لم يعد الأمن السيبراني مجرد خيار ترفيهي، بل أصبح ضرورة حتمية لمتطلبات الحياة الرقمية ففي ظل تصاعد الاعتماد علي التكنولوجيا في كافة مناحي الحياة، تتزايد التهديدات الإلكترونية التي تستهدف اختراق الأنظمة وسرقة البيانات، ولا تقتصر علي الأفراد والمؤسسات فقط بل تمتد لتشمل البنية التحتية لاسيما في ظل التحول الرقمي.
وفي هذا الصدد، اتخذت الحكومة المصرية العديد من الإجراءات في تعزيز الأمن السيبراني، باعتباره مكونا أساسيا في منظومة الأمن القومي المصري وذلك لحماية بيانات وأصول الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة بما يشمل النواحي التنظيمية والبشرية والمالية والتقنية والمعلوماتية، بما يسمح لها بمواصلة مهماتها، وتضمنت خطتها خلال الثلاث سنوات ( 2024-2027) رؤية متكاملة و برنامجا رئيسيا في هذا الصدد، ينثق عنه 6 برامج فرعية، تتمثل في تعزيز الأطر التنظيمية والتشريعية، وتعزيز جهود الرصد والاستجابة، وبناء دفاعات سيبرانية قوية، وتأهيل الكوادر البشرية، ورفع الوعي المجتمعي بمخاطر الأمن السيبراني، وتعزيز التعاون الدولي في مجال الأمن السيبراني.
ويأتي في مقدمة هذه الرؤية تعزيز الأطر التنظيمية والتشريعية، حيث تعمل الدولة المصرية على وضع الإطار التشريعي الملائم للأمن السيبراني ومكافحة الجرائم السيبرانية، وحماية الخصوصية، وأمن المعلومات، بالتعاون مع الأطراف المعنية وذوي الخبرة مع الاسترشاد بالتجارب الدولية المتميزة في الأمن السيبراني، وأبرز هذه الإجراءات تتمثل في إصدار قانون حرية تداول المعلومات مع مراعاة حق الدولة في حماية المعلومات وتنظيم ما يمكن نشره من عدمه، لا سيما فيما يتعلق بالأمن القومي المصري، واستكمال مراجعة الإطار القانوني في مجال السلامة الرقمية وأمن المعلومات، وإعداد خطط طوارئ لمواجهة الهجمات السيبرانية والتدريب على تفعيل تلك الخطط بشكل دوري، بالإضافة إلي العمل علي تحسين وضع مصر في مؤشر الأمن السيبراني العالمي الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات.
كما تعمل مصر، علي تعزيز جهود الرصد والاستجابة حيث شرعت الدولة من خلال المركز الوطني للاستعداد لطوارئ الحاسب والشبكات" التابع لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتوفير نظام للإنذار المبكر ضد البرمجيات الخبيثة والهجمات الإلكترونية التي تنتشر بنطاق واسع ضد البنية التحتية الحيوية للمعلومات المصرية، من خلال إنشاء نظام وطني للأمن السيبراني ومراكز استجابة للطوارئ.
ويشير البرنامج الحكومي، إلي أبرز الإجراءات المستهدفة في هذا الصدد، ومنها تعزيز جهود استجابة المركز الوطني للاستعداد لطوارئ الحاسبات والشبكات في القطاعات الحيوية على المستوى الوطني، والعمل على توفير بنية تحتية رقمية مستدامة لمواكبة متطلبات السلامة السيبرانية طبقا للمواصفات العالمية، لا سيما في القطاعات الحيوية كالدفاع، والصحة، والتعليم والمعاملات المالية، وتعزيز أمن البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ونظم وقواعد البيانات والمعلومات القومية وبوابات الخدمات القومية وبوابات الخدمات الحكومية، بالإضافة إلي تعزيز دور أنظمة الإنذار المبكر والتدخل السريع لرصد المخاطر والمتابعة الدورية للهجمات السيبرانية، وإنشاء حاضنات للمشروعات الصغيرة في مجال الأمن السيبراني لتقديم الدعم الفني والإداري والتسويقي والمادي لضمان استمرارية الأعمال ورفع كفاءتها، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في مجال الأمن السيبراني.
