تستمر مصر فى جهودها المبذولة للتوصل لاتفاق وقف اطلاق نار فى حرب غزة لإنهاء المعاناة التى يعيشها الفلسطينيون منذ قرابة 17 شهر، والتوصل لاتفاق سلام شامل وعادل يعد بحياة هادئة بعيدا عن الحروب وهو ما استعرضه وزير الخارجية بدر عبد العاطي فى مقال بصحيفة ذا هيل الأمريكية أوضح فيه تفاصيل الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، ورؤية مصر حول حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى المستمر بالتعاون مع الإدارة الأمريكية لتتوصل لما وصفه بـ" اتفاق تاريخي".
قال عبد العاطى فى مقاله: "لأكثر من 16 شهرًا، عانى الفلسطينيون فى غزة ظروفًا إنسانيةً لا تُوصف، لم يشهدوا لها مثيلًا منذ الحرب العالمية الثانية. نزح ما يقرب من مليونى شخص فى غزة داخليًا، وقُتل أو جُرح أكثر من 150 ألف شخص وفقًا للأمم المتحدة، ودمر 50% من المستشفيات والمرافق الطبية،و 88% من المدارس جزئيًا أو كليًا، وتضرر 68% من الأراضى الزراعية، وتعطلت 68% من الطرق، واستشهد بالإحصائيات، قائلا أن حرب إسرائيل لم تقتصر على حماس فحسب، بل امتدت لتشمل جميع السكان المدنيين وبنيتهم التحتية الحيوية ولمعالجة هذه الأزمة الهائلة، لا بد من اتخاذ خطوتين حاسمتين.
وتابع: "أولًا، يجب علينا فورًا تقديم خطة إنسانية شاملة ودقيقة تخفف معاناة الفلسطينيين وتعيد الحياة إلى غزة من خلال برامج الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار، ثانيًا، من الضرورى أن نقدم خارطة طريق سياسية تنهى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى نهائيا، وتتوج بدولة فلسطينية مستقلة، وتضمن أن تصبح هذه الجولة الأخيرة من العنف المروعة هى الأخيرة.
ورصد الخطوتين قائلا: وضعت مصر خطة متعددة المراحل ومحددة زمنيًا لإعادة إعمار غزة، تتضمن ثلاث مراحل رئيسية، بإطار زمنى يمتد من عام 2025 إلى عام 2030. و حظيت الخطة بتأييد كامل من 22 دولة عربية. ستشمل الخطة فى مرحلتها الأولى برنامجًا أوليًا للإنعاش المبكر، يمتد لستة أشهر، يقدم إغاثة عاجلة للفلسطينيين فى غزة من خلال توفير آلاف الوحدات السكنية المؤقتة، على شكل كرفانات ومنازل جاهزة وخيام، لإيواء 1.2 مليون فلسطينى فى غزة مؤقتًا. كما ستشمل برامج مكثفة لإزالة وإعادة تدوير ما يقرب من 50 مليون طن من الأنقاض، وإزالة الذخائر غير المنفجرة والذخائر.
ستركز المرحلتان المتبقيتان بالكامل على إعادة الإعمار. ستشمل هذه المشاريع بناء 400 ألف وحدة سكنية دائمة تستوعب 2.7 مليون فلسطينى، وإعادة تأهيل شبكات الطرق، واستصلاح 20 ألف فدان من الأراضى الزراعية. كما ستشمل مراحل إعادة الإعمار بناء ميناءين، ومطار، ومحطات طاقة شمسية، ومركز خدمات حكومى، ومرافق تعليمية وطبية.
وبمجرد الانتهاء من البنية التحتية الأساسية والمرافق الضرورية، ستكون غزة جاهزة للاستثمارات العالمية فى قطاعات مختلفة، بما فى ذلك السياحة والطاقة والخدمات اللوجستية.
