ربما لا يدرك الكثيرون التداعيات الخطيرة التي تخلفها الحروب على الدول، ليس فقط على الصعيد العسكري، وإنما تمتد أثارها السلبية إلى البنية التحتية، فضلا عن الجوانب الاقتصادية حيث تؤدي الحروب إلى انخفاض وتراجع في معدلات الإنتاج في الدولة الناشب بها الحرب أو الصراع، لكن تمتد التأثيرات أيضا إلى دول الجوار بسبب اضطراب سلاسل الإمداد وتوقف حركة الطيران وتراجع القطاع السياحي، فالنمو الاقتصادي بكل تأكيد يحتاج إلى مناخ من الاستقرار، ولنا في الحرب الروسية الأوكرانية مثالا فقد أخلفت دمارًا هائلًا على جميع الأصعدة، خاصةً الاقتصادية لم تعاني منه كلّ من روسيا وأوكرانيا فقط، وإنما تأثرت به دول العالم بأسره، حيث تسببت الحرب في ارتفاع أسعار الطاقة، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل في جميعِ أنحاء العالم، وارتفاع معدلات التضخم التي نعانى منه حتى اليوم.
واليوم ومع التصاعد الخطير الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، بين إسرائيل من جانب وإيران وحلفائها بالمنقطة من جانب آخر، أصبح العالم على شفا انهيار اقتصادي جديد سيدفع ثمنه الاقتصادات الناشئة والتي تبحث عن فرصة للنمو رغم التحديات الإقليمية والدولية، ومن بينها الاقتصاد المصري، وهو ما أكد عليه تقرير سابق للبنك الدولي، قال فيه إن التوترات المستمرة في الشرق الأوسط تهدد بوقف - أو حتى تقويض - بعض جوانب التقدم المحرز مؤخرا في معالجة التضخم العالمي، وأن تصاعد التوترات في المنطقة بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تسببت في ارتفاع أسعار النفط، وهو ما يُشكل ضغوطا تصاعدية على أسعار السلع الأساسية، فضلا عن تفاقم التضخم العالمي.
وهو ما توافق عليه أيضا عدد من السياسيين وخبراء الاقتصاد ، الذين أكدون أن هذه الحرب سيكون له تأثيرات غير متوقعة على العالم باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج لها مساهمات كبيرة في سوق النفط والغاز الطبيعي العالمي.
الاقتصاد المصري أكثر المتضررين من التوترات الإقليمية
وفي هذا السياق أكد النائب ياسر عُمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن التوترات الإقليمية الجارية على الساحة سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي وليس فقط دول المنطقة، محذرا من مغبة تطور التصعيد وصوله إلى حرب إقليمية ، مشيرا إلى أن أسواق النفط شهدت ارتفاعات كبيرة خلال الساعات الماضية ليتخطي سعر البرميل 80 دولار قابلة للزيادة في حال حدوث تطورات أو عمليات عسكرية جديدة.
وقال "عمر" في تصريح خاص، إن الحرب الروسية الأوكرانية كان لها تأثير سلبي على جميع دول العالم، فماذا لو كانت الحرب في منطقة الشرق الأوسط؟! مؤكدا أن أي صراع جديد في المنطقة سيكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد المصري حتى لو لم تكن أحد أطراف هذه الحرب، قائلا:" الجميع سيتضرر من الحرب بدرجات متفاوتة فالأمر سيمثل ضربة عنيفة للاقتصادي العالمي والمصري."
وأشار وكيل لجنة الخطة بمجلس النواب، إلى أن الحرب ستكلف الموازنة المصرية أعباء إضافية خاصة أن استمرار التوتر أو إندلاع حرب سيؤدي إلى تراجع حركة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، ومن ثم مزيد من الأضرار وتراجع مستمر في إيرادات قناة السويس، داعيا دول العالم لاحتواء الصراع الحالي ومنع تطوره وأن يقتصر على ضربات محدودة تنتهى بإعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والبحث عن مسار سياسي للتعامل مع الصراعات القائمة.
تحذيرات من اتساع رقعة الصراع بالشرق الأوسط
وفي ذات الصدد حذر الدكتور أيمن محسب، وكيل لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب، من التصعيد الخطير الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط وتزايد سياسة الاغتيالات وانتهاك سيادة الدول الأخرى وتأجيج الصراع فى المنطقة ، بات يهدد باتساع رقعة الصراع بعد انزلاق قوى إقليمية في الحرب الدائرة الآن من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة ليصبح العالم على أعتاب حرب شاملة.
وأوضح "محسب"، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لديه رغبة في استمرار هذا التصعيد والحرب على قطاع غزة من أجل إطالة أمد محاكمته الداخلية على خلفية قضايا الفساد، وهو مؤشر واضح إلى غياب الإرادة السياسية الإسرائيلية للتهدئة، الأمر الذي يقود العالم إلى الهاوية، مثمنا الجهود المصرية المبذولة رغم التصعيد الحالي من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وضمان مسار أمن لنفاذ المساعدات الإنسانية للتخفيف من التدهور الإنساني الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني المحاصر في القطاع.
