أصدرت الدائرة المدنية "ج" – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، يهم ملايين المتعاملين بالحوالات البنكية، رسخت فيه لعدة مبادئ بشأن إثبات المديونيات من خلال الحوالة البنكية، قالت فيه: "الحوالة البنكية دليل ظاهري على المديونية ما لم يثبت المدعى عليه خلاف ذلك".
الخلاصة:
قام الطاعن بتحويل مبالغ مالية للمطعون ضدهم مقابل توريد سيراميك، إلا أنه لم يتم التوريد ولم تُرد الأموال، فأقام دعوى قضائية لاستردادها، إلا أن محكمة أول درجة رفضت الدعوى بحالتها وأيّدتها محكمة الاستئناف، رغم أن الدائن قدم حوالات بنكية كدليل على المديونية، لكن المحكمة رفضت التحقيق في الأمر، فتم الطعن بالنقض أمام محكمة النقض التي قامت بدورها بنقض الحكم لكون رفض التحقيق يُعد إخلالًا بحق الدفاع، وفى النهاية خرجت بمبدأ قضائيا قالت فيه إن الحوالة البنكية تُعتبر دليلًا مبدئيًا على المديونية، ويقع عبء إثبات عكس ذلك على المدعى عليه، كما أقرت بأن رفض المحكمة سماع الشهود للتحقق من سبب التحويل يُعد قصورًا في التسبيب وإخلالًا بحق الدفاع.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 11631 لسنة 91 قضائية، برئاسة المستشار شريف سلام، وعضوية المستشارين حمدي طاهر، وخالد مصطفى، وإيهاب حماد، وعمرو عبد الرحيم القاضي، وبحضور كل من رئيس النيابة بشير أيمن ناصف، وأمانة سر أشرف مصطفى.
الوقائع.. نزاع قضائى حول مبلغ 36 مليون ريال سعودى
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضده الأول الدعوى المقيدة انتهاء برقم 266 لسنة 2020 مدني كلي كفر الشيخ - بعد إحالتها من محكمة المحلة الكبرى للاختصاص المحلي - بطلب الحكم بإلزامه بأن يرد له مبلغ 360289,60 - ستة وثلاثون مليوناً وثمانية وعشرون ألفاً وتسعمائة وستون ريالاً سعودياً لا غير مع الفوائد القانونية، على سند من أنه تحصل منه على هذا المبلغ بموجب حوالات بنكية بغرض توريد سيراميك من الشركة التي يعمل بها إلى الشركة المملوكة للطاعن بالمملكة العربية السعودية، إلا أنه لم يقم بتوريده، بما تكون معه ذمته مشغولة بذلك المبلغ، فقد أقام الدعوى.
وبموجب صحيفة إدخال اختصم الطاعن المطعون ضدهما الثاني والثالث بطلب الحكم بأن يرد إليه الأول منهما مبلغ 202960 - فقط ستون ريالاً سعودياً لا غير - والثاني مبلغ 252030 - فقط مائتان واثنان وخمسون ألفاً وثلاثون ريالاً سعودياً مع الفوائد القانونية على سند بأنه يداينهما بها بموجب حوالات بنكية نظير توريدهما إليه سيراميك من الشركة ذاتها التي يعمل بها المطعون ضده الأول، إلا أنهما وعلى غرار الأخير استوليا على تلك المبالغ، حكمت المحكمة برفض الدعوى بحالتها.
المبلغ نتيجة عقد صفقة سيراميك
وفى تلك الأثناء - فاستأنف الطاعن الحكم بالاستئناف رقم 1413 لسنة 53 في أمام محكمة استئناف طنطا - مأمورية كفر الشيخ -، وبتاريخ 5 مايو 2021 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة، فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة برأيها.
