- مرونة الجهاز الإنتاجى والمبادرات الرئاسية لتنشيط المبادلات السوقية "سر النجاح"
كشف تقرير متابعة الأداء الاقتصادي والاجتماعي عن العام المالي 2022/2023 المقدم من وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد، إلى البرلمان بغرفتيه (النواب، الشيوخ) عن تفاصيل أداء الاقتصاد المصري الذي تمكن رغم كافة التحديات الجسام التي فرضتها تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وألمت بكافة اقتصادات العالم، ومنها الاقتصاد المصري بالتبعية بحكم انفتاحه على العالم الخارجي، من تحقيق معدل نمو مناسب في حدود 3.8% خلال عام 2023/22.
ووفقا للتقرير الحكومي، فإنه هذا المعدل يُمثل تراجعًا ملحوظا عن معدل النمو المحقق في العام السابق، والبالغ 6.6%، بسبب التأثر بالاوضاع العالمية لكنه ظل أعلى من معدل النمو المحقق في عامي جائحة فيروس كورونا، وهما 3.6% عام 2020/19 ، و3.3% عام 2021/20، وكذا أعلى من معدل نمو الاقتصاد العالمي (%3)، وقياسًا بمعدلات النمو المناظرة في عديد من الاقتصادات الأخرى، كما جاء بتقرير التقرير صندوق النقد الدولي (أكتوبر 2023).
ويستند هذا الأداء الجيد، حسبما يؤكد التقرير الحكومي إلى مرونة الجهاز الإنتاجي للدولة وقدرته على التصدي للصدمات التي تخلقها الأزمة والتعافي منها في مدى زمني مناسب وقصير نسبيا، لاسيما في ظل فاعلية السياسات التدخلية للدولة السياسات المالية والنقدية والائتمانية المطبقة والرامية إلى دفع عجلة الإنتاج والتشغيل، وكذلك إلى أهمية المبادرات الرئاسية والحكومية التي استهدفت تنشيط المبادلات السوقية كمحرك أساسي للنمو، وفي الوقت ذاته مراعاة المتطلبات المعيشية للفئات منخفضة الدخل من خلال مبادرات صحية مثل برنامج 100 مليون صحة ومبادرات تعليمية وبرامج رعاية اجتماعية متكاملة، مثل مبادرة حياة كريمة للأسرة الريفية.
وعلى مستوى القطاعات الاقتصادية، تفيد مؤشرات الأداء أن أهم القطاعات التي حققت معدلات نمو مرتفعة تمثلت في قطاعات السياحة وقناة السويس والاتصالات والخدمات الاجتماعية والتشييد والبناء بنسبة مساهمة إجمالية في النمو الاقتصادي تربو على 63%.
وقد جاءت السياحة في مقدمة القطاعات سريعة النمو (28)% بسبب تنامي الإيرادات السياحية وبلوغها نحو 13.6 مليار دولار في ظل استقبال مصر لأكثر من 11.9 مليون زائر قضوا نحو 146 مليون ليلة.
قطاع قناة السويس الذي نما بمعدّل %18.4 بفعل زيادة إيرادات القناة من رسوم العبور إلى 8.8 مليار دولار، وارتفاع أسعار تأجير السفن ونوالين الشحن والخدمات اللوجستية، وكذا أسعار النفط.
ويشير التقرير الحكومي، إلي أن قطاع الاتصالات جاء ليشغل المرتبة الثالثة بمعدل نمو جاوز 16 ، نتيجة تنفيذ عدد كبير من المشروعات القومية لتحقيق التحول الرقمي وتطوير البنية التحتية الرقمية، فضلا عن تنامي عدد مشتركي الهاتف المحمول، ومستخدمي الإنترنت فائق السرعة والإنترنت عن طريق المحمول، وزيادة نسبة انتشار الهاتف المحمول ليصل إلى 97.5% في يونيو 2023. ويلي قطاع الاتصالات، قطاع الخدمات الاجتماعية الذي بلغ معدل نموّه %5.8% على خلفية تنامي الاستثمارات الموجهة لقطاعي التعليم والصحة بجانب الخدمات الاجتماعية الأخرى.
وكذلك شهد قطاع التشييد والبناء شهد مُعدّل نمو مرتفع نسبيًا في حدود 5.2 ، بفعل تسريع عمليات التنفيذ للمشروعات القومية الخاصة بالطرق والكباري والأنفاق، ومشاركة عديد من الشركات في تنفيذ أعمال مبادرة حياة كريمة.
