القوة الناعمة هى القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة، وهذا ما حصل مع العديد من الدول الكبيرة، لأن القوة لا تصلح إلا في السياق الذي تعمل فيه، فالدبابة لا تصلح للمستنقعات، والصاروخ لا يصلح لجذب الآخرين نحونا، هذا هو تعريف عرف جوزيف ناي للقوة الناعمة.
أما الحرب الناعمة، فهي تلك الاستراتيجية المدمرة التي تبدأ بأفراد ما تلبث أن تنتشر في المجتمع لتؤثر عليه بأكمله، وأوَّل مَنْ صاغ أساليب هذه الحرب هو الفيلسوف الصيني "صان تزو المتوفى عام 496 قبل الميلاد"، إذ أكد في فلسفته إمكانية تخريب أرض العدو وحضارته وانجازاته دون إطلاق رصاصة واحدة ودون أن يراك كخصم له، ويرى "صان تزو" سياسة الحرب الخشنة سبيلاً فاشلاً وغير مجد، بل وأن أنجح فنون القتال هو عدم الانجرار للاقتتال والحروب، كونها تودي إلى نتائج عكسية وسلبية.
الحرب الناعمة وخدعة الديموقراطية وحقوق الإنسان
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الحرب الناعمة وخدعة الديموقراطية وحقوق الإنسان، وذلك من حيث المفهوم والأهداف والموارد، وأساليب وتكتيكات الحرب النفسية المعروفة تاريخيا، حيث يمكن يمكن اللجوء إلى بدائل أخرى لتحقيق أهداف الحروب ومكاسبها من خلال التأثير على المستهدفين سواء كانوا دولاً أو مجتمعات أو مؤسسات بطرق عديدة تختلف بإختلاف الزمن وتطوره تهدف الى شن حملة عدائية على المفاهيم الفكرية والدينية والقيمية والحضارية – بحسب أستاذ القانون الدولى العام الدكتور أثير هلال الدليمي، المتخصص في الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم السيبرانية الدولية.
في البداية - أن الحقب الإستعمارية السابقة، والحربين العالميتين اللتين ادخلتا الدمار والقحط والخراب لدول العالم، كفيلة بأن تبحث الدول ولاسيما العظمى عن نوع جديد من الحروب التي تحقق فيها أعلى المكاسب بأقل التكاليف والخسائر إلا وهي الحرب الناعمة، التي باتت شيئاً فشيئاً تحل محل الحرب العسكرية التقليدية الخشنة أو على الأقل تقدم عليها في التنفيذ، حيث أن الحرب الناعمة على الرغم من مشابهتها في المضمون والأهداف لأنواع أخرى من الحروب فقد كانت تستخدم للتعبير عنها بأشكال وصور مختلفة: كحرب المعنويات، وغسل العقول، والغزو الثقافي، والحرب السياسية، وسميت بالحرب الناعمة كونها تستخدم القوة الناعمة – وفقا لـ"الدليمى".
مفهوم الحرب الناعمة:
وكما ذكرنا من قبل عرف بعض الفقهاء الحرب الناعمة بأنها: "قدرة الدول في الحصول على ما تريده من مكاسب، عن طريق الاقناع والترغيب والتأثير في سلوك الآفراد لتحقيق الأهداف المتوخاة والمخطط لها دون اللجوء إلى أسلوب الإرغام والترهيب والاستعمال المفرط للوسائل العسكرية الخشنة"، وأوّل مَنْ صاغ هذا المصطلح بمفهومه العام "جوزيف ناي" الأستاذ في جامعة هارفرد الأمريكية، ومساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية الاسبق في كتابه الصادر عام 1990 بعنوان "وثبة نحو القيادة"، كما قام بتطوير المفهوم في كتابه الصادر عام 2004 بعنوان "القوة الناعمة" – الكلام لـ"الدليمى"
عرف جوزيف ناي الحرب المرنة بأنها:استخدام كل الوسائل المتاحة للتأثير في الآخرين باستثناء الاستخدام المباشر للقوة العسكرية، ومن خلال تفسيرنا لمفهوم هذا التعريف نرى ان ناي أباح استخدام أية وسيلة من شأنها التأثير على الآخرين، بغض النظر عن كونها مشروعة أو غير مشروعة، ووفق منهج الغاية تبرر الوسيلة، على فرض أن الغاية الأهم هي بسط السيطرة والنفوذ على الدول وشعوبها وجعلهم أدوات تابعة لها ولسياستها دون أدنى مقاومة أو معارضة، ويؤخذ على التعريف ايضا انه لم ينه او يحظر استخدام القوة العسكرية الخشنة، وخير دليل على ذلك هي الحروب التي شنتها الولايات المتحدة بالمباشرة أو بالوكالة – طبقا لـ"الدليمى".
