أصدرت الدائرة الرابعة الابتدائية – بمحكمة طنطا الاقتصادية، حكما فريدا من نوعه يكشف يهم آلاف المتضررين، حيث يكشف أسباب البراءة من تهمة تشهير وسب وقذف من خلال المواقع الإلكترونية، أبرزها أن تقرير الفحص الفني لم يبين مدى صحة الواقعة التي أدلى بها الشاكي ولم يبين الرسائل المدعى إرسال المتهم لها ولم يظهر بالأوراق ما يدل على قيام المتهم بإرسال رسائل إلى الشاكي عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي أو غيرها من الرسائل، مما أضحت معه أقوال الشاكي أقوالا مرسلة دون دليل على حدوثها.
صدر الحكم في الجنحة المقيدة برقم 423 لسنة 2023 جنح طنطا الاقتصادية، لصالح المحامى إيهاب إبراهيم حسين، برئاسة المستشار هانى ياسين، وعضوية المستشارين أحمد عبدالحليم، وأحمد أشرف، وبحضور كل من وكيل النيابة محمد سليم، وأمانة سر أحمد عمر.
الوقائع.. شخص يسب أخر على هاتف زميل له عن طريق "واتس أب"
وقائع الدعوى تتحصل في أن النيابة العامة قد أسندت إلى المتهم أنه في تاريخ سابق على تحرير المحضر بدائرة مركز طوخ، محافظة القليوبية، سب المجنى عليه "ع. أ" بأن وجه له عبارات توحى بالسب والشتم وتحط من قدره واعتباره عن طريق إحدى وسائل التواصل الإجتماعى "واتساب"، وتعمد إزعاج المجنى عليه باستخدام أجهزة الأتصالات، وطلبت عقابه بالمواد 306، 306 مكرر "أ" من قانون العقوبات والمادتين 70، 76 من القانون.
علی سند مما أبلغ به "ك. س" بمحضر جمع الاستدلالات المؤرخ 8 مارس 2022 من تضرره من رئيس القسم التابع له بكلية الطب البيطرى بجامعة بنها المدعو "...." مستخدم الهاتف المحمول رقم "......" لإرسال رسائل من خلال تطبيق المحادثات "واتس اب" الى هاتفه المحمول تتضمن ارسال رسالة لزميل الشاكي على تطبيق "واتس أب" مضمونها منشور للتشهير وإساءة سمعته، مما تسبب له في أضرار جسيمة، وثابت بالمحضر أن حضر معه زميله المدعو "...."، وتم فتح هاتفه طواعية.
تقرير نص الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات
وعلى سند من تقرير النص التي من الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات إدارة مباحث مكافحة جرائم الحاسبات وشبكات المعلومات قسم المساعدات الفنية والمحرر بمعرفة ملازم أول مهندس / محمود صمام الدين البكري ضابط قسم المساعدات الفنية والثابت به أن الرقم مرتكب الواقعة هو "......" وبإجراء التحريات المدنية باستخدام البرامج والتقنيات الحديثة تبين أنه المدعو "...."، وأرفق بتقرير الفحص طباعة لشاشة حاسب آلى ويظهر بها صورة كتاب من رئيس مجلس قسم الجراحة والتخدير والأشعة "واسفله اسم المتهم" بكلية الطب البيطري جامعة بنها موجه إلى نائب رئيس الجامعة لشئون الدارسات العليا والبحوث، ولا يظهر بطباعة الفحص شيئا أخر.
وفى تلك الأثناء – قدمت النيابة العامة الدعوى إلى هذه المحكمة، وتداولت بجلساتها على نحو ما هو ثابت بمحاضرها، وبجلسة 6 أبريل 2023 مثل وكيل عن المجنى عليه وقدم إعلان منفذ بإدعاء مدني مؤقت معلن للمتهم بمبلغ مقداره مائة ألف وجنيها واحد، كما مثل بذات الجلسة وكيل عن المتهم وطلب أجل للإطلاع والمستندات وأمهلته المحكمة الأجل، وبجلسة 16 أبريل 2023 مثل وكيل عن المجنى عليه وقدم حافظة مستندات ومذكرة وانضم للنيابة العامة، ومثل المتهم يوكيل عنه محام وقدم مذكرة وحافظة مستندات وطلب البراءة تأسيسا على كيدية الاتهام وتلفيقه، انتفاء جريمة السب والتشهير والإزعاج وعدم توافر توافر القصد الجنائي وحسن نية المتهم وطلب رفض الدعوى المدنية، وقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم.
المحكمة تستند لمواد قانون الإجراءات الجنائية
وحيث إن المتهم قد مثل بجلسات المحاكمة بوكيل عنه محام الأمر الذي يكون معه الحكم الصادر قبله حضوريا بتوكيل عملا بنص المادة 237 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006
المحكمة في حيثيات الحكم قالت عن موضوع الدعوى فمن المقرر قانونا بنص المادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الأولى أنه: "إذا كانت الواقعة غير ثابتة أو كان القانون لا يعاقب عليها، تحكم المحكمة ببراءة المتهم ويفرج عنه إن كان محبوسا من أجل هذه الواقعة وحدها"، ولما كان من المقرر قانونا وفقا لنص المادة 166 مكرر من قانون العقوبات أن كل من تسبب عمدا في إزعاج غيره بإساءة استعمال أجهزة المواصلات التليفونية يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين".
