تواجه الدولة فى القوت الراهن تحديات اقتصادية أبرزها ارتفاع سعر الدولار فى السوق السوداء، الأمر الذى يتطلب اتخاذ مجموعة من الإجراءات السريعة لتدارك تداعيات هذا الوضع وتأثيره السلبى على المواطنين، بالإضافة إلى القضاء على السوق السوداء لخلق حالة من الاستقرار فى الاقتصاد المصرى.
وفى هذا السياق قال الدكتور أيمن محسب، عضو مجلس النواب، ومقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطنى، إن الاقتصاد المصرى تعرض لعدد من الصدمات خلال السنوات الماضية بداية من جائحة كورونا، والحرب الروسية – الأوكرانية التى دفعت الفيدرالى الأمريكى لرفع أسعار الفائدة أكثر من مرة، مما تسبب فى هروب مليارات الدولارات من الأسواق النامية ومن بينها مصر، الأمر الذى تسبب فى استنزاف الدولار ومن ثم انخفاض قيمة العملة الاقتصادية، مشيرا إلى أن ما ساهم فى تفاقم الأزمة هو زيادة حجم واردتنا من الخارج مقارنة بحجم الصادرات ومن ثم تم استنزاف العملة الدولارية الموجودة فى البلاد مما تسبب فى شُح دولارى غير مسبوق.
وأضاف «محسب»، أن مصر حاولت تطوير بنيتها التحتية وتأهيل بيئة الاستثمار من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية مرة أخرى، لكنها اصطدمت بعدد من الأزمات الإقليمية التى ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية الدائرة فى قطاع غزة والتوترات فى منطقة البحر الأحمر والتى أثرت على حركة الملاحة فى قناة السويس، كذلك الصراع فى السودان جنوب مصر، مؤكدا على ضرورة وجود رؤى اقتصادية شاملة لما تمر به مصر، وسياسات مختلفة جذريا عن السياسات التى أدير بها الاقتصاد المصرى خلال السنوات الماضية من أجل تدارك الأزمة الاقتصادية والخروج منها فى أسرع وقت ممكن.
وأكد عضو مجلس النواب، أن التحدى الأكبر أمام الحكومة الآن هو كيفية القضاء على السوق السوداء للدولار وتوحيد سعر الصرف، الأمر الذى يحقق الاستقرار الاقتصادى العام، ويحافظ على معدلات التضخم فى مستويات مقبولة، موضحا أن إحدى ركائز وجود بيئة استثمارية جاذبة هو استقرار سعر الصرف بالإضافة إلى تذليل العقبات التى تواجه المستثمرين، وتقديم حوافز للمستثمرين وتوفير المزيد من الفرص الاستثمارية، بالإضافة إلى تقليل حجم الاستيراد من خلال الاستغناء عن المنتجات والسلع الموجود لها بدائل محلية والاكتفاء بالسلع التى لا يمكن الاستغناء عنها، بالإضافة إلى زيادة حجم الصادرات ودفع قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وفى نفس الصدد، أكد الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن الاقتصاد المصرى يحتاج إلى خطة طوارئ عاجلة على أن يتم الإعلان عنها خلال ساعات وليس أيام للخروج مما يعيشه من أزمات مزمنة خلال الشهور الأخيرة، ما بين مالية ونقدية واستثمارية وانتاجية، حيث لم تكن هذه الأزمات وليدة اللحظة ولكنها تراكمات لمجموعة من السياسات النقدية والمالية الخاطئة ونتيجة للتأخر فى اتخاذ إجراءات وقرارات تضمن تفادى مثل هذه الأزمات.
وقال «عادل»، إن أزمة جائحة كورونا وما ترتب عليها من تعطل سلاسل الإمداد والتوريد بمثابة جرس إنذار لكل اقتصادات دول العالم وعلى رأسها الاقتصاد المصرى بضرورة العمل على تحقيق الأمن الصناعى والغذائى وخلق بيئة جاذبة مطمئنة للمستثمرين من الأفراد والشركات، إلا أن هذا لم يحدث بالصورة الكاملة داخل الدولة المصرية، نتيجة العديد من الأسباب التى لا داعى لذكرها الآن، موضحا: الآن نحن فى وقت وضع الحلول وآليات التنفيذ، كما جاء فى دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لحوار وطنى اقتصادى.
وأكد الخبير الاقتصادى، على أهمية الحلول السريعة فى الوقت الحالى للحد من آثار الأزمة وامتداد تداعياتها بصورة يصعب تداركها أو التعافى منها، مشيرا إلى أنه فيما يتعلق بأزمة سعر الصرف وعدم وجود حصيلة دولارية والفجوة بين السوق الرسمى والسوق الموازى لا بد من العمل على توفير حصيلة دولارية تفى بالمتطلبات والاحتياجات الدولارية للأفراد والشركات ، ويكون ذلك إما بتقديم أوعية إدخارية ذات عائد كبير يصرف بالدولار وليس بما يعادل قيمة العائد بالجنيه المصرى، مع ضمان رد قيمة الشهادة فى نهاية مدتها بذات العملة.