وعليه فإن هذه الحرب هي أقرب لاستخدام نظرية العصا والجزرة.
أهداف الحرب الناعمة:
تدور أهداف الحرب الناعمة حول محورين:
الأول: "توسيع مساحة وجاذبيّة الرموز الثقافيّة والتجاريّة والإعلاميّة والعلميّة للدولة وتقليص نفوذ منافسيها".
الثاني: "بسط النفوذ والسيطرة وتحسين وتلميع جاذبيّة الدولة وصورتها وتثبيت شرعيّة سياساتها الخارجيّة، ومصداقية تعاملاتها وسلوكيّاتها الدوليّة، وضرب سياسات أعدائها".
وبعض الدول تلجأ إلى الحرب الناعمة لتخريب المجتمعات، من خلال تأسيس قيم جديدة على حساب القيم والأعراف السائدة، فيندفع الأفراد إلى تصديقها وتنفيذها بشكل طبيعيّ، مما يؤدّي إلى تغيير سلوكهم تبعاً لها، وهكذا تتحول المجتمعات إلى أتباع بعد أن كانوا متحررين ومستقلين وأصحاب قرار.
موارد الحرب الناعمة :
إن من أهم مصادر القوة الناعمة هي كل أنواع الإنتاج الإعلامي والسينمائي، الطلبة والباحثين الأجانب الوافدين للدراسة في الجامعات والمؤسسات التعليمية، رجال الإعمال الاجانب والعاملين في قطاعات الأعمال المختلفة، شبكات الانتـرنت والمواقع الالكترونية المنتشرة في الفضاء السيبراني، وبرامج التبادل الثقافي الدولي والمؤتمرات الدولية، والشركات التجارية الكبرى العابرة للقارات، والرموز والعلامات التجارية المعروفة.
ومن خلال ذلك يمكننا القول بأن القوة الناعمة تنطبق على كافة المؤثرات والرموز الإعلامية والثقافية والتعليمية والبصرية والبحثية والتجارية والعلاقات العامة والدبلوماسية، وكل مورد لا يدخل ضمن القدرات العسكرية المصنفة كقوة خشنة أو صلبة.
الحرب الناعمة والحرب النفسيّة:
تقوم الحرب الناعمة بأساليبها المتنوعة على الاستمالة والإغواء والجذب، من دون أن تظهر للعيان، ومن دون أن تترك أية بصمات، في حين أن الحرب النفسية تقوم على إرغام العدو وتدمير إرادته ومعنوياته بصورة شبه مباشرة وعلنية.
الحرب الناعمة: تستهدف الجميع، وفي كل الأوقات، وبوسائل متنوعة جداً، دعائية ترغيبية وتقوم على الجذب.
أما الحرب النفسية: فتتجه لإضعاف الذاتية الشخصية والقدرة، على اعتبار أن أي تأثير أو أضعاف للحالة النفسية الذاتية والشخصية من شانه أضعاف الروح المعنوية فيسهل السيطرة.
أساليب وتكتيكات الحرب النفسية المعروفة تاريخيا، فنورد أمثلة عليها:
الدعاية ضد معتقدات الخصم، الإشاعات، بث الرعب، الخداع، افتعال الأزمات، أثارة القلق، إبراز التفوق المادي والتقني والعسكري، التقليل من قوة الخصم والعدو، التهديد والوعيد، الإغراء والإغواء والمناورات، الاستفادة من التناقضات والخلافات، الضغوطات الاقتصادية، إثارة مشاعر الأقليات القومية والدينية، الاغتيالات، تسريب معلومات عسكرية وأمنية وسياسية حساسة عن العدو في الصحافة، الإفصاح عن امتلاك نوعية خاصة من الأسلحة الفتاكة، وغيرها من الوسائل ذات الطابع العام العسكري أو شبه العسكري.