وفيما يخص الاستثمارات المنفذة، فقد بلغت نحو 1.16 تريليون جنيه في عام المتابعة، واستحوذت الاستثمارات العامة على الشطر الأعظم من الاستثمارات الكلية بنسبة 75% ، وخص الاستثمارات الحكومية، منها نحو 289 مليار جنيه بنسبة 33% من جملة الاستثمارات العامة، ويُقابلها نسبة %49% للهيئات العامة الاقتصادية.
ويوضح التقرير الحكومي أسباب تراجع استثمارات القطاع الخاص عام 22/23، لتصبح في حدود 298 مليار جنيه، رغم توجه الدولة لتعزيز مساهمة القطاع الخاص في دفع عجلة الاستثمار واستهداف الارتقاء بهذه المساهمة لتصل إلى 36 في عام 2024/23، وذلك لتأثر عام المتابعة بالانعكاسات غير المواتية للأزمة الروسية / الأوكرانية على مناخ الاستثمار عامة، وتأثيرها السلبي على توقعات قطاع الأعمال لحجم الطلب السوقي في ظروف تزايد عدم اليقين بتطوّرات التشغيل في الأسواق، كما تعكسه مُؤشّرات مديري المشتروات ومؤشر بارومتر الأعمال.
وفيما يتعلق بسوق العمل، تُفيد المؤشرات تصاعد مُعدّل المساهمة في النشاط الاقتصادي لتسجل 30% من جملة السكان، ولتستقر عند 43% من جملة السكان (15) سنة فأكثر في عام المتابعة. أما معدل البطالة، فقد تراجع من 7.2% من إجمالي قوة العمل في عام 2022/21 إلى 7 في عام 2023/22.
ويؤكد التقرير الحكومي أنه علي مستوى التطوّرات النقدية، فقد تنامت السيولة المحلية الدولية بنسبة 25% خلال عام المتابعة، كما ازدادت الودائع المصرفية بنسبة 28.5% عن العام السابق، ليُسجّل نحو 9.5 تريليون جنيه. وكذلك نمت أرصدة الإقراض بنسبة 35% في عام المتابعة، قياسا بالعام السابق ليبلغ 4.7 تريليون جنيه في يونيو 2023، وليُشكل بذلك نحو %51% من جملة الودائع لدى البنك.
وعلى صعيد المؤشرات المالية، فقد رصد تقرير المتابعة تراجع نسبة العجز الكلي للناتج المحلي الإجمالي من 6.11 عام 2022/21 إلى 6.04 في عام 2023/22، وكذلك تحقق فائض موجب بنسبة 1.6% من الناتج مقابل 1.3% في العام السابق، وفيما يتعلق بالمعاملات الاقتصادية الدولية، تُفيد المؤشرات حدوث تراجع في قيمة عجز الميزان التجاري بنسبة 28% في عام المتابعة لتقتصر على 31.2 مليار دولار، بسبب انخفاض قيمة الواردات بنحو 16.5 مليار دولار، مقابل تناقص أقل في الصادرات السلعية قدره 4.3 مليار دولار.
وعم صافي الاستثمار الأجنبي المباشر، يؤكد التقرير الحكومي زيادة تدفقاته بنسبة 12.4% من 8.9 مليار دولار عام 2022/21 إلى 10 مليار دولار في عام المتابعة،ومن حيث صافي الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي، فقد بلغ بنهاية يونيو 2023 حوالي 34.8 مليار دولار بزيادة تقارب مليار دولار عن قيمته في نهاية نوفمبر 2022 ، مع ملاحظة عودة معدّل التغطية للواردات السلعية للارتفاع إلى 5.9 شهرًا في يونيو 2023 نظرًا للتراجع الملحوظ في قيمة الواردات، ومع الزيادة المحدودة في الاحتياطيات الدولية بنسبة 4.3%.
وبالنسبة للميزان الكلي، فقد أسفرت التطوّرات سالفة الذكر عن تحقيق المعاملات الاقتصادية لمصر مع العالم الخارجي لفائض كلّي قدره 882 مليون دولار خلال عام المتابعة، بالمقارنة بعجز قدره 10.5 مليار دولار تحقق خلال العام السابق.
وفيما يتعلق بالتنمية المكانية، أبرز تقرير المتابعة التوزيع المتكافئ للاستثمارات على مستوى المحليات بغرض التخفيف من حدّة الفجوات التنموية القائمة. وقد استند توزيع الاستثمارات بين دواوين عموم المحافظات على معادلة تنموية لمعالجة الفجوات في توزيعات الدخل ولتحقيق الاستغلال الأنسب للطاقات والموارد المحلية، وذلك بالاستعانة بمؤشرات الفقر والبطالة والأمية والتعداد السكاني.
