كشف المؤشر العالمى للفتوى (GFI) التابع لـ دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، أن فتاوى الركن الخامس من أركان الإسلام (الحج)، شكَّلت هذا العام ما نسبته (11%) من جملة الفتاوى المرصودة فى العالم، وهى تمثل فى الوقت نفسه (20%) من فتاوى العبادات، مشيرًا إلى أن أكثر من (25%) من تلك الفتاوى ارتبطت بالنساء وأدائهن مناسك الحج والعمرة.
ورصد مؤشر الفتوى أكثر من (500 فتوى) متنوعة المصادر والجنسيات واللغات خلال عام كامل، تعلَّقت تلك الفتاوى بأداء فريضة الحج، ومتابعة أداء المناسك، وذبح الأضاحي، وإجراءات السلامة حتى مغادرة الأراضى المقدسة.
"حكم الحج بإجراءات مخالفة".. بين فتوى هيئة كبار علماء السعودية وفتاوى دار الإفتاء المصرية
أكد مؤشر الفتوى أن هيئة كبار العلماء السعودية سارعت هذا العام بإصدار فتوى مفادها أن الالتزام باستخراج تصريح الحج مستند إلى ما تقرره الشريعة الإسلامية من التيسير على العباد، فى القيام بعبادتهم وشعائرهم ورفع الحرج عنهم، وبيَّنت أن الإلزام به جاء لتنظيم عدد الحجَّاج بما يمكِّن الجموع الكبيرة من أداء الشعيرة بسكينة وسلامة، وهذا مقصد شرعى صحيح تقرره أدلة وقواعد الشريعة، والتى جاءت بتحسين المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها.
وأضافت الهيئة أن الالتزام باستخراج تصاريح الحج يتفق والمصلحة المطلوبة شرعًا، حيث ترسم الجهات الحكومية المعنية بتنظيم الحج خطة الموسم بجوانبها المتعددة، الأمنية، والصحية، والإيواء والإعاشة، والخدمات الأخرى، وفق الأعداد المصرح لها، وكلما توافق معها عدد الحجاج كان ذلك محقّقًا لجودة خدماتهم، ويدفع مفاسد عظيمة من الافتراش الذى يعيق تنقلاتهم وتفويجهم، وتقليل مخاطر الازدحام والتدافع المؤدية للتهلكة.
ونوّهت الهيئة بأنها اطّلعت على الأضرار الكبيرة والمخاطر المتعددة حال عدم الالتزام باستخراج التصريح، مما يؤثر على سلامة الحجاج وصحتهم، مشيرة إلى أن الضرر المترتب على الحج دونه لا يقتصر على الحاج نفسه، وإنما يتعدى إلى غيره من الملتزمين بالنظام، ومن المقرر شرعًا أن الضرر المتعدى أعظم إثمًا من الضرر القاصر، وشددت الهيئة على أنه لا يجوز الذهاب للحج دون أخذ تلك التصاريح، مع الالتزام بالأنظمة والتعليمات التى صدرت للتمكين من أدائهم إياها بأمن ويسر وسكينة.
وفى السياق، أعلنت وزارة الداخلية السعودية تطبيق عقوبة مخالفى أنظمة وتعليمات الحج لمن يتم ضبطهم دون تصريح داخل مدينة مكة المكرمة والمنطقة المركزية والمشاعر المقدسة ومحطة قطار الحرمين، اعتبارًا من 02 يونيو 2024 وحتى 20 من الشهر نفسه.
وأكدت الوزارة تطبيق عقوبة الغرامة بقيمة 10 آلاف ريال سعودى على مخالفى أنظمة وتعليمات الحج دون تصريح بحق كل من يُضبط من المواطنين والمقيمين والزوار داخل النطاق الجغرافى ولا يوجد لديه تصريح حج، وترحيل المقيمين منهم لبلادهم والمنع من دخول السعودية وفقًا للمدد المحددة نظامًا.
فتاوى سابقة لـ"الإفتاء المصرية": تأشيرات الحج من القوانين التنظيمية المباح تشريعها لتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع
وقد رصد مؤشر الفتوى فتاوى سابقة لدار الإفتاء المصرية فى هذا الإطار، ما يُبرهن على أن لها نظرة استشرافية فى كل ما يخص أمر المسلم فى دينه ودنياه، ففى سؤال تلقته دار الإفتاء من شخص يقول ما حكم من يذهب لأداء فريضة الحج بموجب تأشيرة حج مزورة، أجاب الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، بأن تأشيرات الحجِّ من جملة القوانين التنظيمية المباح تشريعها لتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع، فيجب الالتزام بها، ويحرم تزويرها، فإن خالف بعضُ الأفراد فأدوا الحج بتأشيرات مُزورة عالمين بذلك فقد ارتكبوا إثمًا عند الله ومخالفةً دُنيويةً تستوجب العقوبة، مع صحة الحج.