المادة 306 من قانون العقوبات
وبحسب "المحكمة": والمادة 306 من ذات القانون تنص أن: "كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه خدشا للشرف أو الاعتبار يعاقب عليه في الأحوال المبينة بالمادة 171 بغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه"، والمادة 206 مكرر (أ) من ذات القانون تنص أن: " يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 4 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل باية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد على 300 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه، وفي حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى".
ووفقا لـ"المحكمة": وتنص المادة 76 من القانون رقم 10 لسنة 2003 أنه: " مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز 20 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من: 2- تعمد إزعاج أو مضايقة غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات".
رأى محكمة النقض في الأزمة
واستندت المحكمة لعدة أحكام لمحكمة النقض أبرزها الحكم الذى جاء فيه: لمحكمة الموضوع أن تستخلص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية مادام ذلك سليما متفقا مع حكم العقل والمنطق"، وأن أحكام البراءة لا تتضمن إلزام المحكمة ببيان مؤدى كل دليل بل يكفيها أن تكون قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة ويكفي أن يتشكك القاضي في إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضى بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل مادام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
وحيث إنه لما كان أصل البراءة يمتد إلى كل فرد سواء كان مشتبها فيه أو متهما، باعتباره قاعدة أساسية في النظام الاتهامي أقرتها الشرائع جميعها، لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين، وإنما لتترأ بموجبها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة المنسوبة إليه قد أحاطتها الشبهات، بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للجريمة محل الاتهام ذلك أن الاتهام الجناني - في ذاته - لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الفرد دوما، ولا يزيله ، سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة، أو اثناءها، وعلى امتداد حلقاتها، وأيا كان الزمن الذي تستغرقه إجراءاتها ولا سبيل بالتالي لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الاقناعية مبلغ الجزم واليقين، بما لا يدع مجالا معقولا لشبهة انتفاء التهمة يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك في إسناد التهمة إلى المتهم لكى يقضى بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك ما يطمئن إليه.
لماذا حصل المتهم على حكم البراءة؟
ولما كان ما تقدم، وكان الثابت للمحكمة من الأوراق أن تقرير الفحص الفني قد توصل البيانات مستخدم رقم الهاتف الذي أعلى به الشاكي بالمحضر وهو المتهم المعروض أمام المحكمة، إلا أن تقرير الفحص الفني لم يبين مدى صحة الواقعة التي أدلى بها الشاكي ولم يبين الرسائل المدعى إرسال المتهم لها ولم يظهر بالأوراق ما يدل على قيام المتهم بإرسال رسائل إلى الشاكي عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي أو غيرها من الرسائل، كما وأن الثابت بالمحضر فتح هاتف زميل الشاكي الحاضر معه ولم يثبت الفحص قيام المتهم بإرسال رسائل إلى هاتف ذلك الشخص، مما أضحت معه أقوال الشكي أقوالا مرسلة دون دليل على حدوثها، ولما كان ذلك فتقضي المحكمة ببراءة المتهم مما أسند إليه.
وحيث إنه وعن الدعوى المدنية المقامة من المدعي بالحق المدني قبل المتهم، فلما كانت المادة 163 من القانون المدني تنص أن: "كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض"، ولما كانت المادة 220 من قانون الإجراءات الجنائية تنص أنه: "يجوز رفع الدعوى المدنية، مهما بلغت قيمتها بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة أمام المحاكم الجنائية لنظرها مع الدعوى الجنائية"، وكانت المادة 251 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية تنص أنه: "لا يجوز الادعاء بالحقوق المدنية وفقا لأحكام هذا القانون إلا عن الضرر الشخصي المباشر الناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع، حالا أو مستقبلا".
رأى محكمة النقض في شق التعويض المدنى
ولما كان من المقرر بأحكام محكمة النقض أنه: " فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم ثبوتها فإن ذلك يستلزم حتما رفض طلب التعويض ولا محل حينئذ للتمسك بطلب إحالة دعوى التعريض إلى المحكمة المدنية لأن ذلك محله حسبما نصت عليه المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية أن يستلزم الفصل في التعويضات إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية وهذا مناطه أن يكون الاختصاص الاستثنائي بالفصل في دعوى التعويض منعقدا للمحاكم الجنائية ولا يكون لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت في حق من نسب إليه".
ولما كان ما تقدم وهديا به، وكانت المحكمة قد انتهت في قضائها إلى براءة المتهم من التهمتين المنسوبتين إليه للأسباب التي خلصت إليها بعاليه، وحيث انتفى الخطأ بأركانه المستوجبة التعويض عنه قبل المتهم ومن ثم فلا محل للقضاء بالتعويض.