ويُفيد توزيع الاستثمارات المحلية دواوين عموم المحافظات والبالغة 33.1 مليار جنيه في عام المتابعة
بنسبة زيادة 49 عن استثمارات العام السابق والبالغة 23.9 مليار جنيه، وتخصيص نحو 33.2% لإقليم القناة، و 28 لإقليم القاهرة، و 20.7% لإقليم الصعيد، و9.2% لإقليم الإسكندرية، و8.9% لإقليم الدلتا.
وفي مستهل التقرير، ألقى الضوء على انعكاسات الازمة الروسية الأوكرانية التي تجلت تبعاتها في عدم انتظام سلاسل الإمداد الدولية، وارتفاع الأسعار العالمية للطاقة والغذاء المستويات غير مسبوقة، وتباطؤ معدل نمو المعاملات التجارية الدولية أقل من (1 %)، وارتفاع معدل التضخم العالمي إلى نحو 7% ، وتواضع معدل نمو الاقتصاد العالمي (3 %) فضلا عن تراخي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، واضطراب الأسواق المالية، وقد استعرض تقرير المتابعة مستتبعات هذه التداعيات على الاقتصاد المصري، كما أوضح - من ناحية أخرى - العوامل الداخلية التي ضاعفت من حدة تأثيراتها، وأهمها تنامي الضغوط التضخمية وبلوغها مستويات قياسية بمعدل تضخم سنوي 38%، وارتفاع الفاتورة الاستيرادية، ونقص السيولة الدولية، فضلا عن تزايد أعباء المديونية الخارجية، واتساع الفجوة التموينية.
ويستعرض التقرير مستويات أداء الاقتصاد المصري في عام المتابعة (2023/22) من خلال أربعة محاور رئيسة، يختص المحور الأول بمعدلات الأداء على مستوى المتغيرات والناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك النهائي ومستويات الادخار والاستثمار، ومعدلات التضخم والبطالة، مع رصد التطورات النقدية والمصرفية والمعاملات الاقتصادية الدولية وتطورات الموازنة العامة للدولة، باعتبارها من المؤشرات الرئيسة المعبرة عن مستويات الأداء الاقتصادي.
ويختص المحور الثاني من تقرير المتابعة باستعراض الإنجازات القطاعية المحققة على مستوى الأنشطة 7481 لسلعية، والتي تضم الزراعة والاستخراجات والصناعة التحويلية والكهرباء والتشييد والبناء، ثم على مستوى الأنشطة الخدمية الإنتاجية، وتشمل تجارة الجملة والتجزئة والنقل ونشاط قناة السويس والخدمات التمويلية وقطاع الأعمال وخدمات الاتصالات والمعلومات والسياحة، والغرض من استعراض متغيرات الأنشطة القطاعية هو الوقوف على التطورات التي شهدتها هذه الأنشطة خلال عام المتابعة وتأثيرها في معدلات أداء المتغيرات الكلية كالنمو الاقتصادي والتشغيل والاستثمار والتضخم، وكذا انعكاساتها على هيكل البنيان الاقتصادي للدولة ومرونة جهازه الإنتاجي.
ويواصل التقرير - عبر المحور الثالث - رصد التغيرات التي طرأت على قطاعات التنمية البشرية والاجتماعية، فيعرض - ابتداء - تطوّرات الخدمات التعليمية، ثم الخدمات الصحية، ويعقب ذلك خدمات الرعاية الاجتماعية وخدمات الشباب والرياضة والخدمات الثقافية وخدمات التحسين البيئي والتحول إلى الاقتصاد الأخضر، مع إبراز الأهمية الحيوية لهذه الأنشطة في بناء الإنسان المصري ودعم مسيرة التنمية المستدامة وفق رؤية مصر 2030.
واستعرض التقرير في محوره الرابع الأبعاد المكانية، وما جرى إنجازه في هذا الخصوص من منظور التنمية الريفية والإقليمية والمحلية على مستوى محافظات الجمهورية، ومن منطلق تحقيق التنمية المكانيةالمتزنة، والحد من التفاوتات الدخلية.
وفي ختام التقرير الحكومي المقدم من وزيرة التخطيط، فأنها تؤكد أنه بالرغم من التحديات الصعاب التي فرضتها تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية إلا أن تعاملت مصر معها بدرجة عالية من التحوّط والحذر، وباتباع سياسات تكيف مرنة تراعي التخفيف من انعكاساتها السلبية، ويُعزّزها في ذلك صلابة الشعب المصري وإرادته القوية لمواصلة البناء في ظل القيادة السياسية الرشيدة، ولتسريع الانطلاق في رحاب التنمية لتهيئة سبل الرخاء والرفاهة المستدامة لجموع المواطنين.