منذ من 76 عامًا، نجحت العصابات الصهيونية فى احتلال الأراضى الفلسطينية، ونفذت إسرائيل مأسى إنسانية فى حق الشعب الفلسطينى، وارتكبت العديد من المجازر وقتلت ما يزيد عن 15 ألف فلسطينى، وهجرت أكثر من مليون فلسطينى من أصل 1.4 مليون كانوا يقيمون فى فلسطين التاريخية عام 1948، ما أدى إلى تشكيل "نكبة"، ولا يزال الاحتلال الإسرائيلى يمارس أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطينى منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، إذ ينفذ حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة المحاصر منذ السابع من أكتوبر 2023، التى أدت إلى استشهاد أكثر من 35 ألف فلسطينى ومنع الماء والغذاء والدواء عن سكان القطاع، وبعد أحداث السابع من أكتوبر، تعمل "تل أبيب" على إعادة إنتاج النكبة بنحو فاق النكبة الأولى عام 1948، من حيث مستويات التدمير والتهجير القسرى والقتل والإبادة الجماعية"، ورغم كل ذلك يظل موقف مصر ثابت وقوى في دعم قضيته الأولى "القضية الفلسطينية"، وفي مواجهة كل تل المحاولات الصهيونية.
على مدار 76 عاما، تغيرت فيها السياسات والحكومات والرؤساء، وتبدلت الظروف الداخلية والخارجية، واختلفت ملاحم العالم بأكمله، إلا أن القضة الفلسطينية ظلت وستظل هى قضة مصر الأولى، فمنذ عام 1948، ظل اهتمام وارتباط القاهرة بقضية الشعب الفلسطيني الشقيق ثابت وكبير، ولم تكن مجرد قضية، بل جزء أساسي من الأمن القومي المصري، وارتباط دائم بها تاريخيًا وجغرافيًا، إن شئت قل ارتباط الدم والقومية، وقد أعُلن فى أيام الحرب الأولى من عام 1948 مع الاحتلال الإسرائيلي مشاركة الجيش المصري فيها، للمساهمة في انقاذ فلسطين وشعبها والحفاظ على أراضيها من العصابات الصهيونية المهاجرة، إلى ما أطلقوا عليه "الأرض الجديدة" بعد وعد بلفور المشئوم فى عام 1917.
وتحملت مصر أعباء عسكرية وأمنية وسياسية ودبلوماسية واجتماعية، من أجل سلامة الشعب الفلسطينى والحرص التام على حمايته من الهجمات الإسرائيلية – الصهيونية على مدار تلك السنوات الكثيرة الماضية، ولم تتقاعس القاهرة عن ممارسة دورها تجاه القضية الفلسطينية فقد قدمت مصر أكثر من 100 ألف شهيد و200 ألف جريح خلال حروبها مع إسرائيل من أجل فلسطين.
الجيش المصرى يفدى فلسطين وشعبها وأرضها بأرواح جنوده
فى حرب 1948، قدم الجيش المصرى أرواح جنوده وأبنائه، لحماية فلسطين وشعبها والحفاظ على أرضها من قمع الصهاينة، وتدخلت القوات المسلحة المصرية لمساندة القضية ولمواجهة القوات الإسرائيلية المدعومة من الغرب والشرق، وتحمل العبء الأكبر فى الحرب وكانت خسائر مصر فى هذه الحرب آلافًا من الشهداء والجرحى.
ولأن مصر وجيشها وقفوا فى وجه الهجمات الإسرائيلية على أبناء الشعب الفلسطينى منذ حرب 48، كانت القاهرة هدفًا لعدوان إسرائيل مدعوم، فى 5 يونيو 1967، الذى غير الأوضاع فى الشرق الأوسط وأصبحت إسرائيل تحتل أرض فلسطين بأكملها بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من مصر وسوريا، وفى أكتوبر 1973 تمكنت مصر من فرض "النزاع العربى الإسرائيلي" على الساحة الدولية، واستعادة أراضها المحتلة من قبل القوات الإسرائيلية فى سيناء الحبيبة، وشددت على ضرورة إشراك الجانب الفلسطينى المتمثل فى "منظمة التحرير الفلسطينية"، فى مؤتمرات السلام لتسوية لتسوية النزاع فى الشرق الأوسط، حتى أن أصدر مجلس الأمن الدولى القرار رقم 338 الذى دعا إلى وقف إطلاق النار وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 وبدء المفاوضات بين الأطراف المعنية لإقامة السلام الشامل فى المنطقة، فى 22 أكتوبر عام 1973، فى تلك الفترة ركزت الدبلوماسية المصرية اهتمامها على تعزيز الحق الفلسطينى وتأمين قوة الدفع اللازمة لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى.
جهود دبلوماسية من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية
وعلى مدى عقود سعت مصر لدفع عملية السلام وحل القضية الفلسطينية، واتخذت السلام طريقا استراتيجيا للحفاظ على مقدرات وحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة، فى إطار مبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ووفقا للمبادرة العربية للسلام لعام 2002، ومقررات الشرعية الدولية بهذا الشأن.
