الإثنين، 03 فبراير 2025 05:58 م

"تتار العصر" يخوضون حربا على تاريخ غزة وبيروت.. 471 يوما من العدوان على تراث فلسطين و75 يوما على آثار جنوب لبنان.. أقدم المساجد والكنائس بالقطاع في مرمى صواريخ الاحتلال.. ومدن عمرها 5 آلاف سنة تضررت بصور وبعلبك

"تتار العصر" يخوضون حربا على تاريخ غزة وبيروت.. 471 يوما من العدوان على تراث فلسطين و75 يوما على آثار جنوب لبنان.. أقدم المساجد والكنائس بالقطاع في مرمى صواريخ الاحتلال.. ومدن عمرها 5 آلاف سنة تضررت بصور وبعلبك
الإثنين، 03 فبراير 2025 03:00 م

وزير الثقافة الفلسطيني: وضعنا استراتيجيات حماية مستقبلية للمواقع التراثية وإعادة ترميم المراكز الثقافية

وزير الثقافة اللبناني: الاحتلال اعتدى على مناطق آثرية لم تكتشف بعد

حى الشجاعية يتحول من مدينة تراثية لأشباح وتدمير 206 موقعا آثريا

أثريةن لبنانيون يطلقون حملة لتوثيق أضرار الحرب على التراث

إسرائيل حرقت كتب ومخطوطات نادرة توثق التراث العربى بعد استهداف المكتبة الوطنية الفلسطينية

السلطات الفلسطينية توثق الأضرار فى المواقع الآثرية تمهيدا لملاحقة الاحتلال قضائيا

مذكرة لبنانية لليونسكو حماية التراث الإنسانى واتخاذ كافة التدابير لمنع استهداف الآثار

 

ما بين 471 يوما من العدوان الإسرائيلى على غزة، بدأت فى 7 أكتوبر 2023، وانتهت فى 19 يناير 2025، والعدوان الإسرائيلى على لبنان الذى استمر 76 يوما منذ 8 أكتوبر 2024 حتى 27 نوفمبر، هى فترة شاهدة على تاريخ أمة دمره احتلال لا يحترم هوية وثقافة الشعوب، ويسعى لسرقة تاريخها، استهدف مئات المواقع التراثية الفلسطينية واللبنانية، محى جزء كبير من آثارها الهامة، لتظل هذه الأيام شاهدة على أكبر جريمة بحق تراث وتاريخ الشعبين العربيين.

بحسب بيان صادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية فى 7 أكتوبر الماضى، بمناسبة يوم التراث الفلسطينى، أكد أن هذا التراث يواجه تهديدات جدية بسبب السياسات الاحتلالية التى تسعى إلى محوه أو سرقته، بعدما لم تكتف سلطات الاحتلال بتدمير المواقع الثقافية، بل عمدت إلى سرقة الرموز الفلسطينية، مثل الثوب الفلسطينى، وعصفور الشمس، وزهرة قرن الغزال، وتقديمها كجزء من سردياتها المزيفة، مؤكدة أن المعركة على التراث ليست أقل سخونة من المعارك الأخرى، بل هى جزء أساسى من الصراع على الهوية والوجود.

أخر تقرير صادر عن المكتب الإعلامى الفلسطينى فى غزة، فى 8 يناير الماضى، فإن هناك 206 مواقع أثرية وتراثية دمرها الاحتلال خلال عدوانه، هذا على المستوى الآثرى، بينما على المستوى السياحى فوفقا لأخر تقرير صادر عن الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى ووزارة السياحة بمناسبة يوم السياحة العالمى فى 27 سبتمبر الماضى، فدمرت إسرائيل معظم المنشآت السياحية بصورة كلية أو جزئية بينهم ما يقرب من 4,992 منشأة تعمل فى نشاط السياحة منها 3,450 منشأة فى نشاط المطاعم وتقديم المشروبات والتى تشكل 69.1% من المنشآت السياحية فى قطاع غزة، و921 منشآت فى الأنشطة الإبداعية والفنون وأنشطة الترفيه الأخرى و182 منشأة فى صناعة وبيع منتجات الحرف اليدوية والهدايا التذكارية، و173 منشأة فى أنشطة الفنادق والاقامة والمنشآت المشابهة.

 

أبرز المواقع الآثرية التى تضررت فى القطاع

وزير الثقافة الفلسطينى عماد حمدان، يكشف فى تصريحات خاصة لـ"برلمانى"، أبرز المواقع الآثرية التى تضررت فى القطاع بسبب العدوان الإسرائيلى على رأسها الكنيسة الأرثوذكسية فى غزة، التى تعرضت لأضرار جسيمة وتعد واحدة من أقدم الكنائس فى المنطقة، وتمثل جزءا مهما من التراث المسيحى الفلسطينى، بجانب المسجد العمرى الكبير فى غزة، الذى يعد واحدا من أقدم المساجد فى القطاع ويعود تاريخه إلى العهد المملوكى وتعرض لأضرار جسيمة جراء القصف الذى طال مناطق قريبة منه.

"حى الشجاعية الذى يحتوى على العديد من المبانى التراثية والتاريخية، وهو أحد الأحياء القديمة وتعرض الحى لدمار واسع جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية، بجانب متحف دار الباشا، وهو أحد المراكز الثقافية المهمة لاحتوائه على مجموعات أثرية تبرز تاريخ المنطقة"، حيث يكشف وزير الثقافة الفلسطينى عن أبرز الأحياء التاريخية المدمرة فى القطاع بفعل الحرب، موضحا أن الاحتلال استهدف العديد من المراكز الثقافية والفنية فى غزة، بما فى ذلك مسارح ومكتبات وصالات عرض، مما ألحق أضرارا بالغة ستحد من قدرتها على تقديم الفنون والثقافة المحلية، لافتا إلى أن هذه الاستهدافات ليست فقط تدميرا للمبانى، بل محاولات لطمس الهوية الثقافية والتاريخية للفلسطينيين، مما يشكل خسارة كبيرة للتراث الإنسانى ويتطلب تدخلا عاجلا من المجتمع الدولى لحمايتها ومحاسبة الاحتلال عن هذه الانتهاكات.

