتجاه الإرادة إلى ازدراء الأديان السماوية أو تحقيرها أو إثارة الفتن أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، لكي يخرج المنتمين إلى دين معين لي دخلوا في دين آخر ويعتنقوه، أي أن مناط الحماية القانونية بنص تلك المادة هو الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وليس الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها.
ما هي عقوبة ازدراء الأديان؟
نصت المادة 98 من قانون العقوبات المصري على الآتي: "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنية ولا تجاوز ألف جنيه لكل من استغل الدين في الترويج أو التحييذ بالقول أو بالكتابة أ بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو التحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الضرر بالوحدة الوطنية أو بالسلم الاجتماعي".
ووفقا لنص المادة 160 من قانون العقوبات على أنه: "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يعاقب بالحبس مدة ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف جنية ولا تزيد عن 5 آلاف جنية كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو دين أو احتفال أو رموز أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس".
هل هناك ظرف مشدد لتلك الجريمة؟
في حالة أحداث فتنة أو زعزعة الوحدة الوطنية، تكون العقوبة السجن المشددة لمدة 7 سنوات، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون آخر.
نص المادة "98" فقرة " و" من قانون العقوبات والتي تنص علي:
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه، ولا تجاوز 1000جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية.
طعن رحلة الإسراء والمعراج 1
هل هناك مأخذ على مادة ازدراء الأديان؟
نعم – فهناك من يرى من الفقهاء والدستوريين أنها افتقرت إلى الضوابط الدستورية المطلوبة في أي نص عقابي، مما يعد إخلالًا بمبدأي مشروعية التجريم والعقاب والفصل بين السلطات المرتبطين بدورهما بعدد من الحقوق المصونة وفقًا للدساتير المصرية المتعاقبة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كالحق في المحاكمة العادلة والحق في الدفاع والحق في المساواة، فهذا النص لا يخل فقط بعدد من الحقوق الأساسية المحصنة دستوريًّا ولا يلعب دورًا في الحد من الاحتقان الطائفي بقدر ما يسهم في دعم مناخ التعصب والتطرف الديني.
رأى دار الإفتاء في الأزمة
هذا وقد سبق للدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: الرد على تلك المغالطات بقوله: إن المغالطات التي تدور حول رحلة الإسراء والمعراج تدور في اتجاهين؛ الأول: هل حدثت هذه المعجزة؟ والثاني: متى حدثت؟ فأما حدوثها؛ فقد حدثت قطعًا لأن القرآن أخبرنا بذلك ولا يجوز إنكارها بحال من الأحوال؛ فقال عز وجل: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1]، وقد اتفق جمهور العلماء على أن الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأن القرآن صرَّح به؛ لقوله تعالى: ﴿بِعَبْدِهِ﴾ والعبد لا يطلق إلا على الروح والجسد، وجمهور العلماء من المحققين على أن المعراج وقع بالجسد والروح يقظة في ليلة واحدة، وما يراه البعض من أن المعراج كان بالروح فقط أو رؤيا منامية فإن هذا الرأي لا يعوَّل عليه؛ لأن الله عز وجل قادرٌ على أن يعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم بجسده وروحه كما أسرى به بجسده وروحه، وتعجُّب العرب وقتها دليل على القيام بالرحلة روحًا وجسدًا؛ فلو كانت رؤية منامية ما كانت تستحق التعجب منهم.
طعن رحلة الإسراء والمعراج 2
جاء ذلك خلال لقاء تلفزيونى سابق مضيفًا: أما إنكار البعض لحدوث رحلة الإسراء والمعراج بسبب تعارضها مع القدرة البشرية فالجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إنه قام بهذه الرحلة بنفسه دون العناية الإلهية، بل الرحلة بأكملها بتوفيق الله وفضله وهو الذي أسرى بعبده، فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لقد سريت، وهذا الإعجاز الحاصل في الرحلة لا يتعارض مع قدرة الله عز وجل، فضلًا عن أن غرابة وصف الرحلة منتفٍ وخاصة بمقاييسنا المعاصرة، بل حدثت أمور تشبه المعجزات كاختراع الفاكس منذ عقود طويلة والذي تمكن من نقل أوراق وصور إلى أي مكان في العالم فضلًا عن ظهور الإنترنت والفضاء الإلكتروني منذ عدة سنوات.
الإسراء والمعراج حدث بالروح والجسد
وعن ثاني الاتجاهات التي تناولت رحلة الإسراء والمعراج أمر وهو اختلاف تاريخ الرحلة، فقال : والجواب على ذلك أن تعيين رحلة الإسراء والمعراج بالسابع والعشرين من شهر رجب قد حكاه كثيرٌ من الأئمة واختاره جماعةٌ من المحققين، وهو ما جرى عليه عمل المسلمين قديمًا وحديثًا، فضلًا عن أن تتابع الأمة على الاحتفال بذكراها في السابع والعشرين من رجب يعد شاهدًا على رجحان هذا القول ودليلًا على قوته.
وناشد المفتي بضرورة الابتعاد عن إثارة هذه الشبهات وإعادة إحيائها عند حلول هذه المناسبة فهو جدل موسمي برغم استقرار منهج البحث العلمي والشرعي فيه، والأولى والأجدر الاهتمام بما هو أنفع من هذا الجدل وهو استلهام العِبر والدروس المستفادة من المناسبة كالثقة بنصر الله وحسن التسليم والتوكل عليه والأخذ بالأسباب، ويبقى الدرس الأعظم فيها هو ترقب الفرج في كل شدة والثقة بالأمل والمستقبل؛ فالمحن تتبعها المنح من خلال السعي بجد واجتهاد لتحصيل ثمار الكد والصبر عليه، فكل محنة وشدة وراءها منحة وعطاء وتكريم من الله تعالى.