أصدرت محكمة النقض – حكما فريدا من نوعه – يتعرض لإشكالية "الحمل المستكن"، وإمكانية التعويض لوفاة الجنين الذى لا يزال في بطن أمه، رسخت خلاله لـ5 مبادئ قضائية، والعدول عن المبدأ بعدم الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصاب مورث الحمل المستكن قبل الولادة، قالت في الطعن المقيد برقم 7064 لسنة 83 قضائية: "1-التزام محكمة الموضوع عند تقدير عناصر التعويض بإدخال ما ضاع على الوالد المضرور من إنهاء حالة حمل زوجته المتوفاة قبل الأوان بسبب خطأ المسئول والآثار المترتبة على ذلك .
2- سبب ذلك التعجيل بإنهاء الحمل قبل الأوان، يكون مؤداه تحقق الأضرار الحالة والمستقبلية التي يتعين جبرها بالقضاء بالتعويض للوالد أو الوالدة عن فقدان هذا الحمل قبل ولادته سواء كان تعويضا ماديا أو أدبيا .
3- الآثار المترتبة عليه التزام المحكمة بتقدير التعويض الجابر للأضرار التي لحقت بالوالد نتيجة حرمانه من طفله هو علة ذلك .
4-التعويض عن الضرر الأدبي، وانتقاله إلى الغير شرطه هو الاتفاق على تحديده أو مطالبة الدائن به أمام القضاء .
5-عدم ادعاء الورثة بوجود اتفاق على تحديد التعويض الأدبي وعدم مطالبة مورثهم به أمام القضاء قبل وفاته يكون أثره عدم انتقاله إليهم وعدم جواز مطالبتهم به .
معنى الحمل المستكن
أما مسألة "الحمل المستكن" فهى مرحلة بدء التكوين بعد حدوث التلقيح والاستقرار فيه، حتى يبلغ الأسبوع الثامن من عمره في بطن أمه، فإن بلغ الأسبوع الـ8 يسمى حملًا، وأمكانية أن تحمل المرأة ويدوم حملها عدة سنوات وليس 9 أشهروقد كان هناك اراء فقهية شاذة كون أن الحمل من الممكن أن يدوم لأكثر من 3 سنوات، وقد حسم ابن حزم الخلاف: حيث قال : "لا يجوز أن يكون الحمل أكثر من تسعة أشهر، ولا أقل من ستة أشهر، لقول الله تعالى : وحملُهُ وفِصالُهُ ثلاثونَ شهراً، وقوله تعالى : والوالدات يُرْضِعْنَ أولادَهُنَّ حولَيْنِ كاملينِ لِمَنْ أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ، فمن ادعى حملاً وفصالاً في أكثر من ثلاثين شهراً فقد قال بالباطل والمُحال، وردّ كلامَ اللهِ عزَّ وجلَّ جهاراً" – الكلام لـ"البدوى".
ثم قال رحمه الله تعالى عن الأخبار التي تروى عن نساء حملن لعدة سنين: "وكلُّ هذه أخبارٌ مكذوبةٌ راجعةٌ إلى مَنْ لا يَصْدق ولا يُعرف من هو، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا"، والعلم يعرف كلمة الجنين ولا يعرف أو يعترف بما يسمى "الحمل المستكن" أو مدة الحمل التى تتعدى 10 شهور فما بالك بحمل السنتين والأربع، والمفروض بداهة أن يتبعه القانون ولا يحاول مجاملة الفقهاء على حساب العلم.
الوقائع.. نزاع قضائى بشأن التعويض عن "الحمل المستكن"
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم من الأول وحتى الرابعة أقاموا الدعوى رقم 25 لسنة 2011 مدني محكمة بنها الابتدائية على الشركة الطاعنة والمطعون ضده الخامس بطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بمبلغ 150000 جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية والموروثة التي حاقت بهم نتيجة وفاة مورثتهم وجنينها في حادث سيارة مؤمن عليها لدى الشركة الطاعنة قضي بإدانة قائدها بحكم جنائي بات، ثم تدخلت "...." انضماميا للمطعون ضدهم من الأول وحتى الرابعة .
وفى تلك الأثناء - حكمت المحكمة بإلزام الشركة الطاعنة والمطعون ضده الخامس بالتضامن بالتعويض الذي قدرته، ثم استأنف المطعون ضدهم من الأول حتى الرابعة الحكم بالاستئناف لسنة 45 ق طنطا "مأمورية بنها"، كما استأنفته الشركة الطاعنة بالاستئناف رقم 3 لسنة 45 أمام ذات المحكمة، ثم ضمت المحكمة الاستئنافين، وبتاريخ 25 مارس 2013 قضت المحكمة في الاستئناف الأول بتعديل التعويض المقضي به إلى المبلغ الذي قدرته عن الأضرار المادية والأدبية وتأييده بخصوص التعويض عن الضرر الموروث، وفي الاستئناف الثاني برفضه وتأييد الحكم المستأنف .