 

الاحتلال يحرق العديد من الكتب والوثائق النادرة

ويؤكد عماد حمدان، أن الاحتلال دمر وأحرق العديد من الكتب والوثائق النادرة فى غزة، خاصة خلال الحروب والاعتداءات المتكررة على القطاع، لافتا إلى أن هذه الأعمال لا تعد فقط استهدافا للمواد الثقافية والتعليمية، بل تمثل محاولة لمحو جزء مهم من الذاكرة الجماعية والتاريخ الثقافى للشعب الفلسطينى، خاصة بعدما تعرضت المكتبة الوطنية الفلسطينية لأضرار جسيمة بسبب القصف، مما أدى إلى فقدان العديد من الكتب النادرة والمخطوطات التى توثق التاريخ الفلسطينى والتراث العربى الإسلامى، بجانب المكتبات الخاصة والعائلية التى تحتفظ بكتب ومخطوطات نادرة تعود للعائلات الفلسطينية، والتى تعرضت للتدمير بسبب القصف أو الحرق المتعمد.

ويشير إلى تعرض مركز رشاد الشوا الثقافى الذى كان يضم أرشيفا مهما للوثائق والدراسات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، للدمار خلال القصف، مما أدى إلى فقدان جزء كبير من الوثائق والكتب التاريخية، بالإضافة إلى تعرض مكتبات جامعتى الأزهر والأقصى للقصف، مما أدى إلى تدمير مجموعات كبيرة من الكتب الأكاديمية والوثائق البحثية التى تشمل مواد نادرة ومهمة للباحثين والطلاب، بجانب تدمير مكتبة المركز الثقافى الفرنسى فى غزة التى تحتوى على مجموعة من الكتب النادرة والأدبية، وكذلك جمعية الهلال الأحمر الفلسطينى التى تضم مكتبة تحتوى على أرشيف كبير من الوثائق الطبية والإنسانية، حيث تعرض جزء من هذه الوثائق للتلف نتيجة القصف.

ويؤكد أيضا أن هناك حرق متعمد من قبل الاحتلال للمخطوطات والكتب الدينية فى غزة من خلال تدمير المساجد التاريخية والذى أدى إلى تدمير المكتبات الدينية بداخلها، والتى تحتوى على كتب ومخطوطات نادرة فى الفقه والعلوم الإسلامية كما تم حرق المصاحف على مرأى ومسمع من الجميع، لافتا إلى أن العديد من المؤسسات الأهلية فى القطاع التى توثق تاريخ الصراع الفلسطينى الإسرائيلى والحقوق الفلسطينية فقدت أرشيفاتها نتيجة الهجمات، ما أدى إلى ضياع كنوز من المعلومات التاريخية.

 

إجراءات الحكومة الفلسطينية للدفاع عن تراثها المدمر

وبشأن الإجراءات التى ستتخذها الحكومة الفلسطينية للدفاع عن تراثها المدمر، يقول إن وزارة الثقافة، بالتعاون مع جهات أخرى، تعمل على اتخاذ إجراءات لملاحقة الاحتلال بسبب استهداف المواقع التراثية والثقافية، من خلال توثيق الأضرار، وجمع البيانات، بالتعاون مع المؤسسات المعنية بتوثيق الأضرار التى تلحق بالمواقع الثقافية والتراثية، والعمل على جمع المعلومات والصور والتقارير حول الأضرار لتقديمها كدليل على الانتهاكات، بجانب إصدار تقارير دورية توضح حجم الأضرار وتأثيرها على التراث الثقافى، والتى تُستخدم كوثائق رسمية فى محاولات المحاسبة، والتنسيق مع منظمة اليونسكو والمنظمات الدولية الأخرى لحشد الدعم لحماية التراث الفلسطينى ورفع قضايا التدمير إلى المحافل الدولية، وتقديم شكاوى رسمية للمنظمات الدولية والمحاكم الدولية مثل محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية حول الانتهاكات الموجهة ضد التراث الثقافى الفلسطينى.

ويتحدث عن خطط ترميم المواقع الآثرية المدمرة، قائلا إن وزارة الثقافة عادة ما تكون لديها خطط لإعادة ترميم المراكز الثقافية والتراثية بعد انتهاء العدوان، تتضمن مجموعة من الإجراءات والخطوات التى تهدف إلى إعادة تأهيل المواقع المتضررة والحفاظ على التراث الثقافى تبدأ بتقييم الأضرار عبر تشكيل فرق متخصصة لتقييم حجم الأضرار التى لحقت بالمراكز الثقافية والتراثية، تشمل الأضرار الهيكلية، والأضرار البيئية، وفقدان القطع الأثرية أو الوثائق، والتوثيق والتقرير، وجمع المعلومات حول الأضرار وإعداد تقارير مفصلة تساعد فى تحديد الأولويات والموارد اللازمة لإعادة الترميم، والتعاون مع الجهات الدولية والمحلية، من خلال العمل مع منظمات مثل اليونسكو، الصليب الأحمر، والمنظمات غير الحكومية الدولية للحصول على الدعم المالى والفنى لإعادة الترميم، وعمل الشراكات المحلية، والتعاون مع مؤسسات محلية، ومؤسسات تعليمية للحصول على المساعدة فى إعادة بناء وترميم المواقع.

وحول طرق تأمين تمويل إعادة ترميم المراكز الثقافية، يوضح عماد حمدان، أن التمويل من خلال البحث عن منح تمويل من الصناديق الثقافية، والمستثمرين المحليين لتوفير الموارد المالية اللازمة للمشاريع، عبر تسجيل مراحل الترميم والتحديثات لضمان الشفافية ولتوفير سجل يمكن استخدامه فى المستقبل، والترويج والتوعية، عبر تعزيز الوعى بأهمية التراث الثقافى والجهود المبذولة فى إعادة ترميمه من خلال الفعاليات، المعارض، والمحتوى الإعلامى، وتنظيم فعاليات إعادة افتتاح للمراكز الثقافية والتراثية بعد الترميم لجذب الزوار واستعادة الدور الثقافى للمواقع، وإطلاق برامج تعليمية وفعاليات ثقافية لزيادة الوعى بأهمية التراث وتشجيع المشاركة المجتمعية.