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت: وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه قدم إلى محكمة الموضوع حوالات بنكية بالمبالغ المطالب بها، كما تمشك بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن تلك المبالغ كانت نظير التزام المطعون ضدهم بتوريد سيراميك إلى الشركة التي يمتلكها، غير أنهم لم يفوا بالتزامهم ولم يردوا المبالغ المحولة إليهم، فتكون ذمتهم مشغولة بها، وإذ قضى الحكم برفض الدعوى معتبرا أن الحوالة البنكية بذاتها لا تصلح سندا للمديونية، كما علل رفضه طلب الإحالة إلى التحقيق بأنه غير منتج في النزاع، وهو ما لا يصلح ردا على هذا الطلب، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث إن هذا النعي سديد؛ ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه إذا كان المدعي قد أثبت ظاهر حقه بأن قدم محرزا يحاج به المدعى عليه ويدل على قبض المبلغ المدعى به دون أن يتضمن ما يفيد أن هذا القبض وقع وفاء لالتزام سابق، فإن مؤدى ذلك هو انشغال ذمة المدعى عليه بهذا المبلغ وانتقال عبء الإثبات إليه وأن تلزمه المحكمة بالرد متى عجز عن إثبات براءة ذمته، وأن المادة 136 من القانون المدني وإن أوجبت أن يكون للالتزام سبب مشروع إلا أنها لم تشترط ذكر هذا السبب، كما أن المادة 137 تنص على أن كل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن له سببا مشروعا ما لم يقم الدليل على غير ذلك.
النقض تقرر: الحوالة البنكية تُعد دليلا على المديونية
وبحسب "المحكمة": ومن المقرر أيضا أنه إذا ادعى المنكر في الدعوى خلاف الظاهر فيها يقع عليه عبده إثبات ما يخالفه سواء كان مدعي أصلا في الدعوى أم مدعى عليه فيها. كما أنه من المقرر أيضا أن إثبات وجود الديون التجارية وانقضائها في علاقة المدين بالدائن الأصلي طليق من القيود التي وصفها الشارع لما عداها من الديون في المواد 60 حتى 63 من قانون الإثبات حتى لو انصرف الإثبات إلى ما يخالف ما هو ثابت بالكتابة، فيما عدا الحالات التي يوجب فيها القانون الإثبات بالكتابة في المواد التجارية وهو ما قلنته الفقرة الثانية من المادة 19 من قانون التجارة رقم 17 لسنة1999) بقولها (1) ..... 2- فيما عدا الحالات التي يوجب فيها القانون الإثبات بالكتابة في المواد التجارية يجوز في هذه المواد إثبات عكس ما اشتمل عليه دليل كتابي أو إثبات ما يجاوز هذا الدليل بكافة الطرق 3 ....)، وأنه وإن كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة الخصوم إلى ما يطلبونه من إحالة الدعوى للتحقيق إلا أنها ملزمة إذا رفضت هذا الطلب أن تبين في حكمها ما يسوغ رفضه.
ووفقا لـ"المحكمة": لما كان ذلك، وكان الطاعن قد طلب إلزام المطعون ضدهم بالمبالغ محل التداعي، وقدم سندا لذلك الحوالات البنكية الدالة على تحويل تلك المبالغ إليهم، وإذ قضى الحكم برفض الدعوى معتبرا أن الحوالات البنكية بذاتها لا تصلح سندا للمديونية، مع أنه بتقديمها يكون الطاعن قد أقام الدليل على انشغال ذمة المطعون ضدهم بالمبالغ المطالب بها، كما أنه وبعد تجريده تلك المحررات من حجيتها في إثبات المديونية، رفض الحكم دون مسوغ إجابة الطاعن إلى طلبه إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات تجارية العلاقة بينه والمطعون ضدهم باتفاقهم على توريد سيراميك من الشركة التي يعملون بها إلى أخرى يمتلكها الطاعن بالمملكة العربية السعودية، بيد أنهم لم يفوا بالتزامهم، ولم يردوا المبالغ المحولة إليهم نظير التوريد، بما يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والإخلال بحق الدفاع مما يوجب نقضه، على أن يكون مع النقض الإحالة.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف طنطا مأمورية كفر الشيخ، وألزمت المطعون ضدهم المصاريف، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.