وفي إطار الاستراتيجية القومية للأمن السيبراني، تسعى الدولة لبناء دفاعات سيبرانية قوية ومواجهة المخاطر السيبرانية وتعزيز الثقة في البنى التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في شتى القطاعات الحيوية وتأمينها من أجل تحقيق بيئة رقمية آمنة وموثوقة ينتج عنها شبكة سيبرانية دفاعية، ومن أبرز الإجراءات المستهدفة تتمثل في إطلاق مبادرة لرفع مستويات الأمن السيبراني لكبرى الشركات العاملة في الاقتصاد المصري، ودعم دور القطاع الخاص في إنشاء وتطوير موقع لرفع مستوى الأمن السيبراني للشركات الصغيرة.
ومن خلال البرنامج الفرعي الرابع، تستكمل الدولة تأهيل الكوادر البشرية، في إطار الاهتمام الكبير بتعزيز إمكانات مصر لتحقيق أعلى مستويات أمن المعلومات، وزيادة قدراتها على مواجهة الهجمات السيبرانية، وذلك من خلال الاستثمار في رأس المال البشري وتأهيل وتدريب الكوادر البشرية، وتتمثل أبرز الإجراءات المستهدفة في تنمية الكوادر البشرية ونقل الخبرات اللازمة لتفعيل منظومة الأمن السيبراني في مختلف القطاعات بالتنسيق مع المجلس الأعلى للأمن السيبراني، إعداد وتدريب المتخصصين في إنفاذ القانون في الجهات القضائية والشرطية لضمان الاستجابة المثلى لقضايا الأمن السيبراني.
كما تستهدف الحكومة، رفع الوعي المجتمعي بمخاطر الأمن السيبراني، تولي الحكومة المصرية أهمية قصوى للتوعية المجتمعية بمزايا ومخاطر الأمن السيبراني، وذلك من خلال عقد العديد من الندوات والمؤتمرات على مستوى الجمهورية، ومخاطبة مختلف المستويات بدءًا من المستوى القيادي وحتى الأطفال وطلاب المدارس، وتتمثل أبرز الإجراءات في إنشاء منصة للتوعية بمخاطر الأمن السيبراني لرفع وعي المستخدمين والمسؤولين بالمخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة، ونشر المعلومات اللازمة للتعامل مع المخاطر السيبرانية التي قد يتعرض لها المواطنين، تدشين مبادرات وطنية تتضمن حملات توعوية.
أيضا تستهدف الحكومة في برنامجها تعزيز التعاون الدولي في مجال الأمن السيبراني، توسيع شراكتها الدولية في الأمن السيبراني، ولا سيما مع حدوث زيادة في معدلات الهجمات السيبرانية التي أصبحت تتسم بالتعقيد والتنوع، ويمكن بلورة أبرز الإجراءات المستهدفة من خلال تعزيز التعاون الدولي من أجل منع الجرائم السيبرانية واكتشافها والتحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها، بالإضافة إلى بناء قدرات سيبرانية قوية ومرنة في مصر والمنطقة العربية والإفريقية والعالم، تعزيز دور مصر في طرح مبادرات حول حظر الهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحيوية وسبل تحقيق الأمن السيبراني على المستويين الإقليمي والدولي، استضافة المؤتمرات الإقليمية والدولية المعنية بمكافحة الإرهاب السيبراني، تعزيز التعاون مع الدول الصديقة والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة، من خلال تبادل الخبرات وتنسيق المواقف في مجال أمن الفضاء السيبراني ومكافحة الجرائم السيبرانية.