وفى فتوى أخرى تقول: هل يصح الحج لمن يعمل بعقد عملٍ فى السعودية فى موسم الحج؟ أجاب الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، قائلًا إنه يوجد فرقٌ بين صحة الحج وجوازه؛ فإذا اكتملت أركان الحج وواجباته، فالحجُّ صحيحٌ يُسقِطُ الفرض أن كان حَجَّةَ الإسلام، ويُحسَب نفلًا أن لم يكن حجة الإسلام.
وأضاف أن جوازه شيءٌ آخر؛ فإذا كان عقد العمل مثلًا لا يَسمَح لك بالحج، فخالفتَ وحججتَ؛ فهذا إثمٌ؛ لمخالفة شرط العقد، وما يترتب على ذلك من الضرر الذى يلحق بك وبالآخرين، مع كون الحج صحيحًا إذا استوفى أركانه وشروطه.
وأخيرًا أجاب الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية عن فتوى يقول صاحبها: "هناك من تدفعهم الظروف الاقتصادية للتحايل على الإجراءات الرسمية لأداء فريضة الحج، مثل من يذهب بتأشيرة عمل أو زيارة .. هل تُقبل حجتهم؟"، وأجاب قائلًا: لا يجوز الحج متلبسًا بالكذب والتحايل، والذهاب لأداء الحج بتأشيرة عمل لا يُبطل الحج ويكون صحيحًا ولكن يكون صاحبه مرتكبًا فِعلًا مُحرَّمًا من ناحية الطريقة، أما قبوله فهو فى علم الله.
وحلل المؤشر من الناحية الشرعية الفتاوى الثلاث الخاصة بدار الإفتاء المصرية، مؤكدًا أنها اتسمت بالنظر الدقيق فى النصوص والتطبيق الصحيح للقواعد الشرعية وتحقيق المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، واضعة أمامها المآلات المترتبة على تلك المخالفات، فجاءت متسقة ومنضبطة علميًّا وعمليًّا؛ وأهم تلك المقاصد ما يلي:
حفظ الدين: فالحج ركن من أركان الإسلام، وأداؤه واجب على كل مسلم مستطيع، لذا سعت الفتاوى ورسّخت إلى تيسير أداء هذه الفريضة للمسلمين مع ضرورة الالتزام بالضوابط الشرعية والقوانين المنظمة.
حفظ النفس: فقد أكدت الفتاوى على ضرورة مراعاة سلامة وصحة الحجاج عند أداء مناسك الحج، وحثت على منع أى سلوكيات قد تُعرِّض حياتهم للخطر، مثل استخدام تأشيرات مزورة أو مخالفة شروط عقود العمل مما قد يؤدى إلى المخاطرة والتزاحم والتدافع الذى يعرض حياة الحجاج للخطر.
حفظ المال: حيث حذرت الفتاوى من مخاطر التحايل على الإجراءات الرسمية للحصول على تأشيرة حج، وتُشير إلى العقوبات المالية التى قد يتعرض لها المخالفون فيحصل بذلك ضياع المال فى غير منفعة بل تحصل به الأضرار والمخاطر.
حفظ العقل: حيث شددت الفتاوى على ضرورة الحفاظ على كرامة الإنسان المسلم وعدم تعريض نفسه للإهانة أو الاستغلال عند أداء فريضة الحج بتلك الطرق المخالفة.
تحقيق مصلحة الفرد والمجتمع: حيث أكدت الفتاوى على أهمية الالتزام بالقوانين والإجراءات الرسمية للحفاظ على النظام العام وصالح المجتمع؛ وهذه قيمة حضارية كبرى.
تعظيم شعائر الإسلام: يتجلى ذلك بيِّنًا بتشديد الفتاوى على ضرورة أداء مناسك الحج بالشكل الصحيح والمقنن، مع الابتعاد عن أى سلوكيات تُسيء إلى هذه الشعائر المقدسة.
تحقيق التقوى والخشوع: فقد وجهت الفتاوى الحجاج إلى الحرص على أداء فريضة الحج بِقلب خاشع ونفس مُقبلة على الله تعالى، بعيدًا عن أى غرض مادى أو دنيوي.
أبرز فتاوى الحج المرصودة فى العالم
وأشار مؤشر الفتاوى إلى أن أكثر الفتاوى المتعلقة بالركن الخامس من أركان الإسلام، والتى كثُر التساؤل حولها فى أكثر من دولة هذا العام، هي: هل الاقتراض للحج حلال أم حرام؟ وحكم الحج بالتقسيط، وهل يجبُ على الفرد الحجُّ بمجرد استطاعته أم يجوز له تأجيلُه؟ وحكم الحج عن الغير، وحكم الحج مع وجود وشم على الجسم، وحكم من يذهب لأداء فريضة الحج بإجازة مرضية، وحكم الحج والعمرة عن طريق المسابقات، وحكم بيان السن المعتبرة للأضاحى من الضأن، وحكم بيع وشراء تأشيرات الحج...إلخ.