ويؤكد أن هناك استراتيجيات حماية مستقبلية للمواقع التراثية، عبر تطوير استراتيجيات لحماية المواقع من الأضرار المستقبلية وضمان استدامة التراث الثقافى، لافتا إلى أن هذه الخطط تعتمد بشكل كبير على الموارد المتاحة والتعاون مع الشركاء الدوليين والمحليين، خاصة أن الوزارة تعمل بشكل مستمر على تحقيق أهدافها فى إعادة ترميم المراكز الثقافية والتراثية وحمايتها من أى تهديدات مستقبلية.

وبحسب أخر تقرير صادر عن وزارة السياحة الفلسطينية فى سبتمبر الماضى، كشف أن الحرب تسببت فى فقدان 15,265 عامل فى نشاط السياحة لوظائفهم منهم 10,887 عامل فى أنشطة المطاعم وتقديم المشروبات والتى تشكل 71.3% من العاملين فى أنشطة السياحة فى غزة، ومنهم 2,277 فى الأنشطة الإبداعية والفنون وأنشطة الترفيه الأخرى وكذلك 964 عامل فى أنشطة الفنادق والإقامة والمنشآت المشابهة.

وفى 27 يناير الماضى، أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية، بعد وقف إطلاق النار بغزة، طواقم الوزارة فى المحافظات الجنوبية باشرت أعمال رصد وتوثيق الأضرار التى لحقت بالمواقع الثقافية فى قطاع غزة، بعدما أظهرت التقارير الأولية حجم الدمار الهائل الذى طال المكتبات والمواقع التاريخية والفضاءات والمراكز الثقافية، ما يهدد الإرث الثقافى والهوية الفلسطينية.

وأضافت الوزارة فى بيانها، أن ما يحدث ليس مجرد تدمير للمبانى، بل محاولة لفرض واقع جديد بما يتماشى مع الرواية الإسرائيلية المزيفة، مطالبة الجهات الدولية والعربية على التحرك العاجل لحماية التراث الثقافى الفلسطينى، الذى يتعرض لأشكال الإبادة كافة، فى تحدٍ صارخ للقوانين الدولية التى تنص على حماية الموروث الثقافى خلال الحروب.

ورصدت الوزارة تعرض مكتبة الجامع العمرى وهى مكتبة الظاهر بيبرس لأضرار جزئية، شملت تشققات وتدمير أرفف وأبواب خارجية، إلا أن الكتب والمخطوطات بدا أنها ما زالت فى حالة جيدة، رغم الحاجة إلى التحقق من اكتمال محتويات المكتبة وعدم تعرضها للنهب، بجانب تدمير مكتبتا منصور واليازجى بالكامل، كما تم حرق قسم الأرشيف فى بلدية غزة، الذى يحتوى على وثائق تعود لأكثر من 150 عاما، وتدمير قبة المخطوطات القديمة التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إضافة إلى تدمير العديد من البيوت التاريخية مثل بيت العلمى القديم وبيت السقا وبيت الغصين، التى كانت تستضيف الفعاليات الثقافية والأدبية والفنية.

 

تضرر 60% من آثار غزة واستشهاد وإصابة 20 من المؤرخين والآثريين

فيما يكشف حسام أبو النصر، ممثل فلسطين فى اتحاد المؤرخين العرب، ومسؤول وزارة الثقافة الفلسطينية فى محافظات الجنوب، عدد المواقع التراثية فى غزة والتى تضم 375 موقعا، فيما تضرر حوالى 60 % منها من خلال استهدافه بشكل جزئى أو كلى، مؤكدا أن الاحتلال دمر مواقع متعلقة بالشواهد والمقامات والمساجد والبيوت القديمة بينهم أكثر من 170 منزل فى غزة القديمة وغيرها من البيوت.

ويضيف فى تصريحات خاصة لـ"برلمانى"ـ أن عدد الآثريين والمؤرخين الفلسطينيين الذين استشهدوا وأصيبوا 20 بينهم المؤرخون ناصر اليافاوى وجهاد الناصرى وسليم المبيض الذى استشهد بسبب عدم السماح له بالخروج للعلاج، وغيرهم من المؤرخين بجانب استشهاد عدد من الطاقم العامل فى التاريخ منهم عائد أبو جياب ورمزى حمودة وإياد عمار.

وبشأن كيفية التعامل مع الآثار المدمرة، يقول حسام أبو النصر إن هذا يتوقف على اليوم التالى للحرب، حيث تبدأ الطواقم بعمليات حصر وجمع المعلومات والبيانات حول التدمير الجزئى والكلى وحجم الضرر وبناء عليه يتم وضع معلومات دقيقة حول البناء والموقع وحجم تضرره ومدى احتياجه للترميم، خاصة أن أن هناك مواقع قابلة للترميم ومواقع أخرى غير قابلة للترميم ويخضع ذلك لمعايير دولية وسيتم التواصل مع جهات محلية ودولية ليكون هناك تعاون فى مرحلة الترميم.

وحول التحديات التى تواجه إعادة ترميم المواقع الآثرية المدمرة، يوضح أن خطط ترميم الآثار المدمرة تتم عبر إعداد اتحاد المؤرخين العرب أوراق عمل عاجلة بشأن آلية الترميم بما يتناسب مع المبنى الأصلى وتوفير المواد اللازمة لذلك على غرار ما حدث خلال الحرب العالمية الأولى والثانية عندما تعرضت المواقع التراثية لتدمير كبير ورغم ذلك أعادت الدول بنائها وترميمها بالشكل الذى كانت عليه حتى إذا فقدنا المبنى بالكامل لا يمكن إعادته لما كان عليه ولكن على الأقل تبقى رمزيته كشاهد على ما حدث وهذا مهم للغاية.

