مع سقوط نظام الأسد ودخول الفصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام دمشق بعد 13 عاما على بدء الحرب الأهلية في سوريا، فسح المجال للقوات الإسرائيلية بالتوغل والسيطرة على منطقة عازلة أقيمت بعد حرب العام 1973، ثم التوسع إلى الجانب السوري من جبل الشيخ الاستراتيجي المطل على دمشق، حيث سيطر الجيش الإسرائيلي على موقع عسكري سوري مهجور. ولكن ما أهمية هذا الموقع؟ ولماذا احتلته إسرائيل قائلة إنها باقية فيه "لحين التوصل لترتيب مختلف"؟.
وقام نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال يوم الثلاثاء الماضي بزيارة إلى سفح جبل الشيخ للاستماع إلى شرح العسكريين الإسرائيليين بشأن العمليات الجارية هناك مصحوبا بقادة للجيش ومسؤولين أمنيين، لإجراء "تقييم من أجل اتخاذ قرار بشأن نشر جيش الدفاع الإسرائيلي في هذا الموقع المهم لحين التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل".
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين يصفون هذه الخطوة بأنها محدودة وإجراء مؤقت لضمان أمن حدود الدولة العبرية، يبقى أنهم لم يشيروا إلى موعد محدد محتمل لانسحاب القوات، بل أمر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الجيش الأسبوع الماضي بالاستعداد للمكوث في جبل الشيخ خلال فصل الشتاء.
ومن جهتها، نددت دول عربية عدة، على رأسها مصر، حيث عبّرت مصر عن إدانتها قرار الحكومة الإسرائيلية بالتوسع الاستيطاني في هضبة الجولان، قائلة إنه يمثل "انتهاكًا صارخًا لسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها".
وأضاف بيان لوزارة الخارجية ، أن "مصر تعتبر الخطط الإسرائيلية للتوسع في الاستيطان داخل أراضي الجولان السورية المحتلة المخالفة للقانون الدولي، إصرارًا على فرض سياسة الأمر الواقع، وتعكس مجددًا افتقاد إسرائيل للرغبة في تحقيق السلام العادل بالمنطقة ومواصلة التوسع في الاستيلاء على أراضٍ عربية وتغيير الوضع الديموغرافي للأراضي التي تحتلها".
وطالبت مصر الأطراف الدولية الفاعلة ومجلس الأمن بالاضطلاع بمسؤولياتهم في رفض تلك الانتهاكات للسيادة السورية ووضع حد للاستيطان الإسرائيلي".
كما أعربت وزارة الخارجية السعودية في بيان عن "إدانة المملكة العربية السعودية واستنكارها قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالتوسع في الاستيطان في الجولان المحتل، ومواصلتها لتخريب فرص استعادة سوريا لأمنها واستقرارها"، مؤكدة "ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وأن الجولان أرض عربية سورية محتلة".
وبدورها، نددت قطر والأردن والإمارات بـ"الانتهاك السافر للقانون الدولي" بعد مصادقة الحكومة الإسرائيلية على خطة لتوسيع مستوطناتها في هضبة الجولان المحتلة التي دعت إلى "التضامن لمواجهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي الانتهازية".
الجولان وأهميته
تقع مرتفعات الجولان في منطقة بجنوب غربي سوريا، وشمال وادي نهر اليرموك تحديدا، وغرب نهر الأعرج ووادي نهر الرقاد على الحدود مع محافظة درعا السورية، وعلى شرق نهر الأردن وبحيرة طبريا، ويحدها جبل الشيخ على الحدود اللبنانية. مساحة الهضبة لا تزيد عن 1860 كيلومترا مربعا، وتبلغ مسافتها من الشمال إلى الجنوب 71 كيلومترا ومن الشرق إلى الغرب نحو 43 كيلومترا عند أوسع نقطة فيها. ومرتفعات الجولان غنية بالمجاري والجداول المائية وتمثل ثلث المياه المستهلكة في إسرائيل، وفق ما أفاد سيباستيان بوسوا المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بالمرصد الجيوستراتيجي بجنيف.
