ظاهرة غسل الأموال منتشرة حول العالم، ويعـرف غسـل الأمـوال بأنهـا عمليـة تحويـل كميات كبيرة من الأموال التي تـم الحصـول عليهـا بطـرق غيـر قانونيـة إلـى أمـوال يحول تبيضها كي تكون قابلة للتداول في النشـاطات العامـة، ويتمثل غسل الأموال في إخفاء أو تمويه مصدر العائدات التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة، بحيث يبدو أنها تأتت من مصادر مشروعة، وهو الاتهام الأبرز في قائمة اتهامات "ر. م"، الشهير بـ"إمبراطور الذهب" الذى ألقى القبض عليه منذ عدة أيام، وبحوزته 160 كيلو جرامًا من المعدن غير المدموغ، ومبالغ مالية بالعملات الأجنبية ومن بينها الدولار، حيث اتُّهِم بارتكاب مخالفات جسيمة تتعلق بالتعامل مع الذهب.
المتهم ضُبِط بعد عودته من محافظة أسوان، وبحوزته الكمية المضبوطة من الذهب غير المدموغ، وأن المتهم من أقدم تجار الذهب، ولديه العديد من المحال في منطقة الجمالية، وهو أحد الأسباب الرئيسية في انخفاض كمية الذهب المعروضة في السوق، حيث احتكر الذهب لنفسه، مما أدى إلى ارتفاع سعره بالأسواق بشكل كبير، ما جعل قائمة الاتهامات تتضمن اتهام جريمـة غسـل الأمـوال التي تُعد جريمـة اقتصـادية تهدف إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال محرمة، لغرض حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو استثمارها أو تحويلها أو نقلها أو التلاعب في قيمتها.
كيف تؤثر جريمة غسـل الأمـوال على المصلحة العامة للدولة؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على جريمة غسـل الأمـوال تؤثر على المصلحة العامة للدولة من خلال الإجابة على حزمة من الأسئلة أبرزها ما هي مرحلة الإيـداع لهذه الأموال، والآثار السلبية لعمليات غسل الأموال، والعقوبات المقررة لتلك الجريمة، والإتفاقيات الدولية للحد منها خاصة وأن تلك الأموال يتحصل عليها من جرائم مثل زراعة وتصنيع النباتات المخدرة أو الجواهر والمواد المخدرة وجلبها وتصديرها والاتجار فيها، واختطاف وسائل النقل، واحتجاز الأشخاص وجرائم الإرهاب وتمويلها، والنصب وخيانة الأمانة والتدليس، والغش، والفجور والدعارة، والاتجار وتهريب الأثار، والجنايات والجنح المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج والداخل، والرشوة، واختلاس المال العام والعدوان عليه، والغدر، وجرائم المسكوكات والزيوف المزورة والتزوير – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض هانى صبرى.
يتساءل البعض ما هى عملية غسل الأموال؟
في البداية - عرف غسل الأموال في اتفاقية فيينا لعام 1988 مادة 3.1 بأنها: "تحويل الأموال أو نقلها مع العلم بأنها مستمَّدة من أيَّة جريمة أو جرائم، بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو قصد مساعدة أيَّ شخص متورَّط في ارتكاب مثل هذه الجريمة أو الجرائم على الإفلات من العواقب القانونية لأفعاله"، يتساءل البعض ما هي عملية غسل الأموال؟ فهى عملية ليست فعلاً واحداً ولكنها عملية تنطوي علـى مراحـل وسلسـلة مـن الإجـراءات، وبشكل عام فإن غسل الأموال يمر بمراحل أساسية 3 يمكن أن تحصل جميعها دفعة واحدة ويمكـن أن تحصـل كـل مرحلـة فيهـا مسـتقلة عـن الأخرى – وفقا لـ"صبرى".