وحول مدى استعداد المجتمع الدولى للتعاون مع الفلسطينيين فى ترميم المواقع التراثية المتضررة يضيف حسام أبو النصر :" لا نعرف مدى استعدادات المؤسسات الدولية للتعاون معنا فى هذا الموضوع لكن نحتاج لخبرات أجنبية وإمكانيات كثيرة، خاصة أن إمكانيات الإعمار للمواقع التراثية والتاريخية تختلف عن إمكانيات إعمار المبانى العادية لأنه يحتاج لتخصص ومواد خاصة ذات جودة عالية وطبيعة أصلية بما يتوافق مع المبنى الأصلى وتكون مواد الترميم طبيعية تستطيع أن تتلائم لما كانت عليه مواد البناء فى التاريخ القديم الذى تم تشييد المبنى فيه".

 

لا يوجد أى ضمانات لحماية المناطق الآثرية فى غزة

ويؤكد حسام أبو النصر أنه لا يوجد أى ضمانات لحماية المناطق الآثرية فى غزة لأنه لا منظمة اليونسكو ولا أى مؤسسة دولية أخرى استطاعت أن توقف العدوان الإسرائيلى وبالتالى لا يوجد أى ضمانات لحماية المناطق التراثية وستبقى تحت طائلة القصف الإسرائيلى فى أى لحظة رغم أن الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقيتى لاهاى وجنيف تحرم العدوان على المناطق الآثرية وذات التراث الإنسانى والعالمى والمهدد بالانقراض والخطر.

 

نشر اتفاقية "صون التراث الثقافى غير المادى لعام 2003" فى الجريدة الرسمية

وفى 20 ديسمبر الماضى، أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية إصدار قرار من قبل الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، لنشر اتفاقية "صون التراث الثقافى غير المادى لعام 2003"، فى الجريدة الرسمية، وذلك تأكيدا على التزام القيادة الفلسطينية بحماية الموروث الثقافى الوطنى فى ظل التحديات الكبرى التى يواجهها جراء ممارسات الاحتلال التى تهدف إلى طمس الهوية الثقافية الفلسطينية، ووصفت وسائل إعلام فلسطينية حينها هذا القرار بأنه خطوة حاسمة لحماية الموروث الثقافى الفلسطينى.

وزير الثقافة الفلسطينى يؤكد أن هذا القرار يعد إنجازا قانونيا وتاريخيا لحماية التراث الثقافى الفلسطينى وفقاً للمعايير الدولية خاصة التراث الثقافى الفلسطينى وإصدار هذا القرار يضعنا فى موقع أقوى للدفاع عن موروثنا الثقافى ضد محاولات الاحتلال لسرقته وتشويهه.

 

أدوات يستخدمها للسيطرة على التراث الفلسطينى أبرزها تغيير المسميات التاريخية

فيما يكشف جهاد ياسين، مدير عام المتاحف والتنقيبات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، أهم الأدوات التى يستخدمها الاحتلال الاسرائيلى فى سياسة السيطرة على التراث الفلسطينى، موضحا أن أبرز تلك الأدوات هى الرواية التوراتية، حيث لفقت القيادة الدينية الإسرائيلية ربط الوجود اليهودى بالآثار الفلسطينية، وبالتالى تجيير التاريخ الطويل لفلسطين لصالح إسرائيل ورفض فكرة أن التراث اليهودى جزء من التراث الفلسطينى.

ويضيف مدير عام المتاحف والتنقيبات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، فى تصريحات خاصة لـ"برلمانى"، أن من بين تلك الأدوات الإحلال الاستيطانى الإسرائيلى عبر السيطرة على الأرض وبالتالى السيطرة على المواقع الأثرية، بجانب توفير ميزانيات مالية ضخمة للطواقم الإسرائيلية العاملة فى الأراضى المحتلة، وربط نتائج العمل بالرواية التوراتية ونشرها عبر العالم.

ويشير "ياسين"، إلى أن الاحتلال يعمل على تغيير المسميات التاريخية والمحلية إلى مسميات توراتية واستيطانية، مثل تغيير اسم الحرم الإبراهيمى فى الخليل إلى مكفيلا، وخربة سيلون إلى تل شيلو وغيرها الكثير من المواقع، بجانب طمس وتدمير المعالم العربية والإسلامية، موضحا أن فلسطين غنية بتراثها وأثارها، يوجد آلاف المواقع والمعالم الأثرية، منها حوالى 7000 موقع ومعلم أثرية فى حدود فلسطين عام 1967 (الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة)، منها 2000 موقع رئيسى (خربة، تل، وبلدة قديمة) وحوالى 5000 آلاف معلم أثرى (مقبرة، مسجد، كنيسة، مقام، دير، كهف وغيرها).

ويؤكد أن الهدف من وراء تدمير وسرقة إسرائيل للآثار الفلسطينية هو تزييف التاريخ عبر تزويرها وإعطاء صبغة يهودية لها، لخدمة الرواية الصهيونية حول احتلال فلسطين، لافتا إلى أن ما حدث الآن فى غزة من سياسة تدمير ممنهج ومتعمد لمواقع التراث الثقافى يشكل دليلاً على أن الاحتلال الإسرائيلى يسعى إلى تدمير كل مقومات الحياة والتاريخ عبر هذه السياسة.

 

استهداف مختبرات لترميم المخطوطات الأثرية

بحسب بيان صادر عن وزارة الآثار والسياحة الفلسطينية فى 9 أكتوبر الماضى، أكدت أن قوات الاحتلال استهدفت مختبرين لترميم وصيانة المخطوطات الأثرية فى غزة، أحدهما يتبع لدائرة المخطوطات بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فى مبنى أثرى بحد ذاته، والثانى لمؤسسة عيون على التراث، بجانب تدمير كنيسة جباليا الأثرية التى تعود إلى العصر البيزنطى وتم تشييدها عام 444 م، فى زمن الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى، وكانت تتميز بأرضيات الفسيفساء والزخارف النباتية والحيوانية والأشكال الهندسية الرائعة.

وأشارت الوزارة إلى تدمير الاحتلال لدير سانت هيلاريون "تل أم عامر"، والذى يعتبر من أهم المواقع الأثرية فى غزة ومدرج منذ عام 2012 على لائحة اليونسكو للتراث العالمى، كما تم تدمير محيط الموقع والطريق الواصل إليه.