وحرصت القيادة المصرية، على ايجاد سند قانونى لقيام دولة فلسطينية معترف بها من الأمم المتحدة، ففى عام 1962، دعمت مصر الإعلان الفلسطينى عن دستور فى قطاع غزة ونص الدستور على قيام سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية فى القطاع واتخذت الحكومة الفلسطينية مدينة غزة مقرًا لها ولسلطاتها الثلاث، وفى 1970 قبلت مصر مبادرة "روجرز" حيث تضمنت المبادرة ضرورة إحلال السلام فى المنطقة وإجراء مفاوضات تحت إشراف مبعوث الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق نهائى وكيفية تنفيذ القرار 242، بما فى ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها عام 1967 وإيجاد تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين مع تقرير وضع القدس والرتيبات المتعلقة بها، أيضا أصدرت الجمعية العامة نتيجة لمبادرة مصرية أول قرار لها ينص على حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير ونجحت فى التوصل إلى تنفيذ اقتراحها الخاص بتشكيل لجان للتحقيق فى الأوضاع بالأراضى المحتلة فأنشأت كل من منظمة العمل الدولية، واليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ولجنة حقوق الإنسان وهى لجان تحقيق ساعدت على تكوين رأى عام عالمى مؤيد لوجهة النظر العربية ومناهض لممارسات إسرائيل فى الأراضى المحتلة.
كما شاركت مصر فى التوقيع على اتفاق أوسلو فى سبتمبر 1993، الذى توصل إليه الجانب الفلسطينى وإسرائيل وأيدت المبادئ، حيث جاء بالاتفاق "أن هدف المفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية هو تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية منتخبة لمرحلة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات تؤدى إلى تسوية نهائية على أساس قرارات مجلس الآمن الدولي".
وفى سبتمبر عام 1993 أيضا شهدت مدينة طابا المصرية توقيع الاتفاق المرحلى لتوسيع الحكم الذاتى الفلسطينى ثم تم التوقيع بشكل نهائى فى واشنطن فى 28 سبتمبر 1995، وتطبيقًا لاتفاق طابا تم الانسحاب الإسرائيلى من المدن الكبرى فى الضفة الغربية وهى جنين، طولكرم، نابلس، بيت لحم ثم قلقيلية ورام الله، أما فى يناير 1997، ونتيجة للجهود المصرية تم التوقيع على اتفاق الخليل حول الإطار العام للترتيبات الأمنية فى مدينة الخليل والمراحل التالية من إعادة الانتشار.
مصر ترعى وتحل الانقسام الفلسطينى – الفلسطيني
منذ أن دب الخلاف بين الفلسطينيين والفصائل هناك فى عام 2002، وترعى مصر الحوار الفلسطينى – الفلسطينى، بهدف مساعدة هذه الفصائل على تحقيق الوفاق الفلسطينى، وذلك عبر جولات متكررة تستضيفها القاهرة، استهدفت تحقيق الوفاق الفلسطينى، لكن الأحداث التى شهدها قطاع غزة فى يونيو 2007، أدت إلى تكريس حالة الانقسام والخلاف بين قطاع غزة والضفة الغربية، ودخل ملف المصالحة الفلسطينية فى جمود شبه كامل خلال السنوات التالية، إلى أن أعادت القاهرة تفعيل هذا المسار فى أبريل 2011، واستضافت اجتماعا ضم ممثلين عن حركة فتح وحماس، تم خلاله الاتفاق على بنود وثيقة للوفاق الوطنى تم بحث آليات تنفيذها فى ديسمبر 2011، خلال اجتماع استضافته القاهرة أيضا للفصائل الفلسطينية، وقد استهدف مصر تحقيق الاهداف التالية خلال رعايتها هذه الحوارات: (ضرورة وضع برنامج سياسى موحد بين كل الفصائل ركيزته الأساسية تخويل السلطة الفلسطينية إجراء مفاوضات مع إسرائيل فى القضايا المصيرية - عدم قيام أى فصيل من الفصائل أو السلطة الفلسطينية بالخروج عن البرنامج السياسى الموحد أو الانفراد باتخاذ القرار- تدعيم السلطة الفلسطينية وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية).
دعم مالى وإنسانى من مصر إلى فلسطين
قدمت مصر وماتزال تقدم الدعم المالى والإنسانى، إلى فلسطين وشعبها، حيث كشفت التصريحات الصادرة من مسئولين مصريين فى السنوات الماضية عن الدعم المالى المقدم من القاهرة إلى فلسطين، حيث كشف وزير الخارجية المصرى فى عام 2007، السفير أحمد أبو الغيط، أنه تقديم 48 مليون دولار لدعم السلطة الفلسطينية بالإضافة إلى أكثر من 40 مليون دولار مساعدات إنسانية وبرامج تدريب، على مدار ست عقود ماضية.