المحكمة تقضى بتعويض لوفاة الجنين يقدر بـ150 ألف جنيه
إلا أن الشركة طعنت في هذا الحكم بطريق النقض، واستندت مذكرة الطعن على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن الطعن أقيم على 3 أسباب تنعي الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه حين قضى بإلزامها بأداء التعويض المطعون ضده الأول عن تفويت الفرصة بخصوص وفاة الجنين داخل أحشاء زوجته رغم أن محكمة أول درجة كانت قد أغفلت الفصل في هذا الطلب، مما كان يتعين عليها الرجوع إليها للفصل فيه وفقا للمادة 193 من قانون المرافعات ويجب على المحكمة الاستئنافية ألا تعرض للفصل فيه، مما يعيب حكمها المطعون فيه ويستوجب نقضه .
الشركة تطعن على الحكم لإلغاءه
المحكمة في حيثيات الحكم ردت على تلك الأسباب والدفوع بقولها: وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن النص في المادة 232 من قانون المرافعات أن الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط، يدل على أن الاستئناف ينقل الدعوى إلى محكمة الدرجة الثانية في حدود الطلبات والدفوع التي فصلت فيها محكمة أول درجة وما أقيمت عليه تلك الطلبات من أسباب سواء ما تعرضت له وما لم تتعرض له منها وذلك طالما أن مبديها لم يتنازل عن التمسك بها .
وبحسب "المحكمة": لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن محكمة أول درجة قد عرضت في مدونات حكمها للتعويض عن الضرر المادي المطالب به ورفضت القضاء به، وتضمنت أسباب استئناف المضرورين النعي على حكم أول درجة برفضه القضاء بالتعويض عن الضرر المادي بشقيه سواء ما كان راجعا إلى وفاة الزوجة وفقد الجنين لإنهاء الحمل قبل أوانه، وهو ما عرضت المحكمة المطعون في حكمها له إعمالا للأثر الناقل للاستئناف، وفصلت فيه وقضي للمطعون ضده بالتعويض عن قوات الفرصة على سند من استحقاقه لهذا النوع من التعويض فإنه يكون قد فصل في الاستئناف في نطاق ما هو مطروح عليه .
مذكرة الطعن تستند على عدة أسباب لإلغاء الحكم
ووفقا لـ"المحكمة": وما فصلت فيه محكمة أول درجة بخصوص هذا التعويض عن الضرر المادي بشقيه عن 4 الضرر المرتد عن وفاة الزوجة ومن الفرصة الفائتة لفقده الحمل المستكن، وإذ كان التعويض عن فوات هذه الفرصة يدخل في عموم الضرر المادي فهو فرع الأصل، ومن ثم فلا وجه للقول بأن محكمة أول درجة قد أغفلت الفصل في هذا الطلب وأنه باقيا أمامها، ولا محل لتضرر الطاعنة من قضاء الحكم المطعون فيه بالتعويض المادي عن الفرصة الفائتة، فقد تعرض للفصل فيما عرض على محكمة أول درجة وقضي فيه بما ارتأه، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون على غير أساس .
وتنعي الشركة الطاعنة بالسبب الثاني من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه إذ قضي بإلزامها بأن تؤدي للمطعون ضده الأول مبلغ 20000 جنيه كتعويض مادي عن الفرصة الفائتة للحمل المستكن على الرغم من أن الحمل المستكن لم تثبت له الحياة داخل أحشاء والدته ولم تتوفر شروط القضاء بالتعويض المادي بما يعيبه ويستوجب نقضه.
محكمة النقض ترسى 5 مبادئ قضائية بشأن الحمل المستكن
وردت المحكمة على هذا الدفع بقولها: وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن للمحكمة أن تدخل في عناصر التعويض ما ضاع على الوالد المضرور من إنهاء حالة حمل زوجته المتوفاة قبل الأوان بسبب خطأ المسئول وما يترتب على ذلك من آثار، فقد كان يأمل بقاء الحمل لنهاية مدته وولادته طفلا حيا، ولا شك أن التعجيل بإنهاء الحمل قبل الأوان يتحقق به الأضرار الحالة والمستقبلية التي يتعين جبرها بالقضاء بالتعويض للوالد أو الوالدة عن فقدان هذا الحمل قبل ولادته سواء كان تعويضا ماديا أو أدبيا، ولا يغير من ذلك وفاة الأم الحامل وبقاء الجنين في أحشائها لوفاتها نتيجة الخطأ الذي ارتكبه المسئول، إذ يتحقق الضرر سواء أسقط الجنين أو بقي ميتا في رحمها لوفاتها، ومن ثم فإن للمحكمة أن تقدر التعويض الجابر للأضرار التي حاقت بالوالد نتيجة حرمانه من أن يكون هذا الحمل طفلا، ولا يسوغ القول بعدم جواز التعويض عن ما فات على الوالد من فرصة ولادته هذا الحمل في نهاية مدته.