وطالب «عادل»، بإعادة مبادرة استيراد العاملين بالخارج للسيارات وبحد أقصى سيارتان أو سيارة لكل أسرة حسب عدد سنوات العمل بالخارج على أن تكون بمبالغ محددة تسدد مرة واحدة فقط لخزانة الدولة، وتكون بنظام الشرائح حسب نوع وموديل السيارة وتأثيرها على النظام البيئى، مقترحا الدعوة لمؤتمر اقتصادى عربى دولى، يتم فيه عرض رؤى وتصورات وسياسات مالية واستثمارية جديدة لتحفيز الشركاء والمستثمرين العرب والأجانب للعودة والعمل فى السوق المصرى مرة اخرى ، على أن تكون الحوافز والتسهيلات جادة ويتم تطبيقها على أرض الواقع ، محذرا من تحرير سعر الصرف دون وجود حصيلة دولارية كون حدوث ذلك يُضاعف الفجوة بين السوق الرسمى والسوق الموازى وسيترتب عليه آثار سلبية على مستويات الأسعار ومعدلات الاستثمار.
وشدد الخبير الاقتصادى على ضرورة دعم الإنتاج وتخفيف الأعباء على المنتجين والمصنعين، موضحا أن الأمن الصناعى والغذائى بات ضرورة حتمية فبتحقيقها تنخفض الأسعار فى الأسواق وينخفض الضغط على احتياج الدولة من العملة الأجنبية ويتحقق التوازن فى الميزان التجارى، ولكن هذا يتطلب تسهيلات على دخول مواد ومستلزمات الإنتاج وحافز وتسهيلات مالية وضريبة، مع إلزام كل من حصل على هذه التسهيلات بحجم إنتاج بقدر ما حصل عليه من تسهيلات وأيضا إلزامه بأن يكون ثلثى حجم الإنتاج لتلبية احتياجات السوق المحلى، والثلث للتصدير، مع ضرورة تفعيل أدوار الملحق التجارى فى كل سفارات الدول الأخرى، ليكون له دور فاعل فى تحقيق التقارب والتواصل بين المصنعين والمنتجين والجهات ذات الاهتمام فى الدول الأخرى.
وطالب أيضا بخطة تقشف عاجلة وحقيقية فى كل مؤسسات ووزارات الدولة، يتم الإفصاح عنها للرأى العام تضامناً مع ما يعيشه المواطن المصرى البسيط فى الشارع، وإعادة النظر فى منظومة دعم الصادرات ومنظومة الدعم العينى لتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة، إضافة إلى رفع رسوم الإقامة وتأشيرات الدخول للأجانب والمقيمين وتسدد بالعملة الأجنبية.
فيما أكد الدكتور مصطفى ابوزيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن الظروف التى يعيشها الاقتصاد المصرى تتطلب اتخاذ بعض التدابير والاجراءات التى يمكن تنفيذها حاليا وعلى المديين القريب والمتوسط والتى يأتى على رأسها تخفيف الرسوم الجمركية والضريبية على مستلزمات الانتاج الضرورية والأساسية التى تشهد ارتفاعا فى الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج ويمكن اختيار تلك السلع وفقا لحجم الوراردات منها وعدد الصناعات التى تدخل بها وبالتالى المساهمة فى تخفيف الضغوط التضخمية فى الوقت الحالى.
وقال «أبوزيد»، فى تصريحات خاصة، إنه يجب المضى قدما فى برنامج الطروحات الحكومية وتنفيذ ماجاء فى وثيقة سياسة ملكية الدولة للمساهمة فى زيادة التدفقات الاستثمارية الداخلة للاقتصاد المصرى والتى لها تأثير مباشر على معالجة أزمة السيولة الدولارية ، لافتا إلى أن ما يمكن تنفيذه فى المدى القريب والمتوسط هو ضرورة الإسراع باصدار الاستراتيجية الوطنية للصناعة المصرية محدد بها الرؤوية والأهداف ومؤشرات القياس وآليات المتابعة والتقييم بالإضافة إلى تحديد الجهات المنوط بها تنفيذ تلك الاستراتيجية كل فى قطاعه حتى يمكن قياس نسب التنفيذ وقياس الأداء حتى يمكن تقييم أى انحرافات قد تحدث فى عملية التنفيذ واعادتها الى المسار الصحيح.
وأضاف الخبير الاقتصادى، أنه يجب تحديد عدد معين من الصناعات التى يمكن البدء بها من قائمة 152 سلعة التى تم الاعلان عنها منذ فترة وطرحها للقطاع الخاص ضمن ما تحتاجه الدولة والاقتصاد المصرى من تلك الصناعات ويخدم السياسة الاقتصادية الكلية لأن ذلك سيساهم فى تخفيف الطلب على الدولار إلى جانب تحقيق أهداف تعميق التصنيع المحلى وزيادة نسبة المكون المحلى أمام المكون الأجنبى بالإضافة إلى أمر فى غاية الأهمية هو أن يكون لدى الحكومة المصرية رؤية واضحة فيما يتعلق بأسلوب التسويق والترويج تكون متناسقة وتهدف إلى تحقيق هدف واحد وهو زيادة حجم الاستثمار الأجنبى المباشر وذلك يستدعى وجود هيئة تنسيقية بين أطراف الصلة من هيئة الاسثمار والتمثيل التجارى والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتوحيد السياسات التسويقية.