وحول الفتاوى الخاصة بحج المرأة، والتى جاءت بنسبة (25%) من إجمالى فتاوى الحج هذا العام، فكان أكثرها اعتياديًّا ومكررًا، حكم سفر المرأة لأداء العمرة والحج بدون محرم (وهى الفتوى ذاتها التى تكررت نصًّا فى الكثير من الدول، مثل: مصر والمغرب وتونس والجزائر والإمارات واليمن وسوريا وسلطنة عمان والعراق وبريطانيا وإندونيسيا وغيرها) وحكم تحمل الرجل تكاليف حج زوجته، وملابس الإحرام للمرأة، وطهارة ثياب الحائض أثناء أداء المناسك، ومتى يجوز حج المرأة عن غيرها، وحكم استعمال الكريمات أثناء الإحرام.. إلخ.
"الشيخ روبوت" وتطبيقات هواتف وزيارات افتراضية.. مؤشر الفتوى يرصد تقنيات حج هذا العام
لا شك أن تعاليم الإسلام تجاوزت حدود الزمان والمكان، كما أن تعاليمه وأركانه قابلة للتطبيق فى عصر التكنولوجيا والخوارزميات والذكاء الاصطناعى بنفس الكفاءة والتأثير كما كانت قبل أكثر من ألف عام، وذلك وفق قواعد شرعية وأصولية لا تتنافى أبدًا مع الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية. ومع تقدم التكنولوجيا، يتعين على المؤسسات الدينية فهمها ومحاولة المشاركة فيها والاستفادة منها قدر الإمكان.
وفى هذا الإطار أجاب الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية بأن استخدام بعض تقنيات الذكاء الاصطناعى، كالميتافيرس ونحوها، فى استخدامها فى القيام بعمرة أو حج بشكل افتراضى دون السفر للأراضى المقدسة فى مكة، لا يجزئ، وذلك لأن العبادات التى تتطلب حضورًا بدنيًّا كالحج والعمرة لا يصلح معها استخدام أدوات الذكاء الاصطناعى لأن تحل محل الحضور البدنى فى الأراضى المقدسة، مشيرًا إلى مشروعية واستحباب استخدام هذه الأدوات فى رؤية الأماكن المقدسة، كما فى معارض أو متاحف السيرة النبوية، أو تعلُّم مناسك الحج والعمرة ونحو ذلك..
وحول أبرز الروبوتات أو تطبيقات الهواتف التى سيتم تفعيلها فى حج هذا العام، لفت مؤشر الفتوى إلى أن أبرزها: "الروبوت التوجيهي" والذى يُقدّم عدة خدمات أهمها: الرد على الاستفسارات الدينية المتعلقة بأداء المناسك، وذلك بالاستناد إلى أحدث الفتاوى الدينية المعتمدة، وكذلك يقدم شرحًا مبسطًا لمناسك الحج والعمرة باللغة العربية ولغات أخرى هي: الإنجليزية، والفرنسية، والروسية، والفارسية، والتركية، والملاوية، والأوردية، والصينية، والبنغالية، والهوساوية.
كما يُتيح الروبوت لزوار بيت الله الحرام التواصل مع العلماء والمشايخ عبر تقنية الاتصال المرئى، للحصول على فتاوى مباشرة حول المسائل الدينية التى تُشغل بالهم. وأضاف المؤشر أن روبوت "السوار الذكي" يوفر المعلومات عن الحاج وحالته الصحية أولًا بأول.
وتابع مؤشر الفتوى أن تطبيق "نسك" يعدُّ من أدوات الذكاء الاصطناعى التى أثرت إيجابًا على تجربة الحجاج والمعتمرين، حيث يوفر دليلًا شاملًا يحتوى على معلومات حول مناسك الحج والعمرة، والتوجيهات الدينية والشرعية المتعلقة بكل منهما، كما أن التطبيق يقلّل من الوقت والجهد الذى يحتاجه المستخدم للبحث عن المعلومات أو ترتيب الأمور، حيث يوفر كل ما يلزم بضغطة زر واحدة.
وأخيرًا، أوضح المؤشر أن تطبيق "توكيل" معنى بأداء العمرة والحج تيسيرًا على المرضى والعاجزين وكذلك المتوفين وغير ميسورى الحال، وهو يوفر إمكانية توثيق النسك أثناء أدائها ومشاركة الصور والفيديو مع الموكل، وقد أجاز مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية إنشاء التطبيق وتلقى الأموال مقابل خدمات أداء العمرة والحج بالإنابة.