يقول بدر عبد العاطى، إن الخطة صممت بما يتوافق تمامًا مع المبادئ الأساسية للتخطيط الحضرى المنصوص عليها فى أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وأشار إلى تمتع مصر بخبرة واسعة من دورات إعادة الإعمار السابقة فى غزة التى أعقبت جولات متكررة من العنف بين إسرائيل وحماس. وكون غزة حدودية مع مصر، يضع مصر فى صدارة التخطيط اللوجستى والتنفيذ العملى لإعادة الإعمار والتأهيل.
أكد وزبر الخارجية على أن الخطة وضعت لضمان بقاء الفلسطينيين فى غزة فى وطنهم، ويعارض الفلسطينيون الأفكار التى تقترح إبعادهم عن أراضيهم. ذاكرتهم الجماعية مشحونة بالحزن، بالنظر إلى الظلم التاريخى المأساوى الذى تعرض له شعبهم الذى طردته إسرائيل قسرًا من وطنه فى منتصف القرن العشرين. ولم يتمكنوا من العودة منذ ذلك الحين. ولذلك، يتسم الفلسطينيون بحساسية استثنائية تجاه محاولات فصلهم عن وطنهم.
ويرى عبد العاطى، أن التحدى الهائل المتمثل فى إعادة إعمار غزة أكبر مما تستطيع دولة واحدة التعامل معه، مما يتطلب جهدًا دوليًا جماعيًا بمشاركة عدد كبير من الشركات المشاركة فى جميع مراحل إعادة الإعمار، بما فى ذلك شركات أمريكية متعددة. ولهذا السبب، قال أن مصر ستستضيف مؤتمرًا دوليًا حول إعادة إعمار غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية. وسيسعى هذا التجمع العالمى إلى جمع التمويل من الدول المانحة والمؤسسات المالية لتنفيذ الخطة الخمسية التى ستتطلب حوالى 53 مليار دولار.
وأشار إلى أنه فى الوقت نفسه، سيتم تشكيل لجنة فلسطينية جديدة لإدارة غزة، يديرها حصريًا تكنوقراط فلسطينيون غير تابعين لأى فصيل. ستكون مهامها الرئيسية حكم غزة، وإدارة المساعدات الإنسانية، والعمل لفترة انتقالية تُمهّد الطريق لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة.
ولفت إلى أنه لن يكون هناك مجال لأى فصيل لحكم غزة خلال هذه الفترة الانتقالية. فى غضون ذلك، يجب العمل بسرعة لاستعادة القانون والنظام فى غزة. ولهذا السبب ستبدأ مصر فورًا بتدريب آلاف من ضباط الشرطة الفلسطينية لتعزيز الأمن، ومكافحة الفوضى، واستعادة ثقة الجمهور.
وأوضح أنه بينما يتم العمل على معالجة القضايا الإنسانية والأمنية وقضايا الحكم فى غزة، هناك واجب بالغ الأهمية يتمثل فى تقديم حل سياسى لأفق يُولّد الأمل ويُحقّق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فينبغى أن تتوّج هذه الخريطة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، حيث يمكن للفلسطينيين أخيرًا أن يعيشوا أحرارًا من الاحتلال الإسرائيلي.
وقال وزير الخارجية المصرى، إن قيادة الرئيس ترامب تعد أمرًا بالغ الأهمية فى هذه المرحلة التاريخية. فقد عكس خطابه الافتتاحى رغبته العميقة فى تحقيق السلام العالمى ووقف الحروب التى لا تنتهى التى عصفت بمناطق عديدة ولم تجلب سوى الألم والحزن لشعوبها، مشيرا إلى أن مصر ترحب بتصريحات ترامب الأخيرة بشأن عدم تهجير الفلسطينيين من غزة، وتتطلع للعمل مع الرئيس الأمريكى للتوصل إلى صفقة تاريخية تنهى هذا الصراع وتحقق السلام والأمن والازدهار لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين وهى خطة مصر لإعادة إعمار غزة.