 

الاحتلال ينكر أى وجود غير يهودى على الأراضى الفلسطينية

هنا يوضح الدكتور أنور أبو عيشة، وزير الثقافة الفلسطينى الأسبق، أن الاحتلال يزعم من خلال محوه للتراث الفلسطينى أنه يحافظ على التراث، لأن الاحتلال لا يعترف بأنه يهدم التراث ولا يصدرون حجج وتبريرات بشأن هدمهم للأثار الفلسطينية لأنهم ليسوا فى حاجة لتلك الحجج فى ظل الدعم الغربى لهم، متوقعا عدم نجاح الاحتلال فى محو التاريخ الفلسطينى، رغم الحملة الشرسة التى يشنها ضد الآثار، وهدمه للمئات من المواقع التاريخية سواء فى غزة أو الضفة الغربية.

ويؤكد وزير الثقافة الفلسطينى الأسبق، فى تصريحات خاصة، لـ"برلمانى" أن الاحتلال يسعى لإنكار أى وجود غير يهودى على الأراضى الفلسطينية، لذلك يعمل على محو الهوية والتراث بكل قوة، لافتا إلى أن الهدف من تدمير التاريخ الفلسطينى هو محو الهوية وتاريخ هذا الشعب.

 

تضررت 25 جمعية ومركز ثقافى مسجل لدى وزارة الثقافة فى غزة

ووفقا لآخر تقرير صادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية نهاية 2024، كشفت حجم خسائر القطاع فى غزة، حيث تضررت 25 جمعية ومركز ثقافى مسجل لدى الوزارة بشكل كلى أو جزئى، بجانب تدمير 80 مركزا ثقافيا غير المسجل بسبب قصف الاحتلال.

 

تاريخ الاحتلال فى هدم الآثار الفلسطينية

هنا تؤكد الدكتورة، سارة محمد الشماس، الباحثة الفلسطينية فى التراث والعلوم التربوية، أن استهداف الاحتلال للتراث الفلسطينى ليس مجرد هجوم على آثار مادية أو رموز ثقافية، ولكنه هجوم شامل على الهوية الفلسطينية بأكملها و يتعمد الاحتلال الإسرائيلى ضرب الرموز الثقافية والتاريخية التى تشكل جزءاً من ذاكرة الشعب الفلسطينى بهدف محو هويته وتزوير تاريخه الذى يتمثل ذلك فى التهجير القسرى، مصادرة الأراضى، تدمير المعالم الأثرية والتاريخية، ومحاولات تهويد الأماكن المقدسة.

وتضيف "الشماس" فى تصريحات خاصة لـ"برلمانى"، أن هذه الهجمات تمثل سياسة ممنهجة لإلغاء وجود الشعب العربى الفلسطينى وجذوره التاريخية، ما يجعل استهداف التراث جزءاً من استراتيجية استعمارية أوسع تهدف إلى تطهير الأرض من الفلسطينيين واستبدال ثقافتهم بهوية أخرى، لافتة إلى أن التراث الفلسطينى سواء كان ثقافيًا أو أثريًا يحمل دلالات حضارية تعود لآلاف السنين ومن خلال استهدافه يحاول الاحتلال الاسرائيلى تفريغ الشعب الفلسطينى من تاريخه.

وتؤكد أن تاريخ استهداف التراث الفلسطينى يعود إلى بداية المشروع الصهيونى فى نهاية القرن التاسع عشر، واستمر بوتيرة متزايدة بعد قيام دولة الاحتلال الاسرائيلى عام 1948 عام النكبة حيث تم تدمير العديد من القرى الفلسطينية ومسح آثارها بشكل كامل بما فى ذلك تدمير المساجد، الكنائس، والبيوت والمبانى التاريخية وفيما بعد زادت هذه الممارسات خلال عام 1967 عام النكسة والانتفاضتين، حيث استهدفت العديد من المعالم التاريخية والدينية، وخاصة فى القدس والخليل، كما أن مشاريع الاستيطان تمثل جزءاً من هذه السياسة حيث يتم بناء مستوطنات على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة، ومحاولة إعادة تسمية الأماكن بطريقة تعزز الرواية الصهيونية.

وتوضح "الشماس"، أن منذ بدء العدوان الاسرائيلى على غزة تعرض التراث الثقافى الفلسطينى والآثار التاريخية لدمار واسع، مما أثر على المعمار الإسلامى والمسيحى الذى يعكس التنوع الثقافى للمنطقة، كما دُمرت مواقع أثرية تاريخية مهمة مثل مدينة غزة القديمة، مما ساهم فى فقدان آثار حضارات متعاقبة.

وتشير إلى أنه منذ 7 أكتوبر 2023 شهدت غزة دمارًا كبيرًا فى المواقع الأثرية نتيجة تصعيد الاحتلال العسكرى الاسرائيلى حيث قصفت ودمرت معالم شهيرة مثل المسجد العمرى الكبير وكنيسة القديس بورفيريوس، إضافةً إلى ذلك تعرضت المتاحف لقصف طائرات الاحتلال الاسرائيلى وتدميرها منها متحف رفح، ومتحف خان يونس والمراكز الثقافية مما أدى إلى فقدان التحف والمقتنيات التاريخية التى تحتويها، كما أن هناك حوالى 23 معلماً أثرياً وتاريخيا، بالإضافة إلى أكثر من 70 مبنى أثرى وتاريخى، تعرضت للدمار كلياً أو جزئياً، مما يشكل خسارة فادحة للشعب الفلسطينى تفوق الأذى المادى وتأثيره على الهوية والانتماء الثقافى للأجيال القادمة.

 

استخدام المواقع الأثرية الفلسطينية كنقاط تفتيش

وتوضح أن المواقع الأثرية الفلسطينية استخدمت كنقاط تفتيش، مما تسبب فى تدمير المبانى الأثرية والتاريخية، كما ساهمت سياسة التهجير والإهمال فى تدهور المواقع الأثرية، حيث يُجبر الفلسطينيون على مغادرة مناطقهم وأماكن سكنهم، مما يترك الآثار بلا حماية أو صيانة علاوة على ذلك هناك محاولات لتغيير المعالم الأثرية والتاريخية، من خلال فرض تغييرات على الأسماء وإعادة تفسير التاريخ بطريقة تُهمش الهوية الفلسطينية، مما يُسهم فى فقدان الذاكرة الجماعية ويزيد من حجم التحديات التى تواجهها.