وأكد عضو مجلس النواب، على ضرورة تحكيم العقل والحيلولة دون خروج الأوضاع الأمنية فى المنطقة عن السيطرة، ووضع حد لسياسة حافة الهاوية، وذلك من خلال تدخل قوى دولية وإقليمية فاعلة من أجل احتواء الموقف الحالي ووقف إطلاق النار في غزة في أقرب وقت ممكن، مشددا على أن الحرب لم تُلقى بتداعياتها السلبية على الشرق الأوسط فقط وإنما ستمتد آثارها إلى جميع دول العالم، وسيدفع العالم كله ثمن التلاعب بمقدرات المنطقة، وتحويلها لساحة صراع دولي.
وأشار النائب أيمن محسب، إلى أن التصعيد الحالي حذرت منه مصر مرارا وتكرارا لما له من تبعات كارثية على المنطقة بأكملها، منوها عن أن الخطوة الأولى في سبيل إنهاء هذا التصعيد هو إعلان وقف العدوان على غزة واحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني من جانب دولة الاحتلال، وبدء مسار جديد لحل القضية الفلسطينية من خلال اللجوء لمائدة المفاوضات، وعبر الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
العالم سيدفع فاتورة ضخمة للحروب والتوترات في الشرق الأوسط
ومن جانبه حذر المهندس حازم الجندي، عضو مجلس الشيوخ، وعضو الهيئة العليا بحزب الوفد، من مغبة تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل لما له تداعيات سلبية وخيمة على أمن واستقرار الشرق الأوسط، فضلا عن تداعياته السلبية الاقتصاد العالمي بشكل عام، واقتصاد الشرق الأوسط ، مشيرا إلى أن تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران وأنصارها بالمنطقة سيؤدي إلى تعطل سلاسل الإمداد العالمية.
وقال "الجندي"، إن الدولة المصرية حذرت على مدار الشهور الماضية من استمرار عمليات التصعيد، محذرة من مغبة سياسة الاغتيالات وانتهاك سيادة الدول الأخرى وتأجيج الصراع في المنطقة، مشيرا إلى الساعات الماضية شهدت ارتفاعا كبيرا في أسعار النفط في التعاملات الآسيوية بعد زيادة الطلب في ظل مخاوف من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، أو اندلاع حرب شاملة بالمنطقة، منوها عن أن إيران تمتلك 10% من احتياطي النفط في العالم و18% من احتياطي الغاز الطبيعي.
وأضاف عضو مجلس الشيوخ، أن منطقة الشرق الأوسط تحظى بأهمية كبيرة في تأمين إمدادات الطاقة العالمية حيث تُعد منطقة الخليج أهم منتج للطاقة في العالم، وتحتوي مجتمعة على 48% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة، فضلا عن إنتاج إيران نحو 3.2 ملايين برميل نفط يوميًا، حيث تحتل المرتبة التاسعة بين أكبر منتجي النفط الخام في العالم، الأمر الذي بات يهدد استقرار سوق الطاقة في العالم، وهو ما يتطلب تحرك دولى جاد من أجل السيطرة على هذا التصعيد الذي سيصيب العالم بخسائر فادحة.
وأكد النائب حازم الجندي، أن اندلاع حرب واسعة في الشرق الأوسط سيكون له تداعيات سلبية أيضا على قطاعات السياحة والطيران، باعتبارهما من القطاعات المتضررة من تزايد التوترات الجيوسياسية، مشيرا إلى أنه بمجرد إعلان إيران عن القيام بعمليات عسكرية تجاه إسرائيل أعلنت عدد من الدول إلغاء رحلاتها وإغلاق مجالها الجوي، مشددا على أن العالم يدفع فاتورة ضخمة لهذه التوترات والحروب والتي تؤدي إلى أضرار كبيرة بالاقتصاديات الناشئة.
التوترات الإقليمية تؤثر على موارد الدولة المصرية من النقد الأجنبي
ومن ناحيته قال الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن سيناريو الحرب الشاملة سيكون هو الأسوأ للاقتصاد العالمي و اقتصاد الدولة المصرية، فالدولة المصرية جزء من العالم، ومن الطبيعي أن تؤثر فيه وتتأثر بما يحدث به، وفي ظل ما فرضته العولمة بمفهومها الشامل والتي وضعت العالم كله في سلة واحدة، مما جعل الأثر ممتد سواء توترات جيوسياسية أو صراعات عسكرية أو أية أزمات سواء كانت أاقتصادية أو مالية أو صحية مثل ما حدث في سنوات سابقة في مصر ودول العالم.