هذا، ويضم جبل الشيخ الواقع في الجانب السوري من المنطقة العازلة حيث تنتشر قوات الأمم المتحدة، عدة قمم لمرتفعات الجولان، وتفوق أعلاها الـ2800 متر. ما يسمح بمراقبة الحدود الشمالية الأردنية والإسرائيلية. كما أنه يطل على الأراضي اللبنانية وهو على بضع كيلومترات من العاصمة السورية دمشق.
إدانات برلمانية
بدوره أدان الدكتور أيمن محسب، وكيل لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب، التوغل الإسرائيلي داخل المنطقة العازلة مع سوريا، وسلسلة المواقع المجاورة لها بكل من جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، الأمر الذي يخالف اتفاقية فك الاشتباك الموقعة بين دمشق وتل أبيب عام 1974، فضلا عن انتهاك قرارات مجلس الأمن أرقام (242)، و(338) و(497).
ودعا "محسب"، الأمم المتحدة لممارسة الدور المنوط بها في التصدي للانتهاكات الإسرائيلية، خاصة مع استمرار الغارات الإسرائيلية المستمرة على عدد من المواقع المدنية والعسكرية السورية، في اعتداء صريح على سيادة دولة، وخرقاً للقانون الدولي، ، مؤكدا على ضرورة وجود موقف عربي ودولي موحد تجاه الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها ومؤسساتها في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد.
ودعا عضو مجلس النواب، المجتمع الدولة بإلزام إسرائيل بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، لا سيما قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981، التي تُلزم فيها إسرائيل بالانسحاب من الجولان السوري المحتل، فضلا عن اتخاذ إجراءات فورية وفاعلة لوقف التدابير والممارسات الرامية إلى تغيير الطابع العمراني والتركيبة الديموغرافية والوضع القانوني للجولان.
وشدد النائب أيمن محسب، على أن الممارسات الإسرائيلية لا تُشكل تهديد للشرق الأوسط فقط، وإنما تهديد صريح للسلم والأمن الدوليين، داعيا السوريين إلى إعلاء مفاهيم التسامح والحوار وصون حقوق جميع مكونات المجتمع السوري ووضع مصلحة الوطن فوق كل شيء، والتحلي بالمسؤولية حفاظاً على الأرواح والمقدرات، والعمل على استكمال عملية الانتقال السياسي على نحو سلمي وشامل وآمن.
فيما قال أشرف أبو الهول، مدير تحرير "الأهرام"، إنه بعد السابع من أكتوبر كانت إسرائيل تدعي أنها ترد على قصف مستوطناتها من الأراضي السورية، أو تهريب سلاح واستيعاب لعناصر حزب الله، إلا أنها بعد سقوط النظام السوري دخلت الدبابات الإسرائيلية جبل الشيخ في سوريا بعد تحريره في حرب أكتوبر 1973.
أضاف أبو الهول، في مداخلة هاتفية لقناة "القاهرة الإخبارية"، أن إسرائيل دخلت منطقة فض الاشتباك التي كان لا يوجد بها قوات إسرائيلية وسورية على الجانبين، وهي منطقة يمكن البناء عليها في أي مفاوضات مقبلة، إلا أن إسرائيل ألغت الاتفاق ودخلت المنطقة، بالتالي أي مفاوضات مستقبلية لحل الصراع بين سوريا وإسرائيل ستكون أشد وتحتاج مجهود أكبر، لأن إسرائيل لن تستغني بسهولة عن تواجدها في المنطقة أو تنسحب من الجولان.
وتابع أشرف أبو الهول، أن نتنياهو سيعتبر أن ما قام به في سوريا نصر يضاف إلى انتصاراته ومحاولاته لمحو أثر هجوم السابع من أكتوبر على مستوطنات الغلاف من جانب حماس، حيث إنه يريد أن يقول بشكل غير مباشر إنه نفذ تهديداته بتغيير وجه الشرق الأوسط، وأن ما يسمى بمحور الممانعة يتفكك الآن.