في خطوة هامة نحو تطوير النظام الصحي في مصر، تواصل لجنة الصحة بمجلس النواب جهودها لمناقشة مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي يهدف إلى تنظيم المسؤوليات القانونية للأطباء والممارسين الصحيين وحماية حقوق المرضى.. هذا القانون الذي لطالما كان مطلبًا أساسيًا للفريق الطبي، يثير تساؤلات عدة حول توازن المسؤوليات، العقوبات، والحماية القانونية لكافة الأطراف المعنية.
في هذا السياق، كان لنا لقاء مع الدكتور أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، الذي استعرض جوانب هذا المشروع، وتحدياته، وأهمية إقراره في المرحلة الحالية لضمان تقديم رعاية طبية آمنة وفعالة.
خلال هذا الحوار، يناقش الدكتور حاتم تفاصيل مواد قانون المسؤولية الطبية، والمراحل التي مر بها، والصعوبات القانونية التي تم التغلب عليها، بالإضافة إلى التأكيد على دور اللجنة في تحقيق التوازن بين حقوق المرضى والطواقم الطبية، وما هو الجديد بهذا القانون.
الفكرة الرئيسية لهذا القانون تكمن في ضرورة وجود إطار قانوني واضح يحدد المسؤوليات في المجال الطبي ويحمي حقوق المرضى والطواقم الطبية في نفس الوقت، هذا القانون هو مطلب ملح من الفريق الصحي في مصر منذ سنوات عديدة، نرى أن العديد من الدول المجاورة مثل السعودية والإمارات والأردن وليبيا قد تبنت قوانين مماثلة لتنظيم المسؤولية الطبية، وبما أن لدينا في مصر تاريخ طويل في الطب، مثل مستشفى القصر العيني الذي سيصل إلى مائتي عام في 2027، فإن وجود قانون ينظم المسؤولية الطبية أصبح ضرورة ملحة.
قبل وجود هذا القانون، كان الفريق الطبي يلجأ إلى قانون الإجراءات الجنائية العادي في حال حدوث أي خطأ طبي، هذا يعني أن الطبيب كان يخضع للتحقيق أمام جهات التحقيق مثل النيابة أو المحكمة، ويُطبق عليه نفس القوانين الجنائية مثل أي شخص آخر ارتكب جريمة، لكن هذا كان يشكل نوعًا من الظلم للفريق الطبي، لأنهم في النهاية يؤدون واجبهم المهني وليس جريمة، الأخطاء الطبية يمكن أن تحدث في أي مجال، لكنها ليست متعمدة أو جرمية، كان هذا يعني تحميل الأطباء عبئًا قانونيًا كبيرًا في ظل غياب إطار قانوني خاص بهم.
لجنة الصحة بذلت جهودًا كبيرة على مدار السنوات الماضية لصياغة قانون المسؤولية الطبية، ولكن كانت تواجهنا بعض التحديات القانونية والدستورية. بعض المواد كانت تحتوي على شبهة عدم قانونية أو دستورية، مما تسبب في تعثر التقدم في العديد من المرات. في عام 2018، بعد إقرار الدستور الجديد في 2014، قدم النائب مجدي مرشد مشروع قانون للمسؤولية الطبية، ولكن هذا المشروع توقف نتيجة تعارضه مع بعض المسائل القانونية التي كانت تواجهنا من قبل وزارة العدل وبعض الجهات القضائية الأخرى.
نعم، كانت هناك تحديات كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق ببعض المواد القانونية التي كان يشوبها شبهة عدم الدستورية أو عدم توافقها مع القوانين الأخرى، في عام 2018، بعد الدستور الجديد في 2014، تم تقديم مشروع قانون للمسؤولية الطبية من قبل النائب مجدي مرشد، وتمت مناقشته في لجنة الصحة، لكن المشروع توقف في النهاية بسبب مشاكل مع القانونيين في الحكومة، سواء من وزارة العدل أو الجهات القضائية الأخرى. ورغم هذه التحديات، نحن استمرت المحاولات لإيجاد صيغة قانونية مناسبة تحمي حقوق الجميع.
في عام 2021، كان لدينا ثلاثة مشاريع قوانين تقدم بها مجموعة من الزملاء في مجلس النواب، مثل النائبة إيناس عبد الحليم والدكتور أيمن أبو العلا والنائبة نسرين عمر، هذه المشاريع كانت تركز على دراسة التشريعات الموجودة في الدول المجاورة ومحاولة تقديم مشروع قانون يتناسب مع الوضع المصري، بعد ذلك، تم تحويل هذه المشاريع إلى لجنة الصحة، وقمنا بدراستها بعناية، في البداية، كانت هناك بعض التعارضات القانونية والدستورية التي كانت تعيق تقدم العمل على هذه المشاريع، لكن استمرت المناقشات لتعديلها.