وبشأن مخالفة تلك الممارسات للقوانين والأعراف الدولية، قالت "الشماس"، إنه بموجب القانون الدولى، وخاصة اتفاقية لاهاى لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية فى حالة نزاع مسلح، واتفاقية جنيف الرابعة، تعتبر هذه الممارسات غير قانونية و تمنع هذه الاتفاقيات تدمير الممتلكات الثقافية ونقلها أو الاستيلاء عليها فى حالات الاحتلال، كما أن قرارات الأمم المتحدة أكدت مراراً وتكراراً على عدم قانونية تصرفات الاحتلال الاسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية، بما فى ذلك تهويد القدس والتعدى على المواقع الأثرية و بالتالى تعتبر الممارسات الإسرائيلية ضد التراث والتاريخ الفلسطينى انتهاكاً صريحاً للقانون الدولى، وتستوجب المساءلة.

وتؤكد الشماس، أن فلسطين تسعى جاهدة لمحاسبة الاحتلال الاسرائيلى على جرائمه ضد التراث الثقافى من خلال مجموعة من الخطوات الدبلوماسية والقانونية ومن أبرز هذه الخطوات الانضمام إلى المنظمات الدولية مثل منظمة اليونسكو مما يتيح لها تقديم شكاوى رسمية ضد الانتهاكات الإسرائيلية بالإضافة إلى ذلك تُقدم فلسطين قضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية بشأن الجرائم المرتكبة ضد التراث الثقافى الفلسطينى وتعتبر عملية التوثيق والبحث العلمى من الأمور الأساسية التى تركز عليها الدولة الفلسطينية والجامعات والمؤسسات الثقافية، حيث تساهم فى جمع الأدلة الضرورية لتقديمها فى المحافل القانونية.

 

تدمير إسرائيل للتراث اللبنانى خلال عدوانه الأخير

إذا انتقلنا إلى لبنان، والذى تعرض أيضا لعدوان مماثل ولكن عدد أيامه أقل بكثير من غزة، إلا أن آثاره وتراثه كانت ضمن مرمى صواريخ الاحتلال، وهو ما تكشفه رسالة وزير الثقافة اللبنانى الدكتور محمد مرتضى، إلى المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو أودرى أزولاى، فى نوفمبر الماضى، يؤكد فيها أنه منذ سنة والاحتلال يمعن فى الاعتداءات على الموروث الثقافى اللبنانى المادى وغير المادى، وازداد فى الآونة الاخيرة شراسة، من دون احترام لأى من المواثيق الدولية أو المعايير الإنسانية، حيث تمادى فى تدمير العديد من القرى التاريخية وطبيعتها الثقافية بما فى ذلك المحيط الطبيعى الزراعى كحقول الزيتون والعنب والتين والخروب وسهول القمح، وهى زراعات متجذرة منذ آلاف السنين، وتشكل مشهدية للإنسان الراسخ فى هذه الأرض ولذاكرة للمكان وأهله، كما يلجأ إلى أساليب التدمير لمحو ثقافة الشعب وتاريخه

ويوضح وزير الثقافة اللبنانى، بعض المواقع التراثية التى دمرها الاحتلال بينها السوق التاريخية لمدينة النبطية وكل من حى السرايا وحى الميدان فيها، والمعالم الدينية القديمة منها جامع طيردبا ومسجد كفرتبنيت وكنيسة دردجيا وجامع بليدا.

 

أبرز المعالم التراثية فى لبنان

وفى إطلالة سريعة على مدينة صور اللبنانية، وهى أحد أشهر وأهم المدن التاريخية فى العالم، لما تحويه من عدد مواقع أثرية كثيرة وتاريخية، نجد أنفسنا أمام مدينة يعود تاريخها للعصر الذهبى فى القرن العاشر قبل الميلاد - بينما بعض المؤرخين يؤكدون أن تاريخها يعود لأكثر من 5 آلاف عام - عندما كانت تحت حكم الملك حيرام الأول، الذى وسعها مما يجعلها رابع أكبر مدينة لبنانية، كما أن اسم تلك المدينة التاريخية اشتق من الجذر الفينيقى "صر"، الذى يعنى "الصخرة"، وفى إشارة إلى الصخرة التى بنيت عليها المدينة، وكانت هذه المدينة قبل الميلاد واحدة من أهم حضارات العالم فى العهد الفينيقى.

وفى العام 1979 أدرجت منظمة اليونسكو، مدينة "صور" على لائحة مواقع التراث العالمى، نظرًا لما تحتويه من آثار تاريخية، خاصة أن جزء من الموقع الذى كانت تقوم عليه المدينة مبنى على جزيرة قبل أن يقوم الإسكندر المقدونى بردم البحر ووصلها بالبر المقابل، كما أن المدينة البحرية تعود بمجملها إلى العصور الرومانية والبيزنطية، بجانب بقايا أرصفة المرفأ الفينيقى الجنوبى، وكذلك بقايا كاتدرائية صور الصليبية التى استخدمت فى عمارتها أعمدة من الجرانيت الأحمر وأحجار تم استخراجها من المنشآت الرومانية.

وأحد أبرز معالم مدينة صور التاريخية، موقع البص، الذى يتألف من شارع رئيسى أقيم فى العصر الرومانى، وجرى ترميمه فى العصر البيزنطى، فى وسط البرزخ الذى أنشأه الاسكندر الكبير، وإحاطته بأروقة، وقوس نصر عظيم، بالإضافة إلى مدافن واسعة تتداخل فيها العمائر الجنائزية والتوابيت الرخامية والكلسية والبازالتية ذات الأشكال والزخارف والمنحوتات المختلفة استخدمت من القرن الثانى إلى القرن السادس الميلادى.

ليس هذا وفقط، بل هناك الأسواق القديمة، ومرفأ الصيد القديم الذى حل مكان المرفأ الفينيقى الشمالى، بجانب برج أثرى فى محيط ساحة جنبلاط بالمدينة يدعى "برج الجزائريين"، والذى بُنى فى الفترة الممتدة بين القرنين 12 و 13 الميلادى، بجانب طبقات اثرية تعود إلى عصور أكثر قدمًا ومنها قناة للمياه.

