مع عودته الرسمية إلى البيت الأبيض، يبدأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب في إعادة تشكيل سياسات الطاقة العالمية، مستخدماً استراتيجية تقوم على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي لتعزيز مكانة الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للغاز الطبيعي المسال، وهو ما يجعل الدول الأوروبية تستعد لزيادة استخدام الطاقة النظيفة لمواجهة هذه التهديدات.
وأشار تقرير نشرته صحيفة الإكونوميستا الإسبانية إن الاتحاد الأوروبى بالفعل وصل لنسبة قياسية من استهلاك الكهرباء من الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الآخرى ، والتى وصلت إلى 47%، مشيرا إلى أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الكهرباء في الاتحاد الأوروبي لا تنبعث منها غازات تؤدي إلى الاحتباس الحراري في الهواء مع 24% أخرى من الكهرباء في الكتلة تأتي من الطاقة النووية، حسبما وجد تقرير صادر عن مركز أبحاث الطاقة المناخية إمبر.
وأشار التقرير إلى أن هذا أعلى بكثير مما هو عليه في دول مثل الولايات المتحدة والصين، حيث لا يزال ما يقرب من ثلثي طاقتها يتم إنتاجه من الوقود الأحفوري الملوث للكربون مثل الفحم والنفط والغاز، حوالي 21% من الكهرباء في الولايات المتحدة تأتي من مصادر متجددة.
ويقول الخبراء إن تخفيضات الوقود الأحفوري فى أوروبا شجعتهم، خاصة وأن الولايات المتحدة تبدو مستعدة لزيادة انبعاثاتها حيث تعهد رئيسها الجديد بأسعار أرخص للغاز، وأوقفت عقود إيجار مشاريع طاقة الرياح وتعهدت بإلغاء حوافز عهد بايدن للسيارات الكهربائية.
وقال كريس روسلو، خبير الطاقة في شركة إمبر إن الوقود الأحفوري يفقد سيطرته على طاقة الاتحاد الأوروبي، وفي عام 2024، ولدت الطاقة الشمسية 11% من كهرباء الاتحاد الأوروبي، متجاوزة الفحم الذي انخفض إلى أقل من 10% للمرة الأولى. ولدت طاقة الرياح النظيفة كميات من الكهرباء أكبر من الغاز للسنة الثانية على التوالي.
مواجهة تهديدات ترامب
وأبرز التحديات التى تجعل أوروبا تلجأ إلى الطاقة النظيفة فى الوقت الحالى هو تخفيف صادرتها من النفط ، فى الوقت الذى يتعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على معظم الواردات إن لم يكن كلها، وقال إن أوروبا ستدفع ثمنا باهظا لأن لديها فائضا تجاريا كبيرا مع الولايات المتحدة لعقود من الزمن، ووفقا لبيانات الحكومة الأميركية، يشتري الاتحاد الأوروبي بالفعل الجزء الأكبر من صادرات النفط والغاز الأمريكية، ولا تتوفر حاليا أي كميات إضافية ما لم ترفع الولايات المتحدة من إنتاجها أو تعيد توجيه الكميات من آسيا، المستهلك الكبير الآخر لمنتجات الطاقة الأمريكية.
وقال ترامب : أخبرت الاتحاد الأوروبي أنه يجب عليهم تعويض عجزهم الهائل مع الولايات المتحدة من خلال الشراء على نطاق واسع من النفط والغاز ،فيما قالت المفوضية الأوروبية إنها مستعدة لتناقش مع الرئيس المنتخب كيفية تعزيز العلاقة القوية بالفعل، بما يشمل قطاع الطاقة.
السياسات الخضراء والحروب تدفع نمو الطاقة النظيفة
أحد أسباب تحرك التحول إلى الطاقة النظيفة في أوروبا بوتيرة سريعة هو الصفقة الخضراء الأوروبية، وهي سياسة طموحة تم إقرارها في عام 2019 ومهدت الطريق لتحديث قوانين المناخ. ونتيجة لهذا الاتفاق، جعل الاتحاد الأوروبي أهدافه أكثر طموحا، بهدف خفض 55% من الانبعاثات في المنطقة بحلول نهاية العقد، وتهدف السياسة أيضًا إلى جعل أوروبا محايدة مناخيا ، مما يقلل كمية الانبعاثات الإضافية في الهواء إلى الصفر تقريبا، بحلول عام 2050.
لقد تم إقرار المئات من اللوائح والتوجيهات في الدول الأوروبية لتحفيز الاستثمار في الطاقة النظيفة والحد من التلوث الكربوني أو هي في طور التصديق عليها في جميع أنحاء أوروبا.
وقال روسلو "في بداية الصفقة، كانت مصادر الطاقة المتجددة تمثل الثلث، وكان الوقود الأحفوري يمثل 39% من الكهرباء في أوروبا، والآن تولد الحفريات 29% فقط، وكانت الرياح والطاقة الشمسية تقود التحول إلى الطاقة النظيفة، وظلت كمية الكهرباء المولدة من الطاقة النووية مستقرة نسبيا في الكتلة.
كما كان الحرب فى أوكرانيا سبباً في تحفيز التوجه نحو الطاقة النظيفة في أوروبا، وارتفعت أسعار الغاز بشكل مبالغ فيه ، حيث أصبح قسم كبير من الغاز الأوروبي القادم من روسيا غير قابل للاستمرار ـ مما اضطر البلدان إلى البحث عن بدائل أرخص وأكثر نظافة. وشهدت البرتغال وهولندا وإستونيا أعلى زيادة في الطاقة النظيفة في السنوات الخمس الماضية.
وساعد التحول إلى الطاقة النظيفة أوروبا على تجنب ما قيمته أكثر من 61 مليار دولار من واردات الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء منذ عام 2019.