نعم، بالفعل خلال هذه المحاولات، كان هناك تعاون مستمر مع مقدمي المشاريع السابقة، حيث عملنا معًا لإيجاد صيغة توافقية في عام 2022، قدمنا مشروع قانون موحد باسم لجنة الصحة، وهو المشروع الذي تم التوافق عليه بعد دراسة التعديلات المختلفة بين مشاريع القوانين السابقة، هذا المشروع كان يعتبر الأساس الذي عملنا عليه، وقمنا بعقد جلسات استماع مع الفريق الصحي وجميع النقابات المعنية، بالإضافة إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان وبعض الخبراء من الجامعات، كان الهدف هو التأكد من توافق المشروع مع جميع الأطراف المعنية.
إقرار هذا القانون في الفترة الحالية له أهمية بالغة، أولًا، سيضمن حقوق المرضى ويحدد المسؤوليات بشكل دقيق، ثانيًا، سيحمي الفريق الطبي من القضايا القانونية التي قد تكون غير عادلة في حالة حدوث أخطاء غير مقصودة، كما سيسهم هذا القانون في تحسين بيئة العمل للمؤسسات الطبية، ويعزز الثقة بين الأطباء والمرضى في النهاية، نهدف إلى إنشاء بيئة قانونية تحفظ حقوق جميع الأطراف وتضمن تقديم الرعاية الطبية بأعلى مستوى من الأمان.
الحكومة قررت أن تقوم بإعداد مشروع قانون خاص بها، وهو المشروع الذي تقدمت به بعد أن أخذت في الاعتبار ملاحظات بعض النقابات الطبية والمجتمع الطبي بشكل عام، تم إعداد مسودة مشروع قانون من قبل وزارة العدل، وتم إرسالها إلى العديد من الجهات المعنية، لكن بعض الجهات رفضت هذه المسودة ،حيث كانت هناك اختلافات كبيرة بينها وبين المشروع الذي كنا نعمل عليه، بعد ذلك، قامت الحكومة بتعديل مشروعها وأرسلته إلى مجلس النواب.
كان هناك جدل كبير حول التعريفات الخاصة بالخطأ الطبي، كان لابد من التفرقة بين "المضاعفات الطبية" التي تحدث بشكل طبيعي نتيجة للمرض، و"الخطأ الطبي المهني" الذي يكون ناتجًا عن خطأ غير مقصود من الطبيب المؤهل للقيام بالإجراء الطبي ويعمل بعد حصوله على ترخيص والمنشأة التي يعمل بها مهيئة لذلك، وأيضًا "الخطأ الطبي الجسيم" الذي يشمل الأخطاء التي تحدث عندما يتعامل الطبيب مع مرض في تخصص آخر أو نتيجة لتصرفات غير قانونية، تحديد هذه التعريفات بدقة كان أمرًا بالغ الأهمية لتوضيح المسؤوليات والعقوبات المرتبطة بكل حالة.
في حال حدوث خطأ طبي، سيتم تشكيل "لجنة عليا للمسؤولية الطبية" تابعة لمجلس الوزراء تضم خبراء من مختلف التخصصات الطبية بالإضافة إلى الطب الشرعي ووزارة العدل هذه اللجنة هي التي ستحدد ما إذا كان الأمر يتعلق بمضاعفات طبية، خطأ طبي مهني، أو خطأ طبي جسيم إذا تم إثبات وجود خطأ طبي مهني، فالعقوبة ستكون غالبًا غرامة مالية، بينما الخطأ الجسيم يستوجب عقوبة أشد، ولا توجد عقوبات سالبة للحرية في حالة الخطأ المهني.
لا يوجد حبس احتياطي في هذه القضايا، خاصةً في حالات الخطأ الطبي المهني وهو ما يعزز حماية الفريق الطبي ويضمن له الفرصة لأداء عمله في بيئة قانونية واضحة، و إذا تم تقديم شكوى ضد الطبيب، سيتم إجراء التحقيقات اللازمة، لكن الطبيب سيظل في عمله لحين صدور قرار اللجنة الفنية في طبيعة الخطأ الطبي الذى حدث.
