يعد التشريع بشكل عام، هو الأداة التى من خلالها تمد الدولة هيمنتها ونظامها على العلاقات سواء بينها وبين الأفراد، أو بين الأفراد بعضهم البعض، ولا شك أن وجود تشريعات مرنة تؤدى إلى اطمئنان الأفراد، خاصة فيما يتعلق بالتشريعات الاستثمارية، حيث إنها تعد أحد العناصر المهمة في رفع درجة الثقة في جدارة النظام الاقتصادى ككل، هذا ما أكده الدكتور أشرف العربى، رئيس معهد التخطيط القومى التابع لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، في دراسة مهمة صادرة عن المعهد حول تأثير التشريعات الاستثمارية في مصر على العدالة الاجتماعية.
وأضاف العربى، خلال ندوة عقدها المعهد لمناقشة تلك الدراسة، بحضور الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولى الأسبق، أن تحسين المركز التنافسي للاقتصاد القومي، تعتمد على جودة القوانين والتشريعات الحاكمة، لافتًا إلى ضرورة إيجاد آلية مناسبة للوصول إلى أجندة وطنية للاستثمار ذات عمق اجتماعي أكثر عدالة ورشدًا.
من جانبه، أكد الدكتور زياد بهاء الدين، على أهمية الاستثمار والاستثمار الخاص في هذا الوقت للدولة لما له من دور محوري في النمو الاقتصادي، وزيادة التشغيل والتصدير، وكذلك العوائد الضريبية، لافتا إلى وجود المقاومة لدى البعض حول فكرة الاستثمار باعتبار أنه ليس فقط مرادفًا للتشغيل، وإنما تستحوذ فئة معينة من المجتمع على امتيازاته وعوائده.
وأضاف بهاء الدين، أن مصر قد استندت منذ مطلع السبعينيات إلى فلسفة إصدار قانون خاص يتيح لمن يرغب في الاستثمار في مجالات معينة مجموعة من المزايا والإعفاءات والحوافز، ولكن ظلت ذات الفلسفة قائمة، ولم يتم العدول عنها إلا جزئيًا عام 2005، حينما قررت الحكومة آنذاك أن تضع نهاية للإعفاءات الضريبية.
وبشأن وضع برنامج وطني للاستثمار، أشار الوزير الأسبق، إلى ضرورة وجود مساحة من الاستثمارات الخاصة المحلية، والإقليمية، والدولية، ووجود تشريعات استثمارية متوازنة تأخذ البعد الاجتماعي لها في عين الاعتبار، وليس فقط مجرد الاندفاع نحو جذب مزيد من المبالغ المالية بصرف النظر عن الاستفادة منها.
ولفت بهاء الدين، إلى أن التشريعات الاستثمارية في مصر تعاني من عدم وجود رؤية واضحة، مع عدم وجود ضوابط محددة لذلك أو شفافية كافية، كما أن تعطل جهود وزارة الاستثمار في خدمة المستثمرين، أدى إلى مزيد من التعقيد الإدارى والتضارب بين الصلاحيات، وكذلك تراجع التعامل والحوار مع صغار المستثمرين وهو ما يمثل بشكل كبير الانحياز الاجتماعي للسياسات الاستثمارية.
وحول وضع ضوابط ومعايير للوصول إلى تشريعات استثمارية ذات عمق اجتماعي وجذور في سياسة اجتماعية أكثر وضوحًا وعدالة، أشار الدكتور زياد بهاء الدين، إلى أن الاعفاءات الضريبية ليست الوسيلة المثلى لتشجيع الاستثمار لأنها تحرم الدولة من مواردها، وذات تحيز اجتماعي سلبي من جهة أخرى.
كما أكد على ضرورة وجود رقابة محكمة على جودة مجالات التعليم والصحة وغيرها بالتوازن مع المكاسب الاقتصادية للمستثمرين، إلى جانب تشجيع الاستثمار في المناطق الفقيرة، ومحاربة الاحتكار وتشجيع المنافسة، وكذلك إعادة النظر في الحوافز الأخرى كتلك المتعلقة بمنح أراضي مجانية، وتكلفة المرافق، وتسعير المدخلات والطاقة.