عدوان الاحتلال الأخير كان له اثار مدمرة على التراث اللبنانى، خاصة فى مدينة صور التى حولتها إسرائيل إلى مدينة أشباح بكل معنى الكلمة، حيث انتشار أنقاض المنازل، ونزوح آلاف السكان من المدينة التى كانت أحد أهم مدن جنوب لبنان، من بينها استهداف قلعة شمع والتى بُنيت فى عام 1116، وتقع على سلسلة من الجبال التى تنتهى برأس البيّاضة فى أقصى الجنوب، تستمد اسمها من مقام النبى شمعون.

 

رسائل لبنان لليونسكو لمحاسبة الاحتلال على استهداف المواقع الآثرية

وفى 4 نوفمبر، وقبل انتهاء العدوان الإسرائيلى على لبنان، وجه وزير الثقافة رسالة إلى المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو، يشيد فيها بدعوة المنظمة الأممية، إسرائيل إلى الالتزام فى عدم المس بالمعالم الأثرية فى لبنان، باعتبارها إرثًا للإنسانية جمعاء، ومطالبا إياها بالاستمرار فى بذل مساع حثيثة لدى الدول الفاعلة كى تتخذ جميع التدابير لمنع استهداف التراث، واحترام الحد الأدنى من أحكام القانون الدولى المتعلق بحماية الثروة الثقافية الإنسانية، خاصة لما يعرف عن الاحتلال من استهتار بكل القيم والقوانين الدولية.

وأكد خلال رسالته أن لبنان من المؤسّسين لهذه المنظّمة العاملين على الدوام إلى احترام مواثيقها، لافتا إلى أنّ اللبنانيين والفلسطينيين واليمنيين، لا يتعرضون للمواقع الأثرية فى فلسطين المحتلة بأى اعتداء، بل حريصون عليها حرصَهم على منازلهم وأرواحهم، لإيمانهم بأنّها ملكهم، وسوف تعود حيازتُها إليهم عندما يزول هذ الاحتلال وترحلُ أسرابه السوداء عن بلادهم الحبيبة، وهو يومٌ يرجون أن يكون قريبًا".

إلا أنه بعدها بيومين، وبالتحديد، فى 6 نوفمبر الماضى، أرسل محمد مرتضى، رسالة جديدة إلى المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو، يكشف فيها عن حجم الدمار الذى لحق بآثار لبنان، ومعربا عن حزنه وغضبه تجاه تعرض التراث الثقافى العريق لاعتداء ضخم من قبل طائرات إسرائيل، خاصة مع استهداف مبنى "المنشية" التاريخى فى بعلبك، الذى يعود إلى الحقبة العثمانية ويحمل فى طياته قرونا من التاريخ والثقافة، وشاهدا حيا على تراث بيروت الثقافى المشترك، خاصة أنه مسجلا ضمن التراث العالمى اليونسكو، مما يجعل خسارته لا تعوض، للتراث الإنسانى ككل.

 

محاولات الاعتداء على مناطق آثرية لم تكتشف بعد فى لبنان

تواصلنا مع وزير الثقافة اللبنانى، الذى يؤكد أن القصف الإسرائيلى الأخير طال بشكل كثيف العديد من المدن التاريخية فى الجنوب خاصة فى البقاع، حيث تم استهداف مدينة صور بشكل عنيف، بجانب الكورنيش البحرى والمدينة التاريخية الممتدة بين موقعى البص والمدينة المصنفين على لائحة التراث العالمى عدة مرات وطالت الاعتداءات الأخيرة مناطق قريبة جداً من الموقع الأثرى.

ويضيف الدكتور محمد مرتضى، فى تصريحات خاصة لـ"برلمانى"، أن هذه الاعتداءات الإسرائيلية قد يكون لها أثر كبير على المعالم الأثرية وعلى أساساتها، لافتا إلى أن عمليات القصف من شأنها تدمير الإرث الثقافى، وبالتالى جزء من التاريخ والهوية الخاصة لبنان، خاصة أن تدمير مدينة صور كان بشكل متاخم للموقع الأثرى بالإضافة إلى القصف على المنطقة الموجودة بين موقعى البص وصور وهى منطقة تحتوى على معالم أثرية غير مكتشفة بعد، وتدميرها هو محو لجزء كبير من تاريخنا قبل أن تسنح لنا الفرصة باكتشافه.

" العدو الإسرائيلى وصل إلى موقع قلعة شمع واحتلها وكان برفقته أحد علماء الأثار الذى كان يحاول تغيير الحقائق التاريخية خاصة بعد الاعتداءات التى طالت القلعة وأدت إلى تدمير أجزاء منها، والمسح العلمى الذى سيتم بعد الحرب سيبين حجم الأضرار بشكل دقيق أكثر"، هنا يكشف وزير الثقافة اللبنانى محاولات الاحتلال سرقة آثار لبنانية وتغيير معالمها، موضحا أن الاعتداء على المواقع الثقافية مخالف للاتفاقيات الدولية، وخاصة قرار لجنة اتفاقية لاهاى 1954 وبروتوكولاتها فى منظمة اليونسكو والقاضى بوضع 34 موقع آثرى فى لبنان تحت الحماية المعززة.

 

توقيع لبنان على اتفاقية لاهاى وبروتوكولاتها الصادرة عام 1954 و1999

الجدير بالذكر أن لبنان وقع على اتفاقية لاهاى وبروتوكولاتها الصادرة عام 1954 و1999 لحماية المواقع الثقافية أثناء النزاعات المسلحة، كما أنه أحد الدول المؤسسة لمنظمة الأونسكو، وهو ما دفع وزير الثقافة لإرسال كتابا إلى منظمة الأونيسكو، لمطالبة باتخاذ خطوات عاجلة دوليا لحماية 95 موقعا ثقافيا من ضمنها المواقع اللبنانية المدرجة على لائحة التراث العالمى، بالإضافة إلى طلب حماية معززة وفقاً للبروتوكول 2 لسنة 1999 لحوالى 34 موقعًا ثقافيًّا تعرض للقصف، مطالبا بإجراء ما يلزم لجهة التقدم بالشكاوى أمام المراجع المختصّة.