أما فى 2008، أكدت مصر التزامها بمواصلة مساهمتها فى مد قطاع غزة بالكهرباء دون تأثر بالإجراءات الإسرائيلية، ومن جانبها قامت وزارة الكهرباء والطاقة بتركيب مكثفات للجهد على الخطوط الكهربائية الممتدة من رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية لزيادة قدرة التيار الكهربائى بمدن وقرى قطاع غزة المعزولة عن الشبكة لتلبية احتياجات الأشقاء الفلسطينيين وتخفيف عبء الحصار المفروض عليهم من إسرائيل خاصة فى مجال الكهرباء والطاقة، وأصدرت الرئاسة المصرية فى نفس العام توجيهات للحكومة بتقديم المعونات الغذائية بالتعاون مع الجمعيات والمنظمات الأهلية والمعنية الراغبة فى تقديم المساعدة والسماح للفلسطينيين بالدخول إلى الجانب المصرى لشراء احتياجاتهم من المواد الغذائية نظرا لنقص الغذاء فى قطاع غزة، وفتحت مصر معبر رفح البرى لعبور المواطنين الفلسطينيين فى الجانبين لمدة ثلاثة أيام خاصة من المرضى والمصابين والحالات الإنسانية والطلاب المقيمين بمصر والدول العربية، وأعادت تشغيل ميناء رفح البرى لإدخال المعتمرين والمرضى من قطاع غزة إلى مصر لمدة يومين.
كذلك فى 2029، عملت مصر على إعادة إعمار غزة وتوفير ممرات آمنة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ورفع المعاناة عن الفلسطينيين فيه ومع تولى الرئيس السيسى للحكم فى يونيو 2014، ظلت القضية الفلسطينية قضية محورية ومركزية لمصر، فبذلت مصر العديد من الجهود لوقف إطلاق النار لتجنب المزيد من العنف وحقن دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطينى، فضلا عن الجهود الإنسانية التى قدمتها مصر من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين والمساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطيني.
وفى عام 2021، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى بضرورة الإسراع فى الانتهاء من مراحل إعادة إعمار قطاع غزة فى محاولة لرفع الاعباء عن كاهل المواطن الفلسطينى، وواصلت اللجنة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة تحركاتها المكثفة لتسريع وتيرة العمل داخل القطاع.
وفى نهاية 2021، انتهت المرحلة الأولى من إعادة إعمار غزة، بإزالة الركام عقب دخول آليات مصرية وتم انجاز هذه المرحلة فى حوالى 65 يوم برفع 85 ألف متر مكعب من الركام، أما المرحلة الثانية شملت إطلاق ستة مشاريع منها تطوير الواجهة البحرية لكورنيش غزة حيث تم اسناد أعمال الطرق والبنية التحتية للمقاولين الفلسطينيين، بالإضافة لإنشاء تجمعات سكينية وهى دار مصر 1 ( مدينة الزهراء)، ودار مصر 2 ( جباليا)، ودار مصر 3 ( بيت لاهيا)، وتعهدت مصر بمنحة 500 مليون دولار لإعادة الإعمار بعد عدوان الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة عام 2021.
مصر تساند غزة فى مواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع أكتوبر 2023
ومنذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فى اليوم السابع من شهر أكتوبر 2023، أسست مصر خطوطا عريضة للعمل مع تلك الحرب التى يشنها جيش الاحتلال برا وبحرا وجوا، على الفلسطينيين العزل فى القطاع، واختارت التشاور مع كافة الأطراف المعنية بالصراع والعمل على إدخال المساعدات والماء والغذاء والدواء إلى الأشقاء فى القطاع المحاصر، ونظمت قمة "القاهرة للسلام" التى سارت على أسسها الدبلوماسية الدولية، فضلا عن جهودها التى أسفرت عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، لمدة زادت عن الأسبوع وتمكن الطرفين خلال تلك المدة من تبادل الأسرى والرهائن، وحذرت القاهرة مرارا وتكرارا، من إقبال قوات الاحتلال الإسرائيلية على اجتياح مدينة رفح الفلسطينية جنونى قطاع غزة.
وفى 2023، خصصت مصر مطار العريس الدولى، لاستقبال المساعدات التى ترغب الدول فى تقديمها للقطاع التى تحصره القوات الإسرائيلية، برا وبحرا وجوا، ودعت القاهرة جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الراغبة فى تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية إلى الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، تخفيفا عنه واستجابة لمعاناته نتيجة القصف الإسرائيلى العنيف والمتواصل، إلى إيصال تلك المساعدات إلى مطار العريش الدولى الذى تم تحديده من جانب السلطات المصرية لاستقبال المساعدات الإنسانية الدولية من الأطراف والمنظمات الدولية المختلفة، مع استمرار فتح معبر رفح البرى دون إغلاق، كما تواصل القوات المسلحة المصرية، عمليات الإنزال الجوى، للمساعدات الإنسانية من غذاء وماء ودواء، على قطاع غزة.