3 مراحل لعملية غسل الأموال يمكن أن تحصل دفعة واحدة
أولاً: مرحلة الإيـداع:
هي مرحلـة تنظيـف أو إحـلال، بحيـث يـتم الـتخلص مـن كميـة كبيـرة مـن النقـود غيـر الشرعية بأساليب مختلفة إما بإيداعها في أحد البنوك أو المؤسسات المالية أو عن طريـق تحويـل هـذه النقـود إلـى عمـلات أجنبيـة، أو عـن طريـق شـراء عقارات مرتفعة الثمن يسهل بيعها والتصرف فيها بعد ذلك، وتعد مرحلة الإيداع أصعب مرحلة بالنسبة إلى القائمين بعملية غسل الأمـوال – الكلام لـ"صبرى".
المرحلة الثانية: التمويــه
وتعني التستر على المسار لتضليل الملاحقة، فيقوم غاسل الأموال على فصل الأموال التي يريـد غسـلها عـن مصـدرها غيـر الشـرعي، ويكون ذلك من خلال العديـد مـن العمليـات المصـرفية المعقـدة، والتـي تأخـذ الصـورة المعتادة وإعادة تحويل الأموال غير المشـروعة مـن بنك إلـى أخـر، وإضـافة إلـى تحويلهـا بطريقـة إلكترونيـة، وتحويلهـا إلـى بنـوك، وتتميـز بـأن قواعدها شديدة فيما يخص سرية الإيداعات في الدول الأخرى.
المرحلة الثالثة: الإدمــــاج:
إتاحة الأموال للمجرم من مصدر يبدو أنه مشروع لإضفاء طـابع الشرعية على الأموال، لذلك يطلق عليها "مرحلة التجفيف" ومـن خـلال هـذه المرحلـة يتم دمج الأموال المغسولة في الـدورة الاقتصـادية والنظـام المصـرفي، لكـي تبـدو وكأنهـا عوائــد أو مكتســبات طبيعيــة لصــفقات تجاريــة، مثــل الشــركات الوهميــة والقــروض المصــطنعة، وتواطــؤ البنــوك الأجنبيــة، وكــذلك الفــواتير الوهميــة في مجــال الاســتيراد والتصدير وعند الوصول لهذه المرحلة يصعب التمييز بين الأموال غير المشروعة والأموال المشروعة – طبقا للخبير القانونى.
وما الآثار السلبية لعمليات غسل الأموال؟
ظاهرة غسل الأموال منتشرة في كل مكان في العالم وموجودة في مجالات كثيرة، وينتج عنها مجموعة من الآثار السلبية التي تؤثر علـى المصـلحة العامة للدولة من الناحية الاقتصادية يؤدي إلى تراجع التنمية الاقتصـادية والاسـتثمارات المالية، الأمر الذي يؤثر سلب على قيمة العملات المحلية مقارنة بالعملات الأجنبية، وازدياد التضخم وارتفاع المستوى العام للأسعار، كما تؤثر جريمة غسل الأموال على المصلحة العامة للدولة من الناحيـة السياسـية لمـا تسببه من تهديد الاستقرار السياسي، ويؤثر ايضاً من الناحية الاجتماعية وجود تفاوت كبير بين الطبقات الاجتماعي، وعدم خلق فرص عمل حقيقية، مما يؤدى إلى تفاقم مشكلة البطالة وتدنى الأجور للأيدي العاملة وتدنى مستوى المعيشة – هكذا يقول "صبرى".
وتسعى الكثيـر مـن دول العـالم إلـى مكافحـة غسـل الأمـوال بكـل الطـرق والوسـائل المتاحة والممكنة لحماية المصلحة العامة للدولة، فقد حدد قانون مكافحة غسل الأموال المصري رقم 80 لسنة 2002 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 2003 والقانون رقم 181 لسنة 2008 والقانون رقم 36 لسنة 2014 والقانون رقم 17 لسنة 2020 عقوبات لكل من يثبت مشاركته في جرائم غسيل الأموال كالتالى:
- يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز 7 سنوات وبغرامة تعادل مثل الأموال محل الجريمة، كل من ارتكب أو شرع فى ارتكاب جريمة غسل الأموال.