وتضيف "المحكمة": إذ إن تفويت هذه الفرصة على الوالد بغير حق عنصر من عناصر الضرر الذي يجب النظر إليه في تعويضه عن فقده الحمل بسبب العمل غير المشروع، لأن الفرصة إذا كانت أمرا محتملا فإن تفويتها أمر محقق يجيز للمضرور أن يطالب بالتعويض عنها، ولا يمنع القانون من أن يدخل عناصر التعويض ما كان للمضرور يأمل الحصول عليه من كسب من جراء تحقق هذه الفرصة، ما دام هذا الأمل قائما على أسباب مقبولة، ولا يغير من ذلك ما تتحدى به الشركة الطاعنة من أنه لا يصح القضاء بالتعويض المادي للمطعون ضده الأول عن فقده الحمل المستكن الذي كان وقت الحادث جنينا في أحشاء والدته المتوفاة في هذا الحادث ولم تثبت له الحياة وأن ثبوتها قبل ولادته أمرا احتماليا لا يبنى عليه التعويض، إذ إن هذا غير صحيح.
النقض: يستحق الوالد أو الوالدة التعويض عن فقدان "الجنين" قبل ولادته
واستطردت: فالثابت من الأوراق أن الجنين في شهره الرابع وقد بثت فيه الحياة والقول باحتمال ثبوت الحياة له أمرا احتماليا محله أن يكون الجنين باقيا حيا في بطن أمه ولم يتسبب الفعل الضار عن إنهاء حالة الحمل قبل الأوان، كما أن فرصة ولادة الجنين في نهاية مدة الحمل وأن يكون طفلا أمرا قائما والإفادة من هذه الفرصة لها ما يبررها ، ومن ثم فإن قضاء الحكم المطعون فيه بالتعويض المادي للمطعون ضده الأول عن فقده الحمل المستكن يكون له ما يبرره في صحيح القانون، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه بالقضاء للمطعون ضده بالتعويض فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، والنعي عليه في هذا الخصوص قائما على غير أساس .
والشركة الطاعنة تنعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، إذ تمسكت أمام محكمة الموضوع بانتفاء شروط القضاء بالتعويض عن الضرر الأدبي الذي طلبه ورثة المرحوم "...." المطعون ضدهم رابعا لحصول وفاته في نفس وقت وفاة المجني عليها "...." فلا يقضي لهم بالتعويض عن الضرر الذي أصابه شخصيا من وفاته غير أن الحكم المطعون فيه قد أطرح هذا الدفاع الجوهري وقضي لهم بالتعويض الأدبي، مما يعيبه ويستوجب نقضه .
إشكالية الاتفاق على تحديد التعويض بين الورثة
وردت المحكمة على هذا الدفع بقولها: وحيث إن هذا النعي في أساسه سديد، إذ إن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن التعويض من الضرر الأدبي لا ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضي اتفاق أو طالب الدائن به أمام القضاء، وإذ كان ورثة المرحوم "...." لم يدعوا بوجود اتفاق على تحديد هذا التعويض، كما أن مورثهم لم يطالب به أمام القضاء قبل وفاته، فإنه لا ينتقل إلى ورثته، ومن ثم فلا يجوز لهم المطالبة به .
لما كان ذلك - وكان الحكم المطعون فيه رغم انتفاء شروط القضاء بالتعويض الأدبي للمطعون ضدهم سالفي الذكر لعدم ثبوت قيام اتفاق على تحديد هذ التعويض وحصول وفاة مورثهم في حادث السيارة التي توفيت فيها المجني عليها "..." بما لا يتصور معه مطالبة الشركة الطاعنة بالتعويض الأدبي قبل وفاته قضي لهم بالتعويض عن الضرر الأدبي بمبلغ عشرة آلاف جنيه على ما ذهب إليه من أنه المبلغ الذي كان سيقضي به لو كان حيا، فإنه يكون معيبا بما يوجب نقضه في هذا الخصوص، وحيث إن الموضوع فيما نقض من الحكم المطعون فيه صالح للفصل فيه، فإنه يتعين إلغائه فيما قضى به من تعويض أدبي للمطعون ضدهم رابعا.