وأشار "عادل"، في تصريح خاص، إلى أنه على الرغم مما تتمتع به الدولة المصرية من موقع لوجيستي متميز إلا أنها تقع في إقليم ملتهب بالصراعات والحروب شمالاً وشرقاً وجنوباً وغرباً، وجميعها أحداث وصراعات بطبيعة أطرافها وأحداثها قادرة أن تؤثر على أي اقتصاد مهما كانت قوته، فالأزمات العالمية السابقة أطاحت باقتصاديات دول كبرى والأمثلة على ذلك ليست ببعيدة، والاقتصاد العالمي لازال في مرحلة التعافي ولم يفيق من تأثير أخر الأزمات عليه.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أن تأثيرات الحرب و الأوضاع المضطربة في الفترة الحالية من المؤكد أنها ستؤثر على اتجاهات المستثمرين ومعدلات الاستثمار، فالجميع يترقب والجميع ينتظر ما تؤول إليه الأوضاع، ولكن في، منوها عن أن الذهب هو الملاذ الآمن ويحظى باهتمام المستثمرين، فقد ساهمت الأحداث الأخيرة وخلال أسبوع واحد في زيادة الاتجاه نحو الذهب وهو ما أدى لارتفاع أسعاره عالمياً، خاصة بعد خروج العديد من المستثمرين من البورصات العالمية ، ومن المتوقع تجاوز سعر الأونصة الـ3 آلاف دولار مع نهاية العام الحالي، وذلك أيضًا في ظل اتجاه الفيدرالي الأمريكي نحو خفض التضخم، وبالتالي ارتفاع الأسعار العالمية للذهب يتبعها ارتفاعه محلياً.
وشدد على أن التوترات الموجودة في المنطقة تؤثر على موارد الدولة المصرية من النقد الأجنبي سواء على إبرادات قناة السويس نظراً لتأثر البحر الأحمر والممرات الملاحية ذات الصلة ، وكذلك قطاع السياحة لاحتمالية تعطل حركة الطيران أو تخوف المسافرين أو تحذيرات الدول لرعاياها من السفر لدولة في منطقة صراعات ، ومن المتوقع أيضاً انخفاض تحويلات المصرين بالخارج حال تأثر اقتصادات الدول العاملين بها ، وكذلك تأثر الاستثمارات في أدوات الدين الحكومي والمعروفة بالأموال الساخنة، ومن ثم فمن المتوقع ارتفاع أسعار العملة الأجنبية مقابل الجنيه المصرية خلا ل الفترة المقبلة.
كما أن مسار أسعار النفط عالمياً غير مستقر، وهو شديد الحساسية والتأثر بالأحداث العالمية، وذلك نتيجة زيادة الطلب عليه بسبب الصراعات العالمية، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعاره مما يترتب عليه ارتفاعات جديدة في السلع الأساسية والاستراتيجية، ومن ثم ارتفاعات في معدل التضخم ومزيد من الضغط على موارد الدولة من النقد الأجنبي، مع احتمالية تعطل سلاسل الإمداد والتوريد.
واختتم الدكتور كريم عادل: العالم بوجه عام والاقتصاد العالمي بوجه خاص في خطر شديد يتضاعف أثره نتيجة عدم القدرة على التعافي من الأزمات العالمية الأخيرة، مما ينبىء بأن الأوضاع الفترة القادمة ستكون أكثر سلباً على الاقتصاد والمواطن في مصر والعالم.
التوترات ستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمي بسبب التوترات الإقليمية
وفي ذات الصدد، قال الدكتور مصطفي أبوزيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن التوترات الأخيرة والتصعيد الخطير فى الشرق الأوسط سيكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي والمصري، مشيرا إلى أن انزلاق المنطقة في حرب إقليمية سيكون هناك تأثيرات مباشرة على أسعار النفط والسلع والمنتجات مما سيكون له تأثير على ارتفاع معدل التضخم العالمي والتي تجاهد البنوك المركزية فى السيطرة عليه ووضعه على مسار نزولي.
وأضاف "أبوزيد"، في تصريح خاص، أنه الحرب ستؤدى بكل تأكيد إلى عدم انتظام حركة سلاسل الإمداد في البحر الأحمر والذى بدوره ينعكس بالسلب على اتخاذ مسارات بديلة أطول في المسافة وأكثر تكلفة وخطورة مما يساهم في استهلاك وقود أكثر وارتفاع في تكلفة التأمين على السفن إلى جانب ارتفاع فى تكلفة الشحن مما يساهم في ارتفاع أسعار البضائع المحملة على تلك السفن، منوها عن أن التوتر فى الشرق الأوسط سيكون له تأثير مباشر على أسواق المال العالمية فقد شهدت البورصة الأمريكية خسائر بمليارات الدولارات.
وفيما يتعلق بالاقتصاد المصري، أكد الخبير الاقتصادي أن مصر ستكون أحد المتضررين من هذه الحرب، موضحا أن هذا التوتر سيكون له تداعيات سلبية على حركة المرور بقناة السويس والتي بالفعل متأثرة منذ بداية الأحداث وحتى الآن، حيث تراجعت إيراداتها إلى ٢٠٠ مليون شهريا مقابل ٨٠٠ مليون شهريا قبل الأحداث، بالإضافة إلى التأثير على حركة الطيران وبالتالي التأثير على قطاع السياحة، إلى جانب الضغوط على الموازنة العامة للدولة فيما يتعلق إمكانية خروج جزء من استثمارات الاجانب في اذون الخزانة والتي بلغت ٣٢ مليار دولار مما قد يسبب نقص فى توافر السيولة الدولارية فى الاقتصاد المصري.