- يحكم بمصادرة الأموال أو الأصول المضبوطة الناجمة عن جريمة غسل الأموال أو الجريمة الأصلية فى الحالات التالية:
- الأموال أو الأصول المغسولة.
- المتحصلات، بما في ذلك الدخل أو المنافع الأخرى المتأتية من هذه المتحصلات.
- إذا اختلطت المتحصلات بأموال اكتسبت من مصادر مشروعة، فيصادر منها ما يعادل القيمة المقدرة لها أو للوسائط المستخدمة أو التي أعدت لاستخدامها في جرائم غسل الأموال أو الجرائم الأصلية.
- ويحكم بغرامة إضافية تعادل قيمة الأموال أو الأصول في حالة تعذر ضبطها أو في حالة التصرف فيها إلى الغير حسن النية.
- يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن المبلغ المالي محل الجريمة ولا تزيد على أربعة أمثال ذلك المبلغ، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أياً من أحكام المادة (12) من هذا القانون، والتي تنص على الأتى:
"يجب على كل شخص عند دخوله إلى البلاد أو مغادرته لها الإفصاح للسلطات الجمركية عما يحمله مما تجاوز قيمته عشرة آلاف دولار أمريكي أو ما يعادلها بالنقد الأجنبي وذلك من النقد الأجنبي والأوراق المالية والتجارية القابلة للتداول لحاملها"، وفي جميع الأحوال، تضبط المبالغ والأشياء محل الدعوى ويحكم بمصادرتها، فإن لم تضبط حكم بغرامة إضافية تعادل قيمتها.
- يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تقل عن مائة الف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أيًا من أحكام المواد (8، 9،11) من هذا القانون.
- فى الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة شخص اعتباري يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري المخالف بذات العقوبات المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون إذا ثبت علمه بها وكانت الجريمة قد وقعت بسبب إخلاله بواجبات وظيفته.
- يكون الشخص الاعتباري مسئولاً بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية وتعويضات إذا كانت الجريمة التي وقعت بالمخالفة لأحكام هذا القانون قد ارتكبت من أحد العاملين به باسمه ولصالحه.
- تأمر المحكمة فى الحكم الصادر بالإدانة بنشر الحكم على نفقة الشخص الاعتباري فى جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار، ويجوز للمحكمة أن تقضى بوقف نشاط الشخص الاعتباري لمدة لا تجاوز سنة.
المنع من التصرف فى الأموال
- فى حالة تعدد الجناة فى جريمة غسل الأموال، إذا بادر أحدهم بإبلاغ أى من السلطات المختصة بالاستدلال أو التحقيق، بالجريمة وباقى الجناة فيها قبل أول علم لأى من هذه السلطات بها، أو أبلغ بعد علم السلطات بالجريمة وأدى تبليغه الى ضبط الجناة أو الأموال محل الجريمة، تقضى المحكمة – متى قدرت توافر هذه الشروط- باعفاء الجانى المبلغ من عقوبتى السجن والغرامة المقررتين فى الفقرة الأولى من المادة 14 من هذا القانون، دون غيرهما من العقوبات التكميلية المقررة فى الفقرة الثانية من المادة ذاتها.
وأن هناك إجراءات تتخذها النيابة ضد المتهمين، تتمثل في منع المتهم أو زوجته أو أولاده القصر من التصرف في أموالهم أو المنع من إدارة تلك الأموال وتجميد الأموال موضوع جرائم غسل الاموال أو عائداتها ويعرض قرار المنع علي المحكمة الجنائية المختصة بطلب الحكم بالمنع من التصرف أو الإدارة، ويكون للنائب العام أو من يفوضه من المحامين العامين الأول أن يأمر مباشرة بالإطلاع أو الحصول على آية بيانات أو معلومات تتعلق بالحسابات أو الودائع أو الامانات أو الخزائن أو المعاملات المتعلقة بها.