ويؤكد "مرتضى"، أن لبنان لجأت إلى المجتمع الدولى بهدف حماية مواقع ثقافية وفقا لاتفاقية لاهاى 1954 وبروتوكولاتها، خاصة أن بيروت من الأعضاء المؤسسين لمنظمة اليونسكو، وانضم إلى أغلب الاتفاقيات الدولية التى تحمى الممتلكات الثقافية، زيؤمن بالوسائل القانونية ولهذا لجأ إلى هذا الأسلوب لحماية إرثه الثقافى من التدمير ومن آلة الحرب الهمجية.

 

مدن عمرها 5 آلاف سنة تضررت بفعل عدوان الاحتلال

فيما تكشف عليا فارس، عالمة آثار ومؤرخة عمارة اللبنانية، أن هناك 10 خبراء فى الأثار والبيئة أعدوا منذ ثلاث أشهر تقريرا عن كل الدمار لإرث الثقافة والتراث فى لبنان الملموس وغير الملموس خلال الحرب، موضحة أن الاحتلال قضى على بعض المهن التراثية، مثل تربية الماشية الإرث فى جنوب لبنان خاصة أن الحياة اليومية الخاصة بهذه الفئة مبنية على الترحال وينتقلون من منطقة لأخرى وبسبب الحرب توقف عملهم وكثير من رعاه الماشية خسروا حيواناتهم وهذا تراث غير ملموس فى لبنان فى القرى القديمة وفى مدن جنوب لبنان.

تؤكد عليا فارس، فى تصريحات لـ"برلمانى"، أن محاصيل الزيتون تضررت بسبب الحرائق وفسفور القنابل التى ألقاها الاحتلال، بجانب البيوت التاريخية التى تضررت ودمر القصف أحياء بأكملها فى البقاع وجنوب لبنان التى يتواجد فيها مواقع آثرية لا أحد يسأل عنها، وهناك ضياع كثيرة تضم مقابر رومانية وبيوت تراثية عمرها 300 سنة و250 سنة ومناطق تعود لفترة ما قبل المسيح 2000 إلى 5 آلاف سنة وهى قرى تاريخية تأثرت من العدوان، متابعة :"هويتنا فى لبنان هى هوية تاريخية وكل المواقع التراثية تأثرت فى الجنوب".

فى 17 أكتوبر الماضى، أكدت وزارة الثقافة اللبنانية فى بيان لها، أن الاحتلال تمادى فى تدمير العديد من القرى التاريخية وطبيعتها الثقافية بما فى ذلك المحيط الطبيعى الزراعى كحقول الزيتون والعنب والتين والخروب وسهول القمح، وهى زراعات متجذرة منذ آلاف السنين، وتشكل مشهدية للإنسان الراسخ فى هذه الأرض ولذاكرة للمكان وأهله.

وأضافت الوزارة، أن القصف الإسرائيلى طال العديد من المدن والأبنية التاريخية، ومنها السوق التاريخية لمدينة النبطية وكل من حى السراى وحى الميدان فيها، وكذلك المعالم الدينية القديمة ومنها جامع طيردبا ومسجد كفرتبنيت وكنيسة دردغيا وصولًا إلى جامع بليدا، وهى كلها معالم مدرجة على لائحة الأبنية التراثية.

 

قوات الاحتلال تدخل قلعة آثرية رغم قرار اليونسكو بتحصينها ضد الأغراض العسكرية

وشهدت قلعة دوبيه فى مدينة شقرا اللبنانية وجود عسكرى مسلح لقوات الاحتلال فى 26 يناير الماضى، حيث دخلت إسرائيل هذه القلعة رغم إعلان منظمة اليونسكو فى ديسمبر الماضى، أنها وعدد 34 موقع أخريين فى لبنان يقعون تحت الحماية المحصنة ضد الهجوم والاستخدام لأغراض عسكرية، وكان الهجوم الإسرائيلى الأخير فى نهاية يناير الماضى مدمرا لأجزاء تراثية عديدة على رأسها دمار أجزاء من أسوار قلعة تبنين، وقصف قلعة بوفورت للقصف، وقلعة شمع.

 

أثريون يطلقون حملة لتوثيق أضرار الحرب على التراث اللبناني

وتعليقا على هذا البيان، تؤكد جوان فرشخ بجالى، مديرة جمعية بلادى اللبنانية المتخصصة فى حماية والتعريف بالتراث اللبنانى، أن الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان تمثل كارثة على التراث الثقافى والتاريخى للبلاد بعدما استهدفت قرى بأكملها فى الجنوب والبقاع عمدًا، مما أدى إلى محو قرون من التاريخ، واقتلاع المجتمعات.

"اتخذنا إجراءات لفضح جرائم الاحتلال ضد الآثار اللبنانية من خلال البدء فى التوثيق للكشف عن مدى الدمار الذى لحق بتراثنا والمتمثل فى تدمير كامل ومباشر وآثار عدم الاستقرار البنيوى الناجم عن الاهتزازات وتلوث الهواء والتدهور البيئي"، هنا تكشف جوان فرشخ بجالى، فى تصريحات خاصة لـ"برلمانى" جهود حصر الأضرار على التراث اللبنانى بسبب العدوان الأخير، مؤكدة إطلاق حملة توثيق التدمير الثقافى خاصة فى البقاع.

وتشير إلى أن أبرز المواقع التراثية المدمرة فى لبنان جراء الحرب هو موقع شمع الآثرى وموقع صور البحرى وموقع البصر، والمدينة القديمة صور والأسواق، وبرج الشمالى، وكنيسة القديس جورج، ومقام النبى بنيامين، ومسد البى شعيب ببليدة، ومسجد شقرا، وقلعة تبنين / طزون، ومسجد كفر تبنيت القديم، وسوق النبطية القديم وبيت شاهين، وبيت ظاهر، وبيت حسين محسن، ومسجد الجامع العتيق، ومسجد البياض، ومقبرة الباشورة، والموقع الآثرى فى بعلبك، والمنشية، وبوابة بعلبك، وقبة دوريس، وبيت عبد الحليم حجار.


الأكثر قراءة



print