في حين تعتمد الحرب الناعمة على نفس الأهداف مع اختلاف التكتيكات التي أصبحت تكتيكات ناعمة، فبدلاً من تكتيكات التهديد تعتمد الحرب الناعمة على الجذب والإغواء عبر لعب دور المصلح والمنقذ، وتقديم النموذج الثقافي والسياسي، والادعاء باحترام حقوق الإنسان والديمقراطية وحريات التعبير وما شاكل من عناوين مضللة للعقول ومدغدغة للأحلام وملامسة للمشاعر.
ملحوظة: وفي التقيم والتشخيص نستنتج بعد المقارنة والمطابقة بين الحرب النفسية والحرب الناعمة انهما يسيران على خط واحد متوافقان في الأهداف، ويتعاكسان في الوسائل والأساليب.
كيفية مواجهة الحرب الناعمة:
الحرب الناعمة حالة تخريبيّة تقضي وقبل أيّ شيء آخر على قيم المجموعة؛ لذلك لا بد من النهوض للمواجهة، وبما أنّ أساليب الحرب الناعمة كثيرة ومتعددة، بالتالي لابدّ أن تكون أساليب المواجهة كثيرة ومتعددة أيضاً، وعليه فان أساليب المواجهة يتمثل في المحورين التاليين:
الأوّل: جذري يهدف الى التوعية اللازمة لحماية وتحصين الافراد والمجتمع.
والثاني: احترازي ودفاعي ويراد منه المحاولة دون تأثير الأساليب التي يستعملها العدو، وهذا الأمر يتطلب تتبّع مخطّطات العدوّ والكشف عنها، ومن ثم التفكير في طريقة الرد.
وبشكلٍ عام، فإنّ العامل الأساس والمشترك في هذه الأساليب هو العمل على توعية الافراد وتنمية ثقافاتهم وزيادة حرصهم، ولا معنى لمواجهة الحرب الناعمة دون هذا العامل، حيث ستكون كافة المحاولات عبثيّة لا فائدة منها.
الهواتف الذكية والحرب الناعمة:
تعد الهواتف الذكية من أهم وأنجح أسلحة الحرب المرنة لما تحتويها من تطبيقات مختلفة، وقابلية على تخطي الحدود الدولية بحجة العولمة والتواصل مع المجتمعات المختلفة بدون قيود وبدون حدود، فقد اخترقت هذه الأجهزة بقوة كلّ البيوت وغدت أهم وسيلة للاتصال والتسلية وبديلة عن العديد من الأجهزة السمعية والبصرية، فكان للاستخدام السيئ لهذه الأجهزة دور في تهديد العادات والأنماط السائدة في مجتمعاتنا من خلال التأثر بأنماط وعادات لا تمت لنا بأي صلة ابتداء من الملابس والموضات الرديئة وتسريحات الشعر الغريبة إلى آخر صرخات الخارجة عن العادات والتقاليد.
وكذا مكتبات الأفلام والمقاطع الاباحية َومواقع تعلم الاجرام التي أوحت لكثير من المجرمين بأساليب شيطانية مبتكرة لارتكاب أفعالاً اجرامية لم تكن معروفة لدى مجتمعاتنا من قبل، ولاسيما جرائم التشهير والإبتزاز الإلكتروني التي تمارس بشكل كبير ضد أفراد غرر بهم بطريقة وأخرى لارتكاب افعال محرمة ومجرمة، وإجبارهم على دفع مبالغ أو القيام بأعمال خاصة تحت التهديد بالفضيحة.
ناهيك عن دورها المباشر في تعريض العلاقات الأسرية للتصدع، نتيجة لأهمال الأبوين أو وقوعهما ضحايا للابتزاز أو اغواء، كما ساهمت ايضا في انتشار وتوسع مافيات وعصابات الجرائم المنظمة العابرة للحدود، مثل شبكات للإتجار في البشر والآثار فضلاً عن تجارة المخدرات وغسيل الأموال - وفي نهاية المطاف - لا يفوتنا أن نذكر بان من أكبر تطبيقات الحرب الناعمة ماحصل بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كان لهذه الحرب دور كبير في تفكك الإتحاد السوفيتي، والتأثير على شعوب دول الإتحاد فلم يطلق خلال هذه الحرب ولا رصاصة على دول الاتحاد.