اللجنة الفنية أو "بيت الخبرة الفني" هي المسؤولة عن تقديم تقرير فني حول الشكوى التي تقدم بها المريض، وهي اللجنة التي ستحدد ما إذا كانت المشكلة ناتجة عن خطأ طبي، مضاعفات، أو إذا كان الخطأ جسيمًا، يشمل ذلك تحديد نسبة الخطأ وتقسيم المسؤولية بين الأطباء المعنيين، سواء كان الجراح أو أطباء التخدير أو أي أعضاء آخرين في الفريق الطبي، وتم التأكيد على التقرير يصدر بحد أقصى خلال شهر 30 يوما.
تم إقرار في مشروع القانون وجود صندوق تأمينى سواء بالقطاع الحكومى أو الخاص للتعويضات الخاصة بالأخطاء الطبية بالنسبة للقطاع الخاص، سيكون هناك نظام تأمين طبي إلزامي لجميع العاملين في المجال الطبي، سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة، في حالة حدوث خطأ طبي، سيقوم صندوق التأمين الحكومي بتغطية التعويضات، لكن في القطاع الخاص قد تكون هناك تفاهمات خاصة بين المستشفى والعاملين بشأن التغطية التأمينية.
لأول مرة هناك نصوص في القانون تعاقب على الاعتداءات التي قد يتعرض لها الفريق الطبي أثناء تأديته لعمله، سواء كان الاعتداء ماديًا أو لفظيًا، فالعقوبات ستكون شديدة وقد تصل إلى الحبس أو غرامات مالية أيضًا، القانون يعترف بضرورة حماية المنشآت الطبية من أي تدمير أو اعتداء في القطاع الحكومى ولأول مرة بالقطاع الخاص أيضا.
القانون الحالي يحاول ضمان حماية عادلة للفريق الطبي ويضع معايير واضحة للتعريف بالخطأ الطبي والمضاعفات الطبية، نميز بين "المضاعفات الطبية" التي تحدث بشكل طبيعي نتيجة للمرض، و"الخطأ الطبي المهني" الذي قد يحدث رغم التأهيل الطبي، وأيضًا "الخطأ الطبي الجسيم" الذي يحدث نتيجة لإهمال أو تجاوز التخصص. كما أننا أضفنا لجنة فنية متخصصة لتحديد نوعية الخطأ الطبي، وهو ما لم يكن موجودًا في المشاريع السابقة.
نعم، هذا القانون يحقق توازنًا جيدًا، في حالة الخطأ الطبي، يتم التعامل مع القضايا بنهج قانوني عادل، حيث يمكن للطبيب أو المريض الاستئناف إذا كانوا غير راضين عن القرار من خلال لجنة فنيه خماسية من الخبراء كما أن هناك صندوقًا للتأمين يغطي الأضرار في حال حدوث خطأ طبي، وهو أمر مهم لتوفير الأمان للممارسين الصحيين.
نحن نضمن حماية الفريق الصحي من الاعتداءات المادية أو اللفظية أثناء تأديتهم لواجباتهم كما أضفنا عقوبات شديدة على الاعتداءات على العاملين في المجال الطبي، سواء في المنشآت الحكومية أو الخاصة، وهذا يعتبر إنجازًا مهمًا.
نعم، القانون يشمل مدونة للسلوك المهني التي تحدد ما هو مسموح به وما هو غير مسموح به، مثل ضرورة وجود ترخيص لممارسة الطب، والعمل في التخصصات المناسبة، والحصول على موافقة مستنيرة من المريض قبل أي إجراء طبي، أو افشاء اسرار المريض، كل هذه الأمور تم التأكيد عليها في النصوص القانونية لضمان ممارسة الطب بشكل مهني وآمن.
ولا يجوز تصوير المريض الا بعد الحصول على موافقة كتابية من المريض، وفى حاله تقديم شكوى بذلك سيكون هناك عقوبات على ذلك كغرامات مالية أو قد تصل إلى الحبس فالعقوبة تحدد على حسب الجرم المرتكب
أعتقد أننا نجحنا في تحقيق قانون عادل ومتوازن في معظم جوانبه، كان لدينا حلم طويل الأمد لحماية الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، وهذه خطوة كبيرة في هذا الاتجاه هناك بعض التحديات، لكننا متفائلون بأنه سيحدث تغيير إيجابي في النظام الصحي في مصر، وراضى عن هذا القانون وما وصلنا له بنسبة أكثر من 90%، وندعو جميع نواب الشعب لمشاركتنا في المناقشات حول مشروع القانون وارسال أي مقترحات يرونها في صالح الجميع.
نعم، بالتأكيد. عندما يشعر الأطباء بالحماية القانونية والعدالة في التعامل معهم، فإنهم سيعملون بشكل أفضل وأكثر أمانًا، وهو ما سينعكس في نهاية